الفصل الثامن عشر

3.4K 70 3
                                    



الفصل الثامن عشر
زفاف الموسم


:- ماذا قلت ؟
نظرت جودي بحيرة نحو شقيقتها متسعة العينين .. والتي ظهر الاستنكار وعدم التصديق واضحين على ملامح وجهها الجميل .. كررت :- قلت بأن اسمها لندا سليمان .. هل تعرفينها ؟
قالت أماني بغلظة :- ألا أعرفها ؟
نهضت من مكانها .. ووضعت عمر الصغير من يدها فوق مقعده الهزاز .. أحكمت إغلاق الحزام حوله دون أن تستطيع السيطرة على رجفة يديها .. قالت جودي بقلق :- أماني .. ما الذي تحملينه ضد لندا ؟ .. لقد قابلتها مرة واحدة وبسرعة .. ولكنها بدت لي فتاة طيبة
استدارت أماني نحو جودي قائلة بشراسة :- طبعا ستبدو كذلك .. فهو ما تبرع به .. المظهر البريء الخادع والنظرات الصادقة .. وعند أول فرصة .. فهي ستطعنك في الظهر وبكل سهولة لأجل المال
أحست جودي بالضياع وهي تضع فنجان القهوة الذي أعدته لها أماني منذ دقائق .. وهي تحاول استجماع أفكارها .. لقد ظنت بأن أماني ستفرح عندما تعرف بأن صلاح سيمضي في حياته أخيرا .. وأنه سيرتبط بإنسانة أخرى مخرجا إياها من عقله إلى الأبد .. ظنت بأنها ستطمئن وترتاح .. وأنها لن تعود إلى القلق والخوف من احتمال إفساده لحياتها مجددا .. سألتها :- أماني .. من تكون لندا سليمان ؟
جلست أماني فوق الأريكة وهي تخفي وجهها الشاحب بين كفيها .. ماذا ستقول لجودي ؟ .. فهي لم تخبرها يوما عن تهجم صلاح المرضي عليها ذلك اليوم قبل أكثر من سنة .. لم تشأ أن تفسد علاقتهما وهي تعرف حاجة جودي الملحة في ذلك الوقت لوجود صلاح إلى جانبها .. همست :- لندا هي سكرتيرة هشام السابقة
رفعت جودي حاجبيها قائلة باستفهام :- و.... ؟
نظرت إلى جودي قائلة بكراهية :- لقد كانت تعمل لدى صلاح منذ ذلك الحين يا جودي .. كانت تنقل له أخباري وأخبار هشام مقابل المال .. كانت جاسوسة محترفة قبل أن تكشف نفسها فيطردها هشام من شركته على الفور .. لا فكرة لديك على الإطلاق بالضرر الذي كادت تسببه لي بمكرها وخداعها وطمعها ..
هزت جودي رأسها مصدومة وهي تقول :- هذا غير ممكن .. لو أنها سيئة كما تقولين ... لما فكر صلاح بالزواج منها .. أنا أعرفه جيدا
قالت أماني بخشونة :- أنا أيضا أعرفه أكثر مما تتخيلين .. ولا أستغرب أبدا لو تبين بأنها كانت له منذ ذلك الحين أكثر من مجرد وسيلة لمعرفة أخباري .. زواجه منها يدل على شيء واحد .. صلاح يخطط لشيء ما .. وأنا متأكدة بأنه ليس بالشيء الجيد على الإطلاق
هتفت جودي بحدة :- أنت مخطئة .. صلاح ما كان ليتزوج من امرأة يعرف أنها سيئة ..
أطلقت أماني صيحة استهجان وهي تقول :-أنت تظنين بأنك تعرفينه .. عاطفتك نحوه تعميك عن رؤية الحقيقة
وقفت جودي قائلة بغضب :- وكراهيتك أنت أعمتك أيضا عن رؤية الحقيقة .. وهي أن صلاح لم يتعرض لك ولو لمرة منذ زواجك .. لقد تركك في حالك .. ويحاول جاهدا أن يبني حياته بعيدا عنك .. من حقه أن يجد السعادة .. وإن كان قد وجدها مع تلك الفتاة .. فأنا سأكون أول المهنئات والمشجعات له .. وأنت أيضا عليك أن تفعلي المثل لأنه في النهاية ابن عمك .. وسيظل كذلك مهما حاولت إنكار علاقتك به
هتفت أماني باستنكار :- لو أنك تهتمين لأمره مثقال ذرة لوقفت في وجه هذا الزواج وحاولت إعادته إلى عقله .. إلا إن كان سبب مضيه في هذا الزواج هو اجتذاب كلام الناس عن الزواج غير المناسب الذي سقط فيه محاولا الانتقام مني على ما فعلته في الماضي
هتفت جودي بغيظ :- أنا لا أصدق أنك تتحدثين عن كلام الناس وقد كنت أول من رماه خلف ظهرك في الماضي .. اتركي الرجل يجد سعادته يا أماني .. ولا تكوني أنانية فلم أعرفك يوما كذلك
في تلك اللحظة .. سمعتا صوت جرس الباب .. تبعه صليل مفاتيح هشام الذي اعتاد أن يقرع الجرس أولا عندما يجد سيارة جودي الصغيرة خارجا
رسم على شفتيه ابتسامة ترحيب جمدت على وجهه عندما لاحظ توتر الجو .. قال بهدوء :- مساء الخير يا جودي .. أي مفاجأة رائعة أن أجدك هنا .. ستتناولين العشاء معنا .. صحيح ؟
ردت بتوتر :- مساء النور يا هشام .. كان بودي البقاء أكثر .. إلا أن تمام في انتظاري .. لقد دعا بعض عملاءه إلى العشاء .. ويتوقع وجودي معه
انحنت نحو عمر لتقبله بحنان .. ثم نظرت إلى أماني قائلة بجفاء :- أعيدي التفكير في الأمر يا أماني .. الماضي قد مات .. وقد حان الوقت لنفتح صفحة جديدة كعائلة واحدة متماسكة
قالت أماني بفظاظة :- لا تنتظريني في زفاف الموسم .. فلا نية لي لمشاهدة مسرحية فاشلة أعرف مسبقا سوء أداء ممثليها
عندما غادرت جودي .. خلع هشام سترته وربطة عنقه .. واتجه بهدوئه المعتاد نحو الصغير ليحمله .. فأخذ الطفل يركل بقدميه ضاحكا .. وسعيدا برؤية والده .. بينما قالت أماني بحدة :- ألن تسألني عن أي زفاف كنا نتحدث ؟
قال بهدوء وهو يقبل رأس عمر :- ستخبرينني على أي حال .. صحيح ؟
قالت بغضب :- صلاح سيتزوج يا هشام .. أتعرف ممن ؟ .. من لندا سليمان .. هل تعرف من تكون لندا سليمان ؟
أعاد عمر مكانه .. والتفت إليها قائلة ببرود :- أذكر جيدا من تكون لندا سليمان
هزت رأسها مستنكرة هدوءه :- ألا يثير قلقك هذا للحظة ؟
:- ولماذا عليه أن يفعل ؟ لقد خرج صلاح من حياتنا منذ فترة طويلة يا أماني .. لن يكون قادرا على إيذاءك مجددا .. فلماذا تهتمين بهوية الفتاة التي يرغب بالزواج منها ؟
هتفت بغضب :- هل تظنني سأقبل بسهولة أن تصبح تلك الفتاة جزءا من عائلتي ؟ .. هل نسيت ما الذي كاد يحدث بسببها ؟
طبعا يذكر .. وهل يمكن أن ينسى ؟ .. ولكنه بعكس أماني .. لم يعد ينظر إلى صلاح كعدو محتمل .. لقد وضع نفسه منذ فترة طويلة مكانه .. وفكر بأنه ربما ما كان ليفعل المثل إن عرف بان ابنة عمه قد تورطت مع شخص غريب بخطوبة مزيفة .. إلا أنه كان ليغضب بشدة .. ما زال صلاح في نظره شخص مريض .. ويرفض تماما أي احتكاك له بعائلته .. إلا أنه يريد من أماني أن تنساه أيضا .. أن تنزع تلك المخاوف التي مازالت توقظها ليلا بين الحين والآخر .. لينتهي بها الحال مرتجفة .. وباكية بين ذراعيه
اقترب منها وأمسك بكتفيها .. بينما رفعت رأسها تنظر إليه بعينيها الخضراوين الغاضبتين .. وقال بهدوء :- أنا لا أفهم .. هل أنت قلقة من نوايا صلاح ؟ .. أم غاضبة لأنه يتزوج أخيرا وينتزع نفسه من هوسه بك
رمشت بعينيها ذاهلة .. وهي تردد :- ماذا ؟
قال بشيء من الصرامة :- أنت امرأة .. وهوس رجل كصلاح بك يثير غرورك بالتأكيد مهما أنكرت .. وربما فكرة نسيانه لك وتجاوزه لتعلقه بك تزعجك
تملصت منه قائلة بانزعاج :- بحق الله يا هشام .. أنا امرأة .. إلا أنني لست مريضة لأسعد باهتمام رجل كصلاح .. أنا أكرهه .. وسأظل أكرهه دائما .. ولكنه في النهاية ابن عمي .. والمرأة التي سيتزوج بها .. ستصبح قريبتي شئت أم أبيت .. وأنا لا أصدق أنه اختار فتاة مشبوهة الماضي لتكون فردا من العائلة
عبس متظاهرا بالتفكير وقال :- عجبا .. وكأنني قد سمعت كلاما مشابها قبل سنة .. عندما قررت الزواج من فتاة تداولت الألسن سيرتها بلا توقف لأشهر
هتفت بغضب :- هل تقارنني بتلك الفتاة ؟
جذبها نحوه .. واجبرها على الالتصاق به قائلا بهدوء :- أنا أطالبك بالتوقف عن استباق الأمور .. لا أحد يعرف حقيقة العلاقة بين صلاح ولندا سليمان .. ربما وقع في حبها في النهاية .. وقرر أن يتزوج بها متحديا الفوارق بينهما
قالت بتهكم :- وكأن صلاح يعرف ما هو الحب
:- ما أعرفه أنا هو أنني لا أحب أن أصدع رأسي بسيرة صلاح وزفافه المقبل عندما أعود إلى البيت متعبا ومتشوقا لحب زوجتي .. التي لم ترحب بي كما يجب حتى الآن
.. تمكن من نزع صلاح تماما عن عقلها بالقبلة العاصفة التي انحنى يطبعها على شفتيها بشوق جعلها ترتجف .. لم يبعده عنها إلا صوت عمر المتحمس وهو يلوح بيديه مطالبا بان يأخذ حصته من الحنان ...
نظر هشام إلى وجهها المتورد .. وفمها اللاهث .. وابتسم بحنان وقلبه يفيض بالحب نحو زوجته النارية الطباع .. القادرة على الانتقال بمزاجها من قمة الغضب .. إلى قمة العاطفة بلمسة واحدة منه .. لو تعرف فقط كم يحبها .. وكم يرغب بمحو كل مخاوفها من عقلها .. ويجعل منها تلك المرأة الجميلة والسعيدة والخالية البال التي تكونها بين الحين والآخر .. عندما تنسى عرضا ألام الماضي .. وقلق المستقبل المجهول
قال بصوت أجش :- هل أمي في الأسفل ؟
قالت لاهثة :- هي كذلك على حد علمي
:- لا أظنها تمانع في رعاية حفيدها لساعة من الزمن على الأقل
شهقت مصدومة وهي تبتعد عنه ضاحكة :- أنت مجنون ..
انحنت تحمل عمر الجاهل لما يدور حوله وضمته إلى صدرها قائلة بحنان :- هل تسمع ما يقوله بابا ؟ يريد التخلص منك لأجل أغراضه الشريرة .. كيف لنا أن نعاقبه على قسوته ؟
زمجر هشام من خلفها وهو يقول :- أهذا رفض لاقتراحي ؟
ضحكت .. ووضعت عمر بين يديه قائلة :- بل تأجيل حتى ينام عمر .. اعتذر منه على جرحك لمشاعره حتى أعد لك العشاء .. وفي الوقت المناسب ....
رمقته من بين رموشها بنظرة جعلت قلبه يخفق ألما لجمالها .. لاحقها بنظراته وهي تختفي في المطبخ .. ثم نظر إلى عمر الذي كان بنظر إليه بفضول وهو يضع يده في فمه ... وتنهد قائلا :- هذا أول دروس الحياة لك يا صغيري .. النساء شر لا نستطيع العيش بدونه
أتاه صوت ضاحك يهتف من المطبخ :- لقد سمعتك
ضحك .. وقبل عمر هامسا هذه المرة :- شر حاد السمع .
لحق بها إلى المطبخ .. وهو يدعو الله شاكرا .. أن يديم له زوجته الرائعة وابنه الغالي .. متعهدا ألا يسمح لأي شيء على الإطلاق أن يؤذي عائلته الصغيرة .. ناسيا بأن الحياة .. قد تكون غدارة في بعض الأحيان .. وأن تعهداته .. قد تذهب أدراج الرياح إن وضعته المآسي نصب عينيها


مرت من هنا الجزء الثانى من سلسلة للعشق فصول لكاتبة بلومىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن