الفصل الثاني

1.2K 23 5
                                    


ذات الــضفــــــــــيــــرتيـــــــــــــن

نشأت فى بيئة ريفية بسيطة ولكن كانت تملؤها الفرحة والحياة ؛ أذكر عندما كنت ألعب فى أرضنا الطيبة التى تنتشر فيها الخضرة والخير التى تجود به علينا ورائحة ترابها فى أنفي دائماً،لم أكن أفكر أبداً أن الفتاة ذات الضفيرتين الصغيرة ستكبر بهذه السرعة وستودع أرضها وجنتها وتتزوج ذات يوم!!

فقد تقدم لخطبتي شاب من معارفنا يقيم فى المدينة لم أكن أعرفه ولم أره من قبل ولكنه رأني ذات ليلة فى حفلة عُرْس بقريتنا وأعجبته ولم أكن أعلم أن فى هذه الليلة ستتغير حياتي ؛ وقد كان ، فقد تقدم للزواج مني وتركت بيت أبي فى عُرْس كبير أقامة لي فى قريتنا وبعدها ذهبت إلى المدينة فى بيت زوجي ، نعم المدينة حلم كل فتاة قروية ،ذهبت أعيش فيها ولم أكن أعلم بما يخبئه القدر لي فيها ! زوجي كان موظفاً حكومياً كان يستيقظ فى الساعة السابعة ، وكنت أستيقظ فى الساعة الخامسة والنصف لكي أذهب لأشتري الخبز والخضار والفطور طازجاً من السوق المجاور لنا، وكنت ألمع له حذائه كل يوم ، أما عن ملابسة فتكون نظيفة ومكوية تماماً ،كنت أفعل هذا كل يوم بدون كلل أو وملل لأنى كنت أفعله بحب من أجل زوجي إلى أن لاحظت أنه بدأ يستضعفني ويستخدم هذا ضدي ويستعبدنى ومع ذلك لم أتزمر أو أشتكي يوماً فكما رآيت أمي لم تشتكي من أبي فكان عليَّ أن أمشي على دربها.....

إلى أن أنجبت أبنتي الكبيرة وبعدها رزقنى الله بولدين كانوا قرة عيني فى الحياة ، إلى هنا وأظن أنني لم أتكلم عن مشكلتى ؟ التي بدأت مع تغير مازج زوجي فأصبح كل ما يقوله أو يريده مجرد أوامر ليست قابلة للنقاش أولها منعني من زيارة قريتنا حتى أنه منعني من زيارة أمي وهي مريضة إلى أن ماتت وذهبت لأحضر جنازتها مثل الغرباء من دون أسباب فقط من باب التحكم......

ليس لي العذر أبداً إذا قلت له أنني مريضة ولا أسطتيع أن أستيقظ فى الساعة الخامسة وأخرج فى الشارع لشراء الأفطار وإلا فسيكون مصيري الضرب والأهانة لأننى كما يقول جاموسة أشتراها من القرية .....

كل يوم كان لابد أن يكون الطعام طازجاً لا يأكل الطعام البائت أبداً وأذكر أخر مرة فعلتها ووضعت له طعاماً بائتاً أنه قام وأخذ القدر من المطبخ وسكبه وهو ساخن على رأسي مع علقة ساخنه لم أنسي ألمها إلى الآن إلى درجة أنني كل ما تمنيته وقتها لو بقيت طفلة إلى الأبد ولم أكُبر أبداً وأزوق العذاب الذى يسيقه لي زوجي كل يوم

ومن عادات زوجي أن أضع له فى طبقه الأرز بطريقة معينة ، فمثلاً لابد أن أسكب الأرز أولاً فى طبق صغير وبعدها أقلبه فى طبق أكبر وإلا يكون جزائي الضرب بحذائه القديم على رأسي الذى تعب من كثرة الضرب ولكن كنت أتحمل من أجل صغاري حتى لا يتشتتو من بعدي !؟ أتعرفون شيئاً !؟ إن ضربه لي لم يكن يألمني أكثر من رؤية أولادي لي عندما يضربني أبوهم أمام أعينهم وهم يبكون ويتوسلونه أن يتركني ولكنه كان يركلهم بقدمه وبشدة حتى أنه كسر ذارع أبنتي الصغيرة الوحيدة ،وقتها بكيت وبكيت ألاف المرات بالرغم أنني كنت أحاول أن أبدوا متماسكة أمام أبنائي حتى لا يحدث عندهم عقدة ، وكنت أنظر فى كل مرة إلى وجوههم البريئة وأتمني أن أعود مثلهم طفلة فقط ولكنها مجرد أمنيات فى خيالي بمجرد أن نظرت إلي أبنتي هذه المرة لم أتحمل أن أراها تتألم بسببي كان يصعب عليَّ تحمل هذا ، فإنفجرت باكية وأنا أركع عند قدميه أتوسله أن يتركهم ولا يؤذيهم ، قلت له أفعل بي ماشئت ولكن لا تؤذى صغاري فهم حياتي، في هذه الليلة لم يعرف النوم طريقاً إلى عينى وجلست فى غرفة أولادي أشاهدهم وهم نائمون كالملائكة كم هم أبرياء وجلست على ركبتيي وأخذت أقبُل يدي ابنتي المجبرة بالجبس الأبيض ورفعت يدي إلى الله أشكوه ضعفي وهو أعلم بحالي وقلت ياالله يا كبير يا مجير يا منصف المظلومين يارباه ليس ليَّ أحد سواك ألتجأ إليه فخذ بيدي ومدني بالصبر وتولى أمر من ظلمني......وفى اليوم التالي جائنى زوجي وطلب مني أن يأخذ ذهبي ليبيعه فسألته لماذا فنحن لا نمر بضائقة مالية والحمدلله فقال لي بالحرف الواحد وهل أتيتي بالذهب من بيت أبيكي لتسأليني ؟ ودفعنى على حائط الغرفة وأخذ الذهب وخرج من البيت وجلست شاردة بعينى التى لم تنزل من النظر إلى السماء إلا على صوت ابنتي وهي تقول لا تحزني يا ماما أنت كنت لا تلبيسه وكنت تخبئينه لأجلي وأنا لا أريده لأننى كل ما أريده هو أنت فقط فأخذتها فى حضني وكم تمنيت أن أعود كما كنت طفلة صغيرة بضفيرتين ، لم أعرف كم من الوقت مضي علينا إلا عندما دخل زوجي من باب البيت وهو يناديني لكي أجهز له العشاء ، وهناك أخبرنا أنه شارك صديقه فى محل لتصليح الأجهزة الكهربائية وبيعها ، ولهذا أخذ الذهب لكي يدفع له شراكته لكي يأجر صديقه المحل ويشترى البضاعة وبعد هذا اختفي صديقه ولم يعد يراه وكلما ذهب يسأل عليه فى منزله لا يجده لا هو ولا زوجته فذهب لكي يسأل عليه فى منزل أبو زوجته وهناك أخبرته زوجة صديقه أنه بعدما أخذ النقود منه تركها وتزوج بفتاة صغيرة بنقود الشراكة وهي الآن لا تعرف عنه شيئاً وبعد أن علم زوجي بهذه المصيبة عاد إلى البيت وكان متعب ولم ينادي من الباب كعادته ولم يطلب طعام أو أي شيئ وكان يشعر بضيق فى نفسه وتنميل جسده وبعدها فقد الوعي فطلبنا له سيارة الأسعاف وأخذته إلى المشفي وهناك بعد أن قاموا باللازم أخبروني أنه تعرض لجلطة فى رأسه وتسببت فى شلل له وجلس فى المشفي لمدة وبعدها عاد إلى البيت ولكن على كرسي متحرك كنت أنا من يقوم بخدمته بالكامل بدون كلل ووقفت معه فى محنته وكنت آخذه إلى المشفي للعلاج الطبيعي مرتين فى الأسبوع وكنت أقوم بعمل تمارين له كما علمني الطبيب لكي تسرع فى شفاؤه وكان ممنون مني فقلت الحمد الله أن هذه المحنة عادت علينا بحبه وحنانه وهذا يكفي.........

وظلت تمر بنا الأيام حتى مرت خمس سنوات على هذه الحادثة وتحسنت حالة زوجي وأصبح يمشي بالعكاز وخفت العلثمة فى كلامه ، ومن هنا تغير الحال وبدأ يعود كما كان رويداً رويداً فبدأ فى أعطاء الأوامر والتحكمات وعاد للشتائم والأهانة لي من جديد ولكن هذه المرة الأولاد كانوا كبروا ووقفوا أمامه ومع هذا كان لا يستحي منهم وبدال الضرب بالحذاء أصبح يضربني بالعكاز حتى أنه ذات مرة فتح رأسي وتسبب لي فى أرتجاج فى المخ وحجزت فى المشفي عشرة أيام وهناك جاء الطبيب ومعه الشرطة تستجوبني عن سبب هذا ولكنى قلت أنني أنزلقت قدمي فى الحمام ومرت هذه المرة من أجل أولادي وظلننا هكذا وهو كان يتلاشني ويحاول أن يبدوا لطيفاً معي ولكن على رأى المثل"طلوع الطبع بطلوع الروح".

وفي أحد الأيام كنت أشعر بألم فى جسدي فلا أخفي عليكم منذ أن ضربني زوجي على رأسي بالعكاز وأنا أصبحت لا أرى جيداً وأشعر بالتعب من أقل مجهود ولكن كان يجب أن أتحمل من أجل أولادي ، ولكن في هذا اليوم وكعادة كنت أضع له الأرز في طبق صغير وبعدها أقلبه فى أخر كبير كما يحب هو أخطأت ولم أفعل بطريقة جميلة كما يرغب دائماً فيديّ كانت ترتعش وعيني كانت زائغة وذهبت ووضعت له الطعام ووقفت أنتظر إذا كان يريد شيئاً أخر كنت أقف أمامه وفى الحقيقة كنت مثل الريشة التي إذا مرت بجانبها نسمة صغيرة من الهواء طارت معها وحلقت فى السماء، كنت هكذا ،زوجى نظر إلى الطبق الأرز وشاط من الغضب وأخذ يشتمني بأبشع الألفاظ وأنا كنت متسمرة مكاني لا أسطتيع التحرك من أمامه ليس خوفاً منه هذه المرة كما أفعل دائماً ، لا . بل لأنني كنت متعبة متعبة جداً ، عندما رأني لا أتحرك لأحضر له طبق غيره ظن أنني أسخر منه فقام وبكل قوته ودفع رأسي على الحائط وهنا خارت قواي كلها ولم أعد أتحمل فأخذوني إلى المشفي وهناك أخبروا الطبيب أننى وقعت من السلم ودخلت فى غيوببة إلى أن فارقت روحي الحياة وعادت تحلق فى سماء قريتنا وعدت مرة أخرى هذه الفتاة الصغيرة ذات الضفيرتين أعانق روح أمي بروحي ، وأشم رائحة أرضنا الطيبة النقية من جديد حتى أنني أصبحت لا أفارقها أبداً . لا أعرف لماذا فى هذا اليوم بالذات أخذت أعانق أولادي وأشم رائحتم لكي أشبع منها وأوصيهم على بعض ربما لأنني شعرت أن نهايتي أقتربت لا أعرف ! ولكن عرفت شيئاً من أبنتي فهى تأتي إلى قبري كل جمعة هي وأخوتها لزيارتي والتكلم معي فقد أخبرتني أن زوجي تزوج من بعدي بزوجة تضع له الطعام بارد ولا تستيقظ له فى الصباح ولا تطهو له الطعام كل يوم وأصبح يرتدي الملابس ليست نظيفة والمفاجأة أنها هي التى تضربه وتهينه...وهنا شعرت ببعض الراحة لأن الله يمهل ولا يهمل ..........


الرجاء التصويت بنجمه على الفصل....وعمل متابعة....فلووووووو..بليززززز

عندما يعجز الصمتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن