١١. ذوي الفراء

34 3 0
                                    



رغم انشغال إيّان بالتدريب على استخدام عينه الثالثة كما تفعل يوتانا وشاسار مستعيناً بخبرة الأخير، إلا أن اليومين التاليين مرا كالدهر عليه.. كثيراً ما أظهر تملله ونفاذ صبره كلما دار حديثٌ بينه وبين شاسار.. وطالما تذمر بصوتٍ عالٍ بشكلٍ أظهره كالطفل الذي أجبر على القيام بمهمةٍ لا يريدها.. مما حدا بيوتانا لتقول له وهم يسيرون قرب جرفٍ صخري يطل على البحر الشاسع خلفه "ألم تكتفِ من التذمر؟.. لقد فهمنا أنك تبغض هذه الرحلة، وتبغض شاسار من أعماق قلبك.. فلا داعي لترديد هذا الأمر كل لحظة.."

قال إيّان باستياء "لأنني حتى الآن لم أحصل على أي أجوبةٍ شافية لما أسأله عنه.. فمن يمكنه لومي؟"

فقال شاسار "لكني لم أتردد في شرح الموضوع لكما كاملاً في ذلك الكهف.. ألم يكن كل ذلك كافياً؟"

أسرع إيّان يقول "ما زلنا نجهل سبب رحيلنا معك عميقاً في هذه الأرض التي تستعمرها الغيلان.. وأنت تتجاهل أسئلتي وتقابلها بصمتٍ تام يثير توجسي.. فمتى ستتعطف عليّ بالإجابة؟"

قال شاسار "ليس الآن.. بقي يومان أو أقل ونصل وجهتنا.. كونا صبورين.."

تساءل إيّان باستياء "وما سبب هذا الغموض؟.. كيف تتأكد أننا سنصل خلال هذه المدة بالضبط؟.."

أجاب شاسار "لقد توفي أبي قبل عامٍ ونصف، فما الذي تظنني قد فعلته طوال ذلك الوقت؟.. لم أجلس واضعاً يدي على خدي بالتأكيد.. بل سعيت للتحقق من كافة الأمور التي قد تواجهنا قبل بدء هذه الرحلة.."

لم تهتم يوتانا لحديثه عن المهمة قدر اهتمامها بحياته تلك المدة، فغمغمت رافعة حاجبيها "هل ظللت وحيداً في القلعة طوال تلك الأشهر؟"

ألقى شاسار نظرةً سريعة عليها ملاحظاً نبرة الإشفاق في صوتها، ثم قال "بالطبع.. ماذا ظننتِ؟.."

شعر بشيء من الاستياء لتلك النبرة ولنظرة عينيها المشفقة.. لم يكن يتمنى هذا الأمر منها.. سيجعله هذا يشك دوماً إن كان انصياعها لوعدها له من باب الإشفاق ليس إلا.. وهذا ما لن يعجبه بالتأكيد.. هو موقنٌ أنه غصبها لتمنحه ذاك الوعد مهدداً إياها بشقيقها، لكن أن تكون معه وهي كارهةٌ له أفضل بالنسبة له من أن تكون مشفقةً عليه..

اعترض إيّان حديثهما قائلاً "لا شأن لنا بما جرى لك فيما مضى.. المهم أن تكون واثقاً مما تدفعنا إليه، وأن نعود بأسرع ما يمكن لأرض الملاذ.."

قال شاسار بنبرةٍ واثقة "سنفعل ذلك.."

وصمت بشكلٍ تام وهو يجدّ السير قرب ذلك الجرف وكأنه يقطع حواراً لا يريد له أن يستمر.. انشغل كلٌ منهم بأفكاره الخاصة والصمت يسودهم لبعض الوقت.. شاسار يتذكر تلك الأشهر التي أمضاها وحيداً في القلعة الخاوية.. لكنه للدهشة لم يشعر بالوحدة كما قد يتوقع المرء، فهو قد عاش في وحدةٍ مشابهة طوال سني عمره.. وحماسه لتنفيذ ذلك المخطط الذي رسمه للخلاص من قيوده كان أكبر من أي وحشةٍ قد تحيط به.. خاصة أن غياب إيشاك قد منحه الحرية الكاملة لتنفيذ خططه دون اعتراضٍ منه كما كان يفعل طوال حياته..

العين الثالثةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن