الخاتمة (القطعة الثانية )
تتوسط قاع المحكمة بتوتر شديد ورجفة تجرى في كامل جسدها وهى تنظر الى القاضي الذي يرمقها بلا مبالاة ليخرج عن صمته وهو يقول
( حكمت المحكمة حضوريا على المتهمة أمانى سيد نصير بالسجن ثمان سنوات ، مع غرامة تقدر بخمسمئة ألف جنيه ...ترفع الجلسة )
في تلك اللحظة لم تشعر بأى شيء سوي انها بحلم الأن وتنتظر ان تستيقظ منه، فلا يمكن أن تسجن لتلك المدة الكبيرة لأجل تلك الأموال التى لم تقم بالنفقة منها سوي القليل . تبادر فى ذهنها بحسرة ان شبابها سيضيع وهى لا تزال في السادسة والعشرون وعند إضافة ثمانية ستكون في الرابعة والثلاثون .
دق قلبها بعنف حين رأت الشرطة تسحبها بقوة الى سيارتهم لكى ينقلوها الى السجن الخاص بالنساء ،قاومتهم بتعب وهى تبتعد عنهم، فسحبوها بقوة ولم تستطع ان تمنعهم ، تساقطت الدموع من عيناها حين رأت سلطان يقف ويراقبها من بعيد بخوف كبير ولا يعلم ما حدث معها منذ أن قامت بتسليم نفسها بسبب انه ممنوع من دخول المحكمة و السجن حتى يقوم بإخراج بطاقته الشخصية .
جلست في السيارة وهى مطأطأة الرأس بانكسار كبير وتتذكر ما ألت اليه حتي وصل بها الأمر الى كل ذلك ،فها هي تضحى بسنوات عمرها من أجل طمعها بالمال. كان لها أن تشي بسلطان او مالك بأنهما من ضمن الورثة وانه احتال عليها لتقوم بتلك الأشياء فيمكن ان تخفف العقوبة قليلا وتنتقم منهما، أو تقوم بالتبليع عن شقيقتها حسام بأنه أخوها.. ، ولكن ..لم تستطع ..، شيء ما داخلها يحسها على عدم فعل اى شيء خاطئ حتى تعاقب على الماضي وتبدأ من جديد دون تأنيب الضمير .
انهمرت الدموع من عيناها بقوة حين وصلت الى السجن وبقت تحدق به وتتذكر بما وصلت اليه بسبب خطة ابيها المحكمة حين بحث عن أبناء شقيقه حتى يتحملا مسؤولية القروض ، ولكن هي من سقطت وعوقبت بكل افعاله ، بكث اكثر وهى ترى انها كبرت لتشبه اباها فى افعاله .
دخلت الى زنزانتها وهى تتصفح زميلاتها بحزن بالغ ، سقطت جالسة في احد الأركان الزنزانة وهى تحدث نفسها بألم .
( ااااه ياباه ..طول عمرك أذينا حتى بعد موتك ..مفكرتش فينا وانت بتاخد قروض عشان مرضك بالطمع ، ههههه ، ومن امتى انت حسيت .. دلوقتى بدفع التمن عشان طلعت ملوثة بدمك جوايا ..كان ذنبي ايه انى بنتك ....ااستغفر الله العظيم ...يارب قدملى الخير ..انا خلاص انهرت ومستقبلى ضاع ..).
بقت تحدق بزملائها بالسجن فعلمت ما ينتظرها من تلك النظرات العدوانية .
****
......بعد مرور بضعة أشهر ...
كان الحال دائما على ماهو عليه لم يتغير اى شيء سوي معاملة زملائها لها ، فالحال دائما ما يتغير ولا يستمر ، ابتسمت وهى تنظر الى حجابها في مرآة السجن المتحطم نصفها وكم كانت تجد صعوبة في ارتدائه قبلا ، في الواقع لم تعلم انها على هذا القدر من الجمال الا بعد ارتدائه الان .
قامت تلك الفتاة التي قامت بمصاحبتها بالتربيت على ظهرها وهى تقول لها ..
_ عسل اووى يا أمانى ..
تعرفى لما اخرج من السجن وارجع لجوزى هحط في دماخى اخلف عشان اجيب بنت واسميها أمانى ..
رددت الفتاة اسمها ببطء وهى تتمعن حروفها وكم هي ثقيلة من شدة الأمنيات التي يحملها الاسم لترد عليها امانى بغرابة ..
_ اشمعنا يعنى اسمي بالذات .
_ اسمك جميل اووى زيك .. وعشان فيك حاجات كتير اووى نقصاني ..بتصلي في معاد الفرض بتقرأى قران ، ومحترمة عمرك ما عليتي صوتك على اى حد برغم الزل اللى شوفتيه ..والكل عاوز يصاحبك عشان انت نضيفة وبالذات من جوه ..أنا نفسي ابقي زيك .
رانت اليها بسخرية مريرة، تألمت اكثر وهى تنظر الي جمال الفتاة والى صغر سنها وهى تقول ..
_ بالعكس ..انت متعرفيش حاجة ..انا عمرى مكنت نضيفة من جوه ..انا قلبي اسود ..
وبغير منك ..
ابتسمت الفتاة متعجبة وقالت..
_ ده انا اللى بغير منك ...هاهاها ..ايوه بكلمك بجد ..
_ بتغيرى من حول عيني ..
_ انا شيفاها حاجة لطيفة ..بتبقي كيوت اووى .
عضت أمانى على شفتاها بألم، فأخذت كلام الفتاة على إنه شفقة ،فتنهدت بحزن لترف الفتاة وهى تضع يدها على ذراعها ..
_ كل واحد وله نظرة مختلفة عن التاني .
_ حتى ولو ، انا حقيقي معتش يهمني ..
ابتسمت الفتاة برقه وهى تقول بعيون لامعة وتحدق في احد جوانب السجن .
_ كانت امي الله يرحمها تقول طول ما انت شايفه نفسك جميلة غيرك هيشوف كده ..احنا بنشوف حلاوة غيرنا في عنيهم وثقتهم بنفسهم ..لا تقوليلي بيضة ولا سمرة ولا دى فيها عيب ودي معرفش أيه.. القمر كله عيوب ..بس منور مع انه سارق نور الشمس ..
... فهمتي حاجة ..؟
_ لا ..
_ ولا انا ..
علت صوت الفتاة بالضحك مع ابتسامه أماني الحزينة، لتقول امانى ..
_بيعجبنى فيك ..انك بتضحك على طول رغم اللى إحنا فيه ..
_ نموت يعني... كده كده الواحد مش هياخد غير نصيبه ..الحمد لله .
شردت اماني في تلك الكلمة طويلا وبقت تهمس بها وترددها متمعنة في معناها حتى همست بإعجاب ..
_ فعلا كل واحد هياخد نصيبه ..
خرجت ابتسامه لأول مرة ترتسم على وجهها بالرضي حتى شعرت انها من اطمئنان قلبها ..
*****
تمشي ناهد في السوق تبحث عن الخضروات الجيدة لكن كلما تمر على بائع لا ترى عنده سوي الثمار الفاسد ذو الرائحة السيئة .
تنهدت وهى تفكر في أمر وليد وبما ستقوم بالطهى له ولا يوجد اي شيء جيد فى السوق ، فاقت من شرودها لترى انها تخطوا في طريق فارغ لا يوجد به اى ماره ..انتفض جسدها حين وجدت يد تلامسها من الخلف فالتفتت بذعر لترى سيدة عجوز حسنة المظهر كانت قد رأتها من قبل تحدق بها حين كانت تعمل على عربة الشطائر .
رانت اليها بغرابة وهى تراها تنظر اليها ببتسامة على وجهها البشوش .
_ خير يا حجة ..
شعرت ببعض القلق من تلك العجوز ولكن قسماتها توحي بأنها شديدة الطيبة ، تذكرت في تلك اللحظة انها كم كانت تتمني لو لديها جدة حنونة تملك مثل تلك القسمات .
قالت العجوز فجأة بنبرة بها بحة مميزة يمتلكونها كبار السن .
( لسه بتحبي اليوسفى يا اسراء ..أنا جبتلك واحدة مخصوص ..)
ردت عليها اسراء وهى تتصفح اليوسفى بإعجاب كبير وشهية.
_ يوسفى...!! شكرا .
قامت العجوز بإزالة القشرة وقدمتها الى اسراء جزء بجزء ، كانت اسراء تلتهمها بشهية كبيرة فلأول مرة تتذوق فاكهة بتلك اللذة .
قالت العجوز ..
_ دي هدية عشانك ..عشان انت قلبك طيب ..وتستهالى كل خير ..
فى تلك اللحظة استيقظت ناهد من نومها وهى تشعر بنفس طعم اليوسفى في فمها ، همست بغرابة ..
_ اسراء مين ..؟؟ اللى العجوز نادتني باسمها ..طب وانا ليه مأنكرتش ..
تنهدت وقامت بالنوم مرة أخرى على الفراش وبين اللا وعي والغرق فى النوم العميق سمعت صوت أطفال يقولون بترديد ..
( اسراء ...ماما ..اسراء ..)
قامت بالتململ على الفراش ووضع رأسها تحت الوسادة وهى تشعر بالنعاس الشديد ولم تعطي بالا لتلك الأصوات.
( ب ط 988)
فاقت إسراء و انتفضت جالسة حين عاد صوت العجوز في أذناها وهى تقول تلك الأرقام والحروف ، بحثت بعيناها في كامل الغرفة فلم تجد أحد .
اعتقدت انها مجرد تهيأت تأتى اليها.. بسبب إصابة دماخها من تلك الحادثة التى أخبروها بها ، لم تستطع النوم فذهبت إلى الحمام، وعندما انتهت من الاستحمام وجدت على المرآة تلك الحروف والارقام ، شهقت بصدمة وبقت تلتف حولها كالمجنونة ، خرجت من الحمام وبحثت عن احد ما بالشقة ،فلم تجد سوي نادية تجلس بغرفتها المغلقة ويظهر انها تعبث داخل الخزانة ..
فالتفتت تعود ادراجها ولكنها استمعت الى صوت خربطة، تعلم أن نادية لا تتحرك على اقدامها ، مرت ثوان حتى عادت الى الغرفة وطرقاتها عدة طرقات فعم الصمت من جديد ، وبسبب علتها في التحرك ببطء رأت من باب الغرفة الزجاجى خيالا لرجل ضخم يتحرك بالداخل الغرفة.
اتجهت بتوجس ناحية الهاتف الأرضي وجلست خلف الاريكة وقامت بالاتصال بوليد لكنه لم يرد مهما تتصل .
استمعت الى صوت فتح باب الغرفة فدق قلبها بعنف شديد ، وضعت السماعة في مكانها ، ليعلو صوت الهاتف بالرن ، شعرت بأقدام تخطوا في الشقة رأت خيالا متجسدا على الجدار لرجل طويل القامة تفوح منه رائحة الدخان، كتمت خوفها داخل صدرها حين ظهر صوت الرجل وهو يقول
_ ورحمة امي يا نادية لاخل اخوك ميبتش في البيت من الليلة دى .
أختار الرجل ان يخرج من الشرفة بدل الباب فعلمت انه دخل منها ، هدأت أنفاسها حين تأكدت من ذهابه ولم ينتبه الى وجود أحد برغم انها طرقت الغرفة عدة مرات، قامت بالرد على الهاتف الذي لم يتوقف عن الرنين .
_ أيوة يا ناهد كنت بترني ليه..
بعد عدة ثواني ردت ناهد بنبرة مليئة بالخوف .
_ كان في حرامي هنا ..
جحظت عين ناهد حين تذكرت نادية فهتفت بعد عدة ثوان أخرى
_ استني اطمن على نادية ..
علا صوت وليد وهو يقول .
_ استخبي عندك في أي حتي أنا جاي حالا ..
لم تسمعه ناهد لانها ذهبت تتفقد نادية والتي لم تجدها فى كامل الشقة، جرى الخوف داخل عروقها بفزع ، عادت الى الهاتف لتراه مغلقا ، لتتصل مرة أخرى بوليد .
_ نادية معايا ..خدي بالك من نفسك .. ورحي لجارتنا اعدي عندها، انا قدامي 3 دقايق واكون قدامك .
ذهبت ناهد تختبئ تحت السرير ، وبالفعل عاد وليد بعد ثلاث دقائق ونادي باسمها بصوت عالي ، وكالعادة انتظرت دقيقة كاملة حتى تستوعب انه أتى ، خرجت من تحت السرير ببطء بسبب اقدامها ..بغتة ظهر صوت وليد يصيح بألم ، وعندما وصلت رأت ناهد أنه ساقط على الأرض وبجانبه نادية تصيح ورجلا ممسكا بكرسي خشبيا ويقوم بضرب وليد على رأسه حتى تحطم الكرسي ..
جحظت عيناها ولم يتوقف الصراخ على الرنين داخل أذناها لتشعر بدوار شديد كاد ان يحطم رأسها وهى تتذكر سيدة كبيرة وفتاة في العشرين يقوما بضربها بخشبة على ظهرها وهى تصيح بألم ، تنفست بصعوبة وهى ترى وليد يصيح بألم والرجل يضربه على جسده ويجز على اسنانه وعلى قسماته الغل ، لم تشعر بنفسها وهى تقوم بأخذ فازة زجاجية وخطت ناحية الرجل بحذر وقامت بضربه بأقصي قوتها على رأسه ليسقط مغشيا علية بعد ان اطلق صيحة مخيفة .
****
...بعد مرور يوم كامل ..
_ ايه يا تيت خضتنا عليك ..وانت زي الحصان اهو ..
يهتف بها حسام لوليد وهو ينام بفراش المشفى وعلى رأسه شاش ويظهر انه أخذ غرز في منتصف راسه ، اغمض وليد عيناه بألم شديد وهو يتصفح الموجودين ليقول لنادية ..
_ ناه..
ردت مقاطعة..
_ متتكلمش يا وليد وتهبط نفسك ..ارتاح ..
تعلم انه ينادي على ناهد ولكنها حقا لا تريدها ان تكون معه ، فقد ابعدتها وقام بإعطائها الكثير من المهمات بالمنزل حتى لا تجلس معه ويتعلق بها أكثر ، فيكفى انه متيما بها ...الى درجة كبير فهو لا يهتم بوجودهم جميعا حوله أكثر من وجود ناهد .
حاول رفع يده ويتحدث ببطء بكلمات مبهمة متألما لتهتف احدي بنات نادية بفرح ..
_ ناهد ايجت اهى يا خالو ..
هز حسام رأسه بشفقة وهو يرى هذا الشبل الذي كان يهتم بالنساء ويسفك مشاعرهن بإشارة من يده قد تم سرق قلبه من قبل خادمة ، التفت بسخرية ليرى ناهد وهى تدخل عليهم ..ليرمقها بغرابة ، رفع سبابته مقابلا لوجهها وهو يقول
_ أنت بقي ناهد!! ...أنا حاسس انى شوفتك قبل كده ..
كانت ناهد تنظر الى وليد بحزن بالغ حتي تقابلت اعينهما ، لم تعرف حقيقة تلك النظرات التي يلقيها اليها وليد الا الان، الشي الوحيد الذي تفهمه هو وجع قلبها الشديد عليه .
_ أنت يا انسة ..
يهتف بها حسام بجدية وهو يرى إنها لا تهتم إلى كلامه الجدي، ولكن التفت الى وليد ليقول ملطفا للجو بعد أن تنحنح ..
_ ولا نقول يا مدام دلوقت .
استدارت اليه ناهد ورفعت بصرها اليه فكانت قامته خياليه بالنسبة لها ، طويلا جدا فضيقت عيناها بغرابة لتهتف بعد ثوان ..
_ انا حاسة انى شوفتك قبل كده ..
انتبهت نادية لناهد الى نظراتها وتصفحها الشديد بحسام ، فملأ قلبها الغضب ، هتف حسام باهتمام ...ردا على ناهد
_ أنت شكلك برضه مش غريب عليا ..بس مش فاكر شوفك في بالظبط .
خطت ناهد ناحية فراش وليد لكي تكون بقربه ، ثم مالت برأسها بدهشة لحسام و بقت تحدق به بغرابة ..
فأردف حسام ..
_ متخافيش عليه ده رأسه زي الحجر ..كل الضرب اللى خده مأثرش على نفوخه ..
هتفت نادية بحنق .
_ الله اكبر في عنيك ..
لم يعقب حسام على نادية وقال لوليد وهو يلقى اليه غمزة خبيثة .
_ ماشي يا كبير هجيلك بعدين ..هاه .
خرج حسام وهو شاردا فى امر ناهد، ويفكر بتساؤل.. فتاة عرجاء تملك مظهر عادي جدا ويظهر ان بعقلها علة ما، تخطف عقل وليد إلى هذه الدرجة؟ ، قام بالتصفيق بيديه بعجب على الحال الذي وصل إليه وليد وهو يخرج من المشفي.
لم تستطع نادية ان تبقى وهى ترى شقيقها ينظر بهيام حب عاشق لناهد التي كانت شاردة به هي الأخرى ، فخرجت هي وبناتها الى الحمام ولم ينتبها اليهن وهم يخرجن.
خرج وليد عن صمته وهو يهمس بتعب شديد..
_ عنيك فيها طيبة بتدفيني أووى يا ناهد .
_ متتكلمش عشان غلط عليك ..
لم ينتبه الى كلامها فوحده القلق الذي يسكن عيناها عليه يطمئنه ، فقال بصعوبة ..
_ بتحبيبني يا ناهد .؟
استدارت الى الجهة الأخرى ولم تعلق عليه بأى كلمة ..
ومع مرور الأيام ..
رجع وليد الى المنزل بعد ان تأكد من حبس الجاني ومحاكمته وهو زوج شقيقته الذي كان يدخل الى الشقة بتوجس لأجل سرقة المال الخاص بعمليه قدم نادية والتى تدخرها منذ سنوات طويلة ، ولكن تم الإمساك به بفضل ناهد التي قامت بضربه على رأسه ..وانقذت وليد ...
_ عينك فيها حكاية غريبة وانا عاوزة أكون فيها مهما كانت الظروف ...
اوعديني ..لو ايه اللى حصل انك متسبنيش ..
يهمس بها وليد بحب الى ناهد وهى تطهي الطعام ، لتلتفت اليه بعد دقيقة وتحدق به طويلا بدهشة وابتسامة اختفت بعدها بثوان وهى تقول .
_ اللى بتقوله ده مينفعش يا بيه ..أنا واحدة معرفش حياتي كانت عامله ازاى ..افرد انا متجوزة وجوزي بيدور عليا وعيالى مستنيني ..أنا مش عاوزة اشغل دماخي بحلم مستحيل يتحقق .
_طب وافرضي انك مش متجوزة ..
رانت اليه بغرابة ليردف مسرعا ..
_ يعني ارملة أو مطلقة .. وحسام ماكدلى انه شافك قبل كده بس مش قادر يفتكر فين ..
ساد الصمت لدقيقة ليردف..
_ ..تعرفي ده معناه ايه ..أنك كنت عايشة قريب مننا ..
صمت قليلا وهو يرى بعض الامل في عيناها ليردف مشجعا ..
_ يعني لو مكنتيش متجوزة ..تواقفى تقبلى الفقر لله ده كزوج ..
كانت تلك اللحظات التي تمر عليه تقتله بالانتظار حتى مالت رأسها بايجاب بحماس طفلة ، فلم يستطع ان يتمالك نفسه ليأخذها داخل احضانه ، حمد الله انها لا تستوعب اى شي يحدث حولها بسرعة فبقي للحظات ليست كثيرة بجانب قلبها حتى استمع الى دقاته التي أتت اليه بالإجابة على سؤاله والذي انتظره طويلا .
ابتعد قبل ان تقوم بدفعه وتعنيفه ببعض الكلمات فقال مسرعا .
_ مفيش حاجة بتحلمى بيها ..او اسم حد بعينه بيجى فى بالك ..
ران اليها طويلا حتى اتتها الصدمة من عناقه لها لتقوم بضرب يده برقة وجنتيها على وشك ان تغرق وجهها بالحمرة، ثم ازدردت ريقها بخجل وهو تقول
_ ايوة في رقم غريب بيجي في بالي ديما
رد عليها بلهفة ..
_ قوليه بسرعة ..
_ ب ط 988
تفاجئ وقام بكتابته داخل هاتفه ثم قال لها ..
_ ده رقم لوحة عربية ..
دق قلبها بقوة ونظر كلا منهما الى الاخر ومشاعرهما تتضربان باللهفة والخوف في آن واحد .
****
يضحك ويعيش حياته العملية على اكمل وجه ولكن هذا ما يراه الآخرون ،ولا يعلموا التغير الكبير الذي حدث له ، لا يتحدث كثيرا منشغلا دائما لا يتواصل مع أحد ،ودائما ما يشعر بأنه مات من الداخل بعد فقدانه لوالدته ، فحين يصل الى الشقة يقف امام الباب ويتذكر حياته في الماضي فتسقط دمعة واحده بها وجعه بالكامل، وكم ينحرق قلبه ان فاضت عيناه ، يتمني لو يفتح الباب فتخرج والدته امامه وتعانقه وتخبره كم اشتاقت اليه وان كل ذلك كان كبوسا ..ولكنه يتألم في كل مرة وهو يري المنزل خاليا بذهابها، لا ينكر ابدا أن وجود شقيقاته قد ساعده شخصيا وساعد ابناءه في الاهتمام بهم وتربيتهم على اكمل وجه ، وخاصة تلك المزعجة كما اسماها مونى تحضر له الطعام وتهتم به جيدا وتدخل عليه في كل الأوقات وتتحدث معه ولا تتركه مهما قام بافتعال مشكله معها لا تتركه ابدا ، فاستسلم حين دخلت اليه في احدي الليالي وهى تنقل اليه اخبار جيهان بالكامل حتى اصبح كل ليلة ينتظرها ان تاتى اليه لكى تخبره بالجديد ..
ولكن مر يومين من دون ان تحكي له اى شيء فبدا القلق ينشب حربا داخله .
وبعد تفكير طويل في ان يذهب اليها ويستفسر وجدها تدخل بهجوم الى غرفته وتقول وهى تلهث
_ مراتك ولدت وجابت بنتين ..
انتفض بصدمة كبيرة وهرول الى باب الشقة دون العبء إلى ذلك الكرسي الذي ارتطم به وجعله يسقط مندفعا على الارض، لكنه.. توقف في اخر لحظة بعد ان تذكر ما فعله مع جيهان وانه لم يذهب اليها ابدا طوال تلك الفترة بسبب الاستثناء الذي وضعته شرطا لرجوع اليها فجعلها معلقة ولم يذهب اليها ، يخشي ان ذهب الان تطلب منه الطلاق ويتزوجها زياد، فرجع بخيبة أمل الى الداخل وهو بين نارين ، ام أولاده الذي يريد حمايتها بسبب مستقبل أبنائهم وحبه الذي يتمناه ويشتاق اليه بولع ..هتفت مونى بعد أن رأته يعود مطأطا الرأس بحزن.
_ ايه اللى رجعك يا خوي ..روح شوف بناتك دول زي الجمر ..
لم يعلق عليها ودخل الى غرفته صافقا الباب خلفه بعنف
لتقول مونى وهى تقوم بفتح الباب عليه ..
_ انت خايف من زياد ..هو ميقدرش يجولك حاجة يعني اخته خلاص ولدت وهو عاوز مصلحتها ..انا حسيت أكده متخافشي ..
زفر حسام بقوة وجلس على مكتبه وقام بفتح حاسوبه يتصفح جدول العمليات القيصرية هذا الأسبوع ،لم تجد موني اي رد ففكرت فى شي وتركته ودلفت الى غرفتها.
جحظت عيناه فجأة وكلام مونى يتردد داخل أذناه .. وهو يعيد تصفح هاتفه...
دلف الى غرفة مونى مسرعا وعيناه متسعة ليهرع اليها وهى جالسة على الفراش فقام بجذبها وامسك كلتا ذراعيها ويقول متسائلا فقد توصل إلى اشياء بتفكيره ويريد التأكد منها.
_ تقصدي بايه اخته ..هو من امتي زياد له اخت ..
تأوهت مونى بألم وحاولت دفعه بعيدا عنها من شدة ضغطه على ذراعيها بسبب فضوله الزائد وعيناه التى تحدق بها وعلى وشك إن تخرج من مكانها ،فابتعد حين استمع الى صياحها المزعج ، ثم نظرت اليها بغرابة وهى تعيد اليه القول ..
_ جيهان يا خوي ..اقصد ان زياد عاوز مصلحتها عشان هي اخته ..
_ أخته ..؟ أزاى يعني ؟
صمت حسام لثوان ثم أعاد النظر الي مونى وهو يردف بتلاعب حتى يفهم ما ترمي اليه ..
_..هو قرر انه ما يتجوزهاش وتبقي في مكان اخته ..عشان رفضته يعني .. ؟
_ انت بتجول ايه ..يا خوي انا مش فاهمة حاجة ..
كل اللى اعرفه ان جيهان تبجي اخت زياد اخته من الاب بت عمك رجب.. ..
اتعست عيناه بذهول وهو يستمع الى مونى ، فلم يصدق ابدا ماتقوله...
_ معجول...؟؟؟
شهقت موني وهى تراه متفاجئا من عدم معرفته بهذا الأمر فقامت بالحكي له...
ومن تأكيد كلامها.. بعده أدلة...
لتنهي الحكي وهى تهتف
_ والله حكاية اغرب من الخيال... مين كان يصدق انك أخوى وبعدين مرتك تبجي بت عمي واخت زياد..
ازدرد ريقه بصعوبة وهو يفكر بما استمع اليه، وبعد عدة دقائق التفت الي موني وهو يقول بتعجب
_ إنت متأكده من الكلام ده..
_ أومال بخرف... خد بجي اللى أعجب من أكده.. تعرف إن أمك سنية تبجي أخت أمها..
رمقها بغرابة ولم يستوعب ما تقوله لتردف..
_ يعني البت جيهان دي بت خالتك وكمان بت عمك... حكاية سيما...علي رأي حسنية..
.. خطي إلى خارج الشقة دون أن يعلق عليها وموني تجرى وراءه وتقول ..
_ خليك لبكرة احسن اكيد هيجيلك عشان تسجل البنات ..
توقف عن الخطي واستدارت اليها ويقول بدون وعي والفرحة بدأت تغمره، فحياته بدأت فى نسج بعض خيوط الأمان حتي تصل به إلى الاستقرار وكل ذلك بسبب تلك الشقية موني، فإن لم تكن معه ووقفت بجانبه فى أصعب أوقاته كان سيضيع حقا ..
_تعرفي.. طول عمرى كان نفسي يبقي عندي أخت...
ابتسمت موني وقد بدأت الدموع تملأ مقلتيها وعلى وشك إن تهرب.
_ وأنا والله يا خوى.. كلياتنا كان نفسنا والحمد لله ربنا عوضنا بيك.. واتلمينا فى حضن بعض..
رمقها حسام بغرابة وظل شاردا بعض الوقت بها وبعض المشاعر تنتابه بدفء العائلة ،فقالت موني بتعجب وهى تراقب صمته
_ مالك ياخوى...؟
هنا رفع حسام يده فجأة ونزل صافعا رقبتها والسعادة تغمره وهو يقول
_ طب خدي دي بقي.. عشان تحسي آكتر إن ليك أخ... وبيحتوكي..
علا صوت صياحها به وهى تبحث عن شئ لتقوم بإلقائه عليه، وهو يبتعد عنها ويرمقها باستفزاز كالطفل.. فهتفت به بغضب
_ يا اهبل... والله بس إما ترجع لأوريك...
عاد اليها بعد أن ابتعد وقام بإمساكها من عباءتها من الخلف بسخرية وهى ترمقه بخوف ويقول
_هاه وريني هتعملى إيه..
_ ياخوى انت كبرت الموضوع... أحنا نهزرو وياك... تعيش وتديني غيرها..
_ أيوة كده اتظبطي...
يتبع
#مئةقبلةمع_عدوى
#سارةمنصوردوارالشمس
أنت تقرأ
مئة قبلة مع عدوي "مكتملة"
Romanceمحامية ممتازة يضعها القدر فى موقف عجيب فتجبر على الزواج من شاب مراهق من قبيلة بدوية، ترى كيف ستتصرف؟