حدق ليث في الفراغ مجدداً ، و أخذ نفساً طويلاً و أخرجه قائلاً : مش عارف
ضحك عمر بصوتٍ عالٍ و قال : وانا اللي كنت فاكرك هتقول حاجة مهمة بعد الصمت ده ، ابتسم له ليث ثم اختفت ابتسامته و قال : البنت يتيمة و صغيرة و خايف اطلقها و متعرفش تعيش لوحدها ...
نظر له عمر بصدمة قائلاً : يتيمة! و اختك وافقت !!، طيب ازاي بس اتجوزتوا ، بص اعتبرني عيل صغير و فهمني واحدة واحدة ..
قلب ليث عيناه قائلاً : الحكاية و ما فيها إن البنت دي كان هيتجوزها احمد و خلع و اتدبست أنا فيها ، و البنت مش من عيلة و كمان صغيرة زي ما قلتلك فعمك عوني كان عاوزها لأحمد عشان ميتجوزش واحدة من البنات المدلعيين في منطقتنا ، مع إن البنات كلهم مفيش منهم فايده ،
تنهد عمر على تفكيرصديقه و لكنه رفض أن يناقشه في أفكاره مرة أخرى فلقد تعب ، و ليث على ما يبدو لن يغير رأيه ..و تابع بعد التنهيدة : تمام
..................................................................
عادت نحو جناحهما متعبة ، خلعت حذاءها و صلت العشاء، ثم ارتمت على الأريكة في منتصف صالة الجناح غير عابئةٍ بأي شيء لا بفك حجابها و لا بتغيير ثيابها ، هي فقط غفت كطفلة ظلت تلعب طوال اليوم حتى وجدت سريرها فعانقته غافية ، لاح في خاطرها كل ما قالته نور عن ماضي ليث و لكن عينيها أبت أن تظل مفتوحة فاستسلمت سريعاً لسلطان النوم ، عاد من الخارج بخطواتٍ مثقلة، رمى علبة سجائره و مفاتيحه على الطاولة بجوار الأريكة و لكنة أغمض عينيه و فتحهما عدة مرات مندهشاً عندما وجدها تنام بعمق على الأريكة الغير مريحة ضامةً لركبتيها نحو صدرها في وضعٍ أشبه بالأجنة في بطون أمهاتهم ، اقترب منها بهدوءٍ شديد حتى جلس على الأرض أمامها فاستطاع رؤية وجهها بوضوح ، نادها بصوتٍ منخفض و خفوت حتى تستيقظ و تدخل لتنام في الغرفة : ل.. لينا ، لينا ، فلم تستيقظ ، تابع الحديث بعد أن وجد أنه لا أمل من استيقاظها ، سامحيني مكانش قصدي أتعصب عليكي النهاردة ، انتي ملكيش ذنب في حاجة ، و يمكن متبقيش زيهم قالها بينما يتذكر كيف دافعت عنه رغم خطأه في حقها ، بس هحاول أخرجك من حياتي بأي شكل ، عشان مش ناقص وجع تاني ....
ثم حدق في الفراغ بوجهٍ خالٍ من التعابير ، و تذكر رزان طليقته ، التي أعطاها كل شيء وقته و حياته وماله و نفسه القديمة ، و ضحى بالكثير من أجلها و هي ، هي كانت وغدة تلفها صورةُ فتاةٍ بريئة ، قابلها في آخر سنة من تحضيره للماجستير ، تحدثت معه بأدب و شاركته أفكاراً حول رسالته في إدارة الأعمال ، ظنها شريكة روحة التي ستدعمه دوماً ، مغفل نعت نفسه هكذا لأنه صدقها و لم يشك ليومٍ واحدٍ فيها ،
لا أحد من أسرته يعرف لماذا طلقها ، هو الوحيد الذي يعرف ، و يتمنى كل ليلةٍ لو لم يكن يعرف أو لو لم يكن قابلها يوماً ، استغفر الله بصوتٍ منخفضٍ حاد ، فلاحظ ارتجافة جسدها ضئيل الحجم بالنسبة له ، ليقوم و يحضر غطاءً من الداخل و يغطيها به ، ليستكين جسدها المرتجف ، و تشق وجهها ابتسامة دافئة ، انتقلت الى وجهه هو الآخر فور رؤيتها ، نهر نفسه فور أن لاحظ تأثيرها عليه ثم قال في نفسه: مينفعش ، فاهم ..!
.....................................................................
استيقظت لتجد غطاءً رمادي اللون يغطي ثلاثة أرباع جسدها ، ثم نظرت نحو الساعة لتجدها تشير الى الرابعة و الربع صباحاً نهضت سريعاً تتلمس حجابها بينما تمضي نحو النافذة لترى إذا ما أشرقت الشمس و فاتها وقت صلاةِ الفجر أم لا ، مازال الجو مظلماً ، الحمد لله هكذا نطقت بينما تنزع بيدها الدبابيس في حجابها ، توضأت و صلت ، ثم جلست تفكر في كل شيء قد حدث لها ، قالت بصوتٍ منخفض و كأنها تناقش شخصاً ما : أهم حاجة تكملي السنتين اللي فاضلين في الثانوية ، و تبعدي عن عمك سعيد بس تحافظي على صلة رحمك معاه، و تكملي عشان توصلي لحلمك ، ثم ابتسمت فور ذكرها لحلمها : لطالما أرادت تصميم الأزياء ، أرادت دوماً فتح علامةٍ تجارية خاصة بها ، ورافقها هذا الحلم منذ عملها في متجر الخياطة ..
طيب حياتك مع ليث ؟؟ ، هكذا فجأة قطعت هذه الفكرة حلمها ، و تذكرت أنها استيقظت و غطاء متوسط السماكة يغطيها ، هو ليس قاسياً بالكامل ، هكذا فكرت بينما تنزع إسدال صلاتها أزرق اللون و ابتسامة دافئة ارتسمت على محياها من جديد ، قررت بينما ترتدي منامتها الفيروزية التي أحضرتها صفاء ، أنها ستحدثه حتماً ، أولاً عن وضعهما الغريب ، و عن سبب زواجها به هو و ليس ذلك المغرور الذي قابلته قبل أسبوع مع السيدة " فايزة "، و عن رغبتها في إكمال دراستها ... ثم ليقرر هو ، و لأنها ترى فيه طيف حبيبها الذي طالما حلمت به بسبب حركة الغطاء التي لامست قلبها كثيراً، وأيضاً من وصف نور لشخصه في الماضي قبل أن تغيره طليقته ، تريد أن تعيد شخصيته القديمة و أن تعيش معه للأبد ، أخطأٌ ما تفكر فيه ؟ لا تعرف ، مشطت شعرها الفحمي تاركةً إياه خلف ظهرها كعادتها لتظهر بمظهرٍ فاتن للغاية ، ذهبت لتعد الإفطار و تذكرت قول نور لأصناف الطعام التي يتناولها ليث عادةً ، هو لا يحب سوى تناول شريحةٍ من خبز "التوست" على الإفطار مع كوبٍ من القهوةِ السوداء ، ضحكت بخفوتٍ و قالت هذا يشبهه كثيراً ، ذهبت لتوقظه ليتناول معها الافطار و ليقررا معاً ماذا بشأن مستقبلهما ، فهي لا تملك وقتاً لتضيعه ، و لكنها في نفس الوقت تخاف غضبه ، توكلت على الله ثم طرقت الباب بضع طرقاتٍ متتالياتٍ خفيفاتٍ ، فلم تجد رداً حتى وجدته أمامها فجأة بعدما فتح الباب بوجهٍ ناعسٍ لطيف، لتحاول لينا كتم ضحكاتها بصعوبة ، فتح عينيه بقوة للحظاتٍ متأملاً جمالها بدون الحجاب ، هو يعرف أنها جميلة، و لكنَّ شعرها الأسود زادها جمالاً خاصاً ، وجهها الخالي من المساحيق يأخذ العقل فماذا لو وضعت القليل من الزينة ، تنحنح ليحثها على الكلام ، فابتسمت له باشراقٍ و خجلٍ قائلةً : صباح الخير ، الساعة ٦ تقريباً ، تحب نفطر سوا ؟ و حابة أكلمك في موضوع ، ابتسم لها فقد أعجبته لطافتها و قوة شخصيتها رغم خجلها الواضح ، و بالمثل هي هامت قليلاً في وجهه الباسم ؛فابتسامته تزيده جاذبيةً بشكلٍ خاص ، و سرعان ما أنزلت عيناها الرمادية الزرقاء بتوتر تبحث عن أي شيء آخر تنظر إليه حتى لا تنفضح مشاعرها حديثة العهد أمامه ، اتسعت ابتسامته من حركتها تلك و قال لها بصوتٍ جميلٍ وعميقٍ قليلاً يشوبه القليل من النعاس : عشر دقايق و هكون عندِك ...
أومأت له و ذهبت لتحضر طاولة الطعام .
.....................................................................
حاولت إنزاله مبكراً بقدر الإمكان ^^
أدعو الله أن تقضوا أسبوعاً مشرقاً 🤍✨
أنت تقرأ
دِفْءُ الْخَريفِ الْبارِدِ 🍂
Romanceللقدر منعطفات غريبةٌ جداً في حياتنا قد يدور بنا في دوائر الحزن و بعدها يرسى بنا على شواطئ السعاده و وحده من يتحمل ألم الحزن يحصل على الكثير من السعاده ... فصل الخريف البارد ، كثيراً ما نرى الوحدةَ فيه، ولكن بطلتنا لها رأيٌ آخر فدفءُ قلبها قد يردع ك...