الفصل الخامس
هب طارق واقفا وهو يهتف مستنكرا :- أنت تكذب ..
قال عصام بهدوء متجاهلا الإنكار الواضح في الملامح الوسيمة لمحدثه :- قبل أربع سنوات ... ألقي القبض على والد قمر بتهمة السرقة والاحتيال .. للأسف .. تمكن من الهرب أثناء نقله إلى مركز الشرطة .. مما اضطر رجال الأمن لاقتحام الاماكن التي اعتاد ارتيادها ومن ضمنها منزله بحثا عنه ... هنا كانت المفاجئة التي لم يتوقع أي أحد أن يجدها في منزل رجل مثله ...
قال طارق بصوت مكتوم بينما كان قلبه يصارع الثواني في سرعة خفقاته :- ما الذي وجدوه في منزله ؟؟؟
:- في قبو منزله في الحقيقة ... لقد وجدوا فتاة في السابعة عشرة من عمرها ... حبيسة في حجرة صغيرة ... مقيدة بالسلاسل الفولاذية إلى الجدار بحيث كانت قادرة بالكاد على الوصول إلى الحمام الصغير القذر الملحق بالحجرة ... الفتاة كانت في حالة يرثى لها من القذارة والنحول .. إذ أنها على الأرجح لم تلقى أي عناية من أي نوع منذ فترة طويلة ... وعلى ما يبدو ... كانت لا تتلقى ما يكفي من الغذاء أيضا .. تلك الفتاة كانت قمر ... ابنة ذلك الرجل والتي اعتاد سجنها مذ كانت صغيرة ..
كان طارق الشاحب الوجه ... ضائعا بين صدمته في الصورة التي كان عصام يصفها ... وبين إحساسه بالاختناق ... كمن سقط لتوه من علو شاهق .. للتفكير بأرجحية الاحتمال الذي يفترضه عصام .... ألا تكون الفتاة هي أمل ... في الوقت عينه .. كانت فكرة قضاء أمل لتلك السنوات مقيدة ..حبيسة قبو رجل مجنون مرعبة بحد ذاتها ... أكمل عصام بهدوء :- لم تتحدث قمر عن الأمر كثيرا ... إلا أنها نقلت فورا إلى المستشفى ومنه إلى دار لرعاية الأيتام .. بما أن والدها كان وما يزال حتى الآن مطاردا من الشرطة .. ونفيها التام لوجود أي أقارب لها قد يرغبون بالاهتمام بها ... عند إتمامها الثامنة عشرة ... عرضت على الدار التي كانت تأويها أن أتكفل بها بعد ذلك ... أن أجد لها مكانا للسكن وعملا مناسبا وقد بلغت السن القانونية .. كنت على دراية بظروفها منذ البداية بحكم صلتي الوثيقة بالمسؤولين عن الدار التي أوتها ... وما فهمته من قمر .. هو أنها تعيش حتى الآن ذعرا خفيا من أن يجدها والدها مجددا ... من أن يعيدها إلى سجنها ذاك خاصة وأنه حر طليق لا علم لأحد عن مكانه ...
تحرك طارق بشيء من التوتر في انحاء الغرفة الصغيرة وهو يمرر أصابعه عبر شعره الكثيف .. يبدو وجهه كلوحة غير مقروءة المعالم لعصام الذي قال بحذر :- أقدر مدى صعوبة تقبل الحقيقة عليك يا سيد ....
قاطعه طارق وهو يسأله بشيء من الحزم :- هل أنت متأكد بأنها ابنته ؟؟؟ هل من أوراق وجدتها الشرطة تثبت بنوتها له ؟؟
قطب عصام وهو يقول :- ما الذي تحاول الوصول إليه بالضبط ؟؟
:- عندما اختفت امل قبل سبع سنوات .. لم يعرف أحد ما الذي حدث لها بالضبط ... كان ضمن الاحتمالات المطروحة من قبل الشرطة .. ان تكون قد هربت بعد رؤيتها والدها مقتولا .. فلم تتمكن من العودة بطريقة ما .. أو أن يكون القاتل قد أخذها معه ...
قال عصام متوترا:- هل تشك بأن يكون والد قمر هو مرتكب الجريمة قبل سبع سنوات .. هذا مستحيل ... قمر ابنته .. لقد وجدت الشرطة الأوراق التي تثبت بنوتها له .. في الواقع ... لدي نسخة منها هنا في مكان ما .. وأستطيع عرضها عليك حالا ...
استدار عصام نحو خزائن الملفات الضخمة التي احتلت جزءا لا يستهان به من الغرفة ... وبدأ يبحث بين الأدراج بحركات عصبية بينما كان عقله يعمل بدون توقف مفكرا بكل الإمكانيات والاحتمالات .. حتى وجد الملف المطلوب .. أخرجه وفتحه فوق المكتب أمام نظرات طارق المتوترة ... ثم أخرج ورقة معينة وهو يقول بانتصار :- هاهو الدليل على ما أقول ..
تناول طارق منه الورقة دون أن تفارق عيناه عيني عصام .. قبل أن يوجه اهتمامه التام نحو الورقة التي أخذ يقرأ محتوياتها باهتمام وهو يستدير مبتعدا عن عصام الذي صارع ممتعضا إحساسه بالارتياح لأن قمر لم تكن ابنة هذه العائلة المفقودة ... لم يكن أحمقا .. لقد كان يعرف بالضبط سبب نفوره من طارق منصور .. لقد كان يمثل بالنسبة إليه تجسيدا لماضي كرهه وسخر حياته كلها لمحاربته ... قد تكون مقارنته هذه ظلما لطارق منصور .. إلا أنه أبدا لن يرغب لقمر التي حظيت خلال السنوات السابقة بعاطفة الأخوة منه كاملة ... بأن تعيش اضطهادا كالذي عاشه هو خلال سنوات حياته ..
راقب طارق وهو يمرر عينيه فوق الورقة ووجهه يزداد وجوما .. ثم شحوبا وشيئا من الانفعال يظهر على ملامحه سرعان ما اختفى وهو يرفع رأسه نحو عصام معيدا الورقة إليه قائلا :- انظر إلى الاسم الموضوع في خانة الأم ..
قطب عصام وهو ينظر إلى الاسم المكتوب مرددا :- سلوى راغب ... هل يعني هذا الاسم شيئا ؟؟؟
قال طارق متوترا :- إنه اسم والدة أمل .... أما الوالد ... رفعت خليل ... فهو اسم زوجها السابق ... زواجها به انتهى بالطلاق على إثر دخوله السجن في قضية مخدرات تورط بها ... وهذه ... هي شهادة ميلاد الطفلة التي أنجبتها منه ... قمر رفعت خليل ...
قال عصام شاعرا بالتشوش :- ما الذي تقوله ... أن قمر هي ابنة خالتك هي الأخرى ... أنها وأمل .. الفتاة المفقودة .. شقيقتان ؟؟؟
قال طارق باقتضاب .. إنما بصوت محمل بكل ما يعتمل داخله من غضب :- قمر ... ابنة خالتي من زواجها السابق ...توفيت بعد ولادتها بأيام قليلة ... بعد دخول والدها السجن بأسابيع ... مما يعني أن الفتاة التي تمنعني من رؤيتها منذ أكثر من نصف ساعة هي ابنة خالتي المفقودة أمل ... وليس هذا فحسب ... الرجل الذي سجنها في قبو منزله لسنوات ... المجهول المكان والذي قد يظهر في أي لحظة من جديد ... قد يكون نفسه القاتل الذي حرمها من والدها قبل سبع سنوات مضت
أنت تقرأ
تبكيكِ أوراقُ الخريف(الجزء الرابع من سلسلة للعشق فصول)مكتملة
Romanceرواية بقلم المبدعة blue me الجزء الرابع من سلسلة للعشق فصول حقوق الملكية محفوظة للمبدعة blue me