ها يا بني ناوي خلاص على اسماعيلية ، هكذا صاح عمر بينما يخط بمسطرته الضخمة على بعض التصاميم التي ظل يعمل عليها طيلة الليل ، ليث : اها كمان يومين هجهز الشنط و خلاص اتفقت مع صاحب البيت اني هشتريه منه بالجنينة اللي قدامة ، عمر بابتسامة : مبروك يا صاحبي ، ربنا يباركلك في الفرع الجديد ، اردف ليث بابتسامة خافته : الله يبارك فيك و سرعان ما اختفت تلك الابتسامة حينما قال عمر : عرّفت البيت عندك، ولا لسة ؟ ، لم يرِد لعمر أي تعقيب على سؤاله ، فتنهد من قرارات ليث و قال : تمام اعمل اللي تشوفه صح ، انت ادرى ، سلام أنا ، رد ليث بهدوء : سلام
............................................................................
يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم ، عبارة تترد كل يوم في حي لينا على لسان أصحاب الدكاكين و المقاهي ، بينما يباشرون منذ الشروق في فتح مصادر أرزاقهم ، انطلق سعيد نحو القهوة اللتي تتوسط حيهم حتى يجلس كالمعتاد برتابةٍ يتشاجر مع القادم والماضي في حال سبيله ، رأى " القهوجي" سيد، العم سعيد آتٍ فتأفف ذاهباً نحو أحد الطاولات، فصاح سعيد : مالك ياض قالب وشك عليا ليه من الصبح ، فصاح سيد بشيء من الحدة : بقالك شهر ونص بتيجي كل يوم ولا مؤاخذة بتبلع الشاي و القهوة و مبتدفعش ، أخرج سعيد من جيبة مئة جنيه ثم قذفها في وجه سيد ، و قاله ها ليك شوق في حاجة ؟ ، ليرد سيد بعدما تعقدت ملامح وجهه ضيقاً و تعجباً : لا مليش ، ثم رحل بضع خطواتٍ فانتظره سعيد حتى يبتعد اكثر ثم صاح منادياً عليه مرة أخرى ، ليصيح سيد مجدداً : ايوا جاي ، نعم يا عم سعيد ، سعيد بثقل و عنجهيةٍ في الحديث اجري هاتلي قهوة ، ذهب سيد قائلاً في سره : يارب توب علينا من الشغلانه دي .
رأى سعيد صديقه حسن قادماً اتجاهه بينما يرتدي حلةً رماديةً غالية الثمن ، فصاح قائلاً له ، الله انت سرقت بنك ولا ايه ؟ ، قهقه حسن قائلاً : اسرق مين يا عم ، دي بدلة حَمى لينا خالد بيه الله يخليهولنا اديهالي . ليصمت سعيد قليلاً ثم يقول : بقولك ايه يا حسن ...
.............................................................................
في غرفةٍ طغى عليها الطابع الكلاسيكي ، وتراصت فيها عشرات الكتب، وتدرجت ألوان خشب الأثاث داخلها بدرجاتِ البني المحروق ، طرق ليث الباب بخفة ، ليرد خالد عوني بصوتٍ عالٍ نسبياً : ادخل ، ليبتسم فور رؤيته لقرة عينه ، و يردف : ليث حبيبي تعالى اقعد ، ليقول ليث بابتسامة خفيفة : ملقيتكش عند الياسمين ولا في أوضتك ، فقلت اكيد هنا ، عوني : مدام بتدور عليا بضمير كدة ، يبقى اكيد جي في حاجة ، خير ؟ ، ليردف ليث قائلاً : هروح اسماعيلية عشان الفرع الجديد ، وهسكن هناك لحد ما الأوضاع تتزبط ، ليبتسم عوني قائلاً : الف مبروك يا حبيبي ، ان شاء الله في نجاح دايماً ، بلغ لينا بقى و شوف هتزبطو أوضاعكم ازاي ، عبس ليث قليلاً قائلاً : اقول لِلينا ليه ؟ ، ليقهقه عوني قائلاً : ايه يا ليث ، عامل من بنها ليه ؟ ، مش مراتك و هتروح معاك و لازم تعرف ، ليث بحدة منخفضة في نبرة صوته : لينا هتفضل هنا أنا هسافر لوحدي ، أردف عوني ببعض الغضب : لوحدك مين ! ، ليث اسمع الكلام و بطل كلام فارغ ، روح يلا ، ليقف ليث و يخرج من الغرفة سريعاً ، فيزفر الجد عوني في الفراغ بتعب .
...........................................................................
انهت ورد استغفارها اليومي ، ثم نزلت نحو الأسفل لتجلس مع حِماها و المربية نور، لتجد ليث يصعد بشكلٍ ينافس البرق في سرعته ، جفلت قليلاً ثم قالت : الحمد لله على سلامتك ، فتوقف قليلاً أعلى السلم قائلاً لها : تعالي عاوزك ، صعدت خلفه بينما يتملك الفضول كافة ملامح وجهها الملائكي ، لينا ، هسافر قريب اسماعيليه و يمكن أفضل هناك سنة لحد ما أوضاع فرع الشركة الجديد تتظبط ، انتظر قليلاً بعد إلقاءه الخبر على مسامعها بينما يتفرس ملامح وجهها التي تغيرت فور سماعها الخبر من صدمة الى تفهمٍ ثم إلى وجهٍ خالٍ من التعابير ، تمنت لو تفرج عن رغبتها بأن يأخذها معه الى أي مكان، و لكن كرامتها كانت و لا تزال فوق كل رغباتها وإن كانت هي بأمس الحاجة إلى تلك الرغبات ، لذا همت قائلة ، تمام ، تحب أجهز شنط السفر امتى ؟ ، ابتسامة رضا تجسدت داخل خاطره الذي كان يتوق حقاً لسماع تلك الكلماتِ منها ، فلا يستطيع الآن والده فرض ذهابها معه هناك و كل شيء برضاها هي !! ، قال ببرود يعاكس الارتياح داخله : كمان يومين ، همهمت قائلةً : إن شاء الله ، حل بينهما الصمت لثوانٍ معدودة ، فقالت فور تذكرها بصوتٍ رقيق : ليث ، داعب نداءها باسمه حواسه قليلاً فصمت متجاهلاً الرد عليها و كأنه بذلك يثبت لنفسه انه لن يتأثر بأقل أفعالها و إن كان كل ما يخصها ساحراً بالفعل ، عاودت النداء مجدداً ظناً منها أنه لم يسمع نداءها ، فقابلها صمته لتوقن أنه لا يرد عليها عمداً ، أخذت شهيقاً عميقاً خافتاً ، ثم قامت و أمسكت يده القوية من أطراف أصابعه ، فخارت حصونه تلك اللحظه ليقرر رغماً عن تحذيرات عقله أن يرفع عينيه نحو عينيها ، و ليته استمع إلى عقله ! ، شرد قليلاً في جمال رماديتيها المختلطتان بخيوطٍ زرقاء ، لم يفهم كلمةً مما قالت فتنحنح مستعيداً توازنه قائلاً بارتباكٍ طفيف للغاية: قولتي إيه ؟! ، ابتسمت محاولةً كتم ضحكاتها و رددت مجدداً : كنت بقول مدام وافقت إني أكمل دراسة ، حابة أعرف هكمل ازاي و فين ؟ ، أومأ لها بينما يقف ذاهباً نحو غرفته ، فقال بعد بضعِ ثوانٍ : تمام ، كلها يومين و هتكون أوراق مدرستك الجديدة جاهزة ، ابتسمت بسعادةٍ بالغة و قالت ببهجة تشبه الأطفال قليلاً : بجد! ، ابتسم بدوره هو الآخر قائلاً : بجد .
...........................................................................
تسلل أحمد نحو غرفته بينما يمسك حذاءه الأسود ؛ خوفاً من أن يجعل صوت نعله والدته التي تجلس في صالة المنزل وحيدة تنبه على قدومه في مثل هذه الساعة المتأخرةِ من الليل، فتبدأ كعادتها شجار يكون فيه نصيب أحمد هو وجع الرأس و الملل من حديث والدته المتكرر عن كونه بلا مسؤوليةٍ و بلا أخلاق ، جزء منه يتفهم غضب والدته المستمر و جزء منه يطالبه بأن يعيش حياته بعيداً عن الغم و الهم ، وصلَ بنجاحٍ نحو غرفته فتنفس الصعداء مُنزلاً كعب قدمه على الأرض ، أخذ حماماً دافئاً ثم دفن نفسه فوق سريره الابيض الواسع متلحفاً بغطاءٍ سميك ممثال للون السرير ، خطر على باله ذكرى تلك الفتاة ذات القامة القصيرة بالنسبة إليه ، فابتسم فور تذكره لكيفيه صياحها في مديرها و فيه لانه كان يضحك بصوتٍ مرتفع على ردةِ فعلها ، ثم اختفت ابتسامته تدريجياً حتى غط في نوم عميق .
........................................................................
أدعو الله أن تقضوا أسبوعاً مشرقاً 🤍✨
أنت تقرأ
دِفْءُ الْخَريفِ الْبارِدِ 🍂
Romanceللقدر منعطفات غريبةٌ جداً في حياتنا قد يدور بنا في دوائر الحزن و بعدها يرسى بنا على شواطئ السعاده و وحده من يتحمل ألم الحزن يحصل على الكثير من السعاده ... فصل الخريف البارد ، كثيراً ما نرى الوحدةَ فيه، ولكن بطلتنا لها رأيٌ آخر فدفءُ قلبها قد يردع ك...