٢. رحلة صيد

54 3 0
                                    



أغمضت يوتانا عينيها وهي تتنفس بعمق وهدوء.. سمعت أصواتاً مختلفة حولها، لكنها تجاهلتها وهي تركز تفكيرها على ذلك الأرنب الذي نظر إليها من فتحة جحره القريبة بتوجس منتظراً أي إشارة تدله على نواياها لاصطياده.. ولما فتحت يوتانا عينيها، بعد بعض التركيز، لمحت جوانب الجحر الترابي الذي تقف عند مدخله، تغطيه مجموعة من الحشائش الطويلة، ومن بينها رأت على بعد عدة أمتار جسدها راكعاً بصمت وقربه عددٌ من الرجال ينتظرون بصمتٍ مماثل..

أدارت يوتانا رأس الأرنب وركضت برشاقة وسرعة مخترقة الحشائش نحو هدفٍ تعرفه جيداً.. تسللت دون أن تثير الانتباه حتى رأت تلك الأرجل الطويلة لوعلٍ بري خفض رأسه يقتات على الحشائش العالية دون أن يفزع لاقتراب الأرنب منه.. وقف الأرنب في موقعه ونظرت يوتانا عبر عينيه لجانبٍ من الأرض المنبسطة حيث انتصبت عدة أشجار متراصة مكونة بقعة مظلمة يسهل على الصيادين الاختفاء وسطها بعيداً عن عيني الطريدة.. لم تكن رؤية الوعل ممكنة من ذلك الجانب، لكن يوتانا التي استطاعت تحديد موقعه بواسطة الأرنب وقاست المسافة التي تفصل بينه وبين الأشجار تلك، عادت لجسدها في تلك  الوهلة وهي تقول لشخصٍ يقف قريباً منها "إنه يبعد عنا مسافة مائة متر.. انحرف بسهمك تجاه الشمال قليلاً واستخدم قواك في شدّ الوتر لنهايته كي تضمن أن يصل السهم إلى موقع الوعل.."

نفّذ الرجل ما قالته وهو يستنفر قواه لشد الوتر بأقوى ما يملك، ثم أطلق سهمه الذي اخترق الهواء بصفير خافت متجاوزاً الأمتار التي تفصل بين الصياد وبين طريدته.. أطلق الوعل صيحة متألمة عندما أصابه السهم في فخذه، وانتفض قافزاً من موقعه.. لكن عدة سهامٍ أطلقها الرجال قد انطلقت نحوه قبل أن يبادر بالفرار فأصابته إصاباتٍ شتى قبل أن يصيبه آخرها في عنقه إصابة مميتة.. عندها سقط الوعل أرضاً بصوتٍ مكتوم ودماءه تتصبب على الحشائش التي تغطي الأرض بكثافة..

تعالى صياحٌ مبتهج من جانب الأشجار الكثيفة التي شكلت غطاءً لفرقة الصيادين تلك، وصاح أحد الرجال بابتهاج "لقد أصبته بضربة قاضية.. أرأيتم ذلك؟"

علقت يوتانا وهي تنهض واقفة "صوتك سيُخلي المنطقة من جميع الطرائد يا بيسك.."

قال إيّان القريب بابتسامة "وبيسك لا يختلف عنك يا يوتانا في هذا الأمر.. أم أنكِ نسيتِ؟.."

قالت يوتانا ببساطة "كان هذا في صغري.. الآن لا يمكنني أن أرتكب مثل هذا الخطأ.."

لم يعلق إيّان على قولها وهو مدركٌ أن يوتانا وهي في السابعة عشر من عمرها ذات عقلٍ أرجح من الطفلة التي لم تتعدّ سنوات طفولتها بعد.. وفي الآن ذاته تجاهلهما بيسك وهو يركض نحو الوعل الذي انتفض نفضة أخيرة قبل أن يسكن تماماً.. كان بيسك مقارباً لإيّان في العمر والهيئة، وهما رفيقان منذ وعت أعينهما على هذه الأرض.. الفارق الوحيد بينهما طبيعة إيّان المهذبة وعلى النقيض انفعالات بيسك الدائمة..

العين الثالثةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن