أعانتها خبرتها عندما عملت في مقهى قبل عام في ترتيب طاولة الإفطار بشكل احترافي و بسيط بلا تكلف، انتهت و جلست على طاولة الطعام تنتظره ، فهي تعلم أن من احترامها لزوجها أن لا تتناول الطعام من دونه ، تعلمت هذه العادة من والدة صفاء وأيقنت داخلها أنها ستعامل زوجها هكذا أيضاً إن شاء الله ، و يا للعجب !ستنفذ يقينها أبكر مما توقعت ، قطع حبل أفكارها رائحة عطره اللتي انتشرت في الأرجاء ببذخٍ تام ، فالتفتت نحوه بابتسامة بسيطة ، لتجده يحدق فيها بلا أي تعابير ، فعاودت الالتفاف مجدداً نحو طاولة الطعام و محت تلك الابتسامة البسيطة من على وجهها ، تحرك بخطواتٍ واثقة و سحب مقعد طاولة الطعام الأسود ، انتظرته حتى ارتشف قليلاً من قهوته ، و قالت :كنت حابة نتعرف على بعض أكتر ، و.. و أعرف سبب إن حضرتك اللي اتجوزتني مش الشخص اللي قابلته قبل أسبوع تقريباً ، التمعت عيناه قليلاً و تغيرت نظراته نحو القليل من الحدة ، ثم أنزل كوب القهوة من يده و قال : مفيش حد غيري ، انتي مراتي انا ، جفلت قليلاً من حدته ثم أومأت بهدوء و قالت : كنت حابة كمان أسألك إذا ينفع أكمل دروسي ، معرفش اذا تعرف و لا لأ بس حالياً فاضل أسبوعين تقريباً و المدرسة تبدأ ، فركت يداها ببعضهما من فرط التوتر و نظرت نحو ساقيها و كلها رجاءٌ أن يوافق ، لا تعلم كيف و لكنه انخفض نحوها واضعاً يده اليمنى على الطاولة أمامها و نظر لعينيها المصدومتين ، و أمسك بيدها برقةٍ قائلاً : متوترة ليه متقلقيش ، محدش يقدر يمنعك من دروسك ، هتكملي ، بس خلينا نحط شوية شروط ، أومأت له مع ابتسامة بسيطة ، فقام و جلس مجدداً قائلاً بفخر طفيف: انا ليث خالد عوني ، عندي اتنين و تلاتين سنة ، صاحب و مدير شركات عوني للاستيراد و التصدير ، حابة تعرفي حاجة تانية ؟ ، أرجحت رأسها يمنةً و يسرة قائلةً بمزاح طفيف : حالياً لأ ، ابتسم لها بينما كانت تكمل : و أنا لينا أحمد العربي ...، عارف ، هكذا قاطع حديثها ليث ، لتضرب يدها اليمنى بجبهتها بينما تقول : طبعاً ازاي فاتتني دي ! ، ابتسم بخفةٍ لفعلتها تلك ، شرب قهوته على عجلٍ و أمسك بمحفظته و مفتاح سيارته، و سارع بالنزول قبل أن يهوى الجلوس برفقتها أكثر من ذلك ، لتستعجب تقلب مزاجه السريع و تهمس قائلةً فور تذكرها : طيب و الشروط ؟!
............................................................................
: ها يا بني فينك ؟
أحمد : موجود انتو اللي فين ؟
: احنا في الروف (السطح ) تعالى يلا كلها خمس دقايق و نبدأ
أغلق أحمد الخط ليضغط على زر الطابق الأخير فور إغلاق المصعد الحديدي بابه ، نفخ في الفراغ بملل فها هي حفلة أخرى يذهب إليها لينفض عن عاتقه مسؤلياته الكثيرة ، استوقفه عند وصوله للطابق الأخير من الفندق أصواتُ شجار حادة لفتاة قصيرة نسبياً مع رجل كبير في السن قليلاً ، لم يهتم فعلى ما يبدو هما من طاقم العمل هنا ، و لكنه استعجب صراخها الذي ارتفع مع رد المدير عليها : حلال و حرام ايه ، ده شغل !؟ ، ضحك بصخبٍ على ردها السريع : حسبي الله على الفلوس اللي تيجي من ورا الخمرا و الشغل ده ، ولا أقولك أنا مستقيله ابقى دورلك على حد يرضى ياكل بالحرام معاك ، نظرت بغضبٍ نحو مصدر أصوات الضحك لتجده شاباً وسيماً بحلةٍ سوداء ، فصاحت قائلةً بنفاذ صبر : نعم ! ، ليمضي في طريقه محاولاً كتم ضحكاته على ردة فعلها ، و مضت هي بالمثل أيضاً بعد أن تمتمت ببضع كلماتٍ من فرط غضبها مفادها أن البشر انعدمت قيمهم ...
صراخ استقبلو به أحمد ، ليصيح صديقه نور : كالعادة نجم الحفلة على الوقت بالظبط ، ليعدل أحمد ياقة قميصه بحركة مسرحية دلالةً على صحة ادعاء صديقه و قال : عندك اعتراض ؟ ، ليقهقه نور قائلاً : لا لا يا باشا مقدرش ، حد برضو يعترض على ابن خالد عوني ، لتمتد أنظارهم نحو يدٍ عاريةٍ لإحدى ضيفات الحفل تمسك بياقةِ أحمد بقلةِ حياءٍ واضحة ، فتصيح بصوتٍ مائعٍ بالانجليزية : أحمد اشتقت لكَ كثيراً حبي ، ليمسك يدها و يقبلها بلطفٍ و قلةِ حياءٍ هو الآخر ، لتنفر صفاء مما راته بينما كانت تودع زميلتها عُلا و تأخذ حقيبتها محدثةً إياها عن سبب استقالتها ، فوالدهم لم يربيهم على كسب المال بالحرام ، و حاولت نصح علا بلطف و لكن علا ودعتها قائلةً بضيق من نصيحة صفاء : بكرا هتوب يا حبي بإذن الله وربنا يهديني ، استسلمت لرفضها و دعت صفاء الله أن يهديها سريعاً ، و سارعت للنزول من جحيم الفساد هذا ، و حمدت الله على قرارها الذي لم تاخذ الكثير من الوقت لتؤكده ، استوقفها منظر الشاب الوقح الذي كان يقبل تلك الفتاة شبه العارية لتردد بينما تسرع بالنزول على سلم العمال : الحمد لله الذي عافانا مما ابتلى بيه غيرنا .
...........................................................................
على الجانب الآخر كانت والدة أحمد تنهي صلاة العشاء ، مودعةً زوجها بدعواتٍ بالمغفرة و الفردوس الاعلى كعادتها كل ليلة منذ وفاته ، لترفع بعدها سماعة الهاتف الأرضي و تطلب من السائق أن يستعد فهي ستذهب لمنزل والد زوجها لتطمئن على صحته و أحواله ، و تمر على العروس الجديدة أيضاً ...
بعد حوالي نصف ساعة وصلت "فايزة" لتضغط جرس المنزل الذهبي اللون فتفتح لها عاملةٌ من العاملات و تحييها قائلةً اتفضلي يا فايزة هانم كلهم في الصالون متجمعين ، شكرتها فايزة منطلقة بابتسامة وقورة نحوهم ، لتستوقفها أصواتُ الصراخ فتسرع خطواتها لتجد " هدى " الأخت الكبرى تقول بينما تصرخ في وجه لينا المصدومة : انتي ازاي يا قليلة التربية تعملي كده! .....
........................................................................
اعتذر عن التأخير ، سأنزل اليوم فصلاً آخركتعويض عن تأخري...
أدعو الله أن تقضوا أسبوعاً مشرقاً 🤍✨
أنت تقرأ
دِفْءُ الْخَريفِ الْبارِدِ 🍂
Romanceللقدر منعطفات غريبةٌ جداً في حياتنا قد يدور بنا في دوائر الحزن و بعدها يرسى بنا على شواطئ السعاده و وحده من يتحمل ألم الحزن يحصل على الكثير من السعاده ... فصل الخريف البارد ، كثيراً ما نرى الوحدةَ فيه، ولكن بطلتنا لها رأيٌ آخر فدفءُ قلبها قد يردع ك...