القبلة الثامنة عشر

281 7 0
                                    

      القبلة الثامنة عشر    
رغم أن شقيقتها أمانى  أخبرتها بأمور لم تعجبها ابدا عن خوضها لأفعال أكبر من حجمها بكثير، إلا أن هناك شيء ما هذه الليلة يشغل تفكيرها ويشعرها بالسعادة المطلقة، حتى وإن هرب النوم من عيناها الزابلة لاتزال تملك  بها بعض رائحة الزهور البسيطة التى تنير الحياة قليلا فى وحشة الليل، فبعض الورود قد تعود الى وقت ازدهارها كما فى  الماضي إن وجدت فقط من يضعها بعناية في محلول السكر ويجعلها مقربة من النافذة تطل عليها شمس الصباح وتداعبها الرياح بلطف كما يغني لها دائما بكلمات تروي ورقاتها الرقيقة   .
طوال الليل تفكر فى رحيم وكيف قام بالدفاع عنها بتلك الطريقة حتي وإن كانت متهورة قليلا الا انها تركت في نفسيتها أثرا جميلا بأن هناك من يملك بعض النخوة فى التعامل مع النساء  .
_ هو بصراحة قليل الادب وشكله بتاع نسوان.. بس على الاقل ضد ان واحد يضرب ست.
تهمس بها هنادي ببعض السعادة والأمل والتى تلاشت عندما جاء في خاطرها ذكرى لموقف رحيم مع نادين على سُلم الشركة بوضعية تخجل من يراها ،كزت على أسنانها وكلمات نادين تعاد فى ذهنها وموقفها الخبيثة معها فى جعلها علكة في فم العجوز الذي قام بنهرها وتعنيفها بالضرب .
تنهدت بغيظ  ، فهى لم تفعل لها شيء حتى تقوم بالافتراء عليها بالكذب  ووضعها في ذلك الموقف الصعب، لاح شبح ابتسامه رقيقة على محياها وهى تتذكر النار التي توجت عيناها بالغيرة عندما وجدت صديقها رحيم يقوم بالدفاع عنها وضرب العجوز، فما فعلته من شر ونية سيئة تم القضاء عليه بواسطة عشيقها، فسبحان الله! اليد التي تقوم بالضرب دون حق تم رد الصفعة اليها فى نفس الوقت .
قامت من فراشها ويبدو على قسماتها الحماس لذهاب الى العمل وهى تتصفح نفسها في المرآة، تشعر بشئ غريب قد تغير  بملامحها بالكامل،
دخلت الى مصعد الشركة بمفردها وضغطت على رقم الموصل الى دور عملها،
وعند اقترابها من الوصول توقف المصعد فجأة وفتح بابه الحديدي أمام رجلان وبالرغم من أن المصعد واسعا الا ان احد الرجلان قام بإغلاق الباب ولم يدخلا عند رؤيتها بمفردها،
شعرت هنادي من موقفهما بالغرابة فقليلا جدا ما تقابل بعض الرجال الذين يمتلكوا زوقا وأدبًا، خرجت من شرودها اعجابا بموقف الرجلين على توقف المصعد مرة أخرى ، ولكن تلك اامرة وجدت عينيه مقابلة لعيناها النابضتان بالخجل الشديد ، وقفا ينظرا الى بعضهما نظرات خجل، تساؤل، اعجاب لبرهة ،  فاق رحيم من شروده على باب المصعد وهو على وشك ان يغلق أمامه فهو لم يتحرك اتجاهه وبقي واقفا لفترة يحدق بهنادي فبسط يده  يلامس باب المصعد  فانفتح الباب  ووقف بجانبها، توتر شديد يغزو عروقها وتساؤلات تعم تفكيرها،
لسانها يريد أن يشكره على دفاعه عنها وابعاد العجوز العنيف عن طريقها ، لكن عيناهت خانتها بتطبعها بغبار الخجل الشديد فالتزمت بالصمت.
شعرت ان الوقت يمر ببطء شديد عليها، رفعت بصرها الى الشاشه الصغيرة التى تعرض رقم الدور  بتوتر  وعندما وجدت انه لا يزال دورين لكي تصل زفرت دون وعي  ،فالتفتا رحيم ينظر اليها متسألا عن تلك الزفرة، بادلته هنادي النظرة  ولكن شاحت وجهها بسرعة فقد شعرت بحرارة بخديها وعلمت ان وجنتيها حمراء الان  ، ، تريد لهذا الباب ان ينفتح بسرعة فالمكان خانقا وكأن موجه حر شديدة هجمت عليها بمفردها في ريعان موسم الخريف،  اتسعت حدقتيها عندما فتح باب المصعد فخرجت مسرعة وانتبهت انهم قد وصلا الى سطح الشركة العلوي  ، جحظت عيناها بصدمة متمازجة مع خوف بتساؤل، فكيف لم تفرق بين تصرفه وتصرف الرجلان اللذان لما يركبا معها مع انهم اثنان وهو بمفرده! وبسهولة ووافق على الركوب معها .!
هل فعل كل ذلك لكى ينال منها ببعض التصرفات الرخيصة  ،
شعرت بالتقزز منه،  وتحولت قسماتها بتضيق حاجبيها بعبوس،  لمح توترها الشديد وعبوس وجهها فخرج من المصعد ووقف قبالتها  وبقى يحدقان في بعضهما نظرات تقزز منها مع نظرات حماسية منه جعلتها وصلت الى ذروتها بالغضب فهتفت باندفاع دون وعي لكلماتها التى تأتي فى بالها
_ أنت فكرني رخيصة انى اخليك توصل معايا لدرجة دي .
ابتسم رغما عنه وهو يراها تذهب بعقلها لبعيد، فرفع حاجبيه بدهشة وهو يقول 
_ ليه كملتى لحد مالاسانسير طلع عن مكان الشركة ؟
جحظت عيناها وهى تعد خديها من داخل ثغرها فردت عليه متلعثمة
_ ما ..ما ختش بالى ..
_ أنت عينك كانت متسلط على الرقم .
صمت رهيب يعم المكان لا يقطعه سوي صوت ازدحام السيارات الذي يصل الى سطح الشركة .
_ كنت فاكراك راجل محترم ..
تهتف بها بأسف  وقهر وهى تراه رجلا سيء فبعد ان كانت سعيدة طوال الليل بانه دافع عنها لكي لا تتعرض لضرب معتقدة انه رجلا نبيلا ولكن تغير الوضع الأن  بتصرفه والسئ   
ابتسم من كلماتها العفوية ليرد عليها باستنكار
_ معقول ؟ بعد ماشوفتيني معاها على السلم ..
على العموم متخافيش ..نيتي خير ...عمرى ماتكون نيتى وحشة مع مع عنين بالمنظر ده .
رغم الموقف الذي يدعو للغرابة الا انها هجم الفضول على تفكيرها عن رؤيتها لعيناها ، وبما يري داخل عيناها؟
أيقوم بالاستهزاء منها؟
فقالت وأهدابها ترفرف وتحدق به بخجل   ولسانها يتعلثم دون سيطرة منها فقد فسلت فى التحكم فى ثبات وجهها الممتعض امامه  ..
_ عيني ؟؟؟ مالها عيني ..
اقترب منها قليلا يحدق بعيناها  ويهمس
_ حنينين اوووى .
ضيقت حاجبيها بدهشة  وارتدت  فورا قناع الغضب بعد ان شعرت برفرفة داخل قلبها بالسعادة  ،فلم تسمع كلمه طيبة فى حقها لمدة طويلة جدا وعندما اوشكت ان يلين قسماتها اكثر تغيرت نبرتها للعنف... قاطعها  واردف 
_ بس عليهم دموع مدارين حلوتهم ..وده مخل شكلك غلبان اووى يصعب على الكافر .
قاطع صوته رنين هاتفه كما قاطع افكارها المشتتة  وهى تنصت اليه ، رفع هاتفه الى اذناه ينصت الى المتصل  فاشار اليها بأن ينتظرها لثواني وبعد ثواني قال لها وهو مايزال يتحدث الى هاتفه  .
_ دلوقتى تقدرى تنزلى مكانك....
كانت تشعر بالحيرة من أمره والخوف من ان يراها بطريقة غير مهذبة  فقالت  بتوتر دون تحفظ
_ أنت عاوز مني ايه ؟؟ أوعه تكون فكرنى زي صحبتك ..أنا ...أنا ست ...متجوزة ..و...و محترمة .
لم يرفع بصره عن شاشة هاتفه وظل مركزا بها ولم يعلق على كلماتها له وظل صامتا وكأنها ليست
واقفة أمامه،  وعندما أرادت ان تنفجر فيه فهي تعلم ان السكوت علامة الرضا والموافقة على كلماتها قاطعها بالتحدث عبر الهاتف  مع المتصل وهو يقول
_ايه ياروح قلبي....؟
مش هتاخر عليك حاضر.
ظلت تحدق به بدهشة لثواني ثم استدارت الى المصعد وضغطت على الزر بقوة حتى يغلق الباب بسرعة امامه  فقد شعرت انه لا يحترمها ولا يهتم بما تقول،  علم انها لا تريده ان يستقل المصعد معها بطريقتها فى الضغط على الزر بعصبية واصرار  .
دخلت هنادي الى الشركة ووجدت بعض العمال يقفون في تجمع أمام القسم الخاص بها  حتى شاهدتها أحداهن فانتفضت مسرعة اليها وهى تقول .
_ كويس ياهنادي أنك مكنتيش هنا ..الراجل بتاع امبارح  كان هنا ومعاه كم راجل وبيدور عليك  وعلى رحيم..
بس واحد منهم قال انك سبتي الشغل..
كانت هنادي تنصت اليها بدهشة حتي دق الرعب فى اوصالها ،
تبادر الى ذهنها سبب تصرف رحيم معها بأن سحبها الى سطح الشركة بعيدا عن الرجل فقد كان تصرفه لمصلحتها فهل  يقصد ان يبعدها عنهم فعلا؟  ام انها صدفة؟
غمرتها بعض المشاعر لأول مرة تمر عبر قلبها وترتسم على شفتاها بسمة لطيفة لا تعرف ترجمتها سوي بالسعادة، وعلى حين غرة التفت خلفها لترى رحيم واقفا على بعد خطوات و يشير اليها ويميل رأسه بأن لا داعى لشكره، فاستدارت الى الفتاة التي تعمل معها دون أن تعطي له وجها أو ردا ، وقالت للفتاة  متسائلة بخبث  وهى تشير الي الرجل بطرف عيناها .
_ مين اللى بيشاورلي هناك ده . اصلي مش شيفاه ..؟
تريد ان تظهر ان لا شئ بينها وبين رحيم أمام زملاءها حتي لا تخسرهم فهى تعلم ان أغلبية الفتيات يهيمون به بإعجاب فكانت محاولة من ساذجة ولم تنطلي على الفتاة  .
تغيرت ملامح الفتاة فجأة بعد أن رأت اهتمام رحيم بهنادي واشارته لها  فردت عليها باستهتار وهى توليها ظهرها .
_ معرفش ..!!
وبالفعل كما اعتقدت انها تكن اعجابا لرحيم هي الأخرى فنظرت حولها علي كل الفتيات التي تعمل في الشركة لترى أن عيناهن جميعا تترصدنه بأعجاب
فمطت شفتاها وهى تهمس وعيناها مقابله له ..
_ هه مش حلو لدرجة يعني ..!! عشان طويل شوية واسمراني.. يعني!!
رأى رحيم انها تحرك شفتاها له  فعلم انها تغمغم ساخرة منه  فأشار اليها بما تقول ..
فالتفتت جميع الفتيات والسيدات الى هنادي بعجب، وغيرة  .. فخطت هنادي مسرعة   الى مكان عملها لكي تهرب مما يضعها به امام الجميع.
فهل يعتقد انها فريسة سهلة لكي يظهر امام الكل ان بينهم شئ  ؟، فحتي وان صنع لها معروفا، لن ترده اليها بإهانتها امام الجميع.
قابلت فى طريقها نادين التى تجلس في كرسيها وامام ادواتها الخاصة وتحدق بها باحتقار ، والتي قابلته هنادي بدون اهتمام ..
_ لو سمحتي ده مكانى ..ممكن تقومي ..
ابتسمت نادين بغرابة وردت عليها باستهزاء
_ كنت فكراكي  هتهجميني ..بس طلعتى بت محترمة ؟
_ وشكلك اول مرة تتعاملى مع حد محترم ؟؟
_مطتلعيش فى العالي اوووى كده يابت ..ولا نستي علقة امبارح .
_ لا ماهو البركة في السبع بتاعك .
انتفضت نادين واقفة من الكرسي  وانقلبت قسماتها الى الغضب والغيرة وهى تقول
_ رحيم ؟
متفتكريش انه عمل كده رجولة يعني ..بالعكس ده بيلعب عليك ..وعاوز يسحب رجلك ..
_ طب ابقي قوليله ياشاطرة أنى مش زيك ..
جحظت عين نادين من رد هنادي عليها بقذف جبهتها بهذا الشكل المهين، وعندما شعرت نادين بالضعف أمامها وامام لسانها السليط عليها قامت برفع يدها لاعلي ونزلت بصفعة قوية على وجهه هنادي ، التي صدمت وأحست بالانكسار  أمامها كالجبانة ، وكالعادة لم تستطع ان تأخذ موقفا على تلقيها لضرب  سوي بقطرات الدموع،  والتي جعلت تلك الدموع تشرق قلب نادين بالفرحة العارمة وهى ترى ضعفها الشديد.
_ لو شوفتك يازبالة  تتكلمى معاه او حتى تبصي عليه هقلعلك عينك ..أنت فاهمة ..؟
رحيم ده بتاعي .. أنت فاهمه ..
تهتف بها نادين بشراسة وهى تشير بسبابتها لها بشكل مهين من اعلي راسها الى قدميها ومن ثم تستدير وتخطو ناحية عملها وابتسامة النصر تزين معالمها .
ولجت نار الجحيم  قلب هنادي بسبب جبنها وانها لا تسطيع ان تدافع عن حالها، فسقطت جالسة  على كرسيها تبكي بحسرة وهزيمة، و تضع كفه يديها على وجهها لكي تخفى قطرات الدموع، تعلم انها لن تتغير ابد  بيدها التى ترتعش بالخوف أمام أي ذرة تعنيف،
شعرت بالكره الشديد لحالها عندما تبادر الى ذهنها انها ستظل تلك الفتاة المعرضة لضرب من الجميع دون الدفاع عن نفسها .
                  ****
استيقظت أمانى متأخرة على غير عادتها اليومية وهى تشعر بالتعب الشديد في كامل جسدها ولا تسطيع أن تقوم بفتح عيناها بسبب مامرت به البارحة، بسطت ذراعيها على الجانب الآخر من فراشها فلم تجد أي أثر لسلطان، فتحت عيناها بصعوبة لكى تبحث عنه بالغرفة التي كانت خالية تماما من مرور الشمس والنسمات فقد كانت مغلقة كعادتها مثل المقبرة.
_ يا ترى روحت فين ياسلطان؟
ارتسمت ابتسامة خبيثة على شفتاها مع قهقه منتصرة وهى تتذكر ليلة أمس وهى  تقدم له بعض العصائر المضاف اليه مشروبا يجعل العقل شاردا ولا يكون بذهنه، لتجعله يمضي على بعض الوصلات المهمة حتي يتسنى  لها  أحقية التصرف في الممتلكات الخاصة بآبيها  ، ستفعل المستحيل حتى يدخل كل الأموال في حسابها البنكي دون ترك قرشا لأى أحد من عائلتها .
مال وجهها الى العبوس عندما تذكرت ما كتب فى الوصية من ترك بعض الأموال الخاصة بعمله الخارجي في الاستثمار بالمدن الصناعية لشقيقتها مونى، ومن هنا
عزمت على الحصول عليها بالكامل، فبعد أن قامت والدتها بمنحها التصرف بجعلها وكيلتها أصبح يسهل عليها السرقة ، ابتسمت مرة أخرى وهى تتناول كوبا من الماء الموضوع بجانب الفراش  وبقت تفكر وتحدث نفسها
_ساعات غباء الناس اللى حوليك بيكون نعمة
أأه و ثقته الزائدة فيك ..
مشفتش في غبائك ياسلطان ....
هتبقي مجرد خدام تحت رجلى وقت الطلب ..لحد مااشوف غيرك .
وبالنسبة ليهم هبقي اسبلهم كم جموستين على كم حمارين ..وكده يكون عملت اللى عليا .
هما كده كده مش محتاجين غير الستر والصحة على رأى امي ماهي دي دعوتها الوحيدة
..أكل وشرب بس ..انما أنا عندي أحلام لازم احققها ومش هيحصل غير بمزانية .
كل واحده فينم أخدت الحسن والجمال الا انا ..لا أخدت معاملة كويسة ولا شكل عدل .
القت كوب الماء بإهمال بجانب الفراش فتحطم كليا وهى تزفر بغضب ، قامت من الفراش و بدأت ترتدي ملابسها  ثم اتجهت الى المحكمة لتكمل باقى الإجراءات فلم يعد الا وقت قليل وتتحقق أمنيتها .
وبالفعل قامت بوضع بعض الأراضي للبيع وبعض الممتلكات وتركت فقط السرايا،
كل ذلك في يوما واحد فماذا عن باقى الأيام  ؟.
                       ****
مرت ثلاث ليال وهى  تعمل وتذهب من مكان الى أخر، كم تغمرها السعادة الأن وهى غنية بمعني الكلمة، ثلاث أيام مرت تدعبس هنا وهناك حتى وصلت الى مبتغاها ولم يعد الا بحثها عن شقيقتها مونى الاجبارى حتي تخدعها لكي تمضي على بعض الوصلات  ،  فتذكرت انها مخطوفة من قبل زياد!
  تنهدت وهى تتساءل  هل  يعلم زياد أن ابيها قد ترك بعض الأموال لموني حتى قام بخطفها؟ 
تعرف جيدا انه لن يقوم بخطفها والاقدام على تلك الفعلة الا اذا كان يضمر شيئا
_ بس انت ازاي طلعت عايش بعد ما وقعت فى المسقط
..ده أنت طلعت بسبع أرواح  ، فعلا هو الجعان كده .
زفرت بتعب شديد وهى تمسك بكعب قدمها وتضغط عليه برفق بأطراف اصابعها  لكي يذهب الالم قليلا  فلم  تأخذ راحة طوال الأيام السابقة فقد كانت تغفو بسيارتها الجديدة وتتنقل بها  بين المحاكم لكى تنهى اعمالها.
خطت الى شقيقتها هنادي  داخل غرفتها تسأل عن رؤيتها لسلطان  فأخبرتها انها لم تراه منذ اخر مرة  كان معها، شعرت أمانى ببعض القلق فهل قام المخدر الذي قامت بوضعه له بالتأثير على عقله،  بدأت مخيلتها الواسعة في رسم بعض الصور العجيبة ، زفرت بشدة وقامت بهز رأسها اعتراضا من تلك الأفكار السلبية التى تراودها .
_ لسه وقتك منتهاش معايا ياسلطان عشان تمشي ..معقول هربت ؟
لا لالا ..أكيد ..راح البلد لمراته -وهيرجع تاني ..
اففففف..
تهمس بها امانى وهى تدثر نفسها بالفراش وتمرر وجنتيها على الوسادة الناعمة لتغرق في ثبات نوم عميق من شدة التعب وما مرت به اليوم، دقت ساعة منتصف الليل  مع ذهاب أخر سحابة تمشي وراء قافلتها من السحب  يسبحون  فى السماء فى اتجاه الشرق  ليظهر القمر بوهجه الساطع بشدة ويتوغل داخل غرفتها حتى وصلت اضاءته الناعمة الى وجنتيها الدافئة   ، قامت من نومها فجأة اثر شهقة كبيرة تخرج من حنجرتها، ظلت تحدق يمينا ويسارا بالغرفة  وبقت تصارع فى التقاط انفاسها ونبضات قلبها تتواثب بجنون، رفعت يدها على قلبها تضغط عليه بأطراف اصابعها من شدة الألم لكن هيهات.....، أقبلت تصيح بأقصى قوتها عند التقاك النفس ، شعرت ان الخوف يعصف جسدها دون سبب واضح  ،
تلتقط أنفاسها بصعوبة ومن ثم تزدرد ريقها بغصة، تحاول أن تهدأ ولكن لا تستطيع وكأنها بمعركة ،عيناها جاحظة برعب  تشعر ان أحدا ما يراقبها بالغرفة تحاول عيناها ان تلتقط ماهو بالنظر فى كامل الحجرة بتوتر، لهثت بقوة والالم يزداد داخل قلبها،  وبغتة أطلقت صيحة كبيرة اثر ضربة قوية على ظهرها دفعتها الى الامام، استدارت بسرعة لكى ترى من قام بضربها بهذا العنف
لتتفاجأ بأنه لا يوجد أثر لاي بشري، أغلقت عيناها بقوة  وعندما  قامت بفتحها مسرعة اتسعت حدقتيها أمام هذه الأجساد المتجمعة حولها بتلك الهالة الزرقاء دون مجرى حياة في وجوههم وكأنهم جثث خرجت الان من المقابر يظهرون فقط.تحت ضوء القمر المتسلط عليهم ،
رفعت يدها على عيناها تخفي رؤيتها لهم و تصيح بقوة و خوف، وعندما شعرت بضربة اخرى على ظهرها ارتعدت وهرولت بضعف الى غرفة شقيقتها هنادى  .
لا تتوقف عن تلقى الضرب بقوة على كامل جسدها وهى تحتضن شقيقتها وترتعش بالكامل، كانت هنادي تشعر بضغط الضرب على جسد أمانى وهى تعانقها، فدهشت وشعرت بالخوف هى واطفالها حين تأكدت انهم ارواح شريرة، تريد ان تنقذها ولكن ما باليد حيلة فهتفت بصياح باكي بعد ان قاموا  بإبعادهما عن بعضهما  وجذبوا أماني اتجاه سقف الغرفة وطعلها تلهث اثر اختناقها ومن ثم وقاموا بإلقائها على الارض حين صرخت هنادي بصوت عالي   .
_  ابعدوا عننا...احنا مش بنأذيكم...
عوزين مننا ايه  .
هرولت هنادي اليها بعد ان سقطت على الارض وهى تتأوه من الألم  ،  فاستدارت امانى لتشير بسبابتها الى تلك الجثث المحيطة بهم بمشد مهيب لكي تعرف هنادي  مكان وجودهم ولكنها لم تستطع ان ترى اي شئ  فجرت  الى مقدمة غرفتها  تضغط على الازرار بقوة لكى تشعل الأضواء فصاحت أمانى وهى تقول ببكاء وتصرخ من هول مايحدث
_ متسبنيش ...
ثم أطلقت صرخة بعد تلقيها ضربة قوية ألمتها حتي رُسمت اثرها على ذراعيها لتشاهدها هنادي وتقابلها بصياح الأخرى  ، كل ذلك والطفلان يضما بعضهما بخوف دون حيلة، سقطت أمانى فاقدة الوعى وأخر ما شاهدته صورة الجنية فى المرآة وهى تشاهدها على بعد خطوات والابتسامه تتوج قسماتها  .
                   *****
طوال الأيام  الماضية لم تنسي هذا الكابوس الذي يراودها ليلا  ويؤرقها فكانت  تحاول جاهده ان تشغل عقلها  حتي لا تتذكر مأساتها الكثيرة وبأمر حملها  الجديد من حسام دون سابق انظار فلم تجد شئ يشغل عقلها قليلا سوي التفكير بامر موني  فتحسن اليها  بتقديم الأطعمة والمشروبات وكلما تراها تشعر بالغرابة  فلم يبدوا عليها ابدا انها في بيت غريب وان أحدا ما قام بحبسها، بالعكس تماما كانت تتنقل في الشقة كأنها فى  منزلها وتأكل وتشرب دون عبئ لما يحدث .
توجهت اليها جيهان بعد أن لمحتها تتابع التلفاز بجانب الأطفال وتتناول معهم المسليات فجلست بجانبها وهى تنظر اليها متصفحة وتقول
_ هو انت ليه مش خايفة ..وليه مش بتهربي ده أنا بتعب كل يوم عشان اسرق مفتاح الاوضة  .
لم تلتفت اليها مونى وبقت عيناها متسلطة على التلفاز وتقول بدون تركيز .
_ مستنية چوزي لما يجى ..
_ ولو مجاش ..؟
التفتت اليها مونى تنظر الي مقلتيها وهى تشعر بالخوف من ذلك أيضا  فردت عليها

مئة قبلة مع عدوي "مكتملة" حيث تعيش القصص. اكتشف الآن