القبلة التاسعة عشر

284 10 2
                                    

                       القبلة التاسعة عشر
كان ماهر على وشك ان يفقد وعيه وهو يقوم بقراءة شهادة الميلاد، ولكن حدث نفسه داخل عقله
_ مستحيل،  مستحيل حسام يعمل كده،  دي اكيد لعبة جديدة بيلعبها عليا..
قام بطي الورقة وأعادها الى حسام بتماسك، كم شعر بالكره الشديد لحسام وهو يري قسماته المتحمسة بثقة الفوز، حاول ان يتمالك نفسه أمامه ويخفى اندهاشه القوي لكنه فشل فى ارتداء قناع الاستفزاز الخاص به وبقي يجز على أسنانه غضبا.
علا صوت أسماء يهتف بعدم تصديق والكلمات التى تأتي فى عقلها تخرجها فورا عبر لسانها دون تحكم
_ايه.. انت اتجوزتها امتي؟
عشان تجيب منها عيل..؟؟
شفتاه مغلقة ولا تعطي تعبيرا ولكن عيناه كفيلة بأن تظهر شماتته بها وهو يري ندمها يتجسد بتصرفاتها ليقول باستفزاز وهو يتلذذ
_ ما هو انا كنت بخونك يا جميل وانت على ذمتي..؟ 
التفتت اسماء الى  ماهر بعصبية وهى تجز على أسنانها وتقول له
_ انت طلقتها امتي؟؟؟ 
لم ينتبه احد الى تجمع الممرضات حولهم يستمعون الي فضائحهم الكبيرة، الا حسام الذي نجح بصوته فى جذبهم اليهم..
فقهقه وهو يحول المدفع الى وجه جيهان التى تتابع بدهشة وتشعر انها بحلم ....  فكانت تعتقد عندما استيقظت فى الصباح ان  تسجيل حسام لابنها باسمه كان مجردا كابوسا قد رأته البارحة فى منامها.. حتى ان عقلها رفض ان يقنعها انه حقيقة وليس وهما
_ كانت على ذمته برضه.. ومعايا...
يعلم ان ذلك الشعور المغمور بالحماس وحب المغامرة  هو هرمون السعادة الذي  ينتشر فى جسده الأن  ، فالتفت الي جيهان وهى ترفع رأسها اليه وتنظر بغرابة.. ليبادلها حسام بغمزة وهو يضم بقبضة يده كتفها.. بلمسات جنونية ويحدث نفسه وهو يرتدي قناع الجدية ويخفى سعادته المفرطة  داخل عيناه التى توشك على الخروج من مكانهما
( كنت فاكره هتفلتي من ايدي انت وطليقك.. بعد اللى عملتوه معايا..
مفيش اجمل من  فضيحة الشرف اللى هتفضل فى وشكم طول العمر ...) 
تلك النظرات النارية التي تخرج  من زوجته السابقة أسماء  وابن عمه الحاقد ماهر تغذي روحه وتشفى غليله من الليال الباردة التي سببتها طليقته بوضع النار على جروحه التى اكتوت من تركها له بسبب الأموال.
أما عن جيهان التي تقطن معه في شقته والتى تزوجها كسرا لذراع ماهر ها قد بدأت الزيجة تؤتى ثمارها وتعطي نفعها، ف حتي وان كان امر جيهان  لا يزال مجهولا  بعد الشئ  الا انه سوف يمتص كل خلية بها من أجل مصلحته الخاصة حتى وان وصل الى اعطاء اسمه وتاريخ عائلته الى ذلك الطفل المجهول لبعض الوقت.
كم يعشق نظرات خيبة الامل الخارجة من ماهر  وصدمته القاتلة، أكان يعتقد عندما يدس جيهان في حياته ستعطي له اسراره وطريقه حياته بكل تلك السهولة ؟ ، ألا يعلم أن كل شائبة ألقاها فى طريقه طوال حياته لكى يهزمه بالفضائح قد تم كسرها بإصبعه الصغير دون محاولة فى اثارة الجهد  .
خرج من شروده بالتوعد لهم جميعا وقسمه على تدميرهم واحدا تلو الأخر على كلمات ماهر له
_ لو فاكر انك اتجوزتها عشان تلوى دراعي يبقي بتحلم ياحسام ..
دي بت لقيطة ، والولد اللى معها ده ابن حرام .
يهتف بها ماهر بكل جدية وهو يحدق داخل مقلتي حسام بجمود أربكه من الداخل ، ثم يلتفت الى جيهان ويشير اليها بسبابته بدونية وهو يضحك ويقول باستحقار
_ أنا عارف ابن عمي ..شهر وهيرميك رمية الكلاب ..
اذا كنتى  غلطتي ياجيهان مرة في اختيارى يبقي انت غلطتي مليون مرة في اختيارك للبني أدم ده.. هيخليك تندمي لسنين .
فاقت جيهان من صدمتها على تلك الكلمات التي ذبحتها الف مرة مع كل حرفا يشار اليها بتلك الوضاعة من ماهر، حتي شعر حسام بارتعاش جسدها بقوة تحت ذراعيه التي تضم كتفيها بقبضته فنزل ببصره اليها ليري دموعها الثائرة تغرق قمشه النقاب الخاص بها فارتبك أكثر من تدفق مشاعره التى لا يعرف مكنونها .
يعلم ان ابن عمه يتحدث بتلك الطريقة لكى يغطي على خطته الخبيثة معه، وقد نجح بوضع الشك داخله قليلا وتولد بعقله بعض الاسئلة فهل تلك الفتاة كانت ضحيته ؟ أم شريكته في مخططاته ؟
جز على اسنانه من افكاره المبعثرة التى قلبت قسماته من السعادة الى العبوس وهو يرى أنه بداخل مسرحية هزلية وهو بدور المهرج الغبي.
لم ينتبه الى أسماء التي اقتربت فجأة منه وقامت بصفعه على وجهه والغيظ يملأ قسمات وجهها فبادلها بنظرة لم تنجح فى اخافتها تلك المرة ، ولم تصمت عند هذا الحد بل قامت بدفع جيهان بقوة من ذراعها حتي تبتعد عن حسام  وما ان ابتعدت عدة خطوات اثر دفعها قامت أسماء برفع يدها لتنزل بصفعه على خد جيهان ولكن  اوقفها حسام بقبضته يده على معصمها قبل ان تلمسها، وظل يحدق بها بكره شديد لم يستمر طويلا لينقلب غصبا دون ارادة منه الى عتاب وحزن حتى شعرت بكل تلك المشاعر من لمسته، فاتسعت حدقتيها بذهول وبرغم الألم فى معصمها بقوة يده غمرتها الفرحة وهى تشعر بان هناك أمل فى اصطياده مرة اخري الى داخل احضانها  .
كل تلك النظرات التي تخرج من أسماء الى حسام دبت الغضب في قلب ماهر بالغيرة، يريد الان أن يأتي بسكين حاد ويشق قلبهِ وجسدهِ الى أشلاء .
رمت أسماء بصرها بشماته الى جيهان التي تبكي بصمت مخيف وشهقاتها هى من تظهره  ، ثم اعادت بصرها الى حسام الذي استعاد رباط جأشه مبادلا اياها نظرات مليئة بالكره لم تؤثر بها فقد علمت ما خفى، تشعر ببعض السعادة الأن وهى تبتعد عنهم الى الخارج فقد ظهر لها من خلال أعين حسام الضعيفة أمامها وضع جيهان بأنها مجرد دمية في يده يتسلي بها لبعض الوقت  حتي ينساها، وتلك ليست المرة الأولى فكم تعرضت للخيانه منه قبل الزواج ،
تعلم انها مجرد مهلة بسيطة وستعود أوضاعها الى عهدها السابق، تابعها ماهر وخطي خلفها وهو شاردا جاحظ العينين فلم يتوقع ابدا أن حسام بجبروته قد يتزوج جيهان الفتاة المنتقبة مطأطأة الرأس اينما ذهبت، لقد تفاجئ كثيرا من خبر زواجهما فقد كان كالقنبلة النووية فهو يعلم ان ذوق حسام فى النساء يتمثل فى اسماء،  قوام طويل ممشوق وشخصية قوية لم يعلم ان فتاة كاجيهان يمكن ان يتزوجها ،فلم يكن يتوقع حتي ان يدق فيه الفضول اتجاهها بسبب نقابها فهى سمينة بعض الشئ  وشخصيتها ضعيفة جدا، فسبب وضعها تعمل تحت يديه من الأساس ان لحسام شخصية صعبه جدا اتجاه العمل يجعل كل من يعمل تحت يديه يتمني الموت بسبب عصبيته الزائدة وتكبره عندما يتعامل مع من هم اقل شأن، فقد اراد ان يجعلها تكره حياتها وتشعر بالزل والدونية . فجأة توقف عن الخطي  في الرواق ورفع بصره الى الامام بدهشة وصوتا داخله يحدثه قائلا
(ياغبي .. جيت ترمي الطوبة على صدره تعوره دخلت في قلبه قتلته ، ده كده حظك عال ، عارف يعني ايه جيهان في بيته ، يعني اسرار حياته في ايدك ..)
تواثبت دقات قلبه فرحا وحماسا وارتسمت على شفتاه بسمة انتصار ، فدخل الى مكتبه مسرعا واوصد الباب جيدا، وأقبل يفحص ادراج مكتبه باحثا عن شئ شديد الاهمية بالنسبة له، وبعد ان بحث جيدا فى كامل الادراج عبس وجهه بهزيمة وانسابت قدماه جالسا على كرسيه، فانتفض يلقى كامل الاوراق المرصوصة على سطح مكتبه على الارض بعصبية ولكن توقف فجأة وعادت قسماته الى السعادة وهو يتذكر مكان هذا الشي، فاندفع نحو ثلاجته الصغيرة وسحب الباب بحذر  ليخرج قنينة صغيرة بها سائل مجمد فأقبل يضحك ساخرا بصوتا يردد كالصدى ، وهو يقول بسخرية مريرة وعيناه متسلطة على القنينة
_ مشفتش في حياتي بنى آدمة بائسة اكتر منك يا جيهان ..بس يلا حظك كده في الدنيا تبقي كُوبرى للمصالح .
                             *****
لم تتحرق قيد أنملة وبقت جامدة دموعها الوحيدة التي على قيد الحياة  تروى عما مرت به لمن يفهم لغة البحور الحزينة ، فقام بسحبها من معصهما وذهب بها الى مكتبه أمام همسات الممرضات الذاهلة مما سمعن من تصريحات مخجلة منهم.
وقف ينتظر منها ان تسأله كيف عرف بأنها هي  جيهان ولكن فقد الامل من رؤيتها بهذه الهشاشة فمط شفتيه ساخرا منها وهو يقول
_ بلاش تمثلى دور المظلومة والبت العيوطة ...
هاه؟
متقلقيش لسه دورك مجاش لو فاكرة ان التمثلية بتاعتكم  هتدخل دماخي يبقي لسه متعرفنيش .
قالها وهو يحدق بها باستحقار  فرفعت بصرها اليه محدقة به ببؤس قاتل ، فهو لا يعلم ان الكلمات التي خرجت من ماهر على طفلها قامت بقتلها رويدا رويدا بخنجر مذبذب حاد.
احس ان عيناها تنقل اليه بعض من كلماتها الحزينة وعندما أحس بالقليل من حزنها  رسم قسمات الحنق على وجه مسرعا ، ومن ثم خطي الى باب مكتبه وتوقف وهو يضع يده على المقود واستدار اليها ليردف بنبرة أمره.
_ اجرى روحي البيت ..شوفى امي لو عاوزة حاجة ومشفش خلقتك هنا تانى ..
عاوزة تشتغلى يبقي مكانك في البيت ومرتبك هيوصلك .
اقتربت فجأة بخطوات سريعه اليه وكأنها على وشك ان تطاول عليه بضربه مما جعله يرجع خطوة الا الوراء من اندفاعها نحوه ،  ولكنها توقفت وهى تهتف بحزن والدموع تنساب من مقلتيها
_ دلوقتى بتقول تمثلية ، دلوقتى اتوقعت انى بمثل عليك ..
التقطت انفاسها  فى محاولة لتهدأ قليلا من غضبها الشديد وهجومها بالكلام عليه فقد تخسر شئ كبيرا  فأردفت
_مقلتش كده ليه أول ماشوفتنى  عند امك
وليه ساعدتني . واتجوزتني واخترت تعطي اسمك لابني ..
ران الصمت لثواني  وعادت تهتف بصوت متقطع من شدة ما يعتريها من حزن وحسرة

مئة قبلة مع عدوي "مكتملة" حيث تعيش القصص. اكتشف الآن