🍒الفصل التاسع🍒

1.2K 31 5
                                    




🍒الفصل التاسع🍒


حالة من الانسلاخ عن الواقع، الانسلاخ عن الوجود تهيمن عليه منذ أيّام، يشعر أنّ روحه معلّقة بنقطة ما فوق سطح الأرض ترقب كلّ شئ بما فيها هو شخصيّا دون أدنى فهم أو شعور لما يحدث حقيقة بل... لما يريد!
أيّام مضت مذ كان بالمقبرة يحضر جنازة لآخر شخص في الدنيا توقّع أن يذهب لجنازته يوما، هو لا يعرف ما الذي أخذه هناك وما كان حافزه لكن ربّما... ربّما كان يريد أن يتأكّد أنّه مات حقا، بأنّ حبل المشنقة الذي كان مربوطا على قلبه قد أزيح... بأنّ قلبه سيستطيع التنفس بحريّة أخيرا...
ذلك "المخنث" كان جرعة سامّة تهدّده دوما بالموت والغريب أنّه كلّما حاول تناسيه فتناسيها بالمقابل كان هو فادي من يقترب... كم أحسّ معتز بغرابته بخروجه من طابور المعايير الشرقيّة لأيّ رجل، كم كان يتعجب منه عندما كان يتقرّب ويتودّد منه بكلّ لطف دون أيّ غيرة رجولية متناسيا كونه زوج زوجته الأوّل في حين كان هو بنفسه يمسك أعصابه قسرا من أن يقتلعه من الأرض ممسكا بمطلع روحه فيعتصرها حدّ الاختناق
فادي... شخصيّة غريبة أثارت غضبه واستفزازه و... ريبته... تلك الكلمات التي ألقاها عليه يوما ابن جيرانه لم تلق في عقله سوى الشماتة... شماتة طفوليّة بكون غريمه برجولة مشكوك بها ولكنّه وللواقع لم يصدّق ما قيل له أبدا... عقله رفض تلك الفكرة رغم ما بها من ثقوب تنفّس عبرها لافظا بعض الألم... فكيف... كيف لفادي أن يكون حقّا شاذا رغم زواجه من مي... لقد عاشت معه خمسا من السنوات... خمسا جلدنه حدّ البكاء قهرا
لكن رؤية ذلك الشاب بالمقبرة بذات المواصفات التي سمعها منه صعقت دماغة، قدومه متأخرا ورؤيته باكيا، نشيجه وكلماته التي لم يسمع منها شيئا أثارتا شكوكه فجعل من التحقّق عنه والبحث عن تفاصيل حياته القذرة بالأيّام الفائتة همّه الشاغل وهكذا فقد عرف ما عرف... فادي قد كان حقّا... شاذا!!
غمرة الراحة التي سكنت فؤاده المتلظّي بنار الغيرة ما إن زالت صدمة استيعاب تلك التفاصيل القذرة التي سمعها من أحد الشباب الذين يسكنون بذات الحيّ الذي يقطن فيه ذلك الحقير سرعان ما بدأت بالتململ...

صحيح أنّ وجع الرجولة النازفة فيه قد سكن قليلا وقد علم أنّ كلّ خيالاته النائحة لها بين ذراعي فادي قد كانت مجرّد كوابيس، صحيح أنّ قلبه قد هدأت نيرانه وقد أيقن أنّها لم تكن يوما لغيره ولكن... ماذا بعد... ماذا بعد يا الله... أما كان هناك للرجل عقوبة لرعونة لسانه أقلّ قسوة بقليل... قليل فقط من أن تكون زوجته لآخر... فعليّا لآخر!!
ماذا الآن... أعليه أن يراها من جديد تزفّ لآخر... رجل حقيقي هذه المرة، أم... أم ربّما قد تقرّر هي هذه المرة أن تشاركه النسك ويبقيا معا يتغذيان على ذكريات ماضية هذا إن كانت أبقت لنفسها منها شيئا!!

دقائق قليلة وسمع طرقا خفيفا على باب غرفته ليصرخ "ادخل" بنزق لكنّه ما إن رأى رأس شقيقته يطلّ عليه حتّى وقف بسرعة مبتعدا عن سريره الذي كان مرتميا عليه واقترب منها سائلا بلهفة: شو ليش رجعتي بسرعة كيفها طمنيني عنها هي منيحة؟
نظرت له شقيقته والتي كانت قد ذهبت قبل وقت قصير لبيت جيرانهم أهل مي للإطمئنان عليها وتعزيتها ولو متأخرا بوفاة زوجها بتشجيع منه وعدم رضى من والدتها وقالت بتهرب: ما بعرف... ما شفتها
هفتت لهفته قليلا وقال بدهشة: ليش ما شفتيها؟ تعبانة يعني؟
ارتبكت نظراتها وقالت تتهرب من وضوح الإجابة: لأ... يعني... ممما كانت بالبيت

عندما يعشقون صغاراً (ج2 من سلسلة مغتربون في الحب) لِـ "نيڤين أبو غنيم"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن