الفصل السادس
صدفة .. مع الذكريات
سار عادل متكئا على عصاه الخشبية فوق الرصيف في وسط المدينة .. شارد الذهن .. غافلا عن ضجيج السيارات .. وعن نظرات الناس التلقائية نحو عصاه وعرجه الواضح ..عادة .. كان يعتكف في البيت رافضا الخروج تجنبا لهذا النوع من الاهتمام الغير مرغوب به .. إلا أنه هذه المرة .. كان يفكر بأشياء أكثر أهمية من كبرياءه العزيزة .. وشفقة الآخرين المرفوضة .. لقد كان يفكر بلندا .. والتغير الواضح فيها خلال الأيام السابقة .. هي تظن بأن ابتسامتها الدائمة ومرحها المصطنع قادرين على خداعه .. لقد رباها تقريبا منذ ولادتها عندما كان له من العمر 9 سنوات .. وهو يعرفها جيدا بالضبط كما يعرف راحة يده .. هناك شيء ما يزعجها .. يؤرقها في الليالي عندما كانت تظن بأن أحدا لم يشعر بتقلبها فوق سريرها .. ونهوضها منه مرارا بعد منتصف الليل .. شيء يسلب منها شهيتها للطعام واستمتاعها بأصغر المباهج كعادتها .. هو أبدا لم ير شقيقته الصغرى بهذه الحالة إلا مرة واحدة .. في السنة الماضية .. مباشرة قبل أن تفقد عملها الذي كان يدر عليها دخلا جيدا .. وبعد أن فقدته بحجة خطأ ارتكبته أثناء نقل بعض البيانات .. مما سبب لرئيسها الكثير من المشاكل .. أي أحمق تظنه ؟
هو يعرف جيدا بأن سبب طردها من عملها كان مختلفا .. هو فقط لم يرغب بأن يعرفه .. لأنه كالعادة .. لن يتمكن من فعل أي شيء حياله .. هذه المرة .. لم يستطع تحمل رؤية شقيقته تذوي أمامه دون أن يتدخل .. لقد آن الأوان لينهض من سباته .. ويتحمل عنها بعض المسؤولية .. صحيح ؟
وقف مكانه عندما شاهد تلك الكافتيريا التي يعرفها جيدا .. والتي كن يرتادها كثيرا في الماضي .. برفقة ..
لا .. منع نفسه من التفكير بها .. إلا أنه لم يستطع إلا أن يخطو إلى الداخل .. وكأنه لم يقاوم إغراء القيام برحلة عابرة .. سريعة نحو الماضي
هناك ..لم يتخيل ابدا أن يجد الماضي أمامه .. جالسا على تلك الطاولة المختبئة في الزاوية اليمنى .. والتي تحركت عيناه تلقائيا نحوها .. كانت جالسة هناك .. كما يذكرها تماما في تلك الأيام التي انتظرته خلالها مرارا .. هذه المرة .. لم تكن تبدو متشوقة و سعيدة .. لم تكن تنظر إلى ساعة معصمها بين الحين والآخر في انتظار لا صبر فيه .. عرف بأن ما عليه فعله هو المغادرة الفورية .. إلا أن ساقيه تحركتا وحدهما نحو أول طاولة وجدها أمامه .. وجلس عليها دون أن تفارقها عيناه ..
صحيح أنه يراها كثيرا .. إلا أنه هذه المرة .. كان يراها بدون قناع البرود واللا مبالاة الذي كانت ترتديه كلما جاءت للزيارة .. هذه المرة .. كان الحزن يظلل كل ملامحها الرقيقة التي يحفظها عن ظهر قلب .. والتي وصفها مرارا في كتاباته العشوائية التي يفرغ بها جزءا ولو يسيرا من إحباطاته
شعر بني داكن شديد النعومة .. ينسدل خلف ظهرها بحرية لتلاعبه النسمات القادمة من مدخل المقهى المفتوح .. عينين بسواد ليلة صيفية حارة .. تلمع كألف نجم عند الغضب .. أو عندما تسكنها العاطفة .. ملامح كلاسيكية .. ليست مثالية .. ولكنه يعشقها .. ولا يمل أبدا من النظر إليها .. أو استحضارها في الليالي التي تشتد فيها آلام ساقه .. فيستعين بصورتها على تحمل الألم الشديد .. ثم يغفو في النهاية واسمها الرقيق المكون من الحروف الثلاثة .. يتردد بين أنفاسه وكأنه سر وجوده .. منى ..
أحس بألم يخترق قلبه وهو يتأمل حزنها الشديد .. فكرة أن يكون هو سببا غير مباشر لزوال إشراقة وجهها التي قلما غادرتها في الماضي عذبته .. ذكرى نبذه لها من حياته البائسة .. ورفضه القاطع لأي محاولة منها لإثبات تمسكها به رغم الظروف .. جعلت أحشاؤه تتقلص ..
كيف أستطيع أن أعوضك عما سبته لك من حزن يا أميرتي ..
رفعت يدها في هذه اللحظة ومسحت دمعة فارة من عينيها .. وعندما لحقت بتلك الدمعة .. سيول بدت وكأنها لن تتوقف .. ورآها تصارع بحثا عن منديل داخل حقيبتها الكبيرة
نهض دون أن يفكر .. واتجه نحوها بخطوات بطيئة .. شاهرا منديلا ورقيا نظيفا .. مطويا بعناية أمامها
أجفلت وهي تنظر إلى المنديل المطوي بطريقة تعرفها جيدا .. ولطالما سخرت منها في الماضي .. وخفق قلبها بقوة وهي ترفع بصرها ببطء نحو عادل .. الذي أشرف عليها بقامته الطويلة .. عابس الوجه ..وكأنه يكره اضطراره للاقتراب منها أو حتى الاحتكاك بها عن بعد .. عندما ترددت .. قال بخشونة :- خذيها .. لقد بدأ الكحل يلطخ عينيك ..
هذه الملاحظة كانت كافية لتحملها على أخذ المنديل .. والبدء بتجفيف دموعها وتنظيف عينيها رافضة رغبة دفينة بالهروب إلى غرفة السيدات وتحسين مظهرها هناك .. من جهة .. كان موقفها ليبدو هروبا وضعفا لم ترغب بأن تظهره له .. ومن جهة أخرى .. عرفت بأنها لن تجده عندما تعود .. وهو ما أثار ذعرها أن تفكر به بعد كل شيء ..
تمتمت وهي تتمالك مشاعرها :- شكرا لك .. آسفة لإحراجك
نظر حوله بسرعة .. ثم جلس أمامها قائلا باقتضاب :- لم تفعلي .. فلا أحد لاحظك سواي
هل كان ينظر إليها بينما هي شاردة الذهن في كل ما يجعل حياتها تعيسة ؟ .. منذ متى ؟.. قالت بفظاظة :- آسفة إذن لأنني قد أزعجتك واضطررتك لمجالستي .. بل والتخلي عن منديلك لأجلي
ابتسم مما أدهشها .. عندما لمحت لتذكرها لعادته القديمة في حمل منديل واحد أينما ذهب .. قال بهدوء :- تعرفين بأنك أنت كنت السبب الوحيد لحملي ذلك المنديل
احمر وجهها رغما عنها وهي تتذكر الماضي .. عندما كانا يخرجان معا خلسة عن الأهل .. عندما كانا يسيران أميالا دون تعب أو ملل .. يتحدثان .. يضحكان .. يتوقفان لأكل البوظة .. تلطخ أنفها بها كالعادة .. فيخرج هو منديله بطريقة مسرحية كساحر يخرج أرنبه من قبعته .. ويمسح البقعة عن أنفها وهو يضحك من توردها .. فتلتقي أعينهما .. و..
قالت بفتور قاطعة سيل الذكريات :- لحسن الحظ .. أنت لم تعد مضطرا لتحمل رفقتي بعد الآن ..
قال بابتسامة شاحبة :- العادات القديمة لا تموت بسهولة
صمتا طويلا .. كل منهما ينظر بعيدا عن الآخر .. يفكر بأن العادات .. ليست وحدها ما لا يموت ويختفي بسهولة .. قال قاطعا حبل الصمت :- آسف لتطفلي .. عندما رأيت دموعك .. تحركت دون تفكير .. لم أقصد إزعاجك
تمتمت وقد عرفت بأنها قد بالغت في ردة فعلها اتجاهه :- شكرا لك
صمت آخر .. لم يدم طويلا هذه المرة .. إذ قال بهدوء :- ألا ترغبين بالحديث عن سبب بكاءك ؟
قالت بجفاف :- ليس معك
أحس بوخزة صغيرة من الرفض قبل أن يستعيد تهكمه قائلا :- لست بحاجة لأن تخبريني لأعرف سبب بكاءك .. شجار آخر مع والدك بالتأكيد .. هل قدمك مجددا لأحد الأطباء المنمقين الذين يمتلئ به مستشفاه ؟ ...
أخذت نفسا عميقا وهي تفكر .. لندا .. ستموتين على يدي .. قالت ببرود :- هذا ليس من شأنك .. سبب بكائي مختلف تماما .. في الواقع .. الدكتور حسان الذي زارنا ليلة الأمس كان في غاية التهذيب والرقي .. شخص متحضر يستحق الاحترام .. ومن المرجح أن أوافق في النهاية على الزواج منه
لم تلاحظ كيف انقبضت أصابعه حول عصاه بقوة .. أو البرود الذي كسا عينيه .. بينما تابعت هي بنفس اللهجة المستفزة :- إنه رجل حقيقي .. واثق من نفسه .. لا يخاف من المواجهة .. وبالتأكيد .. لن يخفي نفسه أبدا خلف أعذار واهية كـ ..
قاطعها ضاربا سطح الطاولة بقبضته هاتفا من بين أسنانه :- كل ما كان عليك فعله هو أن تطلبي مني المغادرة
التوت الأعناق .. وحدقت بهما الأنظار الفضولية عندما دفع عادل كرسيه إلى الوراء واقفا .. ومغادرا المكان بدون أي كلمة أمام عينيها المذهولتين .. أسرعت تضع مبلغا من المال فوق الطاولة ثمنا للقهوة التي لم تتذوقها ..وحملت حقيبتها ولحقت به إلى خارج المقهى .. نادته وهي تهرول خلفه :- عادل .. انتظر
توقف ناظرا إليها من وراء كتفه .. بينما وقفت هي تحاول التقاط أنفاسها قائلة :- أنا آسفة .. أنا حقا آسفة .. لم أرغب بإزعاجك .. كنت أمر بوقت سيء فحسب
عرف هذا دون أن تخبره .. فهو يحفظ ردات فعلها عن ظهر قلب .. عندما تغضب منى أو تجرح .. فإنها لا تهرب كغيرها من النساء .. بل تواجه الآخرين بلسانها محاولة إثبات قوتها .. قال بغلظة :- هذا واضح
قالت بتوتر وهي تشير إلى المقهى خلفها :- أرجوك .. لا تغضب مني .. لنعد إلى الداخل .. سأدعوك إلى فنجان من القهوة ..
نظر إلى مدخل المقهى عابسا للحظات .. قبل أن يقول باقتضاب :- أفضل السير إن لم تمانعي
عرفت على الفور بأن رفضه راجع لأحد سببين .. أولهما الرفض التام لفكرة دعوتها له حتى إلى كوب من الماء.. والثاني .. عدم الرغبة في ارتياد مكان عابق بالذكريات
سارت إلى جواره فوق الرصيف بصمت .. محاولة ألا تفكر بالوقت الذي مر منذ كانت تسير برفقته بهذا الشكل لآخر مرة .. لا . لقد كان الأمر مختلفا .. أيديهما كانت تتشابك تلقائيا باستمرار .. ونظراتهما كانت تلتقي مع ابتسامات متبادلة ذات معنى .. بعكس هذه المرة حيث التوتر يتذبذب حولهما في الهواء
سألته أخيرا :- كيف حال عمتي ؟ ولندا ؟
قال بجفاف :- حال أمي لا يتغير .. ولندا تعيش في عالم آخر .. أخمن طبعا بأنك على اطلاع على سبب انزعاجها الذي تظن بأننا لا نلاحظه
قطبت وهي تركز بصرها إلى الأمام باحثة عن جواب مناسب لاستفساره .. فهي تعرف بالضبط مشكلة لندا .. وتكاد تجن قلقا على وضعها الجديد المقلق .. ولكنها لا تستطيع مصارحة عادل بالحقيقة قائلة بساطة ( كل ما في الأمر أن شقيقتك الصغرى تقبض راتبها من تجسسها على الموظفين لحساب رئيسها في العمل ).. قالت باقتضاب :- إنها متوترة بسبب عملها الجديد .. تخشى أن تخيب أملك مجددا .. لذلك تشعر بالضغط وتحاول بذل جهدها للحفاظ عليه
أدركت بأنها أخطأت توجيه الحديث عندما استرقت نظرة نحوه ولاحظت جمود ملامحه الوسيمة .. هل بدا الأمر وكأنها تلومه على محنة لندا ؟ .. قال ببرود :- أعرف كيف تشعر لندا بالمسؤولية وكيف تحمل نفسها ما يفوق طاقة فتاة في عمرها .. لست مضطرة للتلميح إلى فشلي في أداء دور الشقيق الأكبر ورب العائلة
قالت بانزعاج :- انا لم أقصد هذا
:- بل قصدته .. وتقصدينه في كل مرة تنظرين فيها إلي وحتى دون أن تتكلمي ناسية بأنني كنت دائما قادرا على قراءة أفكارك يا منى
وقفت واستدارت إليه هاتفة بحدة :- أنت لا تعرف على الإطلاق بماذا أفكر .. فتوقف عن افتراض الأسوأ عني .. لأنني إن كنت أجدك فاشلا .. أو إن كان لدي أي انتقاد نحوك .. لقلتها لك في وجهك .. دون مواربة
واجهها .. ونظر إلى وجهها المحمر .. وقال بصرامة :- انظري إلي إذن .. وأخبريني بالحقيقة .. بنظرتك الحقيقية إلي .. وإن كنت تجدينني مقصر في حق لندا أم لا .. لو انك تجرؤين
التقت نظراتهما طويلا .. حبل التحدي اشتد بينهما حتى كاد أن ينقطع .. قالت أخيرا بجرأة :- إن كنت تنتظر مني مديحا كاذبا .. وإنكارا لأي تقصير منك فستنتظر طويلا
كسا البرود وجهه ونظراته .. فتابعت بقسوة :- أنا حقا أرى بأنك تضغط على لندا بطريقة غير مباشرة .. ها أنت تقف امامي .. دون أن تختلف كثيرا عن عادل الذي عرفته دائما ولسنوات طويلة .. ومع هذا .. تغرق نفسك في تلك الحالة السخيفة من الكآبة ورثاء الذات .. وتصنع حول نفسك هالة باهتة من العجز الكاذب .. تنشر البؤس من حولك فيغمر كل القريبين منك .. فتزرع لدى لندا تلك الحاجة إلى إخراجك منها بمحاولتها الدائمة للقيام بما كان يتوجب عليك أنت القيام له .. أنت .. المختبئ خلف إعاقتك .. العاجز عن الركض لتحقيق أهدافك بسبب نزعة مرضية لديك لإثارة شفقة الآخرين عليك ..
تسلل الشحوب ليلون وجهه . بينما حافظ برباطة جأش على برودة نظراته .. بينما توتر فمه بإشارة واضحة نحو اضطرابه من هجومها القاسي غير المتوقع
هزت رأسها قائلة بإصرار :- لن أقف هنا وأربت عليك كغيري يا عادل .. لندا ليست بحاجة إلى أخ غاضب وحاقد على ما ناله من ظلم .. هي بحاجة إلى أخ حقيقي تتمكن من اللجوء إليه ومصارحته بمشاكلها .. وطلب المساعدة منه دون القلق من الإزعاج الذي سيلحق بمزاجه العكر منذ أربع سنوات كاملة
صوتها كان يزداد ارتفاعا مع تدافع الكلمات عبر فمها .. مما جعل بعض المارة يبطئون من السير ورمقهما بفضول شديد .. بينما بدأ شحوب وجه عادل يتحول تدريجيا إلى لون قاتم وهو يقول ببرود شديد :- من الواضح أنك كنت في انتظار هذه اللحظة طويلا يا آنسة منى
راقبته بعجز وهو يشيح بوجهه عنها ويسير مبتعدا .. فصاحت من وراءه بانفعال :- هيا اهرب .. كما تفعل دائما يا عادل .. الحقيقة مؤلمة .. إلا أنها تظل حقيقة في النهاية
استدار فجأة عائدا إليها وهو يضرب الأرض بعصاه صائحا بثورة :- هل تظنينني جاهلا لهذه الحقيقة ؟ هه .. هل تظنيني لا أعرف بأن كل كلمة قلتها عني هي صحيحة تماما .. أعرف هذا جيدا يا ابنة عمتي العزيزة .. وأعرف إلى أي حد تعاني شقيقتي بسببي .. إلى أي حد تعاني عائلتي كلها بسببي .. لست مضطرة لطعني بكلماتك والانتقام مني لأنني خيبت أملك ذات يوم .. فأنا أنتقم من نفسي عنك كل يوم .. وكل لحظة ..
قالت بيأس :- عادل .. انا ..
قاطعها بثورة عير مبال بلفتهما الأنظار :- أنا لا أقف مكتوف اليدين أمام معاناتهما يا منى ... أنا أسعى باستمرار في محاولة لإيجاد مخرج ما من الحفرة التي سقطنا فيها معا منذ أربع سنوات .. في ليلة بائسة فقدنا فيها أبا .. وحياة .. وأحلاما لا نهاية لها .. اليوم .. وتحديدا منذ نصف ساعة .. وجدت عملا إضافيا كبائع في مكتبة يمتلكها صديق لي .. لن أسمح للندا بالمعاناة وحدها بعد الآن .. وإن كان الثمن هو أن أضيف لقب ( بائع حقير لا قيمة له ).. إلى قائمة الألقاب التي ينعتني بها والدك منذ الأزل
أنكرت كاذبة وهي تشعر بتعاسة شديدة بسبب معاناته :- هذا غير صحيح
أطلق ضحكة ساخرة مريرة وهو يقول :- لست ماهرة في الكذب يا منى .. أعرف كم يكرهني والد .. كم يحتقرني .. ويشمئز مني .. وكم يتمنى لو أنني مت في ذلك الحادث .. أعرف ما ينشره بين الناس عن أعمال ابنته الخيرية مع أقاربها الفقراء .. خائفا من أن يفسر أحدهم اهتمامها على أنه شعور أكبر نحو ابن خالتها المعاق .. أعرف إلى أي حد يخشى أن يصحو ذات يوم ليجدني صهرا له
ضحك بمرارة بينما شحب وجهها هي هذه المرة .. وقال :- بحق الله .. ما الذي ستجده فتاة مثلك لدى رجل مثلي ؟ .. لم لا تتزوجين أحد أطباءه المتحذلقين فتمنحينه صهرا قادرا على إدارة مستشفاه من بعده .. وتريحينه من عذابه ؟ .. وتريحينني أنا أيضا من قفزك أمام وجهي يوما بعد يوم .. بكل برودة ووقاحة غير مبالية بكراهيتي التامة لرؤيتك
عرف عادل بأنه قد بالغ في هجومه عليها عندما رأى الدموع التي تجمعت في عينيها دون أن تغادرها .. إلا أنه كان عاجزا عن التراجع في هذه اللحظة .. عندما ضمت سترتها الجلدية إليها مبعدة وجهها عنه وهي تحاول جاهدة الحفاظ على تماسكها .. قالت بصوت مختنق دون أن تنظر إليه :- انا آسفة .. لم أعرف بأنني كنت أسبب كل هذا القدر من الإزعاج لك بزياراتي المتكررة .. أعدك بأنني لن أزعجك مجددا
فتح فمه ليقول شيئا .. ولكنها استدارت مبتعدة بخطوات سريعة .. وكأنها لا تطيق صبرا لوضع أكبر مسافة ممكنة بينهما .. راقبها وهي تختفي بين الزحام .. فاختفى غضبه تماما .. لتحل محله الكآبة التامة .. و اليأس الشديد .. وقلبه يحدثه بأنه لم يخسر منى حقا .. حتى هذه اللحظة