الفصل الثاني عشر

3.6K 129 8
                                    

الفصل الثاني عشر


قال طارق بضيق مخاطبا والدته عبر الهاتف أثناء محاولته تجاوز زحام المدينة بسيارته :- لقد سبق وأخبرتك بأنني في طريقي إليك أمي ... لن أتأخر وإن كان الوقت مبكرا جدا بالنسبة إلي ... فلن يبدأ الضيوف بالتوافد قبل ساعات ..
استمع إلى ما تقوله والدته بصبر ثم قال :- نعم ... أعرف أهمية الأمر بالنسبة إلى أمل .. ولن أفوت المناسبة لأي سبب كان
أو لقاء مهم تتوقف عليه اتفاقية مهمة اضطر لتأجيلها فقط كي يكون موجودا أثناء ظهور أمل الأول في المجتمع بعد عودتها ... استمرت والدته بالحديث من الجانب الآخر ..متوترة ... قلقة ... إنما في قمة الحماس والإثارة وهي تقوم بأكثر ما تجيده ... تنظيم حفلة لائقة .. رد عليها أخيرا خاتما الحديث :- جواد سيكون موجودا ... لقد تحدثت إليه قبل دقائق فقط وقد أكد لي بأنه لن يتأخر ... توقفي أنت وخالتي عن القلق ..
أنهى المكالمة وهو يزفر بنزق ... في الآونة الأخيرة أصبحت المناسبات الاجتماعية عبئا كبيرا على كاهل طارق ... ربما هو بارع للغاية في رسم تلك الابتسامة الحيادية .. وانتحال التهذيب متظاهرا باللطف والتحضر .. إلا أنه ما عاد في الآونة الأخيرة بقادر على التظاهر أكثر ... قدرته على مجاملة الغير أصبحت أكثر ضعفا مع مرورالسنوات .. وكأنه أدرك وقد أصبح أكثر حكمة عبثية الأمر .. ولكن .. تضيع الحكمة وحقائق الامور أمام واجبه كوريث عائلة منصور ... وكابن بار بوالدته التي تنتفي الحكمة لديها تماما إن وضعت في المقارنة أمام مظهرها أمام الناس
انتقل تفكيره فورا نحو ابن خالته جواد ... الفرد الوحيد في العائلة الذي لا يهتم سوى بنفسه .. هكذا ظن طارق طبعا قبل حديثهما قبل أيام في شقته .. رؤية جواد العابث دائما وأبدا .. متألما إلى هذا الحد في حب امرأة كهديل عز الدين جعل مزيجا من الشفقة يجتاح طارق نحو ابن خالته الوحيد ........... والغيرة ...
الإحساس الأخير فاجأه ... إذ لم يتوقع أبدا أن يشتهي يوما ألما كالذي رأى رجلا بالغا في الثالثة والثلاثين يعاني منه .. أن يقع في حب يائس لا أمل منه لأمرأة محرمة عليه ... امرأة سيكون عليه محاربتها هي .. قبل المجتمع متمثلا أولا بوالدته .. ثم بباقي الناس .. كي يحظى بها ..
إلا أن جواد في تلك اللحظات وهو يحكي لطارق عن مأساته لم يبد في عيني طارق أكثر حيوية ... وكأن أعماقه تشع بالحياة .... بالرغبة ... بالحب ... أحس فجأة بعقم حياته ... بجمودها ... بخلوها .. أحس فجأة بأنه وحيد .. روحيا ونفسيا ... إذ حتى عائلته تبدو بعيدة وغريبة جدا في هذه المرحلة من حياته ..
توقف عندما شع ضوء إشارة المرور الحمراء آمرا بالوقوف .... فتوترت أصابعه وهي تنقر على عجلة القيادة بنفاذ صبر والمارة يستغلون الفرصة فيعبرون الشارع شبه مهرولين ... طفل كانت أمه تجره إلى جانبها جرا كانت لديه الجرأة على الابتسام لطارق لتظهر أسنانه المفقودة وهو يلوح بيده محييا ...
بالضبط ...... لقد كان وعلى مدى السبع سنوات الماضية واقفا عند الإشارة الحمراء ... في انتظار الضوء الأخضر كي يتابع المسير ... لقد توقف يراقب فقط الآخرين وهم يعبرون أمامه .. متابعين حياتهم بل وملوحين له أيضا باستفزاز ....
إحساسه هذا صدمه ... كما صدمته غيرته من جواد لأن امرأة سيئة السمعة قد حطمت قلبه ... ذاهلا في أفكاره الخاصة .... تنفس بعنف عندما شع الضوء الأخضر فانطلق بسرعة متابعا طريقه كمن يطارده وحش كاسر ...

تبكيكِ أوراقُ الخريف(الجزء الرابع من سلسلة للعشق فصول)مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن