٥

67 4 6
                                    

جد أحمد "خالد العوني" : يبلغ من العمر اثنان و سبعون سنه ، يحبه جميع من في الأسره ، و يحترمون قراراته و ينفذونها بكل طاعه ، يمتلك أربعة أبناء ولدان و فتاتان وهم بالترتيب : عصام ، هدى ، ليلى، ليث من زوجته سكينه ، وقد فقد سكينه من ثلاثةِ أعوام مع ابنه عصام والد أحمد في حادث سير بعد عودتهم من الحج ، ولازال يعتز بكل ذكرى من سكينه فهي خالدة في قلبه مهما تراكمت الأتربةُ على قصةِ حبهما ...
" خالد " :تعالى يا آخرة صبري ، وحشتني يا معفن
جلس أحمد على عجالة على طرف المقعد المجاور لجده و هو يقبل يداه : وانت كمان يا جدو وحشتني خالص
خالد : سمعت انك رحت للعروسه الي قولت لفايزه عليها
أحمد : هي لحقت قالتلك
خالد مبتسماً : و أنت فاكر إن في حد في العيله انا معرفش حاجه عنه ؟!
أحمد مبادلاً الابتسامةَ لجده : لا طبعاً و عشان كده أنا جيتلك عاوز حل ضروري
صمت الجد لثوانٍ ممهلاً حفيده قرة عينه أن يتابع الحديث بينما يراقب توتره غير المعتاد أو بمعنى أدق توتره عند قيامه بمصيبةٍ ما ، ثم أتبع ذلك بقوله : هببت ايه ؟
أحمد : بصراحه كده يا جدو مش عاوز أتجوز
خالد ببعض الغضب المستحدث في صوته : طيب رحت و اتكلمت مع الناس ليه مدام هتتنيل و مش ناوي تتجوز
أحمد : مهو ماما فضلت تزن أوڤر لحد ما وافقت و مرضيتش ازعلها
طيب و جايلي ليه مدام انت اتهببت و رحت للناس خلاص ، ما كنت تيجي قبلها إن شاء الله بساعه ، كنت قلت لفايزه تسيبك براحتك قال خالد .
أحمد و الذعر كسا ملامحه بشده : مهو انا قلت لعمها و ليها إن احنا هنتجوز الأسبوع الجاي ...
هدوء ما قبل العاصفه كانت هي العبارة التي تدور في رأس أحمد بينما يراقب تحول بشرة جده القمحية إلى اللون الأحمر الغاضب و تجعد ملامح وجهه متبنيةً شعور الغضب الشديد،  فصاح الجد بعد ذلك : هو أنا مربيك إن بنات الناس لعبه يا بني آدم
، وهو أنت مش راجل و قد كلمتك .. لا حول ولا قوة الا بالله
صمت و هو يأخذ نفساً عميقاً : قوم قوم من وشي ، و ابقى تعالى بكرا يمكن الاقي حل في الي زفته ده
قام أحمد سريعاً و هو يغمغم بكلمات الإعتذار إلى جده ، فرغم انه يكره أن يحزنه و لكنَ شعوره بالتقييد بشأن أي شيء هو أكثر ما يمقته في هذا الكون ، و في نفس الوقت مازال متحيراً من ذلة لسانه وارتباكه الذي دفعه لذاك القرار المتسرع أمام الساذجه و عمها البغيض ...
ركب سيارته الرماديه متجهاً نحو شقة أحد أصدقاءه عله يجد "البارتي " مازالت قائمةً بكل ما فيها من فاسدين ...
......
في فجر اليوم التالي استيقظت تلك المختلفة عن الجميع ، دائماً ما كانت تؤمن أن بداية اليوم مع الفجر ، لم تكن تعترف ببدايه يوم جديد بعد منتصف الليل كالبقيه ، هو الفجر مع خيط شمسه التي تخترق روحها لتشع أملاً نديّاً
قامت و توضأت و افترشت الأرض واقفة اتجاه القبله و رفعت يداها قائلةً الله أكبر..
.....
دخل إلى حجرة والده مبتسماً بدفء و هتف مازحاً : الحمد لله انك صاحي كنت لسه داخل اصحيك نصلي سوا أصل نومك تقييل جداً
ابتسم خالد بهدوء و قال : حتى بالأمارة سكينه الله يرحمها كانت بتجري ورايا بالشبشب
تنحنح ليث قبل أن تعلو فمه عدة ضحكات متتاليه وقال : بتغلبني دايماً بالكلام يا بابا
ثم انحنى يقبل يداه باحترام شديد فربت خالد على كتفه مبتسماً
و قال طيب يلا نصلي جماعه عشان عاوزك في موضوع مهم ...
ليث : يبلغ من العمر اثنان و ثلاثون عاماً ورث من أبيه الكثير فمثلاً طوله ووقفته و حبه للخير، وأيضاً وسامة ملامحه الشرقيه ، فبشرته القمحية و فك قوي و عينان بنيتان تحيطهما سيوف سوداء و أنف رفيع و ابتسامة وسيمة بقدر وسامتهِ كانت أكثر ما يميز وجهه ولكن للأسف لم يرث حظ والده المتوهج في الحب ...
أكثر ما يميزه عيبه ألا و هو العصبية الشديده ، فلا يرحم أحداً عند الغضب ، كما أن أحمد ابن اخيه طلباته كلها مجابه لما يمتلكه من مكانةٍ خاصةٍ في قلب ليث
يعمل رئيساً لشركة استيراد و تصدير تملك فرع في القاهرة مسقط رأسه و فرع في لندن عاصمةِ انجلترا ...
التفت خالد بخشوع شديد يميناً قائلاً : السلام عليكم ورحمة الله فتبعه ليث بنفس الفعل ثم التف يساراً وتكررت العمليه ...
جلس خالد يستغفر و يذكر ربه بأذكار ما بعد الصلاة و ليث يستمع له بهدوء منتظراً بترقب أن يعرف ما هو ذاك الأمر المهم ...
التفت خالد و القلق في قلبه تسلل رويداً حتى استحوذ على جزء من نبرة صوته و هو يقول محاولاً اظهار القوة برزانه : عامل ايه يا ليث ؟
رد ليث سريعاً بقلق : الحمد لله ، في ايه يا بابا خير ؟؟
صمت خالد لبرهةٍ ثم عادت القوة لتملك زمام صوته قائلاً : هتتجوز الأسبوع الجاي
العجيب في الأمر أن ليث لم يبدي أي ردة فعل ، مما جعل الأب يحثه على الحديث قائلاً : ها ، إيه رأيك ؟
ليث : يا بابا مش كنا اتكلمنا في الحوار ده قبل كده ؟؟ ،
خالد : بس الموضوع المره دي بجد ، وانا عمري ما غصبتك على حاجه ، جوازتك الأولانيه و مقولتش حاجه و اديك شوفت النتيجه
امتعضت ملامح الليث ثم ارتخت مجدداً ، رغم قلبه الذي كان يزأر بقوةٍ نتاج فتيل الشعلة التي ألهبت جرحه القديم بقسوه ...
ثم تابع خالد : لسه بتفكر فيها يا بني ، انساها صدقني ، هتقابل الي أحسن منها و الي هتعرف تقدر قيمتك كويس
صمت ليث يحاول تجمعه الكلمات و لكنه في النهاية صاح قائلاً : مش عاوز اتجوز تاني كلهم صنف وسخ
احتقن وجه خالد بالدماء قائلاً : لا بقى زودتها ، و سكينه الله يرحمها يا ليث من الصنف ده؟
هدأ ليث سريعاً فانتشله وعيه من براثن الخطأ التي كان سيتوغل فيها أكثر و قال سريعاً : لا ماما  لا ، مفيش حد زيها
قال خالد مبتسماً بحنين : و انت كمان يا بني هتقابل واحده مفيش حد زيها و هتكون سندك دايماً باذن الله ثم اتبع ذلك بقراءة سورة الفاتحة على روح سكينه ، سكينته التي يرجو أن يلحق بها في الجنة قريباً ...
طيب يا بابا اديني وقت افكر قالها ليث و بذور الضيق تنتشر بين جنباتِ وجهه
ابتسم خالد و اردف بحزم : هديك وقت بس عشان تجهز مش تفكر ، العروسه جايه كمان كام يوم أنا قلتلهم كلمه و مش هتكسر كلمتي على ما أظن ...
تابع ليث طريقه نحو الباب ثم ما لبثَ حتى ذهب إلى سيارته السوداء متجهاً الى مقر الشركه علَّ الأوراق، و الملفات ،  تمتص غضبه بشكل أو بآخر ...

دِفْءُ الْخَريفِ الْبارِدِ 🍂حيث تعيش القصص. اكتشف الآن