١٥. الغول الأول

28 3 0
                                    



سار شاسار يجرّ قدميه عبر طرقات القرية وهو ينظر يميناً ويساراً بصمت.. كان عليه التصرف بسرعة قبل أن يفقد قدرته على التحكم بهذا الغول.. لم يكن الإنهاك راجعاً لاحتلاله الغيلان، بل لتكرار هذه العملية عدة مرات في يومٍ واحد.. لقد احتل جسد ذلك الشاب لعدة أيام منذ التقى يوتانا، لكنه لم يشعر بالإرهاق قط لأنه حافظ على نشاطه ولم يحاول إرهاق نفسه فوق طاقته..

وجّه نفسه نحو منزل العرافة ليبدأ البحث فيه متجاهلاً الضرب القوي الذي تعالى من جهة بوابة السور.. كان المنزل خالياً بالفعل كما أخبره إيّان، لكن شاسار لم يستسلم بسهولة.. بحث في المنازل المحيطة بمنزل العرافة، ثم ساق نفسه مرغماً نحو الحقول القريبة وحظائر الحيوانات لعلّه يجدها مندسّة بينها عن الغيلان.. لو كانت يوتانا قد قتلت بالفعل، لوجد آثار جسدها على الأقل في موقعٍ ما من القرية.. من المحال أن يكون الغيلان قد تمكنوا من إخفاء آثارها كليةً، خاصةً أنه وجد بعضاً من أجساد القرويين الذين لم يتحولوا لغيلان قبل موتهم وقد نهشهم الآخرون دون ترفق وبقيت أجسادهم شاهدةً على ما جرى لهم.. فما الذي جرى ليوتانا؟!..

عندما شعر بإرهاقه يزداد، كفّ عن البحث للحظات ورفع صوته منادياً يوتانا عدة مرات بين المنازل.. لم يستسلم للصمت الذي جاوبه واستمر بندائه وهو يتنقل من طريقٍ لآخر بحثاً عنها.. لكن ما جاوبه كان صياحاً اندلع من جانب القرية وعويلاً يختلف عن الصراخ السابق للقرويين.. استدار شاسار بتوجس ينظر لذلك الاتجاه، فلم يفته رؤية الدخان الذي بدأ يتصاعد من أحد المنازل، ولمح رجلاً يتلوى أرضاً وقد التهمت النيران جزءاً من ملابسه دون أن يتحرك البقية لمعاونته بأي شكل.. لاحظ بعدها عدداً من السهام المشتعلة تتطاير في السماء وتسقط أرضاً متفرقةً لتصيب أسطح المنازل القريبة من السور وبعض الغيلان فتسرع النيران لالتهام كل ما تطاله وهي تجد الموقع مهيئاً لاستقبالها..

أدرك عندها أن المحاربين قد بدؤوا بحرق القرية بمن فيها، ولا يبدو أن أمره وأمر يوتانا يهم أحداً منهم.. لمح القرويين الذين أصبحوا غيلاناً يتدافعون من طرقات القرية نحو الجانب الآخر البعيد عن النيران، ووجد عدداً منهم يرتطم به حتى كاد يسقط بين الأقدام ولو حدث ذلك فسيجد نفسه مضطراً لمغادرة جسد الغول المهشم..

اضطر شاسار للركض مع الراكضين وهو يدفع نفسه جانباً بعيداً عن هياجهم، ولما سقط جانباً قرب أحد المنازل، شعر بدقات قلبه تتزايد وبرجفةٍ شديدة تعتري ذراعي الغول وساقيه.. بدأ يجد صعوبةً في تحريك جسده، وبدأ وعيه ينساب منه وغشاوةٌ تغطي عينيه.. كانت ردة فعل جسده على الإنهاك الذي مرّ به قد حدثت في أسوأ الأوقات الممكنة.. فلو غامر بمغادرة جسد الغول فقد تهجم عليه بقية الغيلان متناسيةً النيران التي تلاحقها.. ولو صمد في هذا الجسد وقتاً أطول فقد يفقد وعيه ويبقى جسد الغول وسط النيران حتى يحترق فيقضي شاسار نحبه معه.. فما الخيار الأفضل بالنسبة له الآن؟..

العين الثالثةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن