الفصل الثالث عشر
في دوامة الشيطان
:- بحق الله .. انظري إليها
نظرت لندا إلى حيث أشارت زميلتها مرح .. إلى نادية .. السكرتيرة السابقة للسيد حافظ .. كانت تجلس حول إحدى موائد مقهى الشركة برفقة إحدى زميلاتها .. تتسامر معها وهي ترمي سهام نظراتها هنا وهناك .. لم تستطع لندا أن تحبها .. ولم تعرف السبب .. لقد أحست فقط بأنها مختلفة تماما عنها .. دون أن تعرف موضع الاختلاف .. وضحت مرح :- انظري إلى ملابسها .. وزينتها الصارخة .. وكأنها ذاهبة إلى سهرة راقصة وليس إلى عمل جاد ... والطريقة التي تحاول فيها لفت الأنظار .. إنها حقا مثيرة للشفقة
استغربت لندا الوصف فكررت بحيرة :- مثيرة للشفقة ؟
إذ أن المذكورة كانت تبدو أي شيء إلا كفتاة مسكينة تستحق شفقة الآخرين .. ردت مرح :- سعيها اليائس والمفضوح للإيقاع بالريس مضحك للغاية .. وكأنه حقا سينظر إلى فتاة مثلها .. لا تمتلك شيئا حقيقيا لتمنحه إياه
سألت لندا بارتباك :- هل تقصدين السيد صلاح ؟
قالت مرح بنفاذ صبر من بطء فهم لندا :- الكل يعرف بأنها تحبه .. بل هي مهووسة به .. تترصده أينما ذهب .. تسترق له الصور بهاتفها كلما مر عبر بهو الشركة .. عندما نقلت للعمل في مكتبه .. كادت تموت فرحا .. ليخيب أملها عندما أعادها إلى عملها القديم دون أن يظهر لها أي اهتمام .. بحق الله .. انظري إليها .. هل تبدو كفتاة قد تعجب رجلا كصلاح النجار .. تحلم النساء في كل مكان لكسب نظرة منه
نظرت لندا نحو نادية محاولة إخفاء اضطرابها .. قالت بضحكة مصطنعة :- وما أدراني بالنوع الذي يعجب رجلا مثله
:- من الواضح أن الفتاة القادرة على لفت نظره .. يجب أن تكون مميزة ... ذات جمال مبهر مثلا .. كسكرتيرته آية .. أستغرب حقا كيف قبلت خطوبة رشاد الخطيب - رغم أنه رجل رائع بدوره - بينما السيد صلاح النجار متوفر
قالت لندا بتوتر :- ربما لم تكن هي الأخرى من الطراز الذي يعجبه
ضحكت مرح ساخرة وهي تقول :- ألم تنظري إليها عن قرب ؟؟؟ السبب الوحيد الذي يمنع رجلا مثله عنها هو ارتباطها بصديقه .. أنا واثقة .. إنه زير نساء متمرس .. لن يترك صيدا ثمينا يمر من تحت ناظريه دون أن يتذوقه .. ألم تسمعي بقصته مع ابنة عمه ؟
لم ترغب لندا بالاستماع إلى كلمة أخرى عن صلاح النجار وقد كان السيرة المفضلة لدى كل فتيات الشركة .. فهي بالكاد كانت تتوقف عن التفكير عنه للحظات كل يوم منذ تركته مريضا تحت عهدة ابنة عمه الحسناء منذ أيام قليلة .. إلا أنها لم تستطع كبح فضولها وهي تسأل :- جودي ؟
:- هل رأيتها ؟ .. إنها فاتنة .. ولكنني عنيت ابنة عمه الأخرى .. أنا لم أرها إلا أن الجميع يقول بأنها بارعة الحسن والجمال .. امرأة حقيقية .. كسبت احترام المجتمع عن جدارة عندما رفضت بقوة الزواج من صلاح والذي فرضه عليها والدها مقابل ميراثها .. تخلت عن كل شيء كي لا ترتبط برجل ما كان ليخلص لها أبدا .. لقد تزوجت برجل آخر .. أما هو .. فلا أظنه سيتزوج أبدا .. لماذا يقيد نفسه بنوع واحد من الفاكهة عندما يكون بستان كامل في متناول يده ؟
لم تستطع لندا الربط بين الرجل الكريه والسطحي الذي تصوره مرح .. والرجل الذي كان مريضا بين ذراعيها قبل أيام .. يستجدي الحب من حبيبة مجهولة .. صلاح النجار ليس قاسي القلب كما يظنه الآخرون .. هناك وجه آخر له يختفي خلف قناع القوة والبرود .. وجه عرف الحب وويلاته .. وجه اختار أن يغلف قلبه بالقسوة كي لا يعاني مجددا
هزت رأسها رافضة أن تتمادى في التفكير .. فصلاح النجار .. مهما كانت حقيقته .. فهو رجل مخيف .. مخيف في تناقضه .. في قوته وضعفه .. بغضبه وخبثه .. هو رجل خطير قادر على إحراق من يقترب منه .. كاللهب حين يجتذب الفراشة .. ليحرق أجنحتها بحرارته .. وهي تشعر بنفسها منذ أيام .. كتلك الفراشة .. لا تستطيع منع نفسها عن التفكير به .. والتساؤل عما حدث بعد رحيلها عن بيته .. وإن كان قد فكر ولو للحظة بالفتاة التي ساعدته عندما رفض أن يعرف أي أحد بضعفه ..
عرفت بأنه قد غاب عن مكتبه يومين كاملين .. عاد بعدها وكأن مرضا لم يلم به .. دون أن يعرف أي أحد في الشركة سبب غيابه .. لم تره خلال الأيام السابقة .. ولكنها شعرت بالفرق الذي يصنعه وجوده في المبنى .. الهواء .. يكون مشحونا .. وكأن الذبذبات التي يولدها طبعه العنيف .. تنتشر في الأجواء ليعم التوتر .. والتأهب .. والإثارة بين الموظفين ..
.. انتهت ساعة الغداء .. وعادت لندا إلى مكتبها مجددا وهي تتنهد بتعاسة .. هي حقا ليست بحاجة إلى شيء جديد يشغل بالها .. يكفيها ما تعانيه بسبب الشجار بين منى وعادل .. والذي انعكس سلبا على والدتها التي تزداد ضعفا ومرضا مع الوقت .. صلاح النجار .. يجب ألا يكون جزءا من همومها بعد الآن .