الفصل الحادي عشر
عادت هديل إلى الحاضر .. ونظرات الرجل الواقف أمامها تبدو غامضة في ظلمة الطريق الجبلي المقفر .. دموعها تتدفق بلا توقف .. والألم يمزق كيانها بلا رحمة .. قالت بحرقة :- لقد كنت محقا ذلك اليوم ... أنا ما كنت بالنسبة إلى مالك سوى عاهرة اشتراها في سوق النخاسة .. لقد كنت الشخص الوحيد الذي واجهني بالحقيقة بالاحتقار الذي استحقيته .. لقد صمتت على مدى سنوات لأن هذا ما تعلمت طوال حياتي أن أفعله .. ما كان من حقي الاعتراض على معاملة مالك السيئة لي .. ذلك اليوم سألتني إن كنت يوما قد رددت الصفعة لمالك .. وأنا أجيبك الآن بأنني قد فعلت .. في الأسابيع الأولى من زواجنا ... النتيجة كانت أنني قضيت أسابيع أخرى طريحة الفراش بعد ضربه المجنون لي .. ردة فعل عائلتي عندما اشتكيتهم كان أنني المذنبة إذ استفزيت زوجي وقد استحق مني الخضوع والطاعة ... ماذا كان بإمكاني أن أفعل ؟؟ أخبرني ... ما كان لي شخص واحد ألجأ إليه .. أحتمي به من بطش مالك .. لم أمتلك غير خيار الصمت .. الصمت فقط ..
أفلتت منها شهقة بكاء وهي تستدير مشيحة بوجهها عنه .. تسير ببطء هذه المرة .. عارفة بأنه ورائها .. لقد كان دائما هناك .. طوال السنتين الماضيتين .. خلفها في الظل وقد أحست به .. بوجوده حولها إنما لم تجرؤ على الاعتراف ..
أخذت نفسا عميقا وهي ترمق الطريق الخالي والمهجور ... والذي أحاطت الأحراش به من الجانبين .. وعلا صرير حشرات الليل تنوح بحزن وكأنها تعلن تعاطفها التام مع قضية هديل التي تمتمت :- ذلك اليوم كان القشة التي قصمت ظهر البعير ... ما حدث كان الصحوة التي احتجت إليها .. الدافع الذي انتظرته للقتال .. كلماتك ... كلماتك وحدها ما أشعرني بالعار ممن أكون وماذا أكون ... بعد رحيلك من منزلي بقليل عاد مالك .. كان أشعث الشعر .. أحمر العينين .. تبدو عليه علامات الجنون المألوفة .. فتش المنزل بهستيرية وكأنه ينتظر أن يرى علامات أو آثار لعلاقة حامية حصلت في غيابه ... ثم أمسك بي كالمجنون يهزني بقو وهو يسألني عما حدث .. تخيل !!! ... لقد كانت لديه الجرأة لاستجوابي وكأنني المذنب الوحيد .. وقد كنت كذلك في نظره ... لأنك ما كنت طلبتني مقابلا لو أنني لم أغوك بأساليبي الملتوية .. لو أنني لم أدعك بطريقة ما ليلة الحفلة
قال أخيرا بصوت أجش :- زوجك السابق كان مجنونا .. وأنت ما كان عليك استفزازه كما فعلت .. كان عليك إخباره بأنك قد تركتني وحدي في الصالة وأقفلت على نفسك باب غرفة نومك حتى رحلت ..
هزت رأسها وهي تقول بمرارة :- كانت قدرتي على مداهنته قد انتهت منذ باعني إليك ... منذ اكتشفت بأن أي من روحي وجسدي وشرفي لم يعن له شيئا قط .. أردت أن أرد له شيئا بسيطا مما فعله بي منذ زواجنا ... أردت أن أقهره .. عرفت بأنه سيؤذيني .. على الأقل هذه المرة سأعاني راضية .. لن أشعر بإذلال البريء وهو يحاكم بتهمة لم يرتكبها ..
ساد الصمت للحظات قبل أن يقول بصوت مكتوم :- وقد دفعت الثمن غاليا هذه المرة ... تلك الليلة اضطر جيرانك للاتصال بالشرطة وقد علا صراخك حتى أطراف الحي حيث كنت تقيمين ... تم نقلك إلى المستشفى شبه حية إذ أن الشرطة عندما اقتحمت منزلك وجدتك جسدا هامدا غارقا في الدماء بلا حراك ... كنت مصابة بكسور في جميع أنحاء جسدك .. بالإضافة إلى ارتجاج في الدماغ بسبب تلقي رأسك ضربات قاسية .. زوجك خرج منها كالشعرة من العجين بسبب تخليك عن القضية .. وعائلتك تخلت عنك محملة إياك المسؤولية كاملة .. لماذا لم تخبريهم الحقيقة على الأقل ؟
التفتت إليه وهي تطلق ضحكة قصيرة وهي تقول :- لقد قمت بواجبك جيدا ... هل تراقب عادة ضحاياك بعد أن تنتهي منهم ...
اختفت ابتسامتها فجأة .. وجهها شاحب ونظرة أثارت اهتمام جواد اعتلت عينيها قبل أن تشيح بهما بعيدا عنه وهي تغمغم :- لم يأت والداي لرؤيتي على الإطلاق ... ارسلا شخصا يخبرني بأنني غير مرحب بي في العائلة بعد الآن .. وأنني قد مت في نظرهم منذ خنت زوجي وسببت له ولهم العار أمام الناس .. لم يحاولا حتى سؤالي عما حدث والاستماع إلي .. لقد كنت دائما في نظرهم المذنبة .. وما من سبب يجعل تلك المرة استثناءا .. ولماذا يوشك رجل على قتل زوجته بتلك الطريقة إن لم تكن مذنبة ؟؟
راقبها جواد ممزق الفؤاد وهي تجمع أطراف معطفها وتضم ذراعيها حول خصرها فبدت هشة للغاية ... وحيدة للغاية .. لقد عانت هذه المرأة الكثير خلال السنوات الماضية .. شاء أم أبى .. لقد كان مسؤولا عن دمار حياتها .. عن فقدانها عائلتها .. سمعتها .. واحترام الناس لها .. فقط لأنه في لحظة غضب لم يستطع احتمال بقاء امرأة مثلها في ظل رجل حقير كمالك ... لقد أرادها أن ترحل .. أراد أن يمنحها سببا كي ترحل .. بأن يريها معدن زوجها الحقيقي فتتمكن من اتخاذ القرار بنفسها .. إلا أنه شطح كثيرا وتطرف في تصرفه .. فكانت النتيجة أن دفعت هي وحدها الثمن غاليا جدا ...
قال بخشونة :- أنا آسف عما عانيت منه بسببي ..
قالت بصوت مختنق :- لا تعتذر ..
:- كيف لا أفعل وقد كنت سببا لما حدث
في تلك اللحظة بالذات سقطت أول قطرة مطر فوق رأسيهما ... التقت نظراتها في لحظة ... وفي أخرى كانت الأمطار تصب صبا بدون إنذار ... عادا أدراجهما باتفاق غير منطوق نحو المنزل .. عندما وصلا إلى مدخل المنزل كانت ملابسهما مبتلة بشكل تام حيث أخذت تقطر على الأرض بغزارة فوق الأرضية أمام باب المنزل الكبير ... عندما فتحه بمفتاحه تراجعت وهي تقول بينما الأمطار الغزيرة تغسل وجهها وتقطر من شعرها :- لا أستطيع الدخول بهذا الشكل ... سأبلل أرضية المنزل ..
قال بنفاذ صبره المعهود :- من يبالي بأرض المنزل ... ستصابين بالبرد
هزت رأسها وهي تقول بعناد :- لن يراني أحدهم أتسلل إلى المنزل في هذا الوقت مبتلة حتى العظم برفقتك ... ولن أفسد سجاد المنزل الثمين وأمنح والدتك وخالتك سببا جديدا لكرهي ..
قال بنزق :- ماذا تقترحين ... الوقوف هنا حتى يتوقف المطر ؟؟ لا يتوقف المطر عندما يهطل هنا في مثل هذا الوقت من السنة قبل ساعات ...
قالت بارتباك :- سأدور حول المنزل وأقف تحت مظلة الشرفة الواقية لدقائق ... وسأدخل المنزل فور أن تكف ملابسي عن الترشيح ماءا
صفق الباب بشيء من الحدة وهو يقول :- حسنا ... كما تشائين ...
أطلقت صيحة اعتراض عندما أمسك بذراعها يجذبها معه حول المنزل ... وعنما تابع سيره غير مبال بها قالت بحنق :- توقف عن الإمساك بي وجذبي ورائك وكأنني عنزة ضالة ... أستطيع السير وحدي ..
بدلا من أن يذهب بها إلى المظلة التي تحمي الشرفة الخلفية .. توقف قبل أن يتجاوزا الجزء الجانبي من الحديقة ... وفتح بابا خارجيا إلى جانب المبنى ... ترك ذراعها .. وأفسح لها الطريق كي تدخل .. ترددت وهي تنظر إليه بريبة فقال بغلظة :- مادمت مصرة على الانتظار ... فأنا لن أسمح لك بالوقوف في مهب الريح كي تصابي غدا بالتهاب رئوي ... هذه الحجرة مخصصة لتخزين بعض أدوات العناية بالحديقة ... ستكون دافئة بما يكفي بالنسبة إليك حتى تقرري أنك قادرة على دخول المنزل ..
عندما لم تتحرك زفر قائلا :- لن أبقى معك ... سأتحدث إليك لدقائق ثم أتركك تقطرين ماءً بسلام ... ما رأيك ؟؟ أنا حتى سأترك الباب مفتوحا ...
ابتلعت ريقها وهي تخطو إلى الداخل قائلة بتوتر :- أنا آسفة ... اعرف بأنك لن ... لن ... أنا فقط لا أريد أن يرانا أحدهم معا ..
رأته يدير عينيه بسأم وهو يلحق بها ... ويوارب الباب كي يمنع الهواء البارد من الدخول إلى الحجرة الصغيرة قائلا :- آه ... نعم ... قد تصحو أمي في منتصف الليل وتقرر أن تقوم بجولة حول المنزل تحت هذا المطر الغزير ... وربما تفكر في تلك اللحظة بالذات بالتأكد من أن المجارف لدينا لم تصب بالصدأ بسبب الرطوبة ..
نظرت حولها إلى الحجرة الصغيرة بشيء من العجب .. إذ كانت مرتبة نسبة لغرفة مخصصة لتخزين الادوات المنسية .. كانت هناك بالفعل بعض المعدات المخصصة للحدائق .. فتذكرت الرجل العجوز الذي رأته أكثر من مرة يهتم بالحديقة الصغيرة المحيطة بالمنزل ... في الجانب الآخر من الغرفة تجمع كل ما يحتاجه المرأ لأجل حفل شواء في الهواء الطلق .. مقاعد بلاستيكية تراصت فوق بعضها بالزاوية .. والتصقت طاولة معدنية متوسطة الحجم بالجدار ..التفتت لتراه ورائها مباشرة فأحست بالارتباك .. وكأن وجودهما في هذه الحجيرة الصغيرة .. معزولين عن العالم الخارجي كافة جعل إحساسها المعتاد بالخطر حوله يتضاعف .. راقبته وهو يمسح الرطوبة عن وجهه .. ثم يمرر يده عبر شعره الكثيف والمبتل فاشلا في ترتيبه .. بدا لها كالقرصان .. جواد الشاطر كان غازي بالفطرة ..
ازدردت ريقها وهي تقول :- ما الذي أردت قوله لي ؟
أخفض بصره نحوها مجاهدا لرسم الحياد في نظراته .. لن يعجبها إطلاقا أن تعرف تأثير مظهرها المبتل به .. خصلاتٌ رطبة التصقت بوجنتيها ... رموشها المبتلة بدت داكنة وأكثر كثافة .. أنفها الدقيق متورد بفعل البرودة وشفتاها الشهيتان شبه منفرجتين وكأنهما في استعداد لا يتوقف لمنازلته كلاميا ..... أو لاستقبال القبل ..
ازدرد ريقه مسيطرا على اضطرابه وهو يلاحظ بأن معطفها الصوفي كانت مبللا تماما .. فتكونت بسببه بحيرة صغيرة من الماء حول قدميها ..كبح بصعوبة أي دعوة رغب بتوجيهها نحوها لنزع المعطف الثقيل إذ أن التفكير برؤية ملابسها ملتصقة بجسدها جعلت حمى لا علاقة لها بالبرد تجتاح جسده .. قال بصوت أجش :- أنا آسف .. آسف لما حدث لك من مصائب بسببي
هزت رأسها مجددا لتقول :- طلبت منك ألا تعتذ .....
قاطعها وهو يقول مقتربا :- انتظرت سنتين حتى أقول هذه الكلمات يا هديل عز الدين .. من الأفضل أن تسمحي لي بقولها إن أردت مني الخروج من هنا قريبا ..
أطبقت فمها منتظرة بينما هي تنظر إليه بتوتر ... قال بهدوء :- قبل سنتين اتهمتني بأنني كنت أنتقم منك بما فعلت ... الحقيقة هي أنني لم أقصد أبدا أن أؤذيك .. لقد كنت غاضبا من زوجك .. هذا صحيح .. لقد سرقني ..وأنا لا أكون متسامحا عادة مع اللصوص .. ثم رأيت الكدمات تملأ وجهك حين فتحت لي باب منزلك .. و بت عاجزا عن الرؤية أبعد من رغبتي بتحطيم أنف زوجك وكسر شوكته ..
غمغمت :- ما كنت أول امرأة يستخدم زوجها العنف معها ..
قال بحدة مفاجئة :- أنا لا أهتم بباقي النساء ... أنت مختلفة ... أنت لم تخلقي لتعيشي في كنف رجل حقير مثله لا يستحقك ..
قالت بحزن :- أنت لا تعرفني ..
قال بحزم :- اعرف عنك ما يكفي .. تلك اللحظات التي تحدثت خلالها إلي في الحفلة أخبرتني الكثير . أنت ما كنت تمثلين آنذاك .. لقد منحتني شيئا خاصا آنذاك وأنت تعرفين ذلك .. لقد كشفت لي جزءا من روحك .. شئت أم أبيت ... رغبت أم لم ترغبي ... ربما أكون قد عرفت عنك خلال تلك اللحظات أكثر مما عرفه أي شخص مر في حياتك
أشاحت بوجهها واللون الوردي يكسو وجنتيها الناعمتين فكاد الألم شوقا يوقف قلبه عن الخفقان .. تابع بخشونة :- ما عرفته عنك في تلك اللحظات يفوق ما عرفه زوجك عنك خلال ثلاث سنوات كاملة .. وإلا ما كان تجرأ على تشويه روحك وإيذائك بالطريقة التي كان يقوم بها .. إدراك أن رجلا كمالك لا يساوي شيئا يحظى بك أنت ... بامرأة مثلك دون أن يقدر قيمتها الحقيقية كانت كالنار تسري في عروقي مسى الدم لتأكلني حيا .. أردت الانتقام منه ... أردت أن يراني أسلبك منه عله يدرك أهمية ما لديه .. أعترف ... جزء مني أرادك أن تتركيه ... أن ترحلي من الجحيم الذي كنت تعيشينه في ظله مادمت تستطيعين .. جزء أناني لا أنكر إطلاقا حقارته .. إلا أنني أبدا لم أرغب أو أقصد بأن أتسبب بتدمير حياتك ..
عندما لم ترد قال وهو يفتح ذراعيه :- هذا أنا للأسف ... وأنا لا أستطيع تغيير نفسي .. أسعى إلى ما أريد بدون تفكير .. أتصرف بوحي اللحظة ثم أندم لاحقا ... في الواقع .. أنا حتى نادرا ما أندم على فعل قمت به في لحظة طيش .. إلا أنني بعد مغادرتي شقتك ... عندما عرفت بما حدث .. لم أستطع النوم قبل أن أقابل زوجك السابق بنفسي لأخبره بالحقيقة ... علني أصحح شيئا مما حدث ... علني أنجح في لملمة سمعتك التي تبعثرت بسببي .. ليصدمني بما أخبرني به ... بأنك قد اعترفت بالحقيقة وأن ما من فائدة ترجي من كذبي ومحاولتي التستر على ما حدث ...
أغمضت عينيها وهي تهمس :- لم أكن أفكر عندما تفوهت بكل ذلك الكذب ... لقد كنت مغيبة ... غاضبة .. لقد ..
قاطعها قائلا بصوت أجش :- أفهمك ... أفهمك جيدا ... صدقيني ..
أعترتها رعدة وهي تشعر بصوته خشنا .. دافئا .. وقريبا منها جدا ... كرر مجددا :- أنا آسف ... آسف جدا لما أصابك بسببي ... لو أنني أستطيع العودة بالزمن إلى الوراء كي ...
قاطعته بصوت مرتفع :- لا تعتذر ... أرجوك ... أنت لست المذنب الوحيد .. أنا ... أنا لست بريئة كما تظن ... أنا لا أستحق كل هذا الاعتذار ...
اقترب منها فما عادت تفصل بينهما سوى بوصات قليلة .. قال بتوتر :- لماذا تقولين هذا ؟؟؟ لماذا تحملين نفسك ذنب ما حدث ؟؟؟
كان عصام قد أخبره قبل سنتين في بداية احتضانه لهديل بأن الإحساس بالذنب كان يفيض منها ... بأنها كانت رافضة منذ البدء أن يعاملها أي كان كضحية .... لقد كانت مصرة بطريقة ما .. ودون أن تتحدث بأنها وحدها تتحمل مسؤولية ما حدث ..إذ لم تسعى بأن طريقة للدفاع عن نفسها أو نفي القصة ..
نظر إليها تبدو ضعيفة .. هشة .. ترتجف من البلل .. وتساءل عما تظن هديل بأنها قد فعلته لتستحق ما حدث .. قال بصوت أجش :- ما الذي فعلته هديل ... ما الذي أذنبته واستحق منك كل هذا الظلم لنفسك ؟؟
أشاحت بوجهها ... شاحبا إنما متوردا .. أنفاسها متسارعة .. وصوت نبضات قلبها العنيف كان مسموعا له من مكانه بوضوح .. ثم وبدون إنذار ومضت الحقيقة مرة واحدة في عقله .. أحس بالدماء تضج في أذنيه تناغما مع نبضات قلبه التي ازدادت عنفا هي الأخرى ... قال لاهثا :- أنت تلومين نفسك .... لأن جزءا منك قد أرادني ذلك اليوم .. أليس كذلك ؟؟
امتقع وجهها وهي تنظر إليه متسعة العينين .. وقد اتسم الرعب الخالص فيهما ... قال وأنفاسه تتسارع :- لهذا السبب تلومين نفسك .. تظنين بأنك قد استحقيت العقاب .. لأنك لم تكرهيني قبل سنتين كما كان عليك أن تفعلي .. لقد أردتني أن ألمسك .. أن أنال ما دفعت ثمنه ذلك اليوم ..
هتفت بعنف وهي تنتفض مبتعدة :- رباه ... هلا استمعت إلى ما تقوله ؟؟ إلى أي حد قد يصل إعجابك بنفسك ؟؟ أنت رجل مريض وأنا لن أستمع إلى مزيد من ترهاتك هذه ..
تجاوزته متجهة نحو الباب لتطلق صرخة رعب قصيرة عندما امتدت يده وقد سبقتها إليه تصفقه بقوة في وجهها .. سمعته يقول إلى جانب أذنها ضاغطا على حروفه وكأنه يكافح ليتحكم بمشاعره :- لن أسمح لك بالخروج قبل أن تنظري إلي ... وتخبريني بالحقيقة هديل ... أم أنك أكثر جبنا من أن تفعلي ..
تلاحقت أنفاسها وهي تقول بصوت هستيري عاجزة عن مواجهته :- ليس لدي ما أقوله ... افتح لي الباب ودعني أذهب ...
أمسك بكتفها وأدارها إليه مجبرا إياها على النظر في عينيه .. فانكمشت ملتصقة بالباب دون أن تجرؤ على إزاحة نظرها عن وجهه ... كانت عيناه الخضراوان تبرقان بجوع جعل أحشائها تتقلص داخلها ... الغريب أنها لم تشعر بالتهديد من محاصرته الجسدية هذه لها ... لقد كانت مؤمنة بأنه أبدا لن يؤذيها بالطريقة التي كان مالك يؤذيها بها في الماضي ... لقد كان قادرا على أذيتها بطريقة أخرى ... لقد كان قادرا على تدميرها تماما بمجرد النظر إليها بالطريقة التي دمر بها حصونها قبل سنتين في حفلة ما كان من المفترض بها أن تحضرها .. قال بحرقة وأنفاسه الحارة تعذبها :- انظري إلي .. وأخبريني بأنك تكرهينني بالفعل لأنني دمرت حياتك .. لأنني قد حطمت زواجك وأبعدتك عن عائلتك ... لا لأنك قد أردتني كما أردتك بالضبط ... لا لأن ذلك التواصل الذي أحسست به بيننا في الحفلة لم يكن من طرفي وحدي فقط ... لا لأنك إن لم تخوني زوجك جسديا .. فقد فعلت عاطفيا .. وروحيا .. معي أنا ......
كلمة واحدة مكونة من حرفين كانت كفيلة بإنهاء كل شيء ... بإبعاده عنها وتركه لها تذهب في حال سبيلها إلى الأبد ... إلا أن الذنب طوال سنتين على إحساس عابر أحست به اتجاه رجل غريب أشعرها بالأنوثة خلال دقائق قضتها برفقته كما لم يفعل زوجها خلال ثلاث سنوات من الزواج .. كان أكبر من أن تنساه أو تتجاهله .. إيمانها بأنها قد خانت مالك بالفعل قبل سنتين عندما تساءلت ولو للحظة كيف سيكون إحساسها لو أن رجلا كجواد الشاطر لمسها ... ترقرقت دموعها محملة بمزيج من العار والألم .. في اعتراف ضمني أتبعته بهمسة خرجت دون وعي منها :- لا أستطيع .... لا أستطيع ..
همس بصوت مرتجف مشبع بالشجن :- يا إلهي ... أنت تقتلينني ... تقتلينني ..
قبل أن تدرك معنى ما قالته .. كانت يده قد التفت حول عنقها ... والأخرى احتضنت وجهها بحسم لم يترك لها أي مجال للهرب .. وقبل أن تعي ما يفعله .. أو تجد فرصة للاعتراض .. أحنى رأسه وقبلها ..
أنت تقرأ
تبكيكِ أوراقُ الخريف(الجزء الرابع من سلسلة للعشق فصول)مكتملة
Romanceرواية بقلم المبدعة blue me الجزء الرابع من سلسلة للعشق فصول حقوق الملكية محفوظة للمبدعة blue me