"هذا الفصل العشرون وليس التاسع عشر الواتباد ملخبط الفصول الرجاء الانتباه"
الفصل العشرون
ارتجفت الشوكة بين أصابع أمل مما جعلها تسقط فوق طبقها مصدرة رنينا قويا ... قالت بخفوت إنما محمرة الوجنتين :- توقف عن النظر إلي بهذه الطريقة
قال طارق بهدوء دون أن يزيح عينيه عنها :- وبأي طريقة أنظر إليك
حدقت به بعجز عبر المائدة الصغيرة التي كانت تفصل بينهما في المطعم الصغير والبسيط الذي اختاره طارق لغدائهما معا .. وقالت :- لا أعرف ... وكأنك تتفحص كائنا فضائيا غريبا .. وكأنك تراني للمرة الأولى .
صمت للحظات قبل أن يقول برقة وعيناه تنضحان بأحاسيس متضاربة :- أنا أشعر بالفعل وكأنني أراك لأول مرة ..
تراجعت في مقعدها وهي تتحسس ملابسها قائلة بارتباك :- أهو الفستان ؟؟ ما كان علي ارتداءه .. لقد أصرت يارا على أن تشتريه لي ... ولا أعرف لم فكرت بارتدائه اليوم ..
انحدرت عيناه فوق الفستان الوردي الذي سبغ لونا على وجنتيها المحمرتين أصلا .. وأبرز لون عينيها الشديد الزرقة .. و أضاف عليها أنوثة صدمته بشدة عندما رآها تنزل به عبر الدرج أثناء انتظاره لها في الصالة .. لقد شعر في تلك اللحظة كما يشعر الآن .. كما شعر عند عودة أمل إلى حياته .... بأن عالمه قد اهتز تحت قدميه فانهار تماما ليبدأ بالنمو من جديد من تحت الأنقاض ... والغريب أنه لم يشعر في حياته بالحياة كما أحس من بعد صحوته تلك ... كيف يمكن لابنة خالته الصغيرة أن تستحيل بين ليلة وضحاها إلى الفراشة الرقيقة والجميلة الجالسة أمامه ... إلى المرأة المفعمة بالأنوثة والتي ضاع تماما أثناء تقبيله لها قبل يومين ؟؟ كيف يمكن له ألا يتعرف على نفسه بعد الآن .. أن ينظر إلى نفسه في المرآة فيجد رجلا آخر غير ذاك الذي عرفه لثلاث وثلاثين عاما فقط لأن طفلة ما عادت طفلة قد اقتحمت حياته وغيرت من جميع قواعدها ؟؟؟
لاحظ بأنها ما تزال تنظر إليه مترقبة جوابه ... فقال بصوت أجش :- الفستان رائع ... صاحبة الفستان .... أروع ...
احمر وجهها وهي تهمس :- لا ... لا تقل هذا
:- لماذا ؟؟ إنها الحقيقة ..
تمتمت وهي تحدق به كأنها هي تراه للمرة الأولى :- ليس من عادتك أن ... أن تتحدث بهذه الطريقة ..
:- أتظنينني عاجزا عن مغازلة امرأة ؟؟
رمشت عينيها وهي تقول :- هل أنت .... هل أنت تغازلني الآن ؟؟
:- وهل أجالس امرأة غيرك في هذه اللحظة ؟؟
أخفضت عينيها وأنفاسها تتلاحق بينما أحست وكأن قلبها يكاد يقفز من بين أضلعها .. لطالما تمنت هذه اللحظة .. منذ المراحل الأولى لصباها وهي تتمنى لحظة ينظر إليها طارق فيها بهذه الطريقة .. لقد كان التفكير به خلال الأشهر الأولى لخطف رفعت خليل لها حلوا ومرا في الآن ذاته .. كانت تتخيله وهو يعتذر منها عن كلماته القاسية التي وجهها نحوها صباح عيد ميلادها الرابع عشر ... وهو يدللها ويؤكد لها بأنها تعني له الكثير .. بأنها ابنة خالته المفضلة .. بأنه يحبها ويهتم لأمرها .. ثم مع الوقت تعلمت أن تكرهه .. أن تنقم عليه .. أن تلومه وتحمله مسؤولية كل ما أصابها ... لقد كانت طريقتها لحماية نفسها ... إذ أن الأشخاص لا ياذونك عندما تتوقفين عن الاهتمام بهم ... عندما تتوقفين عن انتظارهم كي يأتوا لإنقاذك ... والآن وهي ترى جميع أحلام مراهقتها تتحقق .. لا تملك إلا أن تخاف من أن تُخذل مجددا ..
سمعته يقول بقلق :- هل أزعجتك كلماتي ؟؟
تمتمت :- لا .. أنا فقط .. ظننتك غاضبا مني بعد .. بعد .. أنت تعرف ....
ازداد احمرار وجهها وهي تتحاشى النظر إليه .. سمعته يأخذ نفسا عميقا وهو يقول :- أنا لست غاضبا منك يا أمل .. إذ أن الذنب كله فيما حدث يقع علي أنا .. أنا هو الأكبر سنا .. الأكثر خبرة .. ما كان علي أن أقسو عليك بالكلام كما فعلت .. أن أضغط عليك كما فعلت ..
همست :- لم أكن أفكر عندما .... لقد كنت مضطربة .. خائفة ..
:- أعرف ... أخبرتك بأنني لا ألومك .. أنا من كان علي أن أكون .......... أكثر تحكما ..
شعر بالقلق وهو يلاحظ شحوب وجهها الذي كان يزداد .. والدموع التي ملأت عينيها وهي تقول بصوت مرتعش :- أهذا يعني أنك لا تكرهني ... أنك لا تحتقرني ... أنك ... أنك لا تراني كفتاة سيئة ..؟؟؟
مد يده ليمسك كفها الباردة الصغيرة عبر المائدة وهو يقول بصدق :- أنا أبدا لن أكرهك يا أمل .... أنت ... أنت أمل .. أملي الذي ظننت بأنني فقدته ووجدته من جديد .. أنا من أخشى أنك تكرهينني لأنني تماديت معك .. لأنني لم أستطع إبعادك أو إيقافك عندما قبلتني ..
تشنجت يدها بين أصابعه .. فازداد تشبثا بها كي يمنعها من سحبها وهو يقول بصوت أجش :- لأنني لا أتوقف عن التفكير بك لحظة ...
همست وهي تجاهد لسحب يدها بينما تشعر بنفسها تكاد تذوب خجلا :- طارق .. أرجوك .. ما الذي تقوله ؟؟
قال بإرهاق :- لا أعرف ... لم أعد أعرف أي شيء .. من أكون ... ماذا أكون .. ماذا أريد .. أنا ضائع منذ عودتك يا أمل .. وكأن ثمن إيجادي لك كان ضياعي أنا .. ما أعرفه هو أنني أخشى فقدانك .. وأنا لم أدرك إلى أي حد تؤرقني الفكرة حتى هربت من منزلي قبل يومين .. كان علي الاتصال بأمي والتأكد بأنك آمنة في البيت قبل أن أستعيد شيئا من سلامة نفسي ..
تمتمت :- أنا لن أذهب إلى أي مكان ..
قال صراحة :- أنا لا أصدقك ...
رفعت عينيها إليه أخيرا لتحدق به بمزيج من الدهشة والتوتر ... كان وجهه الوسيم الشاحب متوترا هو الآخر وهو يقول :- أنا لا أصدقك يا أمل ... أنت تغيرت خلال السبع سنوات الماضية .. وأنا لا ألومك إطلاقا .. إذ أن ما مررت به كفيل بإفقاد أعتى الرجال عقله .. جزء من أمل الصغيرة ما يزال قابع داخلك .. وجزء استحال إلى أنثى رقيقة إنما قوية وشديدة الصلابة .. تقاتل مواطن ضعفها بشراسة وشجاعة محارب .. تتخطى مخاوفها بعناد شديد كان من أهم مميزاتها .. إلا أن جزءا آخر منك ما يزال غامضا يا أمل .. وكأنك تتعمدين إخفاء ذلك الجزء عني .. عن الجميع .. ذلك الجزء هو ما يخيفني .. هو ما يجعلني أترقبك بقلق .. عاجزا عن إدراك ما يخطط له .. ما يفكر به .. يجعلني متأهبا على الدوام وكأنني أخشى أن تختفي من حياتي في غمضة عين ... كما عدت إليها في غمضة عين ..
تحاشت نظراته مما أقلقه .. ما الذي تخفيه عنه صغيرته ... ما الذي تحتفظ به لنفسها وتخاف أن يقرأه في عينيها .. قال بشيء من الحزم :- أنا لن أسمح لك بالاختباء مجددا يا أمل .. أتسمعينني ؟؟؟ .. لا مزيد من دفعي بعيدا عنك .. لا حواجز بيننا بعد الآن .. أتفهمين ؟؟
تمكنت من سحب يدها أخيرا من بين أصابعه وهي تقول باضطراب :- لماذا تهتم إلى هذا الحد .. أعرف بأنك تشعر بالحمائية اتجاهي .. بالحاجة لرعايتي .. بالذنـ ....
قاطعها قائلا بصوت خشن :- لا علاقة للذنب إطلاقا بمشاعري يا أمل .. وأنا أهتم لأمرك كثيرا ... ليس فقط لأنك ابنة خالتي .. أو لأنني أشعر بالرغبة في حمايتك بعد كل ما عانيت منه .. أنا أهتم لأمرك لأن الأمر بات خارجا تماما عن إرادتي .. الأمر يفوق حتى رغبتي الشخصية .. أنا لا أتوقف عن التفكير بك يا أمل .. لا أتوقف عن التفكير بك مطلقا ..
أخفضت رأسها وهي تعبث بيديها فوق حجرها ... تحارب إحساسها بالجزع ... إحساسها بالخوف الذي أحست به لحظة اكتشف رجال الشرطة وجودها في قبو منزل رفعت خليل وأخرجوها منه ... عندما ظلت لأسابيع طويلة تترقب لحظة استيقاظها من حلمها لتدرك بأنها لم تخرج قط من محبسها ذاك ...
سمعت طارق يتنفس قوة قبل أن يقول :- إن كنت قد أنهيت طعامك .. لنذهب من هنا ... أعرف مكانا جميلا نتمشى فيه قليلا قبل أن أعيدك إلى منزل أمي ...
غادرا الطاولة بعد أن دفع الحساب .. وسارا نحو المخرج فلم يقاوم حسه التملكي نحوها فوضع يدا وراء ظهرها متجاهلا انكماشها تحت لمسته .. كان يعرف بأن أوان المراعاة والتساهل مع أمل قد فات ... لقد كان جادا عندما قال بأنه لن يسمح لها بدفعه بعيدا ... ليس الآن .. ليس قبل أن يتبين السبب الذي يجذبه إليها وكأن قدره معلق بها .. ليس قبل أن يكتشف سر أفضليتها عليه ..
كان تركيزه موجها نحو أمل بشكل تام فلم ينتبه للسيدتين اللتين دخلتا لتوهما وقد انهمكتا بالحديث سويا .. فلم تره ذات الشعر الكستنائي المرفوع فوق رأسها بأناقة وهي تندفع دون أن ترى في طريقه ..
كان اصطدامهما مفاجئا لهما سويا ... تراجع طارق على الفور وهو يعتذر من السيدة
:- آسف ..
:- آسفة لم ......... طارق !!
رفع رأسه ينظر غير مصدق إلى وجه المرأة التي هتفت باسمه بصوت مألوف للغاية .. وجه لم يتوقع أو ينتظر أن يراه في مكان كهذا .. أو في وقت كهذا ... بعد مرور سبع سنوات كاملة على لقائهما الأخير
:- جودي ..!!
أنت تقرأ
تبكيكِ أوراقُ الخريف(الجزء الرابع من سلسلة للعشق فصول)مكتملة
Romanceرواية بقلم المبدعة blue me الجزء الرابع من سلسلة للعشق فصول حقوق الملكية محفوظة للمبدعة blue me