الفصل السابع
صاحت لين ساخطة :- أنا لا أكذب ... لقد رأيت النسر بعيني .. طائر ضخم بجناحين أسودين
قالت حنين وهي تشيح بوجهها في عدم اقتناع :- ما رأيته كان غرابا .. لا تتواجد النسور في هذه المنطقة ..
:- وكيف لك أن تعرفي .. أنت بالكاد تجيدين القراءة
:- بعض الناس أذكياء إلى حد معرفتهم ببعض الأمور بدون الحاجة للقراءة عنها ... مثلي أنا ..
كبتت كل من هديل وأمل الضحكات العالية التي كادت تفلت منهما عند سماعهما للمشاجرة الطريفة بين الطفلتين وهن تقتربن من المنزل القائم على قمة الجبل تقريبا ..
في كل صباح .. وبعد تناولهن الإفطار .. تخرجن للتريض قليلا في المنطقة الرائعة الجمال .. تتأملن الطبيعة الخلابة والمشاهد المبهرة من مكانهن العالي .. نادرا ما كانت إحدى الخالتين ترافقهن في رحلتهن الصباحية .. إلا أن السيدة ملك كانت تشجعهن قائلة بفرح لرؤية أمل مبتهجة ( انتظرن حتى تزرن القرية .. إنها مكان لطيف وحميم جدا .. سأطلب من طارق أخذكن عندما يأتي )
كالعادة .. كانت البهجة تختفي تماما عن وجه أمل فور سماعها باسمه .. رغم أن هديل لم تتحدث مع أمل حتى الآن عن الأمر .. إلا أنها لاحظت جيدا نفورها من ذكر ابن خالتها طارق بالذات ... لقد قابلت هديل الرجل .. ورغم ما لاحظته فيه من طبيعة متحفظة وفاترة المشاعر ربما ... وشيء من التعالي الفطري بحكم ميراثه .. إلا أنها لاحظت أيضا الرجل الصادق والشريف فيه .. طارق منصور رغم جميع عيوبه كان رجلا نبيلا .. واضحا كالشمس .. رجل مباديء .. أدركت هديل بأن ما تحمله أمل ضد ابن خالتها لابد وأن يكون إحدى النتائج التي ما كان بالإمكان تفاديها لما عانت منه على يد مختطفها ... أو ربما يعود إلى تاريخ قديم جمع بينهما يعود إلى ما قبل اختطافها ..
صاحت الفتاتان بصوت واحد :- إنها سيارة الخال طارق ...
اندفعتا كالصاروخ لتتجاوزا السور المحيط بالمبنى الجميل مرورا بالسيارة الفضية الغالية الثمن ...
نظرت هديل إلى أمل لتلاحظ شحوبها ... فعجزت عن التهوين عليها وقلبها يخفق بشدة وكأن غريزة شديدة اليقظة تحذرها مما هو قادم هي الأخرى ... تتبعتا الفتاتين ببطء وكأنهما تؤخران المحتوم .. كانتا قادرتين على سماع أصواتهما وهما تحدثان بلا توقف قبل حتى أن تدخلا إلى غرفة الجلوس الفسيحة التي تأثثت ببساطة حميمية امتزجت بالأناقة .. ثم سماع صوت رجولي يرد على ثرثرتهما التي لا تنتهي بصبر وروية ..
كانت كل من السيدة ملك والسيدة ليلى جالستيىن هناك .. تنظران إلى الطفلتين بمزيج من الفرح والتسلية ... بينما أحاطتا بالرجل الذي كانت أمل تتحاشى رؤيته طوال الأيام التي سبقت انتقالها إلى هذا المنزل الجبلي حيث حسبت أنها لن تضطر لرؤيته قبل فترة طويلة
رفع عينيه نحوها ... فاكتسى لونهما الداكن بتعبير غريب .. لم تستطع هديل فهمه .. نهض من مكانه فتراجعت أمل خطوة إلى الوراء بشكل غريزي وهي ترفع عينيها الزرقاوين نحوه بما يشبه التحدي ... وكأنها تقول له تجرأ ... وحاول الاقتراب
وقد كان أهلا للتحدي إذ قال بهدوء :- كيف حالك أمل ؟؟ أرى أن جو الجبل قد ناسبك .. إذ تبدين في صحة أفضل ...
قالت من بين أسنانها :- ناسبني ... حتى الآن ..
تجاهلت شهقة الخالة ملك المكتومة .. وعبوس الخالة ليلى وهي تقول باقتضاب :- أنا متعبة ... سأصعد إلى غرفتي لأرتاح قليلا ...
اندفعت بسرعة وبتهور ضاهى تهور الطفلتين حين تركضان حماسا .. لاحظت هديل السيدتين الأكبر سنا وهما تنظران إلى طارق بمزيج من الشفقة والترقب .. في حين كسى الجمود وجه طارق الوسيم وهو يوميء لهديل محييا بصمت .. قبل أن يقول بجفاف :- بالإذن
بدون اي إيضاح ... راقبته هديل وهو يلحق بابنة خالته المشاكسة بإصرار .. التفتت والدته نحوها وهي تتنحنح بإحراج من قائلة :- لم لا تجلسين يا هديل .. لابد أنك متعبة انت الأخرى بعد سيركما صباحا لساعات ..
كالعادة .. لم تظهر السيدة ليلى أي علامة ترحيب بالمرأة الغريبة التي فرضت على العائلة فرضا من قبل رجالها لمرافقة الطفلة المفقودة .. وكالعادة .. لم تستطع هديل التظاهر بأنها لم تلاحظ هذا .. فتمتمت بارتباك :- لست متعبة على الإطلاق ... أظنني سأدور حول المنزل لألقي نظرة أخرى على المشهد من الشرفة الخلفية قبل أن أعود لتنظيف الفتيات وإعدادهن للغداء ..
ثم التفتت نحو لين وحنين .. اللتين بدتا غير مباليتين بما يدور حولهما وهما تتشاجران حول إحدى ألعابهما الالكترونية ... وقالت برقة :- لم لا أرافقكما إلى غرفتكما أولا .. سنختار كتابا تقرآنه حتى حين عودتي ثم نناقشه معا .. ما رأيكما ؟؟
عادة .. لا تحب الطفلتين تضييع وقتهما الثمين بالقراءة .. إلا أن هديل تدبرت أمر جعل هذا النشاط ممتعا لهما منذ بدأت الاهتمام بهما .. بعد مغادرتها الغرفة معهن .. التفتت السيدة ليلى نحو شقيقتها الصغرى لتقول عابسة :- هناك شيء لا يعجبني حولها ... لا أستطيع تحديده .. إنما لا يعجبني على الإطلاق
قالت السيدة ملك ساخرة :- كونها أكثر جمالا مما ينبغي ربما ... من الغريب أنها لا تبدو على وعي بجمالها .. أو أنها أكثر ثقة من أن تفعل
قالت ليلى بجفاف :- أو أكثر خزيا ... أتعرفين ما يقولونه عنها ؟؟؟ لقد قمت بتحرياتي حولها منذ قرر ابنك إدخالها عائلتنا ..
قالت ملك وهي تهز رأسها :- مهما كان ماضيها .. أنا لا أهتم مادامت أمل في حاجة إليها ... حتى الآن .. المرأة لم ترتكب أي خطأ .. وحتى ذلك الحين .. من الأفضل أن تحتفظي بتحفظك نحوها لنفسك ليلى .. أمل تنفر منا بالفعل بدون أن نبعد أعز صديقاتها عنها ..
أنت تقرأ
تبكيكِ أوراقُ الخريف(الجزء الرابع من سلسلة للعشق فصول)مكتملة
Romanceرواية بقلم المبدعة blue me الجزء الرابع من سلسلة للعشق فصول حقوق الملكية محفوظة للمبدعة blue me