الفصل الرابع والعشرون

3.6K 115 6
                                    

الفصل الرابع والعشرين




كان طارق يرتدي سترته استعدادا للمغادرة عندما ارتفعت طرقات خفيفة على باب مكتبه ... تناول هاتفه المحمول ودسه في جيبه وهو يهتف متوقعا سكرتيرته :- تفضلي ..
إلا أن الوجه الذي أطل من وراء الباب لم يكن ينتمي لسكرتيرته الأربعينية .... لقد كانت هالة !!
التفت إليها مجفلا لرؤيتها ملاحظا شحوب وجهها الجميل وهي تدخل قائلة :- آسفة ... لم اجد أحدا في الخارج فسمحت لنفسي بالدخول مباشرة إليك ..
تجاوز دهشته على الفور وهو يقول بابتسامة مهذبة تخفي ورائها كما كبيرا من الذنب وهو يتذكر اتصالاتها الكثيرة التي كان يتجاهلها مؤخرا :- أهلا بك دائما هالة .... تفضلي بالدخول ..
تحرك من وراء مكتبه فلاحظت استعداده للرحيل فقالت متوترة :- أراك مغادرا ... لن أؤخرك على أي حال .. لقد كنت أمر قريبا من هنا ففكرت بإلقاء التحية ..
قال بهدوء :- أنت مرحب بك دائما يا هالة ... تفضلي الجلوس ..
إلا أنها لم تبد أي استعداد للجلوس وهي تقف مكانها .. وجهها الشاحب جامد وهي تلاحظ بدقة جفاءه وتباعده .. همست :- لا أظنني أجلس .. إذ يبدو أن حضوري لم يكن مرغوبا به ..
:- هذا غير ...
قاطعته بسرعة وهي تقول بجفاف :- قد أصدقك ... لوأنك قد أزعجت نفسك لمرة خلال الأسابيع الماضية بالرد على أحد اتصالاتي ..
زفر طارق مرهقا وهو يقول :- هالة ... الأسابيع الماضية كانت صعبة جدا بالنسبة للعائلة ..
:- اعرف ... لقد أخبرتني يارا ... وأنا أقدر حقا انشغال بالك .. إلا أن هذا لا يمنحك أي عذر في تجاهل اتصالات امرأة تعني لك أكثر من مجرد صديقة ... وهو ما يخبرني بما جئت الآن أتأكد منه بنفسي
قال متوترا :- هالة ...
قاطعته مجددا وهي تقول بصوت مختنق :- لا تجاملني يا طارق ... أنا لا أحب أن يسخر مني أحدهم أو يعبث بي .. أنا لم أكذب عليك حين أخبرتك بأنني أحـ ... أهتم بك ... و أتوقع منك صدقا مماثلا إن سألتك عن مشاعرك اتجاهي .. وإن كنت في يوم من الأيام ستفكر بالارتباط بي أم لا .. أنا لست صغيرة كما تعرف .. ولا أحب أن أضيع وقتي بأي آمال زائفة ..
نظر إليها للحظات ملاحظا الألم الذي كانت تكبته داخلها بشجاعة مظهرة صلابة وعدم اهتمام بدا واضحا له مدى كذبهما .. هالة كانت امرأة رائعة .... بكل المقاييس .. جميلة .. مثقفة .. لطيفة .. امرأة يفخر بأن تكون زوجته وأما لأولاده .. لو أنه قابلها قبل سنوات ... عندما كان أصغر سنا وأكثر سذاجة لما تردد في الارتباط بها ... هالة كانت نموذجا لامرأة أحلامه .. إلا أنها تفتقر إلى ميزة واحدة .. الميزة الوحيدة التي تعلم بالتجربة ألا يتجاهلها ... حبه لها ..
طارق ... رغم إعجابه بهالة ... لم يكن واقعا في حبها ... هالة .. بجمالها المميز ... لم تكن تثير جنونه بحيث يتخيل صورة وجهها ليلا ونهارا ... لم تكن تقلق راحته كلما قابلها فيبحث عن أي عذر كي يلامسها .. لم تكن تتحدى هدوءه ورجاحة عقله ... لم يشعر قط بأنه ضائع بين الرغبة في خنقها والرغبة في تقبيلها في آن واحد .. ومن الظلم .. كل الظلم لها وله .. أن يوهمها بمستقبل يجمعهما يعرف بأنه قد لا يكتمل ..
أحس بالصدمة تعتريه وهو يتبين بأنه حين عرّف الحب بمفهومه كان يصف مشاعره نحو شخص واحد .. شخص كان يستعد لتوه لملاقاته دون أن يعرف خشية أن يهرب منه .. رباه .. هذا غير ممكن ... أتراه فعلا واقع في حب ابنة خالته المشاكسة الصغيرة ؟؟
رفع عينيه نحو هالة ليجد عينيها مغرورقتين بالدموع وهي تقول بصلابة :- لا بأس .. أنا .. أنا كنت أتوقع هذا على أي حال .. منذ رأيتك تحدق بها في الحفل الذي أقامته والدتك وكأنك تخشى أن تختفي من أمامك في أي لحظة .. في الواقع .. أنا كنت أراها في عينيك كلما كنا معا .. تتحدث إلي .. تجاملني .. بل وتغازلني .. إنما كانت هي من تسكن عقلك .. كما قلبك ... إلا أنني كنت أكثر جبنا من أن أتقبل الهزيمة ..
أغمض عينيه بقوة ورؤية الألم في وجهها يعذبه مذكرا إياه بأنه قد فعلها مجددا ... لقد خذل هالة .. كما خذل جودي فيما مضى .. كما خذل أمل ..
:- لقد كان من الواضح أنك لم تحدد مشاعرك نحوها بعد .. وأنا بدلا من أن أنسحب بكرامة .. فكرت بأنني أستطيع أن أفوز بك إن أسرعت بفرض مشاعري عليك .. إلا أنها كانت معركة خاسرة منذ البداية ..
قال بصوت أبح :- أنا آسف هالة .... أنت امرأة رائعة .. وأنت ..
قالت بضحكة جافة :- أستحق الأفضل ... نعم ... أعرف هذا بالتأكيد ..
أجفل عندما تذكر نفسه قبل سبع سنوات ... عندما أحس برفض جودي كسيف يمزق أحشائه رغم إيمانه حقا بأن علاقته بها ما كان مقدرا لها بالاستمرار ... حتى وهو مدرك لزيف مشاعره نحوها .. إلا أن رفضها كان جارحا .. قاسيا .. مدمرا .. فلم يملك سوى أن ينظر إلى هالة التي كانت تبدو بالضبط كما كان هو قبل سنوات ..
قال لها بهدوء :- لم أرغب أبدا بأن أسبب لك أي نوع من الأذى .. أنا أحترمك .. وأقدرك .. وأتمنى لو أننا بقينا أصدقاء ..
هزت رأسها بدون كلام بينما قالت عيناها صراحة بأنهما أبدا لن يكونا صديقين .. قالت بصوت مكتوم :- الوداع طارق
راقبها تغادر .... ثم تغلق الباب ورائها بهدوء شديد .. فهمس بحزن :- الوداع ..





تبكيكِ أوراقُ الخريف(الجزء الرابع من سلسلة للعشق فصول)مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن