فتح إيّان عينيه ببطء ليرى أول ما رأى ملامح الكهف المظلم من حوله والنار التي ترسل ضوءاً خافتاً ينير الجدران الصخرية.. شعر بألمٍ فظيع في أطرافه وصداعٍ عاتٍ يعصف برأسه.. حاول الاعتدال جالساً وعشرات الأسئلة تتزاحم في عقله فور أن بدأت أفكاره تصفو بعد الغيبوبة الطويلة التي كان بها، عندما شعر بحركة مفاجئة قريبة منه.. التفت جانباً بتوتر بالغ وقد عاد لذهنه حقيقة موقفه والمكان الذي هو فيه.. لكن توتره انقلب دهشة وذهولاً بالغين لرؤية يوتانا التي هبّت نحوه وركعت قربه بملامح تنطق بسعادة بالغة.. فاعتنقته بقوة وهي تقول بانفعالٍ جارف "أأنت بخير يا أخي؟.. قلقت عليك فقد طالت غيبوبتك يوماً كاملاً.."عندما شعر بيوتانا تحيطه بذراعيها، تيقن إيّان أنه لا يحلم وأنها ماثلةٌ أمامه حقاً.. فتساءل وهو يلمس كتفها "ما الذي جرى؟.. كيف وصلتِ خلفي بهذه السرعة؟"
نظرت له بتأنيب قائلة "بل ما الذي جاء بك لهذا المكان؟.. وكيف استطعت أن تحتل جسد أحد الغيلان ولماذا؟.."
نظر لها إيّان مبهوتاً، ثم قال باستنكار "أنا احتللت جسد غول؟"
أتاه صوتٌ قريب يقول "هل تحاول إقناعنا أنك فعلت ذلك دون أن تدري؟"
التفت بسرعة لذلك الجانب فرأى شاسار جالساً قرب النار ينظر له بصمت بانتظار جوابه.. بدت الصدمة والارتياع واضحين على ملامح إيّان، وسرعان ما اعتدل جالساً وقال بعبوس "ما الذي تفعله هنا؟"
لم يجب شاسار هذا السؤال، فيما التفت إىّان ليوتانا سائلاً بعصبية "ما الذي جاء بهذا الرجل؟.. ولمَ أنتِ برفقته؟"
قلبت يوتانا بصرها بين الرجلين وهي مدركةٌ أن إىّان لا يستلطف شاسار بسبب ما جرى سابقاً مع أمهما.. فعلقت قائلة "لولا شاسار لما تمكنت من الوصول إليك يا أخي.."
قال إيّان بعصبية أكبر "أتعنين أنك تبِعتِه طائعة؟.. لم أعهدك بهذا الجنون.."
قاطع شاسار جدال إيّان متسائلاً بصوت حازم "الأهم من جنون شقيقتك وعصبيتك هذه، أن تخبرنا بما جرى لك.. كيف تمكنت من الإفلات من الغيلان حتى هذه اللحظات؟.. وكيف استطعت أن تتسلل لجسد أحدها وأنت دون عينٍ ثالثة كما يعرف عنك الجميع؟"
كان إيّان يوشك على الثورة من جديد، لكن عندما تذكر ما جرى له سابقاً، بدأت ثورته تخبو والحيرة تحلّ محلها حتى تبدّت على ملامحه.. ونظر ليوتانا التي تنظر له بدورها باهتمام قائلاً "لستُ أدري ما جرى.. تلك الفترة تبدو ضبابيّة مبهمة في ذاكرتي.. وبعدها كنت كمن غاب عنه الوعي وعاش حلماً طويلاً لا يذكر منه شيئاً بعد استيقاظه.."
قال شاسار بإصرار "أخبرنا بأي شيء ولو كان مبهماً.."
نظر إيّان للأرض محاولاً أن يستحثّ ذاكرته على استعادة تلك الذكرى، ثم قال بتردد "آخر ما أذكره هو رؤيتي لما جرى لهذا العالم.. عندما قابلتُ أول غولٍ في هذا الجانب من الجبال، وفوجئت به يهاجمني دون هوادة، حاولت أن أتفاداه قدر استطاعتي.. لم أتمكن من استخدام سهامي فقوسي كان بعيداً في ذلك الوقت، وخنجري الذي حاولت إصابة ذراعه به كتهديد كان عديم النفع.. عندما أسقطني الغول أرضاً وخنجري يسقط بعيداً عن متناول يدي، وعندما سقط فوقي فاغراً فاه ذا الرائحة الكريهة، كنت أنظر لأسنانه الدامية بذعر وأنا لا أدري ما يُراد بي في تلك اللحظات.. كنتُ أدرك أن ما يربض فوقي لم يكن بشريّاً قط.. لكن ما أعرفه أن الغيلان مجرد أساطير ترددها شعوب أرض الملاذ دون مصدرٍ حقيقي.. ولما رأيته يهجم عليّ محاولاً التهام جزء من عنقي، شعرتُ أنني يجب أن أفعل شيئاً.. يجب أن أبعد هذا الكائن عني.. يجب أن أسيطر عليه قبل أن يلتهمني بعيداً عن أهلي وعن أرض الملاذ حيث لن يدرك أحدٌ قط مصيري.. في تلك اللحظات شعرت بحرارةٍ شديدة تحتشد في رأسي وعينيّ وأنا أنظر لرأس ذلك الكائن.. وفي اللحظة التالية، وجدت أنني مغيّب العقل، في مكانٍ أسود لا أرى منه بصيص ضوء.."
أنت تقرأ
العين الثالثة
Fantasíaالعين الثالثة.. هل هي عينٌ حقيقية؟ هل هي قدرةٌ خاصة؟.. أم هي نقمة؟.. في هذا العالم المعزول عما سواه.. وبين هؤلاء البشر الذين لا يعلمون تاريخهم.. ولا يعلمون ما يراد لهم.. هل تغدو العين الثالثة منفذاً للكشف عما يحيط هم؟.. وأخيراً.. لمَ اكتسبت (أرض الم...