٦. نحو أفقٍ مجهول

29 3 0
                                    



عندما اندفعت زيهار لتفتح باب منزلها إثر الطرقات التي تعالت على شيءٍ من الاستحياء، بعد ليلةٍ طويلة قضتها مسهدة قرب ديرام بانتظار عودة ابنيها، فإنها فوجئت برؤية بيسك يقف عند الباب يفرك شعر رأسه الطويل بتردد.. ولما لمح زيهار تنظر له بحاجبين ارتفعا بدهشة، قال محاولاً الابتسام "أأنت بخير؟.. أتيت للاطمئنان عليك فور وصولي للقرية مع بقية الرجال.. الحمدلله أنك بأفضل حالٍ كما يبدو.."

نظرت زيهار خلفه للحظة، ثم تساءلت "ولمَ أنت وحيد؟.. أين البقية؟"

أشار بيسك خلفاً قائلاً "إنهم في ساحة القرية.. لابد أن المجهود الذي بذلناه قد أرهقهم، وبعض الراحة مطلوبةٌ بعد كل ما جرى.."

قطبت زيهار لمناورة بيسك الواضحة، فقالت "أنت تعلم من أعني بسؤالي هذا.. أين يوتانا وإيّان؟.. لمَ لمْ يعودا للمنزل؟"

نظر بيسك جانباً بحرج واضح وهو يحك عنقه من الخلف، عندها ارتفع صوت زيهار بحنق سائلة "أين هما يا بيسك؟.."

لاحظ بيسك اقتراب ديرام خلف زيهار، فلم يجد بداً من أن يقول خافضاً رأسه "لم نعثر لهما على أثر.."

ضمّت زيهار قبضة يدها عند صدرها بصدمة، بينما تساءل ديرام "ماذا تعني؟.. ألم تعثروا لإيّان على أثر في القلعة؟.. وماذا عن يوتانا؟.. كانت معك منذ البداية وحتى استعادتكم زيهار.. فأين اختفت بعدها؟"

دار بيسك ببصره في كل الجوانب وهو لا يدري كيف يتنصل من الثورة القادمة لا محالة، ثم قال محرجاً "لقد اختفت فجأة.."

اندفعت زيهار إليه وجذبته من معطفه وهزته بأقوى ما تملك وهي تصرخ "ماذا تعني بهذا؟"

اضطر بيسك للانحناء بسبب جذبها له لقصرها مقابل طوله، ونظر بتوتر نحو ديرام القريب خشية أن يحاول التهجم عليه بدوره، فيما استمرت زيهار بصياحها الغاضب "كيف اختفت وقد كانت بين ثمانية رجالٍ أشداء؟.. كيف اختفت وقد أوصيتك أن تعيدها للقرية؟.. كيف حدث هذا يا بيسك؟"

جذب ديرام زيهار بعيداً عن الشاب المحرج، وقال لها "لن نفهم أمراً لو استسلمنا لهذه العصبية يا زيهار.. فأطلقي سراحه.."

تراجعت زيهار مرغمة وهي تقول بصوتٍ به رجفةٌ خفيفة "لكني فقدت ابنيّ في يومٍ واحد.. فقدتهما دون أن أعرف سبب ذلك.."

لم يعلق ديرام وهو يشير لبيسك لينضمّ إليهما في دفء منزلهما حتى يتمكنوا من مناقشة الأمر بهدوء.. دخل بيسك خالعاً حذاءه الملطخ بالطين قرب الباب، وجلس على الأريكة وسط المنزل ينتظر استجواب ديرام وزوجته له.. وكان للدفء الذي غمر المنزل من المدفئة القريبة تأثيراً معاكساً على بيسك الذي شعر بالعرق يتصبب من جانبي وجهه وعنقه لهذه المواجهة التي كانت أسوأ بالنسبة له من مواجهة الحيوانات الثائرة.. كان بالفعل يشعر بالذنب لما جرى ليوتانا، لأنها كانت معه وقد تعهد لزيهار بإعادتها للقرية مهما كانت الظروف.. ربما لم يكن له يدٌ في اختفاء إيّان الذي قرر الرحيل خلف الحدود المحظورة دون أن يستشيره رغم الصداقة الطويلة بينهما، لكن اختفاء يوتانا كان خطؤه هو بالأساس أكثر من أي شخصٍ آخر.. وبينما تحمّل رفاقه مهمة إبلاغ العمدة باختفاء إبنه حورا الذي لم يعثروا لجسده على أثر، فإن مواجهة زيهار كانت من نصيبه هو..

العين الثالثةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن