الفصل ٣٩

335 21 9
                                    

وصل شيفاي و روجته و والدته الي منزل رودرا صديقه حيث أصر عليه أن يقيم عنده تلك الفترة حتي تنتهي تلك الأزمة و يتمكن شيفاي من ايجاد بيت أخر يقيم فيه هو و عائلته. علي الرغم من أن شيفاي لم يقبل في البداية الا أن اصرار صديقه جعله يخضع له في النهاية و يوافق علي الاقامة معه. حيث يحتاج الكثير من الوقت حتي يتمكن من تنظيم حياته و ايجاد عمل ليستطيع الانفاق علي زوجته و والته طوال فترة بعدهم عم منزلهم. لقد أسم علي نه لن يعود الي ذلك المنزل الا وهو مرفوع الرأس و مسئول عن علئلته و محققا ما لم يستطع تحقيقه طوال تلك السنوات السابقة. من يصدق لأن ذلك الشاب المتعجرف و المغرور قد تغير بهذا الشكل. هذا الشخص الذي كان معتمدا بشكل كامل علي أموال والده غير المنتهية و ينفقها علي ملذاته و شهواته ها هو قد تخلي عن كل شيء في سبيل بدء حياة جديدة و مختلفة مع معشوقته التي سلبت منه عقله. لقد أصبح يتوه بمجرد النظر الي عينيها التي يشعر أمامهما أنه غريق تائها في محيط لا نهاية له. هذا الشاب الذي كانت جميع الفتيات تركع تحت قدميه ها هو الأن راكعا تحت قدمي حبيبته، هذا الذي كان ينظر للفتاة نظرة سلعة للببع و الشراء مقابل مبلغ من المال هل قد أصبح عاشقًا لفتاة قد من ينظر إليها البعض علي أنها ليست من مستوي هذا الشاب و لكن الحقيقة التي لا يمكن لأحد تجاهلها أنها هي من أسرته بسحر عينيها، طفولتها التي تحاول تعويضها مع من حولها، طيبتها و حبها و رفقها بالجميع. أصبح يحب كل شيء بها و مكتفي بها لا بغيرها حقًا أنها حبيبته، أنها أنيكا.
نزل كلًا من رودرا و شيفاي و عائلته و من سيارة؛ فحمل شيفاي والدته لتسعد الأخيرة بعودة ابنها المدلل إليها و اهتمامه بها علي الرغم من حزنها علي فراق الأخر، فهي لم تكن تصدق أنها اجتمعت بولديها لتبتعد عنهما مرة أخري. كان شيفاي يدرك ما يدور في قلب و عقل والدته و كان هو الآخر حزين لابتعاده عن أخيه و لكنه فعل ذلك رغمًا عنه. دخل شيفاي إلي الغرفة التي خصصت لوالدته و وضعها علي السرير لتستريح لتدخل أنيكا من وراءه و هي حاملة الكرسي المتحرك التي تجلس عليه والدة شيفاي بالعادة.
جلس الاثنان معها يطمئناها في المنزل الجديد لتشعر بألفة و راحة و أعدت أنيكا العشاء لها و قامت باطعامها و كان شيفاي جالسًا ينظر لهما و هو سعيد باهتمام زوجته الكبير بوالدته حامدًا ربه علي تلك النعمة التي رزقه بها. انتهت أنيكا من إطعام والدة شيفاي ثم جلست تقص عليها بعض الأحداث الاشبه بالقصص و الحكاية كأنها سيدة تقص حكايات ما قبل النوم علي اولادها حتي خلدت الأخيرة إلي النوم  فغطتها أنيكا جيدًا ثم رحلت مع شيفاي إلي الغرفة التي وجههما رودراإليها
رودرا:- دي بقي يا سيدي أوضتك أنت و مراتك هي مش منظمة ولا مترتبة أوي أنا عارف بس أن شاء الله تعجبكم و هترتاحوا فيها و لو ناقصكم اي حاجة أو احتاجتوا حاجة قولي و أنا اوفرلك كل اللي محتاجه متعلش الهم يعني
شيفاي:- ربنا يخليك يا رودي مش عارف من غيرك كنت هعمل إيه يا صاحبي أنت ساعدتني كتير و أنت ملكش ذنب في اللي بيحصل ده. معلش أنا بس ربنا يقدرني و افوق من اللي حصلي ده و بعدين هنزل أدور على شغل و بيت نسكن فيه يعني مش هطول عندك
رودرا:- أنت بتهزر يا شيفاي!! من امتي في بينا الكلام اللي بتقوله ده؟ يا سيدي اقعد معايا زي ماتحب أنا هكره يعني! مانا طول عمري عايش لوحدي محدش معايا و لا حد بييجي يزورني ولا رجله بتخطي عتبة البيت غيرك يعني ده أنا مبسوط أنك هتيجي تنورني و تونس وحدتي اصحي علي صوت ناس و انام و أنا حاسس أن ليا عيلة مانت عارف يا صاحبي من صغري و أنا لوحدي ماليش لا أب ولا أم يسألوا فيا.
احتضنه شيفاي بقوة معبرًا عن شكره له و امتنانه لمساعدته الذي لم يكف الأخير عن تقديمها إليه ليقول له
شيفاي:- ربنا يخليك ليا يا صاحبي و يخليني ارد و لو جزء بسيط من جمايلك عليا
رودرا:- ماتقلش كده مافيش بينا جمايل، اعتبر البيت بيتك أنا هسيبك دلوقتي عشان ترتاح أنت و مراتك و أنا خارج أجيب شوية حاجات ناقصة للبيت و بكرة الصبح نتجمع أن شاء الله علي الفطار نشوف هنعمل ايه.  يلا تصبحوا على خير.
شيفاي:- و أنت من أهله يا رودي
خرج رودرا من الغرفة واقترب شيفاي من أنيكا التي كانت تنظر للغرفة لتوجه بصرها إليه قائلة
أنيكا:- أنا هروح أغير هدومي و أجي اوضب شوية في الأوضة عشان نيجي ننام
و لكن امسكها شيفاي قبل أن ترحل لينظر لها مطولًا و لو يتفوه سوي بكلمة واحدة
شيفاي:- أنا آسف
اندهشت أنيكا و قالت له:-  بتعتذر علي إيه هو أنت عملت حاجة ولا كان حصل حاجة!!!
شيفاي:- قولي هو في حاجة متعملهاش ولا في حاجة محصلتش. أنتي من يوم ما دخلتي حياتي و أنتي بتنوريلي حياتي و أنا بضلمهالك و اقلبهالك غم من أول يوم جيتي ماشفتيش يوم واحد معايا كويس. عذبتك و ذلتك و اهنتك و خنتك و بصيت لغيرك و ظلمتك و حملتك ذنب غلطات ملكيش ذنب فيها. كنت سبب في مرضك و رقدتك علي السرير و انهيارك و تسميعك كلام من اللي يسوا و اللي مايسواش، من أول مدخلتي حياتي و أنتي مش بتعملي حاجة غير أنك بتساعديني، ساعدتني أمي الست الكبيرة الراقدة اللي محدش من كل الموجودين في البيت كان بيناولها بوء مياة رجعتيها تضحك و تتفائل و رجعتي لوشها نور كان مختفي بقاله سنين و أخويا خرجتيه من وحدته و رجعتيه للدنيا لما خلتيه يرجع يرسم كنتي واثقة فيه في وقت كان هو نفسه مش شايف حد واثق فيه ولا هو كان واثق في نفسه بس أنتي اللي عرفتيه طعم النجاح و الثقة و الضحكة و الاهتمام و أنا كنت بعمل إيه؟ كنت بشكك فيكي و بسمعك كلام زي السم و بشكك في اخلاقك اللي مافيش زيها و أختي مهمكيش أنها مش شقيقتي و قربتي منها و احتوتيها
و أنا عملت ايه؟ كنت علي طول بشخط فيكي و اخوفك عشان تبعدي عنها بس حصل العكس و قربتيني منها و نعيش اخوات حتي لو لكام يوم، سمحتي لابويا يشتريكي بالرخيص بس انتي فضلتي متفائلة و بتضحكي شفتيه ساكت عن كل اللي بعمله فيكي و مش بيتكلم عشان ذنب هو بس اللي عمله و عمرك مالمتيه ، دخلتك في عداوات مع واحدة  مابترحمش كل اللي بتعمله انها بتدبر مكايد و خطط و تخطط و تقتل و تعادي و تأذي، مافيش حاجة مؤذية إلا و عملتها فيكي بس أنتي قبلتي تدخلي الحرب اللي مالكيش دخل بيها دي و عمرك ماعترضتي ولا جيتي تحاسبيني، في عز مانا كنت بعمل كل حاجة تحطمك و توقعك كنتي أنتي بتعملي كل حاجة تحييني و تلومني، مش كفاية اللي شفتيه و أنتي صغيرة لاء كمان مش عاتقك و أنتي كبيرة. أنا عملت ايه عشان تدخلي حياتي و تشقلبيها كده يا أنيكا، أنتي نعمة كبيرة ربنا أنعم بيها عليا و أنا متستاهلش ضفرها حتي. معرفش حصل امتي و إزاي؟ بس أنتي بقيتي نوري و مصدر حياتي يا انيكا، الإنسان الطبيعي من غير أكل و لا شرب ولا نوم إلا أنا مقدرش أعيش من غير أنيكا، مستعد منامش في سبيل أني أفضل باصص عليكي و أنتي قدامي و مافيش لقمة تنزل بقي في سبيل أني ارتوي و أشبع من النظر ليكي، أنتي بقيتي حياتي و حبي و أهم حد في قلبي. سامحيني أني خليتك تشوفي كتير معايا و مع ذلك عمرك ما اعترضتي ولا اتمردتي ولا عاتبتي. أنا عارف انك كتير ضعفتي و أنا ماكنتش جنبك في حين أنتي كنتي بتقويني أنا، كنتي بتبقي دوايا لما أبقي مريض و منقذي و أنا بغرق و الدنيا كلها جاية عليا. مافيش كلمة قلتها ولا هقلها هتقدر توفيكي حقك. سامحيني يا أغلي حاجة في حياتي.
أدمعت عيني أنيكا من كلام شيفاي و من حديثه لتقترب منه و تمسك يديه و تقول
أنيكا:- ماتعتذرش يا شيفاي صدقني أنا مسامحاك من قبل ماتعتذر أو حتي كنت تقول الكلام ده كله صدقني، أنت فاكر أني لو كنت لسة زعلانة منك كنت هفضل معاك و لا كنت بعمل نمرة قدام أبويا لما كان بييجي يقلي هتمشي معايا، عاوزاك تفهم أني لو مش مقتنعة بالحاجة عمري مهعملها، أنا كنت عارفة و متأكدة أن وشك اللي علي طول كنت بتظهره قدامي ده كان قناع مش حقيقة، ماكنتش عارفة أشوف فيك الجانب الوحش علي قد ما شفت فيك جانب الطفل اللي لسة عنده ١٢ سنة و مجروح من الماضي فبيحاول يداريهم في كام حركة طايشة كده. انت عندي أحن و أرحم من أبويا اللي عمره حتي ماخدني في حضنه ولا حس أنه جاي عليا و محملني فوق طاقتي صدقني أنت أحسن واحد أنا قابلته في حياتي. أقلك تعالي نعتبر الفترة اللي فاتت دي كلها مكانتش موجودة في حياتنا أو كانت فترة تعارف بنعرف فيها بعض و بنقيم بعض كويس و اديها عدت ننسي اللي فات بقي و نركز في اللي جاي عشان التفكير في اللي فات مش هيجبلنا غير الألم و الدموع. أوعدك يا شيفاي طول ما ربنا لسة مديني عمر و في نفس داخل و خارج مني هفضل صايناك و مقدراك و شايلاك فوق راسي و أعمل كل الواجبات اللي ربنا كلفني بيها تجاهك و افديك بروحي لو اضطر الأمر كمان. هفضل جنبك طول مانا عايشة و هنعوض سوا كل الوحش اللي حصلنا في طفولتنا أنا بوعدك.
شيفاي و هو يحتضنها بقوة:- بحبك يا أنيكا، بحبك يا قدري
ابتسمت أنيكا و بادلته العناق و ظلا هكذا في أحضان بعضهما البعض ليرتويا بالحنان حتي ابتعدت أنيكا و استأذنت شيفاي في الذهاب لتغيير ملابسها ليعينها شيفاي في فتح الحقيبة و ترتيب الملابس في الخزانة و قام الاثنان بتغيير ملابسهما و ارتديا ملابس النوم لتتجه أنيكا إلي السرير لتنام و لكنها لاحظت وقوف شيفاي بعيدًا لتجده يأخذ غطاء متجهًا إلي إحدي المقاعد فأوقفته أنيكا قائلة
أنيكا:- أنت رايح فين؟
شيفاي:- هنام علي الكنبة
أنيكا:- ليه أن شاء الله، اتفضل تعالي هنا نام جنبي مافيش حاجة اسمها أنت تنام علي الكنبة و أنا علي السرير ده شيء مرفوض تمامًا من هنا و رايح هنام سوا
اندهش شيفاي من حديث أنيكا و شجاعتها و طلبها منه أن يتصرفا كزوجين حقيقيين ليظل ينظر إليها و عينيه متسعة لتيقظه أنيكا
أنيكا:- مالك باصصلي كده ليه؟! بقلك تعالي اتفضل نام علي السرير ولا تحب أجي اشيلك؟
شيفاي:- أنتي واعية للي بتقوليه؟ أنتي بجد عاوزاني جنبك
أنيكا:- أيوة يا شيفاي مالك في ايه، محسسني أني بقول كلام ميصحش ولا كأننا متجوزين؛ يلا تعالي
قام شيفاي و اتجه إلي السرير و هو متردد بعض الشيء فهذه هي المرة الأولي التي سيشارك فيها أنيكا نفس السرير ليستجمع قواه و يتسطح بجانبها لتنام أنيكا أما شيفاي فيظل ينظر لها يتأملها و هي نائمة حتي ذهب هو الآخر في النوم و ربما هذه هي المرة الأولي التي ينام بها براحة بعد عدة سنوات لو يستطع النوم بها.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

 ماذا يخبئ القدر؟حيث تعيش القصص. اكتشف الآن