الفصل الثامن والعشرون
الإنتظار وما أمرها من كلمة.. حينما يتعلق الأمر بأعز أحبابك.. وانت مسلوب الإرادة.. قليل الحيلة نحو ما تتمناه وترجوه من الله في هذه الأوقات العسيرة.. هي مجرد لحظات او اوقات تفصلك عن المعرفة.. ولكن مع شدتها ومرارتها تمُر عليك وكأنها دهرًا كاملًا من العمر.
جالسًا محله على إحدى المقاعد المخصصة للزوار في المشفى.. من وقت أن سمع الخبر وأتى الى هنا بخطواتٍ مسرعة بجوار غرفة العمليات منتظرًا.. وهو على وضعه هذا.. منكمش على نفسه بالمقعد الذي يبدوا وكأنه التصق به.. فلم تقوى اقدامه على حمل جسده.. يبتلع في ريقه الذي جف من الخوف وهو يردد بلسانه الأيات والأدعية.. علّها تساعده على الثبات وفك الكرب.. شعر بكف العم شاكر وهي تطبق على كتفهِ بمؤازرة .. فالقى نحوه نظرة خاوية قبل ان ينقلها سريعًا نحو محبوبته الجالسة أمامه بصف اَخر للمقاعد بقلبٍ ملتاع وحزين تؤازر هي الأخرى شقيقتها التي لم تجف دماعاتها بعد من وقت ان استفاقت من غشيتها وتحاملت على نفسها كي تأتي معهم إلى هنا.. نقلت فجر انظارها نحوه والتقت عيناها بعينيه.. فاَلمتها هذه النظرة الضائعة منه لها ودت من قلبها لو استطاعت معانقته للتخفيف عنه في هذا الحدث الجلل وطمأنته أن كل هذا سيمُر وسيصبح كل شئٍ بخير..
- علاء يابني اخوك ماله؟
صدحت بصوتٍ عالي بعض الشئ و مرتعش رغم خشونته من قلب للممر .. انتقلت نظرات الجمبع على صاحب الصوت والذي كان أدهم المصري.. يتقدم نحوهم بخطواتٍ مثقلة و بملامح جزعة وكأنه ازداد في العمر سنواتٍ أخرى.. يسير بجواره سعد! وهو يدعي مراعاة الرجل من السقوط !
نهض شاكر عن مقعده يتلقف صهره من يده ليجلسه ويطمأنه:
- إطمن ياحج أدهم ان شاء الله خير
رد أدهم برجاء وهو يستسلم لسحب شاكر نحو الجلوس على اقرب المقاعد امامه:
- ابني ماله ياشاكر.. ابوس إيدك تقولي الحقيقة .
شدد شاكر على ذراعه وهو يجلسه :
- ياسيدي طمن قلبك هو بس دلوقتي في اؤضة العمليات والدكاترة ان شاء الله يلحقوه .
نظر اليه أدهم بأعين ملتمعة وكأنه يلتمس منه الصدق قبل ان يتجه نحو ابنه الجالس بالقرب منه يخاطبه بتوسل:
- أخوك هايبقى كويس ياعلاء صح.. حسين جدع ومش هايرضى انه يزعلني ولا يتعب قلبي بالقلق عليه .
اومأ له علاء برأسه صامتًا لايقدر على النطق ولو بكلمة قبل ان يرفع عيناه نحو سعد الذي ربت بكفه على كتفهِ بمؤازرة .. أومأ له برأسه وعاد ليطرق برأسه للأسفل وعاد لانكماشه.. تنهد سعد بصوتٍ عالي يدعي الأسى وهو يجلس بجواره هو الاَخر صامتًا يواكب الحدث.. وجدها أمامه جالسة بجوار شقيقتها.. تبكي بحرقة وجهها الجميل البيضاوي مرقط بالإحمرار من أثر البكاء.. تنهد بداخله وهو يتسأئل عن فرصته معها الاَن وقد أوشك غريمه على الإنتهاء.. لقد رأى بنفسه حطام السيارة التي دهسها بالسيارة ذات الحمولة الثقيلة.. مشهدها ينبئ باستحالة نجاة من بداخلها .. إنه حتى لا يدري كيف تمكن من التصرف بهذه السرعة.. انه لم يوقفهم وحسب.. لقد قضى عليهم جميعًا وضرب ٣ عصافير بحجر واحد..
ولكن مهلًا.. لماذا يشعر ان هناك شئ غير مظبوط!
استفاق من نشوته وهو يتذكر كلمات علاء الذي هاتفه باستغاذة لكي يخبر والده بخبر حادث شقيقه مع الملعون حودة.. لعدم قدرته هو على الكلام ومواجهة صدمة أبيه .. ولكنه لم يذكرها! هل خجل ام تناسى ذكرها أمامه .. ابتلع ريقه بتوتر وقد اكتنفه شعور بعدم الراحة.. نهض فجأة معتذرًا من جوارهم .. وذهب فورًا نحو استعلامات المشفى .. وقف امام الفتاة المنشغلة بالرد في الهاتف.. يطرق بقبضته على الخشب المثقول لتبيهها:
- لو سمحتي ياأنسة .
أشارت له بيدها لينتظر ولكنه ازداد طرقه بعصبية:
- لو سمحتي بقى أفضيلي .
حدقت اليه الفتاة بحدة وهي تزيح على الهاتف عن إذنها:
- نعم ياحضرت عايز إيه ؟
- عايز اعرف عدد المصابين في حادثة حسين أدهم المصري؟
نفخت الفتاة بنزق وهي تتناول الدفتر أمامها تبحث.. ثم مالبثت ان ترفع رأسها قائلة :
- هما اتنين بس اللي دخلوا المستشفى من الحادثة دي ..واحد متوفي والتاني دخل العمليات فورًا بأمر الدكتور عصام اللي شافه اول واحد
ردد بدهشة :
- الدكتور عصام!! طب والبت ؟
سألته بحدة :
- بت مين؟
قال وهو يشدد على أحرف كلماته:
- انتي متأكدة من كلامك ده؟
زفرت حانقة:
- حضرتك دا اللي مقيد عندي في الدفتر.. وانا ماعنديش رد تاني..
قالتها واستدارت برأسها تنهي الجدال معه و تكمل مكالمتها في الهاتف ..شتم بداخله صلف الفتاة معه وتجاهلها له.. قبل أن يتحرك مبتعدًا وعقله يكاد ان ينفجر من التفكير متسائلًا :
- يعني هاتكون غارت فين بس بت ال...... دي .. اتخطفت يعني ولا داستها عربية تانية غيرها؟
زفر حانقًا وهو يتحرك ذاهبًا للإنتظار معهم خارج غرفة العمليات ونية العزم بداخله في ازدياد... لقد سار في طريقه ومهما كانت العوقب والصعوبات سيتخطاها كما.. وسيصل الى وجهته مهما كانت النتائج
...............................
أنت تقرأ
عينيكى وطنى وعنواني
Romanceشعرت وكأن ألارض تدور بها ... انقباض قلبها لم يهدأ منذ الصباح .. منذ ان أخبرها والدها .. بالساكن الجديد في الشقة المقابلة لشقتهم كيف ستجاور هذا البغيض ؟ وهذه الذكرى القديمة تعود امامها الاَن .. فى ابشع صورها .. بمجرد النظرة فقط .. فى وجه من احرق صدره...