الفصل الواحد والعشرون
طرق العم متولي للمرة االذي لا يعلم عددها على باب المنزل.. الذي بهت لونه الأخضر .. ولا احد مجيب وكانه لا يوجد بهٍ احياء.. قال عصام المتأفف من الرائحة :
- الظاهر كده مافيش حد في البيت ده.. ماتيجوا نروح ياجماعة ونبقى نيجي في وقت تاني .
القى علاء نحوه نظرة حانقة قبل ان يلتفت الى العم متولي ويسأله:
- انت متأكد ياعم ان هو دا البيت نفسه ولا يمكن غلطلت في العنوان،
رد الرجل :
- طبعًا يابيه متاكد.. عشان بيت قريبى هناك في الشارع اللي وراه وانا في كل مرة باجي عنده بعدي عليه ولو عايزيني اجيبلك قريبي هو كمان نسأله مافيش مانع .
- بتسالوا على مين يا بهوات ؟
قالتها المرأة الواقفة بالقرب منهم على باب البيت الملاصق لبيت امينة.. التفت اليها الثلاثة مجفلين على صوتها ليجدوها امامهم متكئة على الحائط.. بعباءة منزليه خفيفة.. نصف شعرها الأمامي ظاهر من ربطة رأسها وزينة وجهها صاخبة بالالوان.. تولى العم متولي الإجابة عليها :
- احنا جاين نسال على اصحاب البيت ده يا ست.. ما تعرفيش بقى هما راحوا فين؟ عشان احنا بنخبط بقالنا فترة ومحدش بيرد.
ردت المرأة وهي تقيم الاثنان علاء وعصام بنظرات متفحصة من منبت شعرهم حتى احذيتهم الغالية الثمن والتي تطلخت بالطين :
- لهو انت متعرفش باللى حصل؟
سألها علاء مجفلًا رغم استيائه من جراة نظراتها :
- مالهم اهل البيت وايه اللي حصل معاهم بالظبط؟
لوكت بعلكتها بداخل فمها وهي ترد عليهم بتمهل :
- ازاي بس ما تعرفش يابيه؟ دا فتحي اتقبض عليه من يجي ست اشهر بتهمة تعاطي واتجار بالبرشام :
ردد خلفها عصام :
- اتجار بالبرشام!! طب احنا عايزين مراته هي فين؟
رفعت المرأة حاجبها الرفيع باستهجان وهي تسأله:
- انتوا عايزين امينه؟ طب ليه؟
اردف خلفها بلهفة مما اثار ارتياب المرأة:
- ايوة بالظبط كده.. هي امينة دي.. فينها بقى؟
صك علاء على فكه وهو يليقيه بنظرة محذرة حتى يصمت واكمل على قوله ببعض الكياسة:
- يا ست احنا من جمعية بتراعي الناس الفقرا والباشا اللي جمبي ده عايز يساعدها .
مالت رأس عصام وهو ينظر اليه ببلاهة وعدم استيعاب ليفاجأ بالمرأة تقترب منه بعبائتها الضيقة تطبق بيدها على قماش قميصه الابيض قائلة بلهفة:
- طب ما انا كمان عايزة مساعدة يا بيه.. دا انا شقيانة في خدمة البيوت.. وجوزي بيطلع عينه في السواقة على كام ملطوش .. ولا هي المساعدة ما تجوزش غير على امينة.
تدلي فكه واتسعت عيناه برهبة، يحاول تخليص يده منها وهو لا يعرف بما يجيبها .. يرجوا المساعدة من علاء الذي ينظر اليه بتسلي بابتسامة مستترة.. استدرك العم متولي بفراسته فقام بابعاد المرأة قائلًا:
- يا ست ابعدي شوية خلي الراجل ياخد نفسه.. معلش بقى يا عصام .
قالها متولي وهو يرى جزع الاخير، بنظره لكم قميصه المبتل .. فقالت المرأة ببعض الحرج:
- سامحني يا بيه.. اصلي كنت بغسل هدوم الواد .
صاح برعب:
- هدوم الواد!!
تابعت بترجي:
- ايوة يا بيه هدوم الواد.. دا انا ايدي باشت من كتر الغسيل.. لو تتعطف عليا جمعيتكم وتجبولي غسالة يبقى كتر خيركم
هتف عليها متولي باستنكار:
- يا ست بيقولك جمعية.. يعني اجراءات وشغل كتير وبحث عن حالتك في البداية..جاوبينا الاول على سؤالنا وبعدها نشوف امرك.
زفرت المرأة حانقة من الرجل فقالت بامتعاض :
- امينة مش هاتلاقوها هنا .. عشان هي اساسًا من ساعة ما جوزها اتحبس وهي بتبات عند امها وبتيجي هنا زيارت بس توضب البيت او تاخد لها هدمات تلبسهم هناك .
سألها علاء :
- طب ما تعرفيش عنوان بيت امها دا فين بالظبط؟
شهقت رافعة حاجبها مرة اخرة :
- انتوا كمان هاتروحولها بيت امها ؟ هي لدجادري اسمها مهم عندكم في الجمعية؟
صاح عليها العم متولي :
- خبر ايه يا بت؟ ما تجاوبي عالسؤال وخلاص ..لزوموا ايه الرط دا كله؟
ردت باستنكار:
- ماهو انا معرفش بيت امها دا فين عشان اقول.
مسح علاء بكف يده.. على صفحة وجهه شاعرًا بخيبة الأمل فاتفاجأ بعصام وهو يخاطب المرأة بلطف :
طب ممكن يا مدام لما توصل هنا امينة تتصلي بالرقم اللي انا هاكتبهولك دلوقتي تبلغيني؟
شهقت بفرحة وهي تراه يخرج من جيبه ورقة صغيرة يدون عليها بالقلم الحبر رقم الهاتف:
- هو دا رقم تليفونك يابيه؟
كشر بوجهه اليها وهو يناولها الورقة :
- حضرتك دا رقم الجمعية مش رقمي وعلى العموم انتي فاهميهم حالتك واكيد هما هايتصرفوا معاكي.
لمست بأصابع يدها على كفه الممدودة بالرقم بجرأة اثارت ارتعابه وهي تخاطبه بنعومة:
- تسلم الايادي يا باشا.
بلع ريقه وهو يحرك قدميه هربًا منها وذهب معه علاء ايضًا .. العم متولي استأذن منهم لزيارة قريبه .. اما هي فأخرجت هاتفها الصغير من جيب صدرها تتصل برقمها.. فوصلها الصوت المتعب:
- الو يا راوية .. عايزة ايه؟
ردت بلهجة مائعة:
- الو ياست أمينة.. ياللي طلعتي ميه من تحت تبن.. بقى بتعرفي الناس النضيفة دي وتخبي عليا جارتك حبيبتك.
- تقصدي ايه ياراوية؟
............................
بفناء المدرسة وعلى اريكة خشبية ضمتهم الاثنتان اسفل الشجرة الكبيرة سألتها بمرح:
- قالك إيه ياقطة؟ عيدي كدة اللي قولتيه دا من تاني.
ردت فجر بتذمر:
- واعيد من تاني ليه ياختي؟ هي اغنية؟
هزت سحر رأسها بابتسامة خبيثة:
- لا ما انا وداني بايظة النهاردة .. عيدي والنبي .
لكزتها بقبضتها على ذراعها :
- لا انتي بتستهبلي ياسحر ولاودانك بايظة ولا حاجة.. انتي بس عايزة تحرقي دمي وخلاص .
هتفت عليها بصوتّ ينبض بالفرح:
- واحرق دمك ليه بس ياعبيطة انتي؟ هو احنا كل يوم بنلاقي رجالة بتقول الكلام الحلو ده .. ولا حتى بنلاقي ابلة فجر تستجيب ووشها يحمر كمان... يابنتي دا تطور كبير قوي مكناش نحلم بيه.
اشاحت فجر عنها وجهها تداري عنها ضحكتها وقد لامست كلمات سحر ما تشعر بهِ بالفعل.. فتابعت سحر :
- لا بقى دا انت شكلك كدة واقعة على بوزك .. بتبعدي وشك وتداري ضحكتك عني.. ماخلاص اتكشفتي ياقطة وسرك بان .
التفتت اليها فجأة تسألها بقلق:
- بجد ياسحر.. يعني انا فعلًا بحبه بقى ولا دا مجرد فرحة من اهتمام راجل بيا؟
ردت سحر بجدية:
- ماهو ياقلبي لو ماكنش الراجل ده ليه مكانة في قلبك مكنتيش انتي حسيتي بكلامه ده ولا وشك الحلو ده نور من الفرحة.
تابعت بتشتت:
- طب ازاي دا بس يحصل.. وانتي بنفسك عارفة اللي فيها يعني وكدة.
- قصدك يعني على حبه القديم لفاتن ؟
سألتها فأومأت برأسها توافق.. فردت سحر:
- بقولك ايه يافجر.. ماتسيبي الماضي ياحبيتي وارميه ورا ضهرك.. عيشي اللحظة يابنتي وانسي بقى.. انا مش قصدي تنسي فاتن طبعًا.. انا بس عايزاكي تفتكري كويس مدام اكتشفتي بنفسك برائة علاء.. يبقى شيلي كمان من دماغك حكاية تأنيب الضمير.. عشان انتوا الاتنين مابتغلطوش.. والحي ابقى من الميت.
شردت فجر وهي تنظ للبعيد تفكر في كلمات سحر .. فاصطدمت عيناها بعينن اخرى تنظر نحوهم من نافذة مفتوحة لإحدى الفصول وكأنها تراقبهم.. فعادت لصديقتها قائلة بدهشة:
- بت ياسحر.. انتي مش ملاحظة ان الاستاذ عبد الله مدرس الرياضات بيبصلك كتير دا غير اني بدأت احس بتصرفاته بقت غريبة شوية معاكي اليومين دول!.
- نظرت نحو ماتنظر اليه فارتد هو عائدًا لداخل الفصل.. فردت باندهاش:
- امال لو شوفتيه وهو بيسلم على رمزي.. دا كأن في مابينهم تار بايت!
شهقت فجر ضاحكة:
- يكونش بيحبك يا منيلة؟
شهقت الأخرى متفاجئة :
- نهار اسود.. يعني كان بيحبني في صمت وبيكتم في في قلبه ياعين امه.
ردت فجر ضاحكة:
- وانتي ولا حاسة ياعديمة الاحساس هههه
حركت كتفها بدلال:
- وانا مالي يااختي.. حد قالوا يقعد ساكت مع واحدة معجبينها كتير .
ازدات ضحكاتهم لتردف فجر:
- هو الخسران
- طبعًا هو الخسران
...............................
أنت تقرأ
عينيكى وطنى وعنواني
Romanceشعرت وكأن ألارض تدور بها ... انقباض قلبها لم يهدأ منذ الصباح .. منذ ان أخبرها والدها .. بالساكن الجديد في الشقة المقابلة لشقتهم كيف ستجاور هذا البغيض ؟ وهذه الذكرى القديمة تعود امامها الاَن .. فى ابشع صورها .. بمجرد النظرة فقط .. فى وجه من احرق صدره...