الفصل ٤٨

294 15 6
                                    

كان شيفاي و أنيكا واقفان في الشرفة حيث كانت أنيكا أمام شيفاي و الأخير واقف خلفها واضع رأسه علي كتفيها و يديه حول حصرها لا يتكلمان، فقد ينظران إلي السماء يتأملها النجوم و لا أحد منهما يتحدث، استمرت هكذا حتي قطعت أنيكا هذا الصمت لتأخذ نفسًا عميقًا ثم تقول
أنيكا:- هنفضل ساكتين كده؟
شيفاي:- مممم، أنا مبسوط كده، حاسس اني مش عاوز اسمع أي صوت غير صوت نفسك و بس و معاه صوت البحر وسط هدوء الليل، عاوز أفضل في حضنك و أنتي في حضني باصين للسما و كأن مافيش غيرنا في الدنيا مستمتعين بالطبيعة و بكل حاجة ربنا خلقها علي الأرض. مش عاوز حاجة من الدنيا غيرك يا أنيكا. عاوز افتح يعني عليكي و اقفلها و أنتي آخر حاجة وقع عينيا عليها قبل مانام. عايزك في حضني علي طول عاوز احس اني أغني واحد في الدنيا، مش بالفلوس ولا البيوت و لا الأملاك أنا غني بيكي أنت و بوجودك في حياتي مش عاوز حاجة تانية يا حب عمري.
أنيكا بابتسامة:- و بعدين بقي؟ أروح فين من كلامك الحلو ده بس؟! مع أن أقلك حاجة، اللي يشوفك قبل كده ماتقلش أنك رومانسي خلاص ولا تعرف تقول كلمة واحدة حلوة
شيفاي و هو يرفع رأسه و يجعل أنيكا تستدير له:- عاوز تفهمك حاجة يا أنيكا، أنا ماكنتش موجود قبل كده، ماكنتش عايش قبل كده، ماكانش ليا اغبش عشانه ولا ازعل عليه ولا ابكي عشانه و لا أفكر في سعادته أو اربط سعادتي بيه. مانتي شفتي، أنا كنت مقاطع الناس كلها كأني ليا طار مع الدنيا كلها. أنيكا انا معرفتش اخلي نفسي سعيد تفتكري بقي كنت تسعد اللي حوليا إزاي؟ كنت واحد ليأتي نفسه إزاي بقي مش عاوزاه يأذي الناس؟ كنت بكره نفسي إزاي بقي عاوزاني أحب الناس؟ بس البركة فيكي علمتني أعمل كل اللي معرفتش اعمله و خلتيني بني آدم جديد. انا مش عارف اشكرك هي إيه ولا إيه كل مدي بتعملي حاجة تخليني عاجز قدامك أكتر من الأول آخرهم النهاردة. عملتي اللي مافيش واحد عرف يعمله رجعتيلي امي للدنيا، رجعتيها طفل صغير عنده ١٢ سنة كان بيسمع صوت امه و هي بتغنيله كل يوم بالليل. سنين و أنا بحلم باليوم ده اليوم اللي اسمع فيه امي بترجع تنده علي اسمي من تاني. انا خسرت أني زي النهاردة من ٢٠ سنة في حادثة خليتها مش متهنية بالتهم اللي ربنا انعم بيها عليها لا الكلام و لا المشي بس انتي حيتس في يوم و ليلة و رجعتيلي أمي ليا أو بالأحرى رجعتيها أنا ليها. دل أجمل هدية ممكن تجيلي في أكتر يوم كنت بكرهه بس دلوقتي مابقنش أحب قده، بحبه عشانك و بسببك و يا ريت لو أيام عمري كلها بقيت عبارة عن اليوم ده بس و كلكم حوليا.
لاحظ شيفاي حزن أنيكا و أن عينيها بدأت تدمع، ليرفع شيفاي رأسها و يسألها بقلق
شيفاي:- مالك يا أنيكا ليه الوش الحزين ده؟ 
أنيكا:- هو أنا إزاي اثرت في كل اللي حوليا ماعدا أبويا؟ هل ده طبيعي؟ يعني إزاي إنتوا حبتوني و هو لاء؟ مع اني واللهي حاولت يا شيفاي، حاولت ابقي البنت اللي يفتخر بيها و يتشرف بيها و يحبها. صدقني أنا كنت هعوضه عن الفقر و العيشة السودة اللي عاشها بس هو مدانيش فرصه. أنا مش عارفة ليه محبنيش؟ ليه مأثرنش فيه زي مانت بتقول أني أثرت في اللي حوليا؟ العيب فيا ولا فيه طيب؟ قلي يا شيفاي، إيه الحاجة اللي ممكن تخلي أب يكره بنته أوي كده؟
شيفاي:- اهدي يا انيكا، العيب و الحق مش عليكي أنتي، أصل الواحد مش ممكن يرضي الناس كلها و مش كل الناس نفس الطينة. متعاقبيش نفسك و متحمليش نفسك فوق طاقتها.
أنيكا:- أزاي متصلش بيا لحد دلوقتي يطمن عليا أنا عاملة إيه بعد ماخرجت من المستشفي؟ طب حتي لو بيكرهني إزاي مكلفش خاطره و جه يسأل عني في المستشفي و لو لمرة واحدة.
شيفاي:- أنيكا اهدي، عاوز أقلك حاجة و مش عارفة أتكلم و أنا شايفك تايهة و منهارة كده. اهدي. بصي يا أنيكا أوقات الحياة بتصدمنا بمفاجأتها و بحاجات منمتش عاملين حسابها، بتخلينا تايهين و مبنعرفش ننضؤف أو ناخد قرار أو حتي نصدق اللي سمعناه بس للأسف بتكون هي دي الحقيقة و لازم نتقبلها و نعيش معاها
أنيكا:- شيفاي هو في ايه؟ المقدمة الغريبة  اللي قلتها دي مطمنتنيش ولا هدتني دي قلقتني و وترتني أكتر. في إيه؟
شيفاي:- أنيكا في حاجة لازم اقلهالك و لو مقلتهالكيش هي أني بخدعك و أنا مش قادر أعيش مع الحمل ده. أنيكا أبوكي....
لم يستطع شيفاي اكمال كلامه بسبب رنين هاتفها بعتذر لأنيكا و يجيب علي الهاتف
شيفاي:- ألو
الشخص:- حضرتك أستاذ شيفاي أني السيد تيج
شيفاي:- للأسف أنا خير في حاجة
الشخص:- أنا دكتور ... كنت بكلم حضرتك عشان ابلغك بكل أسف أن السيد تيج عمل حادثة خطيرة و هو دلوقتي في الرعاية المركزة بين الحياة و الموت
انصدم شيفاي و وقع الهاتف من يديه و سقط ارضًا لتقترب منه أنيكا و تمسك وجهه و هي خائفة
أنيكا:- شيفاي مالك في إيه؟ مين اللي كان بيكلمك؟ في إيه رد عليا
شيفاي:- أنيكا، ابويا يا انيكا، أبويا بيموت.
لم ينتظر أنيكا ليسمع ما يقوله حيث قام سريعًا و أخذت يركض اصطدم بأون الذي تفاجأ بحالة شيفاي ليوقفه و يسأله بقلق
أوم:- مالك يا شيفاي بتجري كده ليه و إيه حالتك دي؟
شيفاي:- ابونا يا أوم ابونا بيموت
لينصدم الجميع عند سماعهم حديث شيفاي حتي بينكي التي أدمعت عينيها لتركض إليها جوري و بريانكا ليهدأها و وقفت أنيكا مكانها ليلتفت لبافيا التي أصبحت في حالة صدمة عند سماعها الخبر انه مش ببعض الكلمات غير واعية لكن حولها و كأن الوقت توقف عند تلك اللحظة. اقتربت أنيكا من بافيا و احتضنتها و هي تهدئها مدعية أن والدها سيكون بخير ز لكن تلك الكلمات لم تكن كافية لتهدئة بافيا فقد استغلت وجود أنيكا بجانبها و معانقتها لها لتنفجر في البكاء و تخرج ما في قلبها و هي تصرخ باسم والدها. ليقوم شيفاي و يقترب من اخته و يهدئها بتقول له وسط بكائها
بافيا:- شيفاي خدني عند أبويا، أبوس ايدك يا شيفاي خدني عنده
شيفاي:- حاضر يا حبيبتي حاضر اهدي و أنا هكلم كل اللي امتي عاوزاه
ليمسح دموعها و يعينها علي الوقوف ثم نظر لأنيكا قائلًا
شيفاي:- أنيكا أنا هروح علي المستشفي و هاخد أوم و بافيا معايا خليكي أنتي هنا مع ماما متسيبيهاش
أنيكا:- ماينفعش اسيبك يا شيفاي لازم ابقي جنبك
شيفاي:- ماينفعش يا أنيكا نسيب ماما لوحدها لازم  يبقي معاها حد و لو خدتك معايا و سبت جوري و بريانكا مش هيعرفوا يوقفوها خليكي أنتي أحسن و أنا هبقي اكلمك اطمنك لو حصل اي جديد.
رحل شيفاي و معه أوم و بافيا بينما ظلت أنيكا مع أصدقائها في المنزل ثم اقتربت من بينكي لتهدئتها و لتجعلها تصعد علي غرفتها
وصلت بينكي إلي الغرفة و كانت أنيكا ستشاعدها لتتسطح علي السرير و لكن بينكي اوقفتها و أخذ تتقدم بالكرسي المتحرك حتي وضلت إلي الشباك و هي تنظر للسماء و تبكي. اقتربت أنيكا منها و وضعت يدها علي كتفها لتهدئتها باسمه بينكي تقول
بينكي ببطاء مختلط بصدمة:- عمري ما تخيلت أني هحكي لحد عنه، عمري مافتكرت أني لسة هيبقي عندي فرصة أني اتكلم و اجيب في سيرته. عمري ما تخيلت أن ده هيبقي شعوري بعد اللي عمله فيا زمان. واحدة غيري المفروض تفرح و تقول اهو ربنا انتقم و جابلي حقي بس لاء مش ده اللي حصل. و في الحقيقة أنا مستغربة أنا متوقعتش أني بعد ما ربنا يساعدني و ينعم عليا بنعمة الكلام مرة تانية أول حاجة حاجة هحب اتكلم فيها تبقي قصتي أنا و جوزي اللي خاني و داس عليا. ساعات كتير يا أنيكا أنا ببص عليكي أنتي و شيفاي أفتكر نفسي أنا و تيج أصله كان بيحبني زي ما شيفاي بيحبك كده دلوقتي، كنت أنا النور بتاعه، كان بيقولي كلام رومانسي كتير يخليني أحس أن قصتنا مبقاش فيه زيها دلوقتي زي قصص زمان دي اللي بنشوفها اوفر دلوقتي. فضلنا كده و أنا فاكرة إن الدنيا بتضحكلي و علي طول القدر في صالحي لحد اليوم المشئوم ما جه و خد كل حاجة كنت بمتلكها. خد مني جوزي و ولادي و شبابي و صوتي و خلاني زي مانتي شايفة ست عاجزة مش عارفة تجيب كوباية ماية لنفسها حتي بعد ما كنت ست البيت بقيت قال في أوضة الخدمتين مقعدهمش فيها بين ٤ حيطان حتي نور الشمس اللي مش دافعين حقه من جيبهم كانوا مانعين أنه يوصلي و هو كان شايف كل ده و ساكت. تخيلي أن طول السنين اللي فاتت مكلفش خاطره ييجي يزورني و لو حتي مرة واحدة. ٢٠ سنة ماشفتهوش مفتكرش حتي يعرف أنا بعد السنين دي كلها لسة عايشة ولا لاء، باكل كويس؟ بشرب كويس؟ بنام كويس؟ مترددش للحظة أنه ينيم جنيه في أوضة و علي سريري واحدة تانية، قدر تتأقلم علي الوضع بسرعة، قدر يخلف عادي، قدر يشم ريحة غير ريحتي عادي، كل حاجة اعملها عادي و أنا ماكنتش في حساباته. مش مفروض يبقي ليا حق أكرهه يا أنيكا يعد كل اللي عمله فيا ده؟ مش المفروض اركع دلوقتي و اشكر ربما أنه جابلي حقي بعد كل السنين دي؟ اقل حاجة أني احس ان حقي رجع. طب أنا ليه مش مبسوطة دلوقتي؟ يا تري أنا بعيط ليه؟ عشان هو بين الحياة و الموت ولا عشان ده كله حصل يوم عيد ميلاد ابني و هيخليه يرجع يكرهه تاني زي الأول و رافض الاحتفال بيه ز برضه بسبب أبوه. لسه أنا مش فرحانة باللي حصل يا أنيكا؟ ليه السنين اللي فاتت دي كلها مدعتش علي تيج دعوة واحدة اشفي بيها غليلي. ليه دموعي بتنزل دلوقتي؟ ليه قلقانة و حاسة أني عاوزة اروح اشوفه؟ ليه قلبي واكلني عليه؟ ليه عاوزة تشاركه وقته الصعب مع انه مكانش موجود في وقتي الصعب؟ ليه عاوزة ربنا يرجعني امشي عشان اجري علي المستشفي اروحله و اطمن عليه؟ ليه يا أنيكا حاسة بكده؟
أنيكا ببكاء:- عشان أنتي اصيلة يا مادام بينكي، حبيتي بجد و عرفني إزاي تصوني اللي بتحبيه طول السنين ديه، عشان مافيش حب كبير بيتحول لكره مهما مر من وقت أن كانت ايام ولا سنين حتي. عشان العشرة مبتمرش إلا علي ولاد الحرام. عارفة أنا متأكدة أن جومان م هتكون زعلانة علي عمو تيج ربع زعلك عليه عشان هي مبحبش أصلًا و لو حبيت حاجة في الدنيا دي هتبقي الفلوس بس. هي معرفتش تحب بنتها ولا جوزها. هي مش أنتي و أنتي مش هي. مش هو فضلها عليكي و دلع و صرف و خلف و فضلها عليكي و كل اللي قلتيه ده بس هتلاقيها مبتنزلش دمعة واحدة قصاد كل اادموع اللي بتنزليها دلوقتي. بس انتي اطمني اللي عاوزه ربنا هيكون و أن شاء الله استاذ تيج خيثوم بالسلامة جاي و تكون فرصة ليه عشان يصحح كل الغلط اللي عمله في الماضي. ربنا رحيم جدًا و بيدي فرص و هو لو شايف انه لسة ليه عمر علي الأرض و عاوز يديه فرصة هيرجعهلنا و محدش هيعارض إرادته. لتجلس علي ربنا و بس.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

 ماذا يخبئ القدر؟حيث تعيش القصص. اكتشف الآن