١٣

47 5 13
                                    

وصلتا نحو مدخل المجمع الكبير الذي امتلأ بالأضواء متدرجة الألوان التي تزين تصميمه الدقيق و الضخم للغايه ، لم تعر لينا المناظر البراقةَ حولها  أي اهتمام و ركزت نظراتها نحو نور التي تحظى بشكلٍ خاص بمحبة ليث و تقديره الواضح جداً، و لكنها أيضاً تعرف الكثير عن ماضيه و شخصيته ، و المعلومات منها هي أهم ما تحتاجه لينا خلال الفترة القادمة ، علّها تفهم قليلاً عن طريقة تفكير الغريب ذا لمعة البندق في عينيه و  الهائج غضباً كلما حدثته لينا في أمر ما ، وجدت لينا المربية نور تسحبها من كفها متوجهة نحوأحد الطاولات في منتصف مقهى تطغى عليه ألوان القهوة و رائحتها القوية المريحة أيضاً  ، بعد أن جلستا بقليل جائهم النادل ليحدثهما قائلاً : تحبوا تطلبوا حاجة ، نظرت نور نحو لينا بابتسامة صافيه و لاحظت توترها الدال على أنها المرة الأولى التي تأتي بها لهذا المكان ، فقالت : الجو صيف تحبي أطلب اتنين لمون بارد ؟ ، أومأت لها لينا ، فأملت طلبها على النادل الذي ذهب سريعاً بعدما وضع زجاجة ماء متوسطة الحجم في منتصف طاولتهما ، تريثت نور قليلاً في اخبار لينا عن ليث ؛ حتى تعرف القليل عن ماضي لينا و ترى كأي أم كيف هي عقلية زوجة ابنها ، تنحنحت لينا بعد فترة من الصمت قائلةً بابتسامة رقيقة : بس ما شاء الله العلاقة بين حضرتك و ليث قوية جداً حتى إنه بيعتبرك زي مامته
ابتسمت لها نور لأنها لاحظت مثل هذا الشيء وردت : أنا مش زي مامته ، انا أمه التانيه فعلاً اًنا أم ليث في الرضاعة ، نظرت نحو ملامح لينا المصدومة قليلاً ، ثم أكملت الحديث و كأنها تسترجع شريطاً من الماضي ، هو ابني التاني اللي رضعته و ربيته و مفرقتش ما بينه و بين ابني الحقيقي عُمَر أبداً ، انا كنت عاملة هنا من حوالي خمسة و تلاتين سنة و لما في مرة الحارس القديم حاول يقل أدبه معايا و يتحرش بيا جسدياً وقفله خالد بيه عوني و ضربه و طرده و احتوتني مدام سكينة الله يرحمها و يغفر لها يارب و كأني اختها الصغيره ، نظرت نحو لينا التي اختفت ابتسامتها و حلت محلها ملامح حزن كبيره رافقت قولها ، حسبي الله هو نعم الوكيل ، ازاي الحارس يعمل كده ، ابتسمت نحوها بتعجب قليلاً قائلةً لتلك اللطيفة اللتي تقبع أمامها تعرفي إن مامت ليث الله يرحمها : قالت نفس الجملة دي بالظبط ، ابتسمت لينا نحوها و قالت : يشرفني اكون زيها ، كان نفسي أقابلها الكل بيحبها و بيجيبوا سيرتها كأنها موجودة ، ربنا يرحمها و يرزقها الفردوس الأعلى
قالت لها نور بابتسامة أمٍ دافئة : كانت هتحبك قوي يا بنتي ، لانك جميلة ما شاء الله من جواكِ قبل برا ، خليكي دايماً كده
ابتسمت لها لينا بامتنان قائلة : شكراً و حاضر
تابعت الحديث قائلةً عمري ما هنسى لما عاملتني سكينة هانم كأني أختها بالظبط ، ادتني أجازة طويلة مع المرتب خلال الأجازة دي عشان نفسيتي تتحسن و خالد بيه جاب حارس جديد ، كان خجول جداً و محترم و بعد ما رجعت اشتغل بفتره جه كلمني بس كنت بصده و لا كأني شايفاه عيب عليكي ، قالت جملتها الأخيرة و هي تضحك فرافقتها الضحك لينا و قالت بشيء من الحماسه : اتجوزتوا صح ؟!! ، ردت نور ضاحكة : صح و..، قاطع حديثهما قدوم النادل مع كأسي الليمون فصمتتا لبرهةٍ ثم بعد ذهابه أكملت ، اللي عجبني فيه بعد ما صديته مرتين راح كلم خالد بيه اللي رفض في الاول عشان يشوف اذا هو عاوزني بجد ولا بس كلام كده ، و بعدها رجع كلمه تاني و خلى سكينه هانم تتوسطله عند البيه عشان يوافق ، ابتسمت لينا على اصرار زوج المربية نور على ذلك و شعرت بالدفء داخلها من أثر ارتياح نور لها في الحديث و كونها تشاركها قصصها المهمة ، و تابعت الاستماع للمربية نور و هي تقول وافق خالد بيه و مدام سكينة بنفسها نزلت معايا و جبنا الفساتين و الحجات دي و عملولنا زفة صغيرة في البيت قبل ما ياخدني جوزي و نروح البلد بتاعته و تابعت بنظراتٍ مشتاقه أثارت ابتسامة رقيقة على وجه لينا : اللي هي بلدي حالياً ، و لما جبت ابني الوحيد عُمَر بعدها بشهرين سكينه هانم جابت ليث هي كمان ، بس كان عندها مشاكل في انها ترضع ليث طبيعي  و معرفتش ، فقولتلها انا اقدر ارضعة مع عُمَر ابني فوافقت هي و خالد بيه و خلوني المربية بتاعته كمان و بالمناسبة ليث و عمر أصحاب جداً ، و يمكن ليث و عُمَر ملهمش أصحاب غير بعض ، نظرت نحو لينا قليلاً ثم تابعت بعد أن شربت القليل من العصير ، ليث مكانش كدة يا حبيبتي ، ليث كان هادي و بارد شوية بس حنون جداً على الكل بيحب الخير من قلبه لأي حد كبر بقلب دافي وذكاء كبير بس منها لله اللي كانت السبب ، تحيرت لينا من مقصدها فحثتها على إكمال الحديث قائلةً بتساؤل : اللي كانت ؟!! ، توترت قليلاً نور و لكنها أخبرت نفسها أنه لابد من اخبار لينا الحقيقة كاملةً ، فأخذت نفساً عميقاً و قالت : طليقته ...، صعقت لينا لثوانٍ تركتها لها نور حتى تستوعب الأمر جيداً ، أخذت لينا بالمثل نفساً عميقاً و كانت أفكارها تتخبط كلها داخل عقلها ، و لكنها أسكتت كل الأصوات في عقلها مقنعة نفسها بأن تستمع للقصة كاملة ، بعدها لتقرر ما ستفعله و كيف ستقطع الخيوط التي تمسك بمفاصلها و تقيد حق حريتها  ، نظرت نحو نور التي أعجبت بكيفية تلقيها للصدمة خاصةً في مثل عمرها فغيرها قد يثور و يغضب ، تابعت نور الحديث : كانت بنت غريبة ، ليث جه بنفسه يترجى خالد بيه يجوزهاله ، مع انها مكنتش بتلبس كويس بس قولنا ان شاء الله شخصيتها هتكون كويسه مش مهم لبسها ، و اتعمل الفرح و بعدها اتغيرت مية و تمانين درجة و لا كأنها البنت المؤدبة اللي بتكلم الكل باحترام و تعاملني و تعامل مامته كأننا أمهاتها ، سافرت لندن مع ليث و هي اللي اقنعته يعيشوا هناك و يبعدوا عن قرف مصر "على حد قولها "، و سنة ورا التانيه لحد ما فجأة ليث نزل مصر و قالنا انه طلقها بدون أي مقدمات ، و كزت نور يد لينا بخفة قائلة لها : بيني و بينك كلنا انبسطنا انه سابها ، بس زعلنا جداً لما ليث ذات نفسه اتغير بعد ما كان قلبه دافي و بيحب الخير بقى بارد اكتر و هادي اكتر و بيهزر قليل جداً و مع ناس معينة بس ، و اللي زاده كده أكتر لما مامته اتوفت مع أخوه الكبير ابو أحمد و زوج مدام فايزة ، الحادثتين دول ورا بعض خلوه يابنتي كاره الستات و الجواز و كل حاجة تقربلهم ، اكتفت لينا بالإيماء مع القليل من الملامح المصدومة التي غطت ملامحها لبعض الوقت حتى تستوعب كل شيء ، هي توقعت أنه قد غُصِبت عليه هذه الزيجة مثلها ، و لكن حياته اتضح انها يتخللها الكثير ، مثلها هي ، هو قد جرح للغاية ، و رغم جرحه لها اشفقت عليه كثيراً وودت لو تعانقه و تقول له أن كل شيء بخير و لكن بأي حق تملكه هي الآن ، زوجته ! ،لا هويعتبرها عبئاً ثقيلاً و ليست زوجته ، قطعت حبل أفكارها نور و هي تقول لها باشفاق : أنا معرفش يا حبيبتي اتجوزتوا ازاي و لا هو وافق ازاي تاني بس اللي اعرفه و اللي مصدقاه إحساسي بانك طيبه و جدعة و اللي اكدلي ده حادثة الأطباق و انك دافعتي عن ليث زي ما سمعت ، مع ان هو اللي كان غلطان ، قاطعتها لينا كي تنفي ما تقوله فمنعتها الكلام بقولها : انا عارفه طباع ليث فمتقوليليش مش هو أنا أمه ، و عند قول نورالأخير تذكرت لينا غباءها حينما تضايقت من كون ليث يعانقها و هي ليست من محارمه ، فضحكت بخفوت و ابتسمت لها نور قائلةً : اعتقد كده كل حاجة بقت واضحة ، خلينا نخلص العصير و نبدأ نجيبلك كل اللي انتي محتاجاه ...
...................................................................................
كاعتذار على التأخر جعلت فصل اليوم طويل 🤍..
أدعو الله أن تقضوا أسبوعاً مشرقاً ✨

دِفْءُ الْخَريفِ الْبارِدِ 🍂حيث تعيش القصص. اكتشف الآن