١٦. مصير هذا العالم

25 3 0
                                    


أعاد الشعور الممضّ في عنق يوتانا وعيها لها بعد وقتٍ لا تعلمه.. استعادت ذكريات ما جرى لها سابقاً، وتزامن عودة الوعي لها بصوت خطواتٍ راكضة تقترب منها بسرعةٍ كبيرة.. اعتدلت يوتانا جالسةً باندفاع وهي تتنفس بسرعةٍ وتوتر متلفتةً حولها.. كانت ما تزال في موقعها السابق قرب الشاطئ، لكن المكان حولها كان خالياً من تاداني وغيلانها، ونور القمر قد غاب خلف الغيوم التي تكدست فوق رأسها.. من الذي يقترب منها؟.. لم تكن تحمل أي سلاح، ولو فاجأها غولٌ بهجومه فلن تجد وسيلةً لصدّه وهي في هذه الحالة..

زحفت على يديها وركبتيها بين القوارب القريبة حتى وجدت مخبًأ لها بينها، فانكمشت في موقعها تحاول تهدئة تنفسها وهي تتلفت حولها بتجس.. رفعت يدها ولمست موضع العضة التي أدمت عنقها.. وانتابها يأسٌ شديد وهي تدرك أن مصيرها قد تحدد منذ الآن دون أن تملك الخيار في تغييره..

اقتربت الخطوات أكثر من القرية والشاطئ القريب منها، فلم تجد يوتانا ما تدافع به عن نفسها إلا عصًا خشبية كانت جزءاً من مجدافٍ قديم عثرت عليه بين القوارب.. ثم انتبهت أن تلك الخطوات لم تكن لشخصٍ واحد، بل لعدة أشخاص وقد تفرقوا في الموقع ربما بحثاً عنها..

تشبثت يداها بالعصا بقوةٍ أكبر ورجفة جسدها تزداد.. نظرت حولها للقوارب القريبة وهي تتساءل في سرها إن كانت تقدر على رفع أحدها والاختباء تحته حتى يبتعد ملاحقوها، عندما سمعت حديثاً خافتاً من جانب المكان تعرّفت صوت صاحبيه على الفور.. رفعت رأسها تنظر بحثاً عن مصدر الصوت، ونادت بشيء من التردد "إيّان.. أهذا أنت؟"

كانت تخشى أن تخطئ معرفة الصوت وتكشف نفسها لأي غيلان قريبة، لكنها لمحت على الفور إيّان الذي اقترب من الشاطئ باحثاً عنها وهو ينادي بانفعال "يوتانا.. أين أنت؟.."

شعرت يوتانا بنفسها على وشك البكاء وهي تلمح إيّان ومن خلفه شاسار يقتربان منها وعلى وجهيهما قلقٌ وانفعالٌ بالغين.. نهضت يوتانا واقفةً وتخلت عن العصا التي تيبست أصابعها حولها، ثم ركضت نحو إيّان وارتمت على صدره باحثةً عن شيء من الأمان وجسدها يرتجف بقوة.. أمسك إيّان كتفيها سائلاً بقلق "ما الأمر يا فتاة؟.. ما الذي جرى لك؟.. وأين العرافة؟"

لم تتمكن من أن تفتح فمها بكلمةٍ لتجيب هذه الأسئلة، فغمغم إيّان "الحمدلله أن الغيلان لم تصِل إليك قبل وصولنا نحن.."

بدا لها أنهما لا يقدران على رؤية الإصابة في عنقها في الظلام المخيم على المكان حولهما.. ولم تدرِ كيف تخبرهما بالأمر في هذه اللحظة.. لكن بعض الأمطار التي بدأت تتساقط على شيء من الاستحياء كفتها عناء التفكير في هذا الأمر.. وسرعان ما تتابعت القطرات حتى بدأت تبلل كل ما على الأرض بسرعة وبرودتها تثير الرجفة في الأوصال.. نظر إيّان للغيوم التي سكبت ما في بطنها دون رادع وقال "سيتعطل رحيلنا حتى يخفت المطر.."

العين الثالثةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن