القبلة الرابعة والثلاثون

303 11 5
                                    

القبلة الرابعة والثلاثون
شردت ناهد داخل عين العجوز بغرابة فهى تملك مظهر غريب جدا وتحدق بها من بعيد بقوة ولكن التفتت الى زياد الذي كان يبتسم لها ويقول وهو يبتلع ريقه اثر رائحة الطعام الطيبة .
_ حاتي بقي ست سندوتشات كبدة وحطي في ثلاثة منهم شطة حراقة .
لم تعلق ناهد على طلبه وقالت بلهفة بعد مرور دقيقة .
_ وبعدين ؟
_ في ايه ؟
_ .....
أنت تعرف مكان أهلى ..وكده ..وانا كنت متجوزة مين .. ؟!!

ران اليها بغرابة ولم يفهم ما ترمي اليه حين أردفت له باهتمام
_  انا فقدت الذاكرة ومش عارفة حاجة ولا حتي انا منين .. انا يدوبك افتكرت انى شوفتك بس قبل كده.
مالت قسماته الى الحزن وهو يتصفحها من رأسها الى اخمص قدميها فقالت وهو يشعر ببعض القلق عليها
_ أنا للأسف معرفش حاجة عنك نهائي ..أنا بس قبلتك صدفة في السوق وسألتك عن حاجة ..صدقيني لو بأيدي أساعدك مش هتأخر .
مرت ثوان ولم تعقب عليه بأى شيء لكن قسماتها مُلئت بخيبة الأمل ، فقام بإخراج بطاقة مكتوب عليها رقم هاتفه الخلوي واردف
_ اسمعي لو احتاجتي اى شي اتوصلي معايا على الرقم ده ، يمكن اقدر اساعدك بأى حاجة .
خرجت عن صمتها المجبر بسبب علتها لتقول ببعض الأمل
_ تسمح تقولى على عنوان السوق اللى قبلتني فيه ؟
_ طبعا .
أخرج القلم من جيب بنطاله وقام بكتابة العنوان وقدمه لها ، وبدأت بصنع الشطائر وقدمتها اليه بابتسامه بسيطة لم تمحي  الحزن القابع داخل كيانها .
رجع زياد الى السيارة وهو يستدير الى الوراء ينظر اليها بشفقة ، وعندما عدل من مشيته ونظر الى جيهان وهى تجلس بسيارة متطأطئة  الرأس تسرب اليه القلق والخوف ان كانت شقيقته اسراء توفت حقا؟ فرؤية جيهان بتلك الطريقة لا تبشر ابدا ، تنهد وهو يركب داخل سيارته بجانبها وهو ينفض تلك الافكار السلبية، قدم بعض الشطائر الى جيهان التي رفضت رفضت  ولم تريد ابدا وضع اى شيء في فمها .
وبعد عدة دقائق، التهم زياد الشطائر بدون تركيز وهو يقود سيارته شاردا بما سيمر به ،وحين تمكن منه شعور اليأس تذكر فجأة ذلك العجوز من الجن الذي ساعده بتحريره من السلسلة  قبلا وأخبره إن احتاج الى اى شيء فقط يلفظ اسمه  ، يعلم ان للجن طرق للوصول لبعض الأشياء بسهولة بإذن الله ،فالتمعت عيناه بأمل وما ان جاء لينطق الاسم ، اختفى من ذاكرته فجأة .
ظل طوال اليوم يحاول أن يتذكره ولكن في كل مرة يفشل ،فعزم على الذهاب الى حسام لكى يخبره بالعنوان الذي أعطاه إياه قبلا و بالرغم من كذبه عليه بالعنوان الصحيح سيسامحه إن نجح بالتواصل مع العجوز.
تنهد بحسرة فان كان اخبره قبلا بالعنوان الصحيح كان سينقذ شقيقته مما وقعت به من مشاكل عويصة ، حاول إلا يفكر فيما جارت إليه الاحوال و يفكر فقط بما سيقوم بفعله لكى يصل اليها .
وعندما وصل إلى منزله   أخذ جيهان الى غرفتها ثم اتجه مسرعا  الى شقة حسام بالسيارة، وما إن وصل طرق الباب عدة طرقات، فُتح الباب له ممن لم يكن ليتوقعه ابدا، فهتف بعدم تصديق.
_ أنتِ ؟؟
لم تتوقع موني ابدا أن يأتي اليها زياد بتلك السرعة حينما يخبره حسام بأمرها ، فحاولت ان تخفى فرحتها الشديدة بعيناها بالتلبس لقناع الجدية والتي فشلت ان تضعه وبقت كالحمقاء مسلوبة القلب وهى تقول باشتياق
_ معجول رجعت بالسرعة دي يا ولد عمي !.
عض على شفتاه السفلية بغضب  من تلك الفتاة ومن دمائها الموروثة داخله .
_ ايه اللى جابك هنا ؟
يهتف بها بغضب لترتسم ابتسامة على محياها دون إرادة منها وتقول بمزاح
_ حساام رايدني في الحلال ..وأنى ما جدرتش ارفض ..اصلا لانى احبوه .
اتسعت حدقتاه ولم يشعر بنفسه وهو يقوم بجذبها من حجابها الذي سقط عن رأسها حتى وصل بها خارج الشقة، فتأوهت بألم فلم تتوقع منه ان يكون بتلك الهمجية،  فعلمت انه لم يعلم بعد انها وحسام أشقاء  ، فهتفت به بصياح
_ بتعمل ايه يا مجنون .. سبني ..
_ امشي من هنا ماشفش خلقتك ..قبل والله العظيم ما اقتلك في لحظة من غير ما أحس .
جزت على اسنانها وقالت وهى تمنع غضبها تحت لسانها وتبدله بنفحة ثعبانية 
_ محدش يجدر يخرجني من هنا ال بمزاجي وانا نجول ما نمشي من اهنه واصل الا  ..
اذا طلعت من هنه على بيتك ...
ودِه طبعا مستحيل ..!!
مش مستحيل جوي يعني .
الموضوع كلياته اعتذار ..
نبرت صوتها انخفضت في كلامها الأخير وكأنها تقولها برجاء ، ولا تعلم ان ما يقف امامها ذئب طائش يريد ان يحطم ما امامه حتى لا يراها مرة أخرى فقال بنبرة تهديد انتفض لها بدنها
_  اداكي كام ..؟
رمقته بصدمة وردت بتساؤل
_ ايه ؟؟
_ هو فاكر انه لما  يجيبك هنا هيحرق دمي ..!!
هه .. ولا فارق معايا ..
طظ ..
أوعى من وشي .
يهتف بها بغضب وهو يدخل الى الشقة يبحث عن حسام والغضب يتوج أفكاره بفعل شيء قد يندم عليه لاحقا ، ولكن شلت حركته وتوقف فجأة حين وجد بنات عمه يجلسن بالصالة على الأرض بجانب والدة حسام .
لم يأت اليه جوابا فى عقله مهما بحث  عن سبب وجودهن هنا!.
جرى فى عقله ان ربما حسام يخطط لشئ ما حتي يقوم بلوي ذراعه بهن ، فبقي ينظر الى والدة حسام حتى خرج عن شروده واتجه اليها وهو يقول بغضب ..
_ ابنك اتجنن ...؟؟ يعني عشان اخدت مراته اللى رماها في الشارع وحفظت عليها جايب بنات عمي هنا ..هو بيلعب بالنار معايا ..
دهشت والدة حسام من كلامه وخشت ان يكيد   لحسام ويتشاجر معه فقالت مسرعة
_ اهدي ..يا زياد ..
لم تعرف والده حسام بما تخبره عنهن شيء وسبب وجودهن معها فى تلك اللحظة، فبقت صامته ولم تكمل كلماتها التي انتظرها زياد ، فقال لها بعصبية
_ انت ازاى سمحتي له انه يجيبهم هنا ..؟؟
ارتبكت ولم تعي ما تقول بسبب الضغط الذي وضعها به زياد  لترد عليه 
_ يا بني انا مسمحتش بحاجة ..هو اللى جبهم واسأله بنفسك ..أنا معرفش حاجه عنهم ...ولا فاهمة أي حاجة ..
هنا دلفت مونى عليهما وحدقت بالسيدة بغرابة من كلامها فهل ينكرون حقيقه انهم اشقاء ؟.
فهتفت بغيظ
_ احنا اخواته ....
التفت اليها زياد وهو لا يفهم ما تشير اليه بتلك الكلمة فأردفت ..
_ احنا اخواته ...ومعانا الدليل ..طبعا .
عضت والدة حسام على شفتاها من سرعة الاحداث وانكشاف السر الذي لم يبدأ  حسام في اخفاءه بعد عنه ، فقال زياد بعدم فهم
_ انت بتهرجي  بتقولى ايه ، أخواته ازاى يعني ؟.
قامت مونى بإخراج الورقة من جيبها المدفون داخل عباءتها وقدمتها له وهى تحدق به بغضب ، فقد تأكدت الأن انه لم يأتي لأجلها ولم يقوم حسام بالتحدث معه في هذا الشأن ، لتردف مونى بسخرية وهى ترى انقلاب قسماته الى الصدمة .
_ ويبجي وِلد عمك كُمان يا عسل..
رفع بصره اليها بعد تصفح الورقة بذهول شديد وعدم تصديق حتى شعر انه بكابوس  ، جذبت مونى منه الورقة بسرعة و أعادتها الى داخل جيبها ، فرفع سبابته لها بغرابة وما ان جاء ليتحدث لم يجد كلام بجبعته ، فخرج من الشُقة  والعجب يدور حوله ويجعله تائهًا داخل نسيج أفكاره المتلاحقة ، فهرعت خلفه والدة حسام وهى تمسك بأكمام ملابسه برجاء بأن يدخل غرفتها لتخبره ببعض الأشياء ،فتلك الورقة انكرت الكثير من الأشياء لديه منها  انكار حسام بأنه ولد صُلب ليونس العتابي .
                  ****
أتتها الخيبات حين لم تحصل على أي إجابة تفيد من زياد ، ففي تلك اللحظات القليلة عاد اليها الأمل بقوة ورسم اليها انها ستعود الى عائلتها من جديد عاجلا.
تنهدت وهي شاردة امامها ولم تنتبه الى الشخص الذي يقف مقابلا لها حتى همس باشتياق .
_ وحشتني القهوة بتعتك..
الفتت اليه وحدقت به دون تركيز قليلا ثم عادت بوجهها الى صنع الطائر وهى تتنهد بحسرة، ..فجأة جحظت عيناها والتفتت اليه مرة أخرى لكن بصدمة وبقت ثوان صامتة تتمعن بعيناه التى بها آلاف الكلمات فقالت بدهشة.
_ وليد ...!!!
تذكرت اخر ذكرى تجمعهما حتى قشعر بدنها وارتجفت فرجعت خطوة الى الوراء بخوف لتتغير قسماته من السعادة الى القلق ، فهتف بغرابة.
_  مالك كده ؟؟  كانك شوفتي عفريت  ....
.... لسه زي ما انتِ
بتفقعى الواحد على بال لما تردي، على العموم أنا جاي اطمن عليك ، وارجعك معانا تاني .
هتف بكلمته الأخيرة بنبرة أمر، مما جعلها تنفر وتشمئز بغضب وهى تقول
_ مستحيل ... انت فكرني معنديش كرامة عشان ارجع بعد ما اتفقتوا عليا ..
فجأة ظهرت الفتاة الثالثة أحدي بنات نادية خلف وليد وهى تقول
_ خالوا ملوش ذنب يا ناهد ..أحنا السبب ...انا اسفة جدا ...سمحينا وارجعي معانا ..
مال وليد رأسه بإيجاب وهو يقول
_ ايوة ..مش احنا اتفقنا اننا هنساعدك ترجعي لاهلك ..
طأطأت رأسها ومن ثم رفعتها تنظر إليهما بهجومية وهى تهتف
_ انا فعلا صدقتكم واعتبرتكم اهلى ..بس انتم كذابين ...نادية حكتلى على كل حاجة ..
إنت أللى عملت كل ده عشان تخرجني بره البيت.
رمقها ببعض الغضب من تفكيرها ومن شقيقته التى تلاعبت بهما، فقال برجاء
_ ارجوك يا ناهد ادينا فرصة من تاني ...انا مش هقبل انك تشتغلى في المكان ده وسط الرجالة..
انت هترجعي معانا كأنك في بيتك بالظبط .
هزت رأسها بالنفى بعصبية وصاحت وهى تقول
_ لا ..لا ..لا ..مش هرجع ..أنت...
..ملكش امان ..
ردت الفتاة الثالثة مسرعةً.
_ متخافيش ياناهد ..خالوا لما يشرب بيبقي اهبل ومستحيل يأذي حد ..احنا اللى عيشين معاه وعرفينه وياما  دخل علينا الاوض ..وبيقع على الأرض ينام .. وساعات بينام جنبنا وعمرنا ماشفنا منه حاجه وحشة
وبعدين انت اللى غلطانه مقفلتيش الباب عليك ليه وانت نايمة .
رمقتها ناهد ببعض الغضب ، فقد تذكرت سحبها المهين من تلك الفتاة وشقيقاتها ورميها خارج الشقة لتقول بعصبية
_انت بالذات متكلميش معايا ...ويلا امشوا من قدامي انتوا الاتنين ..
_ ماشي يا ناهد حقك برضه،....هبقي اجيلك في وقت تاني يكون هديتي فيه شوية .
يهتف بها وليد وهو يأخذ ابنة شقيقته ويسحب شطيرة من أمامها بيده، وخطي مبتعدا عنها .
ظل يراقبها من بعيد وهو داخل سيارته ويتناول الشطيرة ببطء حتى شعر بدفء داخل قلبه ،فتنهد ببعض الحزن هو لا يريد خسارتها ابدا فكلما يستيقظ صباحا يلثم رائحة الدفء بوجودها معهم وكأن والدته عادت اليه من جديد ،وحين ابتعدت عادت البرودة الى المنزل مرة اخرى مجرد التفكير فى الأمر يؤرقه بشدة بغيابها ، قالت الفتاة لخالها وهى تراقبه بشفقة.
_ هتفضل واقف كده كتير يا خالوا .
_ لا استني شوية ..أنا متأكد انها بتفكر دلوقتى ..واكيد ..
ردت الفتاة مقاطعة
_ دي مجروحة اووى ..قدامها فترة عشان تنسي  ..بس تفتكر هتسامحنا يا خالوا ..
_ لازم تسامحنا ..
وحين ادار وليد السيارة مبتعدا بعد أن أقتنع بكلام ابنة شقيقته ، اتي في اذناه صوت صياح أنثوى قوى، فالتفت برأسه ليراها ناهد وبجانبها رجلا يمسكها من ذراعها بقوة وينهرها امام الناس  ، فخرج من السيارة مسرعا واتجه اليها .
_ هتيجي معايا وتجبيلي الفلوس ولا اخدها منك بطريقتي ..مع إنك ما تساويش مليم ابيض ،
يهتف بها رجلا يظهر عليه بلطجيا شرسا لناهد وينوى ان يقوم باذائها  .
لم يسأل وليد عن أي شيء أو يستفسر عما يحدث امامه حتى يفهم ما يدور بل قام بلكم الرجل عدة لكمات ودفعه بقوة حتى سقط على عربة الطعام وقام بتحطيمها تحت صياح ناهد، ثم جذبها وليد من معصمها بقوة تحت مقاومتها ومنعه من الإمساك بها، فرفعها بكل سهولة على كتفه وحملها الى سيارته  وأدخلها بها  واغلق عليها، ظهر رجل عجوزا  يصيح على عربة الطعام المحطمة فهرع الي وليد بعد أن أشار اليه الناس وأخبروه انه هو من قام بدفع الرجل عليها،  تحت نظرات ناهد التي ذهلت مما حدث وبقت تبكي بعصبية ، حاولت الفتاة الثالثة ان تُهدأ من ناهد ولكنها فشلت.
صمتت حين شعرت ان قلبها لم يعد يستطيع أن يتحمل عصبيتها  وانفاسها ثقلت على رئتيها فسقطت عيناها على صاحب العربة من نافذة السيارة  يقف امام وليد ويصيح بوجهه ، ووليد يخرج محفظته من بنطاله ويقوم برمي الأموال له.  عاد وليد الى السيارة وجلس في المقعد الأمامي وهو يزفر بقوة وقاد السيارة بعصبية  ..
وحين وصل الى الحي الخاص بمعيشتهم كان قلبها يدق بعنف وخوف مما سيحدث لها ، في صميم قلبها هي تريد ان تعيش معهم، فالدنيا صعبة جدا عليها حين ابتعدت عن دفئهم الاسري ، ولكنها تخشي من نادية التى ظهر بأنها تطمر لها الشر والغيرة من وجودها معهم.
فَتح لها باب السيارة وانتظر لكى تخرج منها، فخرجت عن صمتها وقالت
_ أنا موافقة انى اعيش معاكم من تانى ...بس لو اتكرر اللى حصل ..معتش هتشوف خلقتي .
مال رأسه بايجاب تحت نظراتها الصادمة والتي لا تعلم لما يقف بجانبها وما هي نواياه مع فتاة تصغره باعوام كثير .
خطت وراءه حتي وصلا إلى باب الشقة ،لم تستطع ان تدخل وظلت واقفة أمام الباب ، فدخل وليد  وظل باب الشقة مفتوحا، رأى شقيقته ناديه تخرج من غرفتها وتحدق بهما بعيون جاحظة وما ان جاءت تصيح بناهد رمقها وليد بنظرة نارية لم تعهدها منه قبلا ، وقال لها مقاطعا..
_ اسمعي ..لو عدتي اللى حصل تاني ..تسنيم بنت خالتى هجيبها هنا واتجوزها ..غصب عنك وعن اللى خلفوكي ..
فاختارى بقي خروج ناهد ولا جوازي من  تسنيم  .
لم تستطع نادية ان تعلق  على كلامه الصادم فاستدارت بالكرسي الى داخل غرفتها صافقة الباب في وجهه بقوه ، دخلت ناهد الى الشقة بعد ان جذبها وليد من يدها إلى الداخل  ويقول
_ يلا اجرى اعمليلي قهوة بسرعة ..
                  ****
كانت الأيام تجرى كسباق الخيل على أمانى في سيناء ، تشعر دائما ان أحد ما يراقبها وان الشرطة ستجدها في أي لحظة لذا لم يتركها شعورها بالخوف والتوتر لحظة حتى تسترح قليلا .
كان سلطان يأتي اليها دائما ويجلس معها ويحادثها ولكن ترفض ان يشاركها الخيمة في الليل ، فكانت تبقي طوال الليل امام الخيمة تحدق بالسماء والصحراء ، وكم أعجبها الأمر ، فهى لم تشعر ابدا انها خالية العقل الا عندما أتت هنا ورات اتساع الصحراء والسماء المليئة بالنجوم بطريقة خرافية لم تراها من قبل ، فغالبا ما كانت تحس ان عقلها ملي بالنار وهنا انطفئت تماما .
وما تحبه أكثر وتنتظره كل ليلة هو الشيخ تميم فبعد أن ينتهي من رفقته بالمجلس الخاص به  يذهب الى خيمته ويبقي مدة طويلة يرتل القرآن الكريم ، برغم كل الخوف الذي يعتريها الا انها كان تجد نفسها محظوظة عند نومها على الصحراء ومراقبتها تلك النجوم مع استماع التلاوة تنغرس في نوم عميق لا تستيقظ منه الا مع سطوع الشمس في الصباح .
وفى يوم قررت ان تذهب إلى الشيخ تميم لتتحدث معه فبعد أن رأت ان قبيلته تشاركه بمشاكلهم العائلية وهو يقوم بحلها ، فكانت تتعجب حين ترى المتخاصمين يخرجون من خيمته كالمتحابين ، كما انها تريد ان تعرف سر صوته بهذا اللحن الذي يأثرها بالقرآن ويملأ قلبها بالسلام ، انتظرت ان يخرج الجميع من خيمته ودلفت اليه وهى تقول بنبرة هادئة
_ السلام عليكم .
رفع الشيخ تميم بصره اليها ورد عليها السلام بوجهه بشوش وابتسامة لطيفة أحبتها ، لذا بقت تحدق به لعدة ثوان قبل ان تقول بانتباه .
_ طبعا سلطان حكالك عنى .
لم يعلق الشيخ تميم على كلامها وبقى ينظر اليها طويلا ، ثم مال برأسه بإيجاب وقال ..
_ شى اللى خايفة منه بُنيتي ..اشوفج قلقانة وما في راحة ..
رفرفت اهدابها قليلا فقد قرأها من نظرة واحدة ، فعضت على شفتها لكي تخفى تأثرها باهتمامه و بما تشعر به فجرى اليها شعور بالبكاء في تلك اللحظة ، فهى لم تتحدث مع رجلا كبيرا في العمر ابدا وحدثها بهذه النظرة اللطيفة والاهتمام فقالت بتماسك ..
_ أرجوك ساعدني .. انا تعبانه ومش عارفه اعمل ايه ... انا حاسه انى مسجونة هنا ومش عارفه أعيش حياتي ..وشغلى ادمر ..انا مش عاوزة ابقي هنا وفى نفس الوقت عاوزة اعد ..بس انا متعودتش على كده انا عاوزة اشتغل وارجع زي زمان .
تنهد الشيخ تميم ورمقها بنظرات بها سكينة بعض الشيء ،وقال لها وهى تحدق به بقوة تنتظر منه ان يساعدها بأى شيء  .
_ انت غلطتي لما جيتي وفى نيتك انى  اساعدج.
رفع يده الى السماء واردف .
_ رب العالمين اللى يساعدك ..أنا مابيدي حاجة غير انى اعط لك نصيحة بنيتي ..
رفعت امانى كافة يدها على وجهها تمسح  دموعها الجارفة وتقول ببكاء
_ انا غلطت كتير أوووى  ربنا بيكرهني دلوقتى مش هيتقبل توبتي ..
ابتسم لها الشيخ تميم وقال
_  ..تمعني بنيتي
بسم الله الرحمن الرحيم
( والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما ، يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الانسان ضعيفا )
ربنا يريد لصاحب الذنب انه يتوب ويكون اهل للمغفرة عشان يقبل التوبة ، وان الشياطين تريد من صاحب الذنب انه ينحرف عن الحق، فهمتي كلامي.
_ بس انا غلطت كتير اووى ..
ابتسم بوجها بشوش بطريقة محبوبة وقال بترتيل ..
_ ( قل لعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله  ان الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم  ) .
وش تستني ...توبي ..
ظلت تحدق به وهو يبتسم لها بأن الإجابة أتتها بسهولة ويسر وأن الطريق الذي ينتظرها هو القرب من رب العالمين .
فأردف ..
_ والله يابنيتي ...نشوف الأمور صعبه جدا ويكون حلها بسيط ..
مصحف وسجادة ..
ثم أشار بيديه الى السماء وقال ..
_ اتركيها لرب العالمين ..
استخيري الله فيما تريدي .. ونصيحتي
لا تتركي القرآن ..
أشوفج يوم ما قلبج اتعلق بسماع القرآن كل ليلة ..بعد عنك اللى يؤذوج ..
رجعت أمانى الى خيمتها بعد أن طلبت من الشيخ تميم ان يعلمها صلاة الاستخارة ، اغتسلت ثم توضئت ظلت تراقب السجادة لمدة طويلة ، ثم اخذتها  وارتدت الحجاب ..لا يوجد أي مرآة هنا ولكن تجاد تجزم أن الحجاب زادها جمال   .
قامت بفرد السجادة  ولم تستطع أن تصلي مهما وقفت عليها فقط ظلت تحدق بها ، مر يومين على تلك الحالة ، وفى اليوم الثالث عزمت على الوقوف على السجادة مرة أخرى ولم تستطع أبدا أن تصلي ، لا تعلم لما بداخلها يخبرها انها لا تسطيع ، فرفعت يدها الى السماء وقالت وهي مغمضة عيناها ..
_ يارب أنا عاوزة اصلي ... ساعدني ..أنا نفسي اصلي بجد ..وأقرب منك ..
أصابها البكاء بحسرة لمدة ساعة  ..عزمت على أنها لن تستلم ثم ذهبت وتوضئت للمرة الرابعة وحين وقفت على السجادة شعورا ما ملأ قلبها بالسكينة ، لم تشعر بنفسها وهى تكبر وتقم الصلاة  ،ملأ قلبها سعادة كبيرة وحين سجدت شعرت انها كانت تحمل أطنان من الجبال على ظهرها وسقطت مع انحنائها على الأرض  وبقت في وضعيه السجود فترة طويلة جدا وهى تقول
( يارب ..انا معرفش اعمل ايه ..
ارجع واتسجن ..ولا افضل هنا في الصحرة وانسي انى كنت محامية شاطرة ..
اللهم ان كان امر رجوعي الى القاهرة فيه خير فقدمه ليا وان كان شر اصرفه عني ..)
وبعد أن انتهت من الصلاة ، أحست انها قامت بإنجاز عظيم جدا فلم تفارقها السعادة  طوال الليل .
وفى الصباح الباكر ..
دلف عليها سلطان ليجدها تنتهى من صلاة الضحي فرمقها بغرابة وسرعان ما ابتسم من الفرحة فربت على ظهرها وحين استدارت له شعر بالعجب الشديد فوجهها تغير بعض الشيء حتي خيل اليه انها ليست اماني التي اعتاد على ملامحها فقال ..
_ شي بك اليوم وجهج زين مختلف عن قبل .؟
مالت أمانى رأسها بايجاب وقالت ..
_ اكيد لازم يتغير مش بقيت اصلي ..
_ برافو عليج اماني .كان قلبي حاسس ان فيج شوية خير ...
ها ؟؟؟
توقف عن التحدث حين رأها تخلع الحجاب من رأسها، فاردف.
_ ليش تخلعي الحجاب ..!!
_ انا لسة مقررتش هلبسه ولا لاء ..
تنهد وهو يتصفحها  ثم همس
_ مثل ما تريدي ...
انى رايح البلد  أشوف اخبار العيلة ومالك ..مانى هتأخر عليج .
شيء ما داخلها يُحسها على الذهاب الى القاهرة معه دون العبء الى ما ينتظرها ..فقالت بلهفة
_ انا هاجي معاك ..
مالت قسمات سلطان الى الصدمة وقام بالرد عليها
_ لا ..تجننتي  ..الشرطة تبحث عنج .
_ هسلم نفسي ...
_ نعم .. ؟؟
_ انا مش هفضل طول عمرى هربانه انا عاوزة ارجع لشغلى ومستقبلى ..
لم يوافق سلطان عن قرارها فنبش بينهما شجار ، حتى خرج صوتهما الى  الخارج  ووصل إلى الخيمة المقابلة والخاصة بالشيخ تميم ، فأتى اليهما واستمع الى إجابة الى واحد منهما فقال
_ اتركها  يا بُني   ...هى تعلم مصلحتها زين ..
وجودها هنا مثل السجن  ما حل ابدا هروبها ..هي ليها حياة ..مثلج ..
أمانى ما اتربت وسط الصحراء  هي ما  هتتأقلم بينا ..ولو كان شهر اثنين.. لكن العمر كله مستحيل ،
  لازم أكون صريح... أنا عملت تقدر ظروف غيرج.
ابتسمت أمانى من كلام الشيخ تميم وشعرت انه يساندها ويشجعها على الاقدام بحياتها العملية رغم العقاب الذي سينتظرها. ، فاردف لها
_ اذهبي أمانى وصلحى كل شيء ..وان اردتي تكون معنا فانت في بيتج ..
ما تتركها سلطان... ولما تشوف مالك ابعثه لي..
               *****
أخذ حسام أسماء الى السرايا الخاصة به و واشترى لها الطعام والشراب وأتى اليها ببعض الملابس واخبرها ان تخفى نفسها ولا تخرج منها أين كان السبب ، وحين أراد ان يمشي استوقفته بدلال وهى تقول
_ متسبنيش يا حسام لوحدى .. انا بخاف ..
ران اليها بسخرية وقال وهو يمط شفتاه
_ انت لسه شاوحه واحد من البلكونه وبتقوليلي خايفة ..ارحمى نفسك بقي يا أسماء ...
عضت على شفتها بغيظ وحاولت ان تخفى تعبير وجهها الساخطة عليه.
_ طب اعد معايا شوية
تهمس بها وهى تعانقه وتحاول ان تيقظ فيه إحساس الاحتياج ولكنه ابعدها بهدوء وهو يتنهد ويقول ببعض الضيق
_ امى عماله ترن عليا وعوزانى  ..
_ ارجوك يا حبيبي ..طب امشي لحد ما أنام بس  ..
زفر حسام وهو يحدق بها  وقال باستسلام  وهو يرنوا إلى كامل السرايا بطرف عيناه  ببعض القلق.
_ تمام .
ذهبت أسماء مسرعة تهيئ نفسها ببعض الملابس حتى تتزين له وتقوم بإغرائه لكى يعود كالسابق يطلبها دائما بين الحين والأخر .
جلس حسام على نفس الاريكة التي كانت تجلس عليها جيهان وهى برفقة زياد فاستشاط غضبا حين تذكر  ، وقام من مجلسه وقام بتغيره ليجلس على  الاريكة المقابلة وبقى يرنوا اليها بغضب .
فجأة رأى المشهد يعود من جديد أمام عيناه ،فنفض رأسه من تلك الأفكار ولكن كلما يفرك  عيناه يرى المشهد بالصوت والصورة امامه وكأنه يرى فلما حيًا امام عيناه  حتى تبادر في ذهنه ان زياد وجيهان يجلسا أمامه حقا ،فارتبك وانتفض واقفا بغضب  الي زياد وهو يهتف بغضب ويمسكه من لياقة قميصه حين رأه يقترب من جيهان بطريقة جريئة
_ انت مجنون بتبوس مراتي وقدامى ..!!
ارتسمت بسمة مستفزة على شفاه زياد وبدأت عيناه تلمع بخبث ، لمح حسام دخانا  يدخل من نافذة السرايا  حتى اختفت اقدامه هو وزياد ، تغيرت نبرة زياد وهو يقول له
_ مراتك دي كانت معايا على طول قبل ما تتجوزها .. وانا اتفقت معاها على كده ..
_ كذااب ..
_ انت طلعت كُبري يا حسام ..طول عمرك سواء مع أسماء او جيهان ..هما خانوك عشان  مش حسين إنك راجل ..
صاح حسام بأقصي قوته واقبل يطوق رقبت زياد بعنف وهو يقول.
_انا هقتلك ...
رد عليه باستفزاز دون العبء إلى يده التى توشك على تحطيم عنقه
_ هتقتل اخوك عشان واحدة ست .
أنزل حسام يده من على عنق زياد بعد أن شعر بارتخاء فى عنقه وعدم تأثره بيده ، فعلم ان ما يحدث ليس حقيقيا ،فهتف وقلبه يتواثب
_ انت مين ...وبتعمل معايا كده ليه ؟؟
هنا زاد  ألم الجرح  في صدره من حدة الوجع فتأوه متألما  ، هنا..
تغير هيكل زياد وأصبح يعلو حتى زاد الضعف وتغيرت ملامحه واصبح جسدا ضخما بوجه صغير بشع وقال
_ انا الغضب اللى جواك ..
..ومش هسيبك غير لما تموت نفسك وتدمر ..
زاد الألم من حدته وبقى بترسم على الجرح المحفور بجسده بعلامة اكس بالنار ،فتهاوت اقدامه على الأرض وشعر بالوهن الشديد رغم الصدمة الكبيرة مما يراه ويسمع...ولكن الدخان كثر بشدة فلم يعد يرى أي شي..
في تلك الاثناء صدر صياح كبير يشبه صياح الأطفال بقوة فى كامل السرايا، ويقول بنبرات مختلطة
( ابعدوا عننا...... أنتوا بتخوفوا عيالنا... )
حاول حسام ان يلفظ باسم أسماء يستنجد بها ولكنه صدم من نفسه حين قال بصوت متحشرج
_ جيهان ...
فقد الوعي من شدة الضغط على صدره  ونام على الارض خائر القوى، وبعد عدة دقائق.. استيقظ  على  مقدمة سلم  السرايا الداخلي على صوت رنين هاتفه المحمول ، جاء بخاطره انه كان بحلم ، حاول ان يصدق ذلك ولكن لم يستطع مهما حاول .
رفع الهاتف الى اذناه بتعب  يجيب على والدته التي اتصلت به ثلاثة وأربعين مرة دون توقف ، وحين قام بفتح الاتصال تم غلقه تلقائيا ، فتسرب الخوف الى اوصاله على والدته فقام من على الأرض بصعوبة بالغة وهو يتوجع  ، واتجه الى باب السرايا وهو يتكئ على الجدار ، كانت أسماء قد انتهت من وضع الزينة وارتدت ملابس كاشفة فرأته يمشى صوب الباب، ف علا صوتها بدهشة وهى تقول
_ حسام ..إنت رايح فين ..
التفت اليها وهو يضع يده على صدره ويلتقط أنفاسه بصعوبة ويقول بنبرة منخفضة .
_ هاروح مشوار واجيلك ...
الصبح ..متتحركيش من هنا ..
اسرعت أسماء اليه تمنعه من الخروج برجاء وهو يحاول ان يفلت يده منها ولكنه فشل وسقط فاقدا للوعى مرة أخرى  .
             ****
يجلس امام البحر على كرسي خشبيا وتداعبه أقدامه الرمال الناعمة، ابتسم وهو ينظر الى السماء الصافية وفجأة تذكر والدته فقال
_ ماما ..
شعر بغتة ان أحدا ما يجلس بجانبه فاستدار بوجهه الى الجانب المقابل ليراها والدته تجلس بجانبه وتضع يدها على شعره تمررها داخله برقة ، ابتسم وسحب يدها وقبلها وقال
_ ماما بصي البحر شكله حلو ازاى ..
ابتسمت بنعومة وقالت وهى تربت عليه
_ شكله حلو اووى يا حسام يا حبيبي ..
فجأة وجد يد أخرى تربت على ظهره من الجانب الاخر فاستدار ليجد انه والده يرنوا اليه بحب وما إن جاء ليتحدث إليه  اختفى.. . فالتفت إلى والدته بدهشة ليرها تبتعد وتمشي فوق البحر،. فاتجه اليها مسرعا حتى وصل إلى منتصف شاطئ البحر.
_ رايحة فين يا ماما خليك معايا ..
..همست له بسعادة
_  ابوك وحشني اووي.. أنا عاوزة أروح معاه...
هربت الدموع من عيناه وهتف بصياح باكي
_ لا.. خليك معايا... حرام عليك..
_أنا كده اطمنت عليك  لازم امشي يا حبيبي .. جه وقتى خلاص ..
_ طب هترجعي تاني ..انا هستناكي ..
_ لا خلاص يا حسام ..انا معتش هرجع تاني ...خد بالك من نفسك ومن ولادك  و جيهان ..
كان صوت جيهان يتردد كالصدى وهى تبتعد تدريجيا حتى اختفت تماما ..
فقال حسام  وهو يهرع وراءها بتماسك
_ _ لا متمشيش انا محتاجك اووى يا ماما ...
مش هقدر أعيش من غيرك .
انتفض جسده من الفراش فجأة  ونظر يمينا ويسارا يبحث عن والدته ليري انه نائم بجانب أسماء، فدق قلبه بالخرف على والدته وكلامها يتردد داخل اذناه، فهرع الى سيارته مسرعا اليها.
                 *****
وقف زياد أمام غرفة جيهان وهو يفكر بما أخبرته والدة حسام  فتساءل  هل يخبر جيهان بأمر حسام أم لا ؟
يعلم انها ستعود اليه حتى وان اخبرها ان والد حسام الحقيقي هو من قتل ابيهم ، ولكنه لن يتوقف عن غرس الكره داخلها له حتى لا تعود إليه أبدا  ، فتح باب الغرفة وهو يعزم على اخبارها ، دق قلبه بعنف وهو يرى الغرفة فارغة ، فأسرع يبحث عنها في كامل الشقة.
دخل الى والدته وسألها عن جيهان ولكنها قالت مقاطعة بلهفة 
_  ماهر ..وجع من البلكونة واتشل ...
_ ايه ؟ وقع ؟؟ أمتى ..
شرد لدقيقة كاملة واردف
_ انت قولتى لجيهان ..
_ ايوة ياولدى جولت ليها على طول ..عشان تفرح .
_ هى فين؟ ...
_ هي مش موجوده! ...اكيد راحت له عشان تشمت فيه ..
_ لا ..دي اكيد راحت لحسام ..جيهان مش هي اللى تشمت يا ماما ..
_ وااه  تروح لحسام بعد اللى عمله فيها ..
لم يعقب على كلماتها واسرع الى شقة حسام يبحث عن جيهان .
وعندما وصل الى المبني وجد حسام يجرى على المصعد ويهرع الى شقته ..فهرول ورائه  ولم يسعفه  ،فاستقل المصعد الاخر .
دخل زياد خلفه  إلى الشقة قبل ان تغلق مونى الباب خلف حسام فظلت تحدق به بصدمة. لم يلحقه ايضا حين دخل الى غرفة والدته ولم يقم بالرد عليه مهما قام بالنداء  ، فشعر بالإحراج من ان يدخل وراءه فى غرفه والدته، فبحث في كل الغرف عن جيهان ولم يجدها ، فزفر بقوة وهو يقول..
_ روحت فين يا جيهان.. ليكون عملتى فى روحك حاجة...
خفق قلبه بولع من جريان هذا الكلام على لسانه بعفوية ،فجأة... خرج من شروده علي صوت حسام وهو يصيح بصوت مرتفع جدا ، فهرع اليه بسرعة ..ليجده يهز جسد والدته الفاقد للوعي في الفراش وعيناه مغرقتان بالدموع ويصيح بحسرة ..
_ متسبنيش يا ماما .. ..أنا لسه عيل صغير .. مش هعرف أعيش ..هضيع من غيرك ...ارجعى .
راقب زياد هذا المشهد بصدمة ،فرفع هاتفه يتصل بإحدى الأطباء وقلبه يدق بعنف وخوف كبير يعتريه، ثم اتجه الى والدة حسام وتحسس نبضها ، ليصعق من عدم وجود نبضات داخلها ، فعلم انها قد فارقت الحياة .
انهمرت الدموع من عينا زياد بصمت وحاول ان يبعد حسام عن والدته الذي لا يتوقف عن الصراخ كالطفل الصغير  ويقوم بهزها بقوة تحت انظار الجميع حتى بح صوته ببكاء معتقدا بأنها ستفق.
وصل إلى مسمع حسام تحت صياحه صوت رجولي غليظ يدوى بضحكات رنانة داخل الشقة بالكامل ويقول
(ماتت اللي كانت بتحميك مني)
                 ***
بعد مرور ثلاث أيام
نجحت منى في فك السحر الأسود المقرون بالدمية بمساعدة احدي الشيوخ الذين يعملون بالكشف عن الاثار الموجودة في المقابر التاريخية .
وكانت تتنظر مالك يفق من غفوته حتى تتفق معه بشيء خططت له مع زوجها .
وفى اليوم الرابع استيقظ مالك وكأنه لم يكن يعاني من شيء، وجهه صافى كالثلج وعيناه بها بريق الصحراء .
وعندما علمت هنادي انه استفاق من السحر حاولت ان تتجنبه وتبقى في غرفتها ، ولكنها فشلت حين جاء امر من البنك بإخلاء السرايا ،فتجمعوا امام السرايا استعدادا المغادرة.
رمقته هنادي بعجب وهو يقف بجانب منى وابيها الغريب من بعيد ،وتتساءل بما يقولون في الخفاء ،وعندما انتهوا أتت اليها منى وهى تحدق بها بسعادة على بعد خطوات وبداخلها فرحة لا تسطيع ان تخفيها عن ملامحها، تسألت هنادى وهى تحدق بها وتتذكر الماضي بحذافيره ، هل حقا شعرت انها مكان ابنتها المتوفاة فلم تحس بحنانها ابدا ولم ترى منها قسوة بل كانت علاقتهما ببعض باردة دون دفء يذكر .
اقتربت منها منى وهى تمسك احدي يديها بحب وكأن بينهما علاقه ام بابنتها و تقول بتلهف
_ افرحي يا بت ...هتتزوجي ...ومين مين ..من مالك ..
هيطلج امانى ويكتب عليك ..
رمقتها هنادي بذهول وتدلى فكها السفلى لأسفل بعلامة تعجب كبيرة من أشياء كثيرة لا تفهمها ، ولكن في تلك اللحظة ملأها شعور بالسعادة فقالت بتساؤل ودهشة ترتسم على ملامحها ..
_ رحيم يتجوزنى انا ...ليه ؟؟
اتسعت حدقتا منى وقالت بذهول
_ مين هو رحيم ..؟
أوعاك يا بت يكون داِه واحد ماشية معاه ..مالك فرصة كبيرة جوى اوعاك يضيع من يدك ..هتندمي ..
نفضت هنادي يدها من مني وابتعد عنها خطوة وقالت بهجوم بعد أن فكرت قليلا .
_ انت قولتلى له ايه عشان يوافق انه يتجوزنى ؟ .
امسكت منى بيدها وسحبتها الى داخل بوابة السرايا حتى لا يسمعهما مالك الذي يراقبها من بعيد  وهمست داخل اذاها ..
_ هو اللى طلبك منى وقال  هيشترى السرايا من ماله الخاص ويقدمه ليك مهر ، ابوس يدك ما تسافرى لمصر وابجي هنا واتزوجيه ..هيحافظ عليك زين ..
توقفت هنادي عن  الخطى مع منى وقالت بعجب
_ من نفسه كده ..
_ إيوة من نفسه أكده ..
جذبت هنادي يدها من منى وضمت حاجبيها ثم اتجهت الى مالك ، ومنى تجرى وراءها خشية من ان تقوم برفضه ، قالت هنادي وهى تحدق بمالك بقوة ..
_ انت عاوز تتجوزنى ليه ..؟؟ ايه اللى يخليك تتجوز واحدة مطلقة ومعاها عيلين .
لمحت بعيناه تلك البسمة الخاصة برحيم فارتبكت قليلا ورد عليها بنبرة هادئة
_ انى نريدج هنادي ..حرمة ..أثقج فيك زين .. ولانج وقفتي جنبي وانا مسحور وما تركتينى  .
وبعد ما علمت انج مو بت عمى ..ما اريد نبعد ..نخافو تنشبكي مع حد تاني ...
رانت هنادي الى منى بدهشة وقالت لها
_ انت قولتيله اني مش بنتك ولا بنت سيد ..
عضت مني شفتاها ببعض الغضب وأشارت اليها بأن تصمت ،فهى  تعلم داخلها ان هنادي لن تمر الامر على خير فقالت مقاطعة لهنادي
_ اسمعي زين ليش تكبري الموضوع ..تزوجي واخلصى ليش توجعي جلبنا اكده .
لم تعقب هنادي على والدتها فهى تشعر انها تخفى امر ما عليها ، وقالت وهى توجه انظارها الى مالك .
_ عاوز تتجوزني كمالك ولا رحيم ..
وما إن جاء ليتحدث قالت مقاطعة
_ متجاوبنيش دلوقتى
فكر ورد عليا .. وانت اكيد عارف مكانى .
بس لازم تعرف إن الست دى ضحكت عليك وقالت انى مش بنتها وعملت تمثلية عشان تتجوزنى..
أرادت منى ان تعنفها  ولكن زوجها قام بمنعها وأشار اليها ان تصمت ، هز مالك رأسه بثقه   ، فالتفتت هنادي وسحبت حقيبتها واطفالها الى الطريق الزراعى لكى تصل الى القطار .
                
يتبع ..
#سارةمنصوردوارالشمس
#مئةقبلةمع_عدوى

مئة قبلة مع عدوي "مكتملة" حيث تعيش القصص. اكتشف الآن