الفصل العاشر

3.4K 65 2
                                    



الفصل العاشر

فرصة أخيرة

رفع صلاح رأسه عندما قاطعته عن عمله طرقات منغمة على الباب .. وابتسم عندما رأى الرأس الكستنائي لابنة عمه الصغرى يطل من الباب وهو يقول بشقاوة :- هل قاطعتك أيها الرئيس ؟
أخفى على الفور الملف الممتلئ الذي كان يتصفحه باهتمام .. وقف قائلا ببشاشة :- أنا لا أرحب فقط بهذه المقاطعة .. بل أعلن سروري المطلق بها .. ما الذي فعلته لأحظى بهذه الزيارة من جميلة جميلات المدينة ؟
دخلت إلى مكتبه الواسع وهي تقول ضاحكة :- كرر هذه العبارة عندما يكون تمام موجودا عدة مرات .. وسأمنحك مكافأة
عبس متظاهرا بالغضب عندما رفعت نفسها لتطبع قبلة أخوية على وجنته وقال :- هل يشك زوجك بقيمتك ولو لشعرة ؟ .. سيسعدني أن ألقنه درسا لأجلك .. لست بحاجة إلا لأن تطلبي
غمزت قائلة :- سأذكرك بهذا الوعد
أشارت برأسها نحو الباب قائلة :- أين آية ؟ .. وما سر السكرتيرة الجديدة ؟ .. كادت تمزقني بأسنانها عندما طلبت الدخول إليك بلا إعلان مسبق حتى أخبرتها بقرابتنا
ابتسم وهو يقودها إلى زاوية المكتب حيث أجلسها على أريكة جلدية مريحة وجلس أمامها قائلا :- لا تتظاهري بالجهل .. أنت تعرفين بأن آية في إجازة لأن زوجة شقيقها قد أخبرتك .. قولي لها عني بأنها ليست بحاجة لإرسال الوسائط عبرك وعبر رشاد .. ستعود إلى عملها قريبا
هزت جودي رأسها دون أن تنفي كلمة من كلامه وهي تقول بامتعاض :- الفتاة مغرمة بعملها حقا .. لا أفهم كيف لأي إنسانة طبيعية أن تحب العمل مع شخص مسيطر مثلك .. أنا ما كنت صمدت للحظة
قال ضاحكا :- أنت كسولة وملولة .. ولا تجيدين قلي بيضة .. فكيف بالقيام بأي عمل في الشركة ؟ .. كنت أفلستنا بعد مرور شهر واحد
عبست بغيظ وهي ترميه بالوسادة التي تزين الأريكة .. فتلقاها على الفور ضاحكا من تصرفها الطفولي ووضعها جانبا وهو يقول :- لن تكبري أبدا .. ستظلين دائما الطفلة المدللة ذات ذيلي الحصان .. والتي كانت تثير الإزعاج أينما ذهبت .. أشفق على زوجك لما يعانيه معك
بدلا من الغضب .. هزت كتفيها قائلة بغنج :- يحبني تمام كما أنا ..ويظن أنني مثالية تماما بعيوبي ومميزاتي
قطب قائلا :- مميزات !!! .. نحن نتكلم عنك أنت صحيح ؟
كادت تلقي عليه الوسادة الثانية لولا دخول السكرتيرة الشديدة الأناقة .. والمتوترة دائما .. التفت الاثنان نحوها بينما قال صلاح بهدوء وقد اختفى كل المرح عن وجهه :- هل تريدين شيئا يا آنسة نادية ؟
قالت الفتاة بتوتر :- أنا آسفة للمقاطعة يا سيد صلاح .. أنا أستفسر فقط إن كنت بحاجة إلى شيء
نظر إلى جودي قائلا :- بعض القهوة المرة ستكون جيدة
أومأت جودي المبتسمة بتسلية برأسها موافقة .. وعندما خرجت نادية ضحكت قائلة :- صلاح .. يا محطم قلوب العذارى .. سكرتيرتك غارقة تماما في حبك
قال بفظاظة :- جودي .. اصمتي .. وأخبريني بالسبب الحقيقي لقدومك .. أنت لم تأت حقا لتشفعي لآية أو لتتحري عن سكرتيرتي المؤقتة .
بهتت ابتسامتها .. وهي تقول :- تريد الحقيقة صلاح .. جئت لأجلك أنت .. هل تذكر متى كانت آخر مرة التقينا فيها .. منذ أسابيع .. وقد قضيت الوقت كله تتحدث هاتفيا وتلاحق أعمالك وكأنك لا تملك الوقت لنفسك .. أنا لا أحب أن أراك هكذا يا صلاح .. تعيش دون أن تعيش حقا .. سوف تنهار إن استمريت على هذه الحالة .. وأنا لن احتمل أن يصيبك أي مكروه
اختفى غضبه وهو يرى قلق جودي الصادق .. وأحس بالدفء يتغلغل في أعماقه .. جودي هي الشخص الوحيد في حياته والذي أحبه حقا .. منذ كانت طفلة رضيعة بين ذراعي أمها .. تولد بينهما ذلك الرابط الأخوي المتين .. وحتى الآن .. هو يعرف بأن مكانته عند جودي لم تقتصر على بنوة العم بينهما .. بل تطورت منذ وفاة عمه لتصبح أشبه بالعلاقة الأبوية .. لقد نصبته بديلا عن الأب الذي أحبته بجنون .. فلم يتردد أبدا في أن يكون العماد البديل في حياتها .. حتى بعد زواجها من رجل مسؤول يحبها كثيرا كتمام .. فإن جودي ظلت بحاجة إلى أحدهم ليحتل مكان الأب والحامي لديها
قال بهدوء :- أنا بخير يا جودي .. مشغول قليلا هذه الأيام
هزت رأسها بعناد قائلا :- عملك الكثير لا ينفي حاجتك لأخذ قسط من الراحة .. وأنا لا أعني بالراحة ذلك الوقت الذي تقضيه برفقة صديقاتك اللاتي اعتدت الخروج معهن من وقت لآخر
نهض قائلا بانزعاج :- من أين أتيت بهذه الأخبار ؟
راقبته باستمتاع قائلة :- لا تقلق يا صلاح .. لقد نضجت من فترة .. وأتقبل أن رجلا ناضجا مثلك لابد أن يكون لديه معجبات كثر .. لن تفسدني معرفتي بهذا .. كما أن المدينة كلها تتحدث عن الفتيات الجميلات اللاتي شوهدن معك .. واللاتي رميتهن جانبا بعد فترة وجيزة
لم تخطئ قراءة البرود في نظراته وكأنه لا يحب أن يسترق أحدهم النظر داخل حياته .. فوقفت قائلة بهدوء :- كل ما أردت قوله هو أنني وتمام سنكون سعيدين لو أنك زرتنا بين الحين والآخر .. وقضيت بعض الوقت معنا .. في النهاية .. نحن عائلة واحدة .. صحيح ؟
قال بهدوء :- صحيح
اقتربت منه .. وقالت بأمل :- أهذا يعني أنك ستأتي لتناول العشاء معنا في الأسبوع القادم ؟ .. أرجوك لا ترفض ..
ابتسم بحنان قائلا :- تعرفين بأنني لا أستطيع رفض طلب لك
أحاطت عنقه بذراعيها قائلة بسعادة طفولية :- أنا متحمسة للغاية .. سأطهو بنفسي احتفالا بزيارة صلاح النجار لبيتي المتواضع
:- جيد أنك قد أخبرتني بنواياك الطبخية كي آكل مسبقا قبل حضوري .. أخ ..
ضحك متأوها عندما ضربت صدره بسخط .. في تلك اللحظة .. فتح الباب .. ودخلت نادية بصينية القهوة .. ارتبكت عندما رأت تقاربهما .. ثم استحال ارتباكها إلى غضب شع في العينين الداكنتين .. قال صلاح بهدوء وهو يبعد جودي عنه :- ضعي القهوة فوق المكتب وسنخدم أنفسنا .. شكرا لك
عندما خرجت مغلقة الباب ورائها هزت جودي رأسها قائلة بحزن مصطنع :- إنها حقا غارقة في حبك .. على أحدهم أن يخبرها بأنك قد أغلقت قلبك في وجه أمثالها منذ زمن طويل كي لا تذهب آمالها بعيدا
قبل أن يوجه نحوها أي رد لاذع .. دوى صوت هاتفه المحمول المرمي على سطح المكتب .. اتجه نحوه معتذرا .. وقطب عندما رأى اسم المتصل .. رد بصرامة :- ماذا تريدين ؟
راقبته جودي وهي تحمل فنجان القهوة الخاص بها .. وجلست على حافة المكتب بينما ابتعد هو ليستمع إلى محدثته بتركيز .. مممم .. أهي معجبة جديدة ؟
لاحظت التغير في ملامحه .. وسمعته يقول من بين أسنانه :- سأتصل بك خلال دقائق
أنهى المكالمة .. وسهم بنظرات قاسية جدا وكأنه يفكر بأمر يغضبه بشدة مما أقلقها .. همست بتردد :- صلاح
نظر إليها .. فزالت كل معالم غضبه وهو يقول بهدوء :- من الأفضل أن تذهبي الآن يا جودي .. لدي موعد علي أن ألحق به
أنهت ما تبقى من فنجانها برشفة واحدة .. ووقفت قائلة بسخط مصطنع :- تبيع ابنة عمك الغالية لأجل موعد غرامي .. أنت لا تصدق
قادها إلى الباب وهو بقول مداعبا :- سأضطر لأن أطلب من زوجك قص لسانك الطويل .. أراهن على أن الفكرة ستعجبه كثيرا
مدت لسانها نحوه تغيظه بطفولية .. ثم فتحت الباب لتغادر فأوقفها قائلا :- جودي
التفتت إليه ولاحظت توتر فمه وهو يسألها :- هل هي سعيدة ؟
نظرت إلى وجهه الجامد .. وعينيه الخاليتين من المشاعر ..كما في كل مرة يطرح فيها عليها هذا السؤال .. مزق ألم شديد قلبها لما يعانيه صلاح صامتا .. محاولا التغلب عليه بغرقه بين عمله المرهق .. ومغامراته العاطفية الخالية من المعنى
.. لو أنه أي عاشق آخر . لعرفت جودي بأن نفيا بسيطا منها أو عدم تأكيد لسعادة المرأة التي أحبها بعيدا عنه .. كفيلة بإرضاء غروره .. ولكن ليس صلاح .. قطعا ليس صلاح
أومأت برأسها قائلة بهدوء :- للغاية
هز رأسه دون أن يعلق .. وقال بهدوء مغيرا الموضوع :- اتصلي بي لتخبريني بموعد العشاء المنتظر
وافقت .. وخرجت مغلقة الباب ورائها .. نظرت إلى السكرتيرة الغاضبة الجالسة خلف مكتبها دون أن تراها .. فقد كانت تفكر بابن عمها .. وإن كان يسجد يوما ما يستحقه من سعادة وسلام

مرت من هنا الجزء الثانى من سلسلة للعشق فصول لكاتبة بلومىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن