القبلة الرابعة عشر

350 7 0
                                    

القبلة الرابعة عشر
تصلبت قسمات وجهه وهو يستمع الى كلمات تلك الجنية عن أمر زوجته أمانى ، فمن الصعب أن يصدق أنها تقوم بأمور السحر والشعوذة  ،يعلم ان لها يد بما حدث مع شقيقه مالك ولكن لم يتبادر فى ذهنه ابدا انها قامت بسحره .
فجأة تداخل في عقله بعض الأحداث المتشابكة من وجود الأرانب دائما في غرفتها صباحا ومن بعض تصرفاتها الغريبة .
فخطى الى الأمام في طريقه ونسي أمر  الجنية التي تتابعه على سحب غضبه السوداء من فوق رأسه .
لم يشعر بخطواته رغم ثقلها التي أوصلته الى محطة القطار في ذلك الظلام الدامس، ورغم وجود الدخان المتسرب من اللا مكان ويخفى الرؤية عن الطريق الا أن المسار كان ينفتح أمامه بسهولة .
_ أماني .. كان لازم اعرف أن دم عمي يجرى فيج ..
والله ما راح ارحمج يابنت عمي .
يهمس بها سلطان وعيناه جاحظة من شدة الضيق ومن فوق رأسه الجنية تستمد منه الطاقه من غضبه وقسماتها تهلهل بالسعادة .
                                  *****
ذهبت جيهان الى المشفى وهى تشعر بالخوف والتوتر  من حالها وبقت طوال اليوم جالسة على الكرسي فى المكتب شاردة في ما حصل البارحة بأن يونس لم يأتي مجددا لها بعد ذهابه إلى أطفاله، فهل ينوى بها شرا، كلما تتذكر وهى بين ذراعيه تهيم بها المشاعر تشعر بالغضب الشديد بأنها قامت بترخيص نفسها أمامه .
تحاول كبت الضيق بكلمة أنها الان زوجته وستمر بكل ما يمر به الأزواج  ، لكن ينتابها القلق بشأن عدم رجوعه البارحة لها فتبادر فى ذهنها ماهر ..
فتسألت ان كان مثله ؟
خرجت من شرودها على دخول ذلك الشاب مستأذنا بالدخول ،فرفعت بصرها اليه لتشهق فهو نفسه الشاب الذي حملها بين ذراعيه  عندما سقطت على الأرض مغشيا عليها، وبين تشتت أفكارها غمرتها عيناها لتنظر اليه قليلا فنست مبادئها فبادلها الشاب نفس النظرات، شعرت بالذهول من عيناه الدائرية التي تحمل براءة تخبرها أنه شخص ليس بسئ ابدا، أخذت تسحب الهواء خلف  النقاب الذي ترتديه  وهى تقول بصوت هادئ بعض الشيء بتماسك وهى تتمني ان لا يتذكرها
_ نعم ..
ابتسم الشاب بنعومة وقام بالرد عليها وهو يشير اليها متسائلا بعد ان لمح يدها المرفوعة بجانب صدرها تخفى به بطاقة التعريف الخاصة بها بمحاولة مضحكة   .
_ مش حضرتك اللي أغمي عليك.. وأنا ..؟؟!!
شعرت جيهان بالحرج فقامت بإنزال يدها بتوتر وقالت بتلعثم فلم تعلم أنه سيتعرف عليها وهى مخفاه داخل ملحفتها السوداء.
_ لا ..لا ..أنا أول مرة أشوفك على فكرة ..
نزل الشاب ببصره الى البطاقة التعريفية الخاصة بالمشفى المعلقة على البالطو الطبي الخاص بها .
_ أسمك جيجي .....أنت.....
أنا متأكد ..
على العموم متتحرجيش ..انا بس عاوز أوصل أمانة ..
_ امانة ؟؟
ابتسم الشاب بلطافة وهو يخرج من قميصه بعض الأموال ..
في تلك اللحظة مال بصر جيهان الى البطاقة التعريفية الخاصة بالشاب لترى أنه يدعي زياد ويعمل بالمشفي  أخصائي علاج طبيعي .
_دي وقعت منك من أخر مرة  ..
يهتف بها الشاب زياد ليعود بصرها الى عيناه، و برغم احراجها الا أنه يملك هالة كبيرة من اللطافة تشعر من يراه بالأمان وانه رجل نزيه .
لم تشعر جيهان  بنفسها وهى تبتسم تلقائيا خلف النقاب وتمد يدها وهى صامتة لكى تأخذ الأموال التى سقطت منها فى تلك الواقعة  ، ومع ان قدْرها بسيط الا انه احتفظ بها لكى يعطيها إياها.
في تلك الاثناء ،دخل عليهما يونس وعيناه تسقط على تلك الاموال التى يقدمها زياد الى جيجي،حاول اخفاء فضوله  بالحماس لرؤية هذا الشاب اللطيف زياد وقابله بابتسامة واسعة .
كل ذلك ألقى الرعب في عروق قلب جيهان مما جعله ينبض بقوة وكأن الطبول تقرع داخل أذناها ،توتر شديد أحتال كيانها وهى تبتلع ريقها، تحاول أن تتماسك ماتزال تخشي أن يقوم يونس بالتعرف عليها وهى داخل نقابها لا يظهر منها أي شيء ..لكن خرجت بعض الكلمات من فاه يونس جعلت عيناها تخرج من مكانها وهو يقول لذلك الشاب زياد
_أنت عيل واطى ..فى حد ميزورش أخوه شهرين ..ده أمى هتموت منك ..
تعالى ندخل كده الاول ..
يهتف بها يونس وهو ينظر بطرف عيناه الى جيهان بعد ان قال كلماته الاخيرة ثم قام بسحب زياد تحت نظرات جيهان الصادمة وهى تحاول ان تلتقط باقي اسم زياد من بطاقته التعريفية الخاصة بالمشفى  لترى أنه (زياد يونس العتابي )
ولم تنتبه الى كلمات يونس الموجهة اليها وهو يغلق مكتبه بأن تقوم بتحضير القهوة وتقدمها له .
جلست جيهان تعيد أفكارها ،فقد أخبرتها والدة  (يونس)انه ابنها الوحيد ولم تخبرها قط عن هذا الشاب، تنهدت وهى تهمس لنفسها قائلة بتساؤل  .
_ ملكيش دعوة ياجيهان أهم حاجه يبدأ يدور على أب ابنك قبل ما ماهر يكتشف انك بتدورى فى المستخبي  ..

                              ******
داخل مكتب يونس...
_ أنت تعرف البنت اللى بره دي منين؟؟ شوفتك بتدلها فلوس ..
ايه الحكاية؟
يهتف بها يونس وهو يقوم برفع احدي حاجبيه لزياد وينتظر الإجابة بأعين لاهفة  .
رفع زياد يده ملوحا بها في الهواء ناكرا لتفكير أخيه الخبيث ويقول وهو يقهقه
_لا لا مستحيل دى ست محترمة جدا ... دى منقبة ..
_ كان لازم اعرف انك لسة مبلغتش يازياد
حتى لو منقبة او غيره ايه يفرق في الزمن ده ..
وبعدين ايه حكاية الفلوس دي ..
ابتسم زياد وقام بقص ما حدث له مع تلك الفتاة، كان يونس ينصت الى أخيه بحماس فقام بسؤاله ساخرا بتعجب كبير.
_ وشلتها على دراعك ؟؟؟
_ طبعا ..دي كانت مغمي عليها..
_ مممم شوفت وشها ...
_ أنت غريب أووى يايونس ..أنت مش ناوي تتغير ..بلاش تبقي بالسوقية دي ..احترم الستات بقي  ياأخى
رد يونس مقاطعا لنصائح أخيه التى لا يتوقف عنها كلما يراه  ..
_ حلوة ؟
يعلم زياد جيدا شخصية يونس فتنهد وهو يقوم من على كرسي المكتب  مبتسما وقال متحديا
_ زي القمر ..
في تلك اللحظة أشتعل فضول يونس ، فارتسمت شبه ابتسامة صفراء تظهر منها أسنان ناصعة البياض ، رفع إحدى حاجبيه معلنا عن تفكيره الخبيث.
_ قولتلك ميت مرة فى فرق بين الست الرخيصة والست المحترمة..  بلاش تفكر على بنات الناس بلعبك الرخيص... 
_ كل رغيف وله سعره يا زياد... 

                                  ****
بزغ القمر متسللا كافة السحب المنتشرة في السماء خاطفًا بريق اعين الناس بليلة ساحرة هادئة على القلوب الا قلب تلك الشابة الذي يضخ بالألم بأوصاله وبالدموع على الجبين ، لم تستطع اسراء النوم في تلك الليلة الساكنة بسبب وجع  فقرات ظهرها بالكامل رغم أنها قد  فقدت بعض الوزن ولم تتناول جيدا لعدة الأيام، تنهدت بعد أن دثرت اطفالها في الفراش ، وذهبت بخطوات متعبة الى الخلاء لكى تتحمم بماء ساخن لكى يقل الالم بظهرها، ولكن شعرت بمرور أحد في اخر الرواق بنفس العرجة التي تشبه خطوات أب زوجها، نبضات قلبها تزداد وهى تجد صعوبة في رؤية قسمات وجه الرجل، استمرت في الخطي وهى تقول متسائلة بتوتر
_ عمي ..!!
خطوة منها تتقدم مقابلة لخطوة له تتراجع للخلف حتى ابتعد في الحال عنها،  علمت لاول مرة ان بصرها قد قل واصبحت رؤيتها ضعيفة للغاية، تنفست الصعداء واتجهت الى الخلاء وعقلها متشتت، نزعت ملابسها واحدة تلو الأخرى وهى تتنهد بحزن على حالها ،  نظرت الى المرآة طويلا تتفحص جسدها، ترى انها قد فقدت الوزن بسرعة كبيرة في وقت قصير دون محاولة فى فقدانه .
_ كتر الظلم والافترى يهرى الدهون
تهمس بها بسخرية مريرة  مع شبح ابتسامه فارغة ، وضعت رأسها تحت مجرى صنبور الماء البارد وكلمات جبل تجرى داخل عقلها تنهر كيانها .
فجأة صدر صوت دقات بأصابع رفيعة تجيد الطرق بحروف مرعبة  على باب الخلاء (تق، تق ، تق )
شعرت اسراء بالفزع اثر خروجها من دوامة الأفكار وهى تحت صنبور الماء تتحمم  على تلك الطرقة التي تعلمها جيدا .
لا تعتبر تلك الفزعة شيئا أمام الصدمة الكبرى وهى ترى أن الباب قد تم فتحه بسهولة رغم انها اغلقته جيدا بالمفتاح، تريد أن تخفى جسدها  فسحبت المنشفة الكبيرة، بحثت عنها بعيناها وحين وجدتها أسرعت  بتغطيت نفسها بها   ، دخل عليها  وكأن خطواته الخفيفة تدب داخل أوصالها بثقل الرعب تخشي ان يقوم بضربها بسبب ما حدث  ويكون مثل شقيقته وأمه ، تريد أن تصيح بأقصى قوتها ولكن شيء ما يمنعها وكأنها مقيدة عندما رأته يتصفحها بذلك الجمود، يقترب اكثر وهو يتصفحها كعادته نفس النظرات الباردة، بقت عيناها جاحظة فقط أذناها من تنصت الى خفقان قلبها الشديد.
لم تستطع ان تعطى  أي رد فعل ، اشتياق ، خجل ، خوف كل تلك المشاعر جعلتها كالحجر لا تتحرك  وظلت مكانها وبقت نبضاتهما هي من تتحدث وهو يقترب منها ويعانقها ،فعلمت انه يطلب السماح ..
_ بتحبيني ؟
                                ****
وقفت تنظر بشرود الى باب الشقة وهى تحمل المفتاح بعد أن خرجت من المشفى مع شقيقتها لتخرج  عن صمتها وهى تقول
_ أمانى مالك ..؟؟؟
تهتف بها هنادي وهى تربت على كتف أمانى بحزن ،خرجت أمانى من شرودها لتفيق وهى تتنهد وتقوم بإدخال المفتاح داخل الباب وهى تقول بصوت متعب .
_ مفيش يا قلبي ..تعبانة شوية .
تنهدت هنادي الأخرى وهى تتابع امانى حتى وصلا الى الصالة ليجلسا بإرهاق على الأريكة ،قالت أمانى وهى تنظر بعيون مرهقة حتى ارتسمت هالة سوداء حول مقلتيها .
_ ايدك عاملة ايه دلوقتى ؟
_ متقلقيش ياحبيبتي أنا كويسة
الحمد لله انها جيت على قد كده
_ صحيح هو ايه اللى حصل واتخبطي ازاى بالعربية دي.
تشتت هنادي وهى تهيم مع عقلها في ما حدث في ذلك اليوم ..
رات أمانى أن شقيقتها تعاني من الضغوط الصعبة فقسماتها متعبة بشدة ويدها بها الكثير من الجروح بسبب عملها الجديد . فبسطت يدها على حبيين هنادي تمسحه عليه برفق ، تعلم أن شقيقتها ماتزال تائهة تبحث عن نفسها
فأردفت.
_ كل ده بتفكرى خلاص روحي نامي دلوقتى وأنا هاروح أجيب العيال .
جحظت عين هنادي لتنتفض واقفة وتقول بصدمة.
_ العيال نستهم!!! ..
_ هتفتكريهم ازاى وانت ناسية نفسك .
زفرت أمانى زفرة طويلة متعبة مليئة بكل الحسرة على شقيقتها  واردفت
_ اسمعى يا هنادى
أنت مريتى بظروف صعبة جدا وأنا مقدرة اللى  انت فيه
بس مش لوحدك اللى بتعاني
كلنا ياهنادي مشروخين  بداية من ابوك اللى عذبنا لحد ما كبرنا وشوفنا حياتنا ..
انا مش بفكرك بالماضى  أنا عوزة اشيلك منه
انت لسة صغيرة ولحقتي نفسك بدرى .. وانت شايفة أمك عانت ازاى مع أبوك وشافت مراره وفضلت معاه لحد ما راح في داهية ومات ..
عيشي حياتك ونورى ..بلاش تحبسي نفسك في ضلمة جوه لبسك الأسود ده وعنيك المكسورة ..
أنت مش لوحدك يا هنادي.
تساقطت الدموع من عينيها واتخذت مجرى الخد كوسيلة لترطيب  وجنتيها الساخنة  وهى تنصت الى أمانى .
مالت هنادى برأسها بإيجاب ..تنصت اليها و ترفع عيناها الى عينان امانى فترى بهما بؤسا أشد وعالم حالك بالعتمة.
_ أحمدي ربنا يا هنادي أنت حلوة واى حد يتمناك متبصيش لعيالك ..وانهم عائق بالعكس اللى بيشترى مبيعدش ..
انت حالك أخف منى ..
توقفت الدموع عن الجريان على وجنتي هنادي  فكم كانت تخشي أن تستمع لتلك الكلمة من فاه أمانى ..
فحركت راسها بالرفض يمينا ويسارا لكن امانى قامت بإمساك رأسها بباطن يديها الدافئة  وهى تميل برأسها الأخرى رافضة اي كلمه تخرج من هنادي لكى تواسيها .
وبعد مرور عدة دقائق ،ذهبت أمانى الى غرفتها لتجلس بالظلام الحالك أمام حاسبوها وتتصفح بعض أوراق عملها ،لتشهق على حين غرة عندما تذكرت أمر سلطان عندما قابلته في المشفى .
_ ازاى عرف انى في المكان ده وبالسرعة دي .
هفففف
تهتف بها بحنق وهى تقوم بإغلاق حاسوبها بعنف وتقوم منتفضة من الفراش وتخطو يمينا ويسارا فى حجرتها وتفكر بأمور هامة، حتى توصلت الى فكرة  فتوقفت عن الحركة أمام المرآة عندما لمحت صورتها، شعرها الغير مرتب وعيناها الملطخة ببعض مساحيق التجميل التى ساحت وبهتت على وجهها جعلتها ترى نفسها على انها وحش .
_ هه الجميلة والوحش ..عكس عكوس المرة دي يا وحش .
تهمس بها أمانى أمام صورتها التي تظهر بفضل الإضاءة المتسربة من الصالة بفضل باب حجرتها الموارب، وعلى حين غفلة منها ثقلت أنفاسها وزاد خفقان قلبها بقوة  فمال ظهرها الى الامام، تلتقط أنفاسها بصعوبة ويدها  على صدرها الذي على وشك التمزق، لمحت انعكاس صورتها تتحول في المرآة بعد ان رفعت بصرها اليها لتكون خصلات شعرها بلون الأبيض وتختفى علة عيناها بالتدرج ،فقالت بصوت متحشرج.
_ مرجانة!
وقفت صورتها في المرآة وتغيرت قسماتها الى السعادة ، وابتسامة النصر وبرغم ذهولها من صورتها فى المرآة الا انها فجأة سقطت مغشيا عليها لبعض الوقت، وكأن عقلها يهيم في السماء تشعر ان روحها خفيفة جدا تحلق في الأفق، وبغتةً تجد نفسها تسقط من على  منحدر كبير  لا ينتهى ولا توجد به نهاية، لم تستطيع حتى الصراخ بسبب تيار الهواء الشديد ،عادت روحها الى جسدها تدب في اوصالها بقوة لتلتقط أنفاسها بقوة، جسدها خفيف للغاية يقف ويتحرك ولكن لا تستطيع أن تتحكم فيه كليا .
علا صوت دقات الجرس في أرجاء الشقة ، لتجد نفسها تعيد ترتيب شعرها دون تحكم منها ، وتذهب مسرعة الى فتح الباب، ووجهها على وشك أن يتمزق من كثر الابتسام وترانيم ضحكاتها الصاخبة تخرج من ثغرها دون ارادة منها، تريد أن تتوقف وتتحكم فى نفسها  التى سرقت منها  ،..أقدامها ، عيناها ..كل شيء وكأنها فقط تشاهد نفسها المسروقة تتحرك فقط تشعر بخفقان قلبها المتزايد الدال على الخوف الذي يجرى بعروقها، وبالفعل شعرت أن قلبها على وشك أن يتوقف من كثرة ضخ الدم بصدمة مميتة وهى ترى ان الذي يطرق باب شقتها هو.....
.... سلطان .
شفتها تتحرك بسلاسة وتتحدث كفتاة جريئة مدللة ، تريد أن تصرخ وهى تري ان معصمها مقبوض بيد سلطان الذي ينظر اليها بنظرات لا تبشر ابدا بالخير ..
عقد سلطان حاجبيه وهو يحاول ان يكتم غضبه  عندما وجد أمانى أمامه،  فقد حدث نفسه أنه يجب عليه الا يتسرع ويصدق كلام جنية خبيثة، نعم سيعطي فرصة لأي شيء حتى لو أخبره بنقطة داخل صفحة .
علمت أمانى أن  الوحيدة التي تستطيع أن تفعل ذلك بها هي تلك الجنية مرجانة ..والتى تسكن جسدها، فبقت تشاهد ما يحدث بقهر كبير دون حول ولا قوة .
_ سلطان يا حبيبي .. وحشتيني أووى .
اخذت الجنية سلطان وسحبته الى طريق غرفة أمانى  بسعادة لتقف امامهم هنادى وهى تنظر اليهم بذهول .. وحين رأي سلطان هنادي انفجرت أسارير وجهه بالصياح المهزوم .. وهو يدفع بجسد أمانى المسكون لتبتعد عنه عده خطوات ويقترب من هنادي متسائل بلهفة.
_  وين أخوي مالك ...!
لم يجد سلطان من هنادي سوى الخوف والمحاولة في البعد عنه وكأنها تراه شخصيا غير طبيعيا .
فأردف برجاء
_ ما تخافي أنا سلطان ولد عمج ..
وين مكان الرجل يلي عمل معج حادث... اخوي مالك معه...
شعرت هنادي بألم شديد اثر قبضة يدي سلطان على كلتا ذراعيها بقوة،  فهتفت بصياح.
_ ابعد  هصوت والم الناس ...أبعد يا مجنون ..
الحقيني ياامانى ..
الحقيني ..
وقفت الجنية ببرود تام وقالت بصوت قوي ..
_ خلاص اخرسي بقي صدعتيني ..
ذهلت هنادي من تصرف أمانى البارد اتجاهها وفى ذلك الموقف فمن المستحيل أن تتخيل أن الذي بجسد اختها جنية!، علم سلطان من تصرف هنادي أنها جاهلة بكل شيء ، فعاد ملتفتًا الى اماني بغل وحقد واضح على محياه،
ويقول بنفحات بركانية على وشك الانفجار.
_ سؤال بإجابة واحدة
وينه اخوي أمانى ..
ضحكت الجنية ضحكات صاخبة وكأنها موسيقي شديدة القبح والازعاج فهي فى كامل سعادتها وعلى وشك أن تتحقق أمنيتها التى طال انتظارها .
_ حبيبي سلطان ..هقولك على كل حاجة تعالى معايا جوه الأول .
تهتف بها الجنية وهى تقترب منه وتمسك يده  بلمسات كالحشرة الزاحف كما شعر سلطان فى تلك اللحظة . خطى  وهو يكتم غضبه بأقصي قوته حتى يصل الى  المطلوب، فتابع الخطى بجوار أمانى، وقفت هنادي تحدق بهما بغرابة وذهول  في وجههما وتمنعهما عن الدخول الى الغرفة، وتقول بصياح ..
_ أمانى مين ده وازاى تكلميه كده ..
تركت الجنية يد سلطان واقتربت من هنادي تنفث في وجهها بكلمات مبهمة تسحرها لتبقي كالنائمة ذات الاعين المنفتحة . تبعها سلطان حتى دخل الى الغرفة المظلمة فذهبت الجنية التي تقبع بجسد أمانى تتمايل كالحوريات بحركات اغراء، ترى أمانى كل شيء بعينيها لا يعلم أحد كم القهر الذي بداخلها، مقيدة مسجونة تفعل أشياء دون ارادة منها .
_ سلطان ..تعال يا حبيبي
تعال ..
لا تصدق امانى ان سلطان لا يشعر بالغرابة حتى  من تصرفها الغريب معه . أمل ضعيف جدا  تتمسك به وأن لا يقوم بفعل شئ سيندم عليه .
كان سلطان ينصت الى تلك النغمات الرنانة بكلمات لا تشبه شخصية أمانى مطلقا وكأنها فى الشرق البارحة واليوم فى الجنوب، وبسبب غضبه الكبير لم ينتبه الى الاختلاف او الشبهات الغريبة كاستقرار عين امانى عن الاهتزاز الذي تعاني منه واختفاء الحول الذي بأعينها .فغالبا الشيء المشبوه والذي رؤيته كالشمس لا نري حقيقته وان تحدث عن مكنونه في وقت الغضب.
_ سلطان شكوكك كلها طلعت صح وانا اللى خبيت مالك عنك .. وخليتكم تعيشوا بدوامة كذابة ..
كنت عاوزة اقهركم ..
تحاول الجنية أن تصل الى اعلا درجة الغضب في سلطان حتى تصل الى مبتغاها . اردفت بعد صمت قليلا وهى ترى الوان الغضب تتلون على قسمات سلطان ..
_ انت عايز مالك ..؟
هجم سلطان على  عنق اماني يضغط بقوة ويمنع يديه الأخرى أن تفعل اى شيء لأنها ان فعلت سيكون الموت حاتم  ،فاكتفى بقوله بغضب هادر.
_ ليش عملتى ...
ردت الجنية مقاطعة بعد ان شعرت بالألم من يد سلطان فهي بداخل جسد أدمية فتشعر بما يشعر به البشر ..
_ تقصد عاوزة ايه ؟؟
تنهد محاولا امساك الضيق بأقصى قوته واخماد ناره لكى يصل الى مبتغاه وابعد يده عنها  وقال وهو يجز على اسنانه .
_ اطلبي ما تريدي ..
لمعت عيناها بأمنية طال انتظارها فهى دائما تفعل المستحيل لكى تصل الى ما تريد ..
فهمست
_ المرة دي وصلت بسهولة ؟
واردفت بصوت واضح بدلال كالنغمة الهادئة.
_ عوزاك يا سلطان ...
..
خلينى اشبع منك ومن حضنك
في تلك اللحظة صدمت امانى من الكلمات التي خرجت من شفتاها المتمردة والتي تمت سرقتها هي الأخرى من قبل سلطان .
قبلة طويلة بأنفاس حارة تلهب تفكيرها ، تلهب افكارها، تريد الان  الهروب الى خارج تلك الغرفة ..
حاولت ان تفعل المستحيل ، لكن ما باليد حيلة، فقط تشعر بسعادة الجنية وضحكاتها التي تعلو حد السماء ،لا أحد ينصت الى صرخات قلبها والتي لم تستمر طويلا  وتلاشت بعد ان سحبها   داخل  دفء احضانه لبعض الدقائق، وكأن ذلك العناق أسرها داخل صدره وبين نبضاته،  حتي انها لم تشعر بتحررها من قيد الجنية وانتقلت الى قيد الاحتياج الى احتواء، فبقت جائعة الى دفء عناق حاني تنصت الى خفقانه.
                              ****
دخلت جيهان الى غرفتها بعد يوم طويل من اجهاد عقلها بالتفكير فيما يخص امر يونس حتي وصل بها الامر الى المعاناة  من الصداع الشديد فبحثت في حقيبتها على بعض الادوية ، وما ان جاءت لتضعها داخل فمها دق الباب  دقات مرتبة فعرفت على الفور انها والدة يونس، فانتفضت من جلوسها لكى تقوم بالفتح لها ، لكن السيدة لم تنتظر وقامت بفتح الباب ودخلت وهى تحمل طفلها، ابتسمت بعرفان لتلك السيدة بأنها تعتني بطفلها طوال وقت ذهابها الى العمل ولم تعطي بالا انها دخلت الى غرفتها دون استأذن، وبدون اى تحفظ قالت والدة حسام بتسأل.
_ توقعت انى اشوفك في اوضة يونس بس ..
تنحنحت جيهان بإحراج كبير وقد تغيرت معالم وجهها فردت بتوتر وهى تقوم بسحب طفلها من يد السيدة بهدوء.
_ ...كنت بجيب حاجة من الاوضة.. وهاروح دلوقتى ..
اغمضت عيناها بسكون وقالت السيدة وهى تربت على ذراع جيهان بصوت هادئ غامض بعض الشيء.
_ اعدي يا جيهان ... عاوزة أتكلم معاك ..شوية
_ اتفضلي .. طبعا ...طبعا .
تنهدت السيدة وبدأت في التحدث  ، كانت جيهان تستمع الى الكلام بعجب ، وصدمة ..وكأن من يتكلم شخص أخر تماما .
أمالت جيهان رأسها بالموافقة على كلامها دون نطق حرفا واحدا  فقد عقدت الصدمة لسانها عن الحركة .
ولأول مرة تلمح بتدقيق ملامح تلك العجوز وبعض الأحرف التي لا تعطي حقها في النطق .
ذهبت السيدة العجوز وعلى ثغرها ترتسم ابتسامة متشبعة بالسعادة التي مرت على جيهان دون لون أو رائحة بقلبها وبقت طوال الليل تفكر في كلمات السيدة  . يبكي طفلها فتقوم بإرضاعه وهى غائبة فى ما لا نهاية ، خرجت من شرودها بطرق الباب من قبل  الأطفال عليها ، فتمضي الى المطبخ لتجهيز بعض الاطعمة حتي تشبعهم  .
لاحظت ان يونس لم يعود الى المنزل حتى الأن وقد وصلت الساعة الى منتصف الليل.
تفاجأت بتجمع الأطفال حولها وتحدثهم فى كافة امورهم اليومية فى المدرسة ،علمت انهم قد تعلقوا بها بشدة، فبقوا مستيقظين  بجانبها يتحدثون فيما بينهم حتى دقت ساعة الفجر، فدخل الجميع في النوم ، الا تلك العينان الزرقاء الباهتة فلم تتوقف الرياح الثلجية عن الدوار داخلها وعقلها يعيد اليها كلمات السيدة بالحرف الواحد .
(جيهان أنا دلوقتى في مقام والدتك وعاوزة مصلحتك طبعا ، وهقولك على نظام ابنى عشان حياتك تبقي هنية
.لان سعادتك من سعادة ابني .
بس قبل ما اقول حاجة خاصة بيه ، لازم تعرفى حاجة مهمة
انت دلوقتى أتجوزتى واحد مكنتيش تحلمى بيه يعنى فرصة ان واحدة مطلقة تتجوز بالسرعة دى ومن شاب ممتاز زي ابني متحصلش غير واحد من الف .
عشان كده أنت لازم تتحملى طبعه ، ومفيش أكلة كاملة بمعيرها الصحيحة ..يعني مرة يوم مالح اووى يوم الاكل مشطشط و يوم اكل مر ... وأكيد يوم عسل .
بس العسل مش دايما هتلاقيه .
أنا كنت ضد جوازة ابنى الاولانية وحولت كتير أنه يبعد عن البنت دى بس هو فضل متمسك بيها .. واديكي شوفتى نهاية اللى حصل ..
خدته مني ومن حضني عشر سنين مكنش بيجيلي غير يوم واحد في الأسبوع  ساعة واحدة ويمشي .
وهى عشان ست بعدته عن امه ربنا حرمها منه .
عشان كده بقولك متتعلقيش بالحاجة اووى لتروح منك ، أنا عارفه انك بنت أصول وهتفهمى كلامى ده وهتحسي بيا .
أنا كل يوم بحب أروح اراقب ابني وهو نايم بعد الفجر على طول ، طول عمرى لما ابص في وشه احس براحة كبيرة وكل الهم اللى على قلبي بيروح .
وأنا اتحرمت منه عشر سنين عارفه يعني ايه عشر سنين ؟
وأنا ست كبيرة مش عاوزة اتحرم منه تاني، عاوزة اشبع منه قبل  ما اموت
وزي ما انت شايفة هو مشغول على طول .. يعني في أيام مش هيبات هنا
بس السبت والاربع والجمعة بيبقي موجود .
أنا عارفه انك عروسة جديدة ومحتاجة اهتمام وحنان خاصة بعد طلاقك ..بس انا يابنتي برضه ارملة مليش في الدنيا غير ابن واحد ومش عاوزة اتحرم منه .
قبل مايتجوزك كان بينام في حضنى بعد ماقعد سنين طويلة بعيد .. فا امبارح لما سبني وكان معاك حسيت ان روحي بتتشال منى .
أنت يرضيكي تبعدي ابن عن امه، ترضي  يبعد عنك ضناك ؟
انا هكون رحيمة بيك وهسبلك يوم واحد
وعلى فكرة بلاش علاقات كتير ..عشان هو عاوز طاقته دي في الشغل برضه .يعنى كفاية عليك يوم في الأسبوع ..
يوم ليا ويوم للعيال ويوم ليك
.... خليك أنت السبت )
تقلبت على الفراش وهى تتنهد بعدم فهم فكم شعرت ان تلك السيدة رغم عمرها الا انها تحمل عقلا صغيرا .
أحقا كلما يكبر المرء في العمر يصبح بعقل طفل ؟
_ بتقسم الأيام علينا هههههه.
تهمس بها بسخرية وهى تتقلب على الجانب الاخر ، فتهجم اليها ذكرى ليلة البارحة وما حدث بينها وبينه .
رائحته ، شفتاه  ، قبلته الناعمة ، عناقة الدافئ لها بقوة وكم كانت تحتاج اليه بشدة ،تسرب اليها رغبة ملحة فجأة بانها تريد أن تذهب اليه الان وانا تهيئ نفسها بأجمل ما يكون ، هي لا تريد وبنفس الوقت ترغب بشدة فمن يحركها الان رغبتها العاطفية الجائعة للحب، فعند استيقاظ المشاعر التي جاعت طوال حياتها لعناق يحتوى خلاياها لن يكون هناك عقل يسيطر أو يفكر ، بل قلب يتوسل للعيش داخل عالم الدفء والحنان .
خطت الى المطبخ لكى تشرب مياه باردة  ،رفعت قنينة الماء على فاها وبدأت تتجرع الماء بشراهة كأنها لم تشرب منذ شهر ..وعلى حين غرة  صدمت بيد تحيط خصرها  وجسد ملتصق بها من الخلف يعانقها ، وأنفاسه تجرى على رقبتها بولع  وهو يهمس .
_ وحشتك.. ؟
فشهقت والماء ما يزال في جوفها اثر الصدمة فسعلت بقوة ..
فدفعته بعيدا عنها والتفتت اليه تحدق به بعيون ذاهبة وبقت تسعل وتقول بصوت متقطع
_ أنت مجنون ..!!
اقترب منها خاطفا إياها داخل ذراعيه ..ليختفي السعال بهذا الدفء الذي شعرت به  في تلك اللحظة من قربه كم يسعدها، وأنفاسه الممتلئة بالرغبة ، ازدردت ريقها بتوتر وهو يقوم  بإبعاد بعض خصلات شعرها المتناثرة على وجهها تخفى جزء منه فاختفى توترها مع مشاعرها المتضاربة والتي ترغب في قربه منها فقط ...
لم يمر دقائق ليخرج صوت يصيح بصدمة قاتلة ينتشلها من  مخالطة انفاسهما.
يتبع..
#مئةقبلةمع_عدوى
#سارةمنصوردوارالشمس

مئة قبلة مع عدوي "مكتملة" حيث تعيش القصص. اكتشف الآن