الفصل الرابع عشر
ضياع حتى ...كان القلق ظاهرا بوضوح على منى وهي تنظر عبر زجاج السيارة إلى الطريق المزدحم للمدينة في طريقها إلى البيت .. عندما سألها الدكتور حسان :- هل أنت بخير ؟ .. بالكاد تكلمت خلال الساعة الأخيرة
نظرة إليه معتذرة وهي تقول :- أنا آسفة .. أشعر بالتعب فحسب
ابتسم لها .. فأعجبت بابتسامته اللطيفة .. كان الدكتور حسان رجلا حسن المظهر في الرابعة والثلاثين .. كان أنيقا للغاية .. مهذب الطباع .. رقيق الكلام .. أعجبت به حقا عندما منحته الفرصة لإثبات نفسه خلال الغداء الذي تناولته معه برفقة العائلة منذ أيام .. إنه شخص راقي .. رجل حقيقي .. أعجب بها منذ رآها للمرة الأولى .. وكان مباشرا في إظهار نواياه .. هو يرغب بالزواج منها في أقرب فرصة
قال لها بلطف :- أنا الآسف .. ما كان علي اختيار مكان بعيد لتناول العشاء وأنا أعرف بأنك تتعبين في المدرسة صباحا .. ثم مع سامي مساءا
تمتمت مسرعة :- لقد أحببت المكان ..
:- ما المشكلة إذن ؟ .. ألم يعجبك الطعام ؟
تنهدت غير قادرة على إخباره بأنها قد رأت أعز صديقاتها برفقة رجل غريب في مكان يبعد عن منتصف المدينة أكثر من نصف ساعة .. لا .. لم يكن رجلا غريبا .. لقد كان صلاح النجار .. تعرفته منى بسهولة بسبب صوره التي لا تتوقف الصحف الاقتصادية عن نشرها .. والتي نظرت إليها كثيرا في الآونة الأخيرة بعد تورط لندا معه ..
ما الذي تفعله لندا برفقته ؟ .. هل هو السر الذي كانت تخفيه دائما عنها بصمتها وتباعدها ؟ .. الصديقتان بالكاد كانتا تلتقيان خلال الأيام الأخيرة .. وعندما تتحدثان هاتفيا .. كانت منى تلاحظ مرح لندا الزائف .. لندا التي كانت كلما تحدثتا تثقب أذنيها بنوبات القلق والحيرة التي تنتابها دائما .. ومطالبتها التي لا تتوقف بالنصيحة .. هل كبرت الفأرة الصغيرة وما عادت بحاجة إلى دعم صديقتها ؟
أنانية من منى أن تغضب لأن لندا قد نضجت وأصبحت لها همومها الخاصة .. إلا أن حاجة لندا القديمة إليها .. وقدرة منى على حمايتها بالنصيحة والتفهم كانا يولدان لديها إحساسا بالرضا .. يعوضها دائما عن افتقادها للأخت الصغرى التي لم تحظى بها .. ويقربها من عادل الرافض دائما لها ..
يجب أن تفرح لأن لندا أصبحت مستقلة أخيرا .. إلا أنها لا تستطيع .. ليس عندما يكون صلاح النجار طرفا في الموضوع .. لطالما تعرضت لندا للتحرش من أرباب عملها السابقين الذين رأوا في واجهتها الهشة هدفا سهلا .. لتفاجئهم لندا دائما بتحولها إلى لبوة عندما يتعلق الأمر بعفتها ..
إلا أن أحدهم لم يكن كرب عملها الحالي .. لقد رأت صوره كثيرا عبر المجلات والصحف .. إلا أن رؤيته شخصيا ولو من بعيد كانت مختلفة .. ذلك الرجل يمتلك جاذبية مخيفة .. من ذلك النوع الذي كما هو قادر على أن يولد لدى المرأة إحساسا بالضعف الأنثوي فإنه قادر أيضا على أن يولد إحساسا بالنفور الشديد ..
بالنسبة إليها .. لم يكن ما أحسته ضعفا .. أو نفورا .. لقد كان خوفا .. فصلاح النجار مختلف تماما عن الرجال الذين التقت بهم لندا في حياتها .. لقد كان طويلا نسبيا .. ذا أناقة فطرية تشي بأصوله النبيلة .. وسامته لا مثيل لها .. تذكرها بعارضي الأزياء الشديدي الوسامة الذين يظهرون عادة في إعلانات العطور .. إلا أنه كان نسخة أكثر رجولية .. أكثر قسوة وشدة .. وقطعا لندا لن تكون ندا له إن وضعها نصب عينيه .. وهو ما يبدو أنه قد حدث وإلا لما أخذها إلى مكان كهذا
( منى )
أفاقت من شرودها مجددا وهي تقول :- آسفة .. هل كنت تقول شيئا ؟
قال برقة :- كنت أشكرك لأنك رافقتني هذا المساء .. مازلت غير مصدق لأن الدكتور فوزي قد قبل أن آخذك للعشاء وحدنا
فكرت بمرارة ساخرة ( لا فكرة لديك كيف يمكن أن يصبح أبي متحررا في سبيل تحقيق أهدافه ) .. قالت بهدوء :- هو يعرفك جيدا .. ويثق بك ..
:- وماذا عنك ؟
نظرت إليه مرتبكة فأكمل :- متى ستثقين بي وتسمحين لي بأن أصبح خطيبك رسميا ؟
احمر وجهها .. فأشاحت به تنظر عبر النافذة للحظات قبل أن تقول بهدوء :- نحن بالكاد نعرف بعضنا .. لم لا نمنح أنفسنا بعض الوقت كي نتأكد من صواب أي خطوة نقوم بها ؟
قال بحزم :- أنا متأكد تماما بأنك الفتاة المناسبة لي .. لقد سبق وأخبرتك .. منذ رأيتك العام الماضي أثناء زيارتك لوالدك في المستشفى عرفت بأنك من أريد أن تكون زوجة لي
تنهدت عاجزة عن الرد .. فقال :- أنا مستعد للانتظار .. لا مشكلة لدي يا منى .. ولكنني أريد أن أعرف إن كنت أضيع وقتي عبثا .. تستطيعين على الأقل أن تلمحي لي بأن انتظاري .. قد يأتي بثماره في النهاية
أغمضت عينيها بقوة .. لماذا لا تقولينها ؟ .. الدكتور حسان عريس مناسب وأي فتاة تتمنى لارتباط به .. ربما أنت تحبين عادل .. وستحبينه دائما .. إلا أن حبه لن يمنحك ما تريدين .. لا العائلة .. لا الاستقرار .. أو حتى الإحساس بأنك محبوبة بدورك .. فكري بنفسك فقط .. انسيه .. أو تناسيه على الأقل .. تظاهري بأنك لم تعرفيه يوما .. وامنحي هذا الرجل اللاهث وراءك الفرصة لإثبات نفسه
التفتت إليه أخيرا .. وابتسمت .. ابتسم بانشراح وقد عرف بأنه قد نال ما أراد .. دون أن يعرف ما يختبئ وراء تلك الابتسامة من حزن وحسرة