الفصل الثامن عشر
مال براسه وضاقت عيناه بتفكير وهو ينظر لأخيه مستفسرًا قبل ان يسأله بتوجس:
- تقصد إيه؟
اعتدل حسين في جلسته وهو يمط شفتاه واهتزت كتيفيه وقال:
- اقصد ان سعد ده اكيد بيكدب ومش بعيد يكون عارف كمان بمكان البنت وبيداري؟
ساله بعدم استيعاب:
- ليه يعني؟ وايه اللي،هايخليه يداري في حاجة مهمة زي دي وتهم صاحبه؟
تكلم حسين بلهجة غامضة:
- بصراحة انا مش عارف ليه عشان اجاوبك.. بس برضوا مش مصدقه؟
- طب ليه يابني؟ ماتفهمني اللي في دماغك عشان اعرف.
اقترب برأسه من اخيه محدقًا بعيناه وقال:
- عشان مش واثق فيه ياعلاء.. وعايزك انت كمان تفتح عنيك معاه.. سعد اللي انت شايفه دلوقتي غير سعد بتاع زمان.. سعد مبقاش صاحبك الضعيف اللي انت كنت بتدافع عنه ياعلاء من عنف العيال الصيع في الشارع.. سعد بقى واحد تاني وانت نفسك ماتعرفوش .
سهم لبعض اللحظات مفكرًا في كلمات اخيه المفاجاة ثم ما لبث ان قطع صمته قائلًا باستنكار:
- ياااحسين ياااحبيبي.. انا عايزك تجاوبني بالمنطق مش عشان يعني سعد اتقدم لخطيبتك الاول فانت هاتشك بقى فيه وتشوفه بنظرة تانية.. يابني بالاش تتحامل.....
قاطعه بحدة:
- افهمني ياعلاء بقى وبلاش تقفل عيونك... دا انت بنفسك قولت ان الخيانة حصلت من حد قريب انت وعصام ويعرف بحكايتك مع فاتن.
انتفض عن تخته واقفًا وهو لم يحتمل الفكرة فهتف باعتراض:
- لا ياحسين .. انت كدة فرطت منك اوي.. اللي انت بتقوله دا كلام خطير وتطير فيه رقاب .
نهض هو الاَخر يقابله وقال بهدوء لا يناسب العاصفة الهوجاء في عين أخيه:
- انا بقولك على اللي بفكر فيه ياعلاء .
لوح بيده كإشارة بالتوقف:
- طب خلاص خلاص.. شيل من مخك الموضوع دا خالص وانا هابقى اشوف لى صرفة في موضوع البنت الخدامة ده.. ااانت اتعشيت ولاا هاتتعشى معايا انا ووالدتك؟
خرج سؤاله الاَخير باضطراب شعر بهِ حسين فاشفق عليه وقال مغيرًا دفة الحديث:
- لا ياسيدي هاتعشى معاكم.. انا اساسًا هلكان جوع من لعب الملاهي مع شروق.. دي هدت حيلي ولا اكنها عيلة صغيرة ولقت فرصتها .
شقت ابتسامة وجه علاء المضطرب فقال بمودة:
- ربنا يخليهالك ياحسين.. انتوا الاتنين لايقين على بعض اوي وتستاهلوا كل الخير.
ربت على ذراع اخيه فقال بمؤازرة:
- وانت كمان ياحبيبي اطمن.. اكيد ربنا هايهيئلك الظروف وتنول اللي بتحبها.
ساله ببلاهة:
- تقصد مين؟
تبسم حسين فغمز بعينهِ وهو يتحرك لخارج الغرفة
فقال بمكر وهو ممسك بمقبض الباب:
- قصدي اللي بالك فيها ياابوعلاء.. ولا إيه؟
ختم بضحكة كبيرة وهو خارج.. اما علاء فتعرق واضطرب كأنه عاد مراهقًا صغيرًا في السابعة عشر من عمره..
...........................
خرج من غرفته بعد ان اخذ حمامًا دافئًا انعشه وارتدى ملابس نظيفة غير ملابس العمل تلك .. وجد والدته جالسة ارضًا ومعها شقيقته لبنى وابنتها يتناولان معها الطعام على مائدة صغيرة ومستديرة( الطبلية) تمتم بروتينية وهو يمشط شعر رأسه بيده:
- مساء الخير .
ردت لبنى بحماس وهي تضع ملعقة الارز بفمها:
- مساء الفل ياخويا.. تعالى كل معانا الاكل سخن وطعمه حلو قوي .
سبقته نشوى بردها:
- سيبيه يا لبنى احسن يقولك نفسي مسدودة زي ما بيعمل معايا كل يوم .
تحركت عيناه ناحية المائدة ومع عليها من اصنافًا شهية فاصدرت امعاءه الخاوية اصوتًها طلبًا للطعام..تمتم وهو يفترش الأرض معهم :
- لا انا هاكل معاكم اصل انا جعان.. ازيك يابت يامروة.
ردت الطفلة بعتب طفولي:
- توك ما افتكرت ياخالي؟ دا انا قاعدة هنا من الصبح وانت لما دخلت ندهت عليك وانت ولا اكنك شوفتني ولاحتى عبرتني .
دفعها بكفه على رأسها بمزاح:
- العتب عالنظر يااختي.. المرة الجاية هابقى اَخد بالي.
تسامرا أربعتهم ببعض الاحاديث المختلفة وهم يتناولون طعامهم حتى قربوا على الانتهاء فقالت لبنى وهي تهم برفع اطباق الطعام :
- الحمد لله.. اكلة حلوة اوى يامّا. ربنا ما يحرمنيش منك .
ردت نشوى وهي تمسح يدها بطرحتها القماش:
- بالهنا والشفا ياحبيبتى.. ما يطرح مايسري يمري.. انا هاقوم اعملك كوبايتين شاي نحبس بيهم.
هتفت لبنى على ابنتها موبخة:
- ماتبس يابنت انتي وقولي الحمد لله.. انتى هاتقعدي اليوم كله تاكلي؟ قومي يازفته هاتبقي زي الدبة .
نهضت الطفلة عن طعامها ممتعضة فخاطب سعد شقيقته وهو يهم لينهض هو الاَخر:
- ماتسيبيها تاكل.. هي كل يوم هاتكل لحمة؟
مصمصت لبنى بشفتيها قائلة:
- اهي حظها منيل زي حظ امها اللي اتجوزت واحد فالح بس يشرب البرشام ويبيعه وفي النهاية بقى رد سجون.. وناس تانية محظوظة بقى ربنا فتحها عليهم من وسعها وبقوا هوانم كمان .
ضيق عيناه متسائلًا :
-قصدك مين يعني؟
- قصدي على نيرمين ياحبيبي.. اللي شافتني وانا داخلة الحارة ولا اكنها تعرفني.. نسيت صاحبتها وايام الشغل في المصنع قليلة الاصل .
نهضت وهي ترفع بعض الاطباق وتابعت :
- هي زهزهت معاها وانا وامينة الدنيا جات علينا بزيادة.
جذبها من ذراعها يوقفها بعنف:
- هو انتي لسة بتكلميها البت دي؟اتمليتي عليها فين تاني الله يخرب بيتك؟
ردت بعتاب:
- يعني هاكون شفتها فيه يعني ؟ ما انا قطعت علاقتي بيها من زمان زي انت ما امرت .. لكن بقى جوزها طلع يبقى زميل جوزي في السجن وانا وهي اتقابلنا في الزيارت ورجعنا اصحاب زي زمان.
جز على اسنانه وهو يضغط على مرفقها بعنف:
- البت دي لو ما بعدتيش عنها ولا لمت هي نفسها عنك انا هايبقى ليا صرفة معاها .
نزعت يدها وهي تهتف بوجهه:
- اموت واعرف ايه مخليك كارها انت بالشكل ده؟ ومخليها هي تدعي عليك ليل ونهار وبرضك مارضياش تقولي السبب؟
رفع قبضته المضمومة امام وجهها قائلًا بتحذير :
- ابعدي عن البت دي وما تعرفيهاش تاني يالبنى يامش هايحصل طيب.
قالت بتحدي:
- وان مابعدتش هاتمنعني من الخروج مثلًا زي زمان.. لا اصحى ياحبيبي.. انا عندي بيت وساكنة فيه لوحدي كمان.. عن اذنك بقى خليني اَخد الاطباق دي للمطبخ .
تخطته وذهبت من امامه تتجاهل غضبه الذي تأجج مرة وهو يشعر بقرب انهيار المعبد على راسه.. مسح بكفه على شعره يكاد ان يقتلعه من منبته.. يبتغي الوصول لحلٍ سريع لإعادة سيطرته على زمام الامور كسابق عهده.
.............................
أنت تقرأ
عينيكى وطنى وعنواني
Romantiekشعرت وكأن ألارض تدور بها ... انقباض قلبها لم يهدأ منذ الصباح .. منذ ان أخبرها والدها .. بالساكن الجديد في الشقة المقابلة لشقتهم كيف ستجاور هذا البغيض ؟ وهذه الذكرى القديمة تعود امامها الاَن .. فى ابشع صورها .. بمجرد النظرة فقط .. فى وجه من احرق صدره...