الفصل السادس

1.5K 59 5
                                    

الفصل السادس

لم تجد سوى فتنة لتحكي لها ماحدث مع إبراهيم، فهي لا تملك صديقة مقربة ، ليست متأكده اذا كان السبب انتقالهم للعاصمة أو كثرة زيجاتها و تجنب الكثير من صديقاتها و معارفها لها ، خوفا بأن يكون زوج إحداهن هو التالي في قائمتها!

رغم أنها لم تكن لتتزوج رجلا متزوجا إلا في حالة واحدة ؛ فعلتها كانتقام ثم ندمت عليها طوال عمرها بل تتمني أن تمحي من ذاكرة كل من عرف بها.

سمعت فتنة منها ماحدث دون أن تناقشها، فعمتها لا تريد نصحا بل تريد أن تفرغ ماحدث لها فقط، هي أكثر من يعرف ذلك كما أنها لا تملك ما تنصح به عمتها ، إذن عليها أن تكون مصغية جيدة لا أكثر.
تابعت جيهان بصوت يملؤه الحسرة :
-لا أصدق يا فتنة بأني كدت أفقده بسبب كلمة قصدت بها التعبير عن حبي له لكنه تذكر بها أنني كنت ملكا لغيره!
ياالله ماذا سيفعل إذا عرف بأني كنت....
شعرت بغصة مسننة تسد حلقها لتنزل دموعها قبل أن تتابع بصوت متحشرج :
-أصبحت مرعوبة من أن تصله تلك المعلومة خاصة وهو يتصل بابنة أخته مرتين في الأسبوع على الأقل ؛ صدقيني الكوابيس أصبحت رفيقتي منذ ذلك اليوم، كيف سأعيش إذا قرر أن يتركني بعد أن ذقت معه حلاوة الحياة.

في محاولة منها لتغيير اتجاه الحديث سألتها فتنة بفضول : -كيف هي الحياة معه ياعمتي، هل أنت سعيدة فعلا أعني مثل ماكنت تظنين أم أنه كلام خيالي؟

تنهيدة حارة خرجت من جوف جيهان وهي تعود برأسها للخلف وتغمض وقد تغيرت نبرتها ليطفو عليها الحب :
-أنا أحلق فوق السحاب سعادتي لا يمكن وصفها بالكلمات، لازالت دقات قلبي تزداد كلما رأيته كأنها أول مرة أراه، لازلت أبتسم كمراهقة ويحمر خدي من كلمة غزل يطلقها لسانه العذب ليرضي بها أنوثتي وكأنه لم يتغزل بي رجل من قبل!
حتى عندما يقبلني تعتريني تلك الرعشة وكأنني لم أتلقى قبلة في حياتي!
تعرفين لا أمنية لي سوى أن أقضي كل أيامي وهو بجواري ، أن تمر علينا الأعوام و يرحل الجميع عنا ولا يرحل أحدنا عن الآخر.

عادت فتنة بذاكرتها لليوم السابق، عندما اتصل بها نادر وطلب منها النزول فورا من منزلها لأنه ينتظرها على ناصية الشارع!
وقتها رغم فرحتها بالإتصال لكن قلبها وقع بين قدميها من شدة الخوف؛ خوف من أن يراها أحد معه لذلك نزلت دون أن تكثر من زينة وجهها كالعادة وارتدت ملابس ذات ألوان غامقة كما وضعت قبعة فوق شعرها الذي خبأته داخل قميصها قبل أن تخرجه وتعدل وضع القبعة لتضعها على الجانب فأعطتها لمحة أنثوية راقية جعلت عيني نادر تتفحصان بها بنظرة ذكورية.
رغم أن ملابسها ليست ضيقة أو فاضحة لكنها تبرز جمال قدها المتفجر بالأنوثة ، وذلك اللون الذي ترتديه ينعكس على بشرتها الصافية وخديها بحمرتهما الطبيعية والتي تخفيها تحت أطنان من الزينة ، أما شعرها فكان حكاية بتموجات ليلية لامعة وبعض الخصلات التي تداعب وجهها الصبوح.
تلك الفتنة أشعلت به رغبة محمومة بمجرد لمحة منها، لكنه لن يستسلم لها لقد جاء في مهمة محددة سينفذها وينتهي منها للأبد.
أسرعت لسيارته لتفتح الباب و تجلس منخفضة الرأس كي لا يلمحها أحد ويخبر أشقائها أو والدتها فتقلب الدنيا على رأسها!
بصوت هامس ظهر به الخوف وهي منخفضة :
- تحرك بسرعة قبل أن يرانا أحد.
ضغط على دواسة البنزين لتنطلق السيارة بسرعة حتى كادت أن تدهس إحدى النساء على الرصيف ممن يبعن الخضار ، وضعت فتنة يدها على فمها تكتم صرخة كي لا تخرج منها من منظر الخضار الذي تناثر على طول الشارع بعد أن قفزت المرأة قبل أن تقترب منها سيارة نادر!
بعد مدة أوقف سيارته في أحد الشوارع التي لا تعرفها ، كان الشارع هادئا رغم أن الوقت لايزال منتصف النهار!
شعور بالسعادة والانتشاء هو ما كان يعتريها وهي تجلس بقربه وقد غمرتها رائحته الذكورية؛ لقد أتي بنفسه ولم يكتف باتصال بارد يبرر لها غيابه عنها أو وقفته مع تلك الفتاة .
بصوت بارد كالجليد ودون أن ينظر لها حتى قال نادر:
- من أين جاءتك الجرأة كي تتصلي بمنزلي و تستجوبي أختي بتلك الطريقة الفظة ؟

رغم نبرته الجافة وطريقته الفجة معها إلا أن معرفتها بأن التي أجابتها في الهاتف الأرضي هي شقيقته ، جعلت نبضات قلبها تقفز في سعادة لقد ظنت في البداية أنها تلك التي أخبرتها عنها منار بأنه مرتبط بها.
عدلت جلستها كي تكون مقابلة له وقالت بدلال وهي تلعب في خلصة شعرها بين أصابعها المطلية باللون الأحمر الفاقع:
- ماذا أفعل في شوقي لك، لم أرك منذ ثلاثة أيام كاملة كما أنك لا ترد على هاتفك النقال، لو لم تأت اليوم لكنت ذهبت لمنزلك و..
أمسك يدها من الرسغ وقام بثنيها بطريقة مؤلمة جعلتها تتأوه وقال بحدة :
- إياك أن تفكري بالاقتراب من الحي الذي أسكن به أو الاتصال مرة أخرى بمنزلي؛ أنا من يقرر متى وأين أتواصل معك هل تفهمين؟
شعرت بالدموع تخدش حدقة عينها فرمشت عدة مرات حتى تمنعها من النزول، صحيح أنها تستعمل دموعها في التأثير على والدها، لكن في هذا الموقف ستكون دليلا على ضعفها.
لن تسمح بأن تكون ضعيفة أمام أحد أبدا حتى لو كان نادر.

ضغط على رسغها أكثر وتابع:
- هل كلامي مفهوم أم أكرر مرة أخرى ؟
بلعت ريقها وهي تهز رأسها في علامة نعم، ليحرر يدها فأخذت تدلك مكان قبضته التي تركت علامة دون أن تنطق بحرف آخر.
لاحظ نادر الدموع التي تجمعت في عينيها وأنفها الذي تحول إلى اللون الأحمر، ليمد يده و يمسح دمعة هاربة على منبت رموشها ليسري في جسدها تيار لذيذ لم يسبق أن شعرت به من قبل فتسللت ابتسامة لشفتيها تعلن عن سقوط حصن آخر من حصونها التي تقع صريعة أمامه دون أية مقاومة.
أجلت حلقها ورفعت عينيها له ببطء قاتل وهي تقول :
-من تلك التي كنت تحادثها في الكلية يوم أدخلتني مع منار؟
ظهر عليه عدم الفهم ورد:
-من تقصدين وأي يوم تتحدثين عنه لا أذكر ؟
ردت بحنق:
-قبل أربعة أيام عندما أخبرتك أني أريد التحدث مع لينا وأنت من سهلت لنا الدخول هل نسيت؟
تذكر فورا تلك الفتاة التي دعته لعيد ميلادها، لكنه ادعى الغباء؛ جعد جبهته كأنه يفكر ثم أدار سيارته لينطلق بها وهو يقول ببراءة:
-لا أذكر عمن تتحدثين بالضبط، معارفي كثيرة خصوصا الجنس الناعم، عموما لا تشغلي بالك بها الآن المهم ماذا كنت تريدين مني لماذا هذا الإلحاح في الاتصال بي؟

سرعان ماتبخر شعورها السابق،ليظهر عليها خيبة الأمل وهي تقلب شفتها السفلى كالأطفال الأمر الذي جعلها تبدو شهية جدا بالنسبه له وأشعل تلك الرغبة في نيلها، لكنه عاد و أنب نفسه على تفكيره السطحي، يمكنه نيل أية فتاة أخرى ، مايريده من فتنة أكبر وأهم من مجرد رغبة محمومة تنتهي بانتهاء اللقاء.

أبعد عينيه عنها و ركز في الطريق لمدة قصيرة ثم قال بنبرة لينة :
-فتنة هناك أمر هام أريدك أن تساعديني فيه، وهو ما سيحدد مصير علاقتنا!


-فتنة هل أنت معي؟
خرجت من ذكرياتها على صوت عمتها لترد عليها:
نعم عمتي أسمعك لقد تشوش الصوت قليلا لذلك لم أرد.
نظرت لهاتفها لكي تتاكد من اتصالها بالشبكه ثم قالت:
- أعرف أن الإرسال هنا ضعيف غدا نعود لمنزلنا سوف أحدثك من هناك أعتقد سيكون أفضل لو تحدثت معك بالفيديو على التطبيق الذي أخبرتك عنه إبراهيم يستخدمه كثيرا مع أهله كما أنه أخبرني بأن والده يحمل هاتفا يعمل بالأقمار الصناعية ، ما رأيك لو طلبت منه أن يجلب لك واحدا ؟

تنهدت بملل :
- لا داعي أنا بالكاد أستخدم الهاتف الجديد الذي أحضره أبي لي، تعرفين لا أحب استخدام التكنولوجيا كثيرا؛ دعك من ذلك لو مثلا عاد بك الوقت وطلب منك العم إبراهيم أن تفعلي شيئا معينا كي يكمل معك هل كنت ستنفذي أو تستشيري صديقاتك أولا ؟
لم تنتبه جيهان لنبرة فتنة وظنت أنها تسأل بدافع الفضول لا أكثر لتقول باندفاع:
-بالطبع كنت لأنفذ فورا، عن أي صديقات تتحدثين هل نسيت أنهن ابتعدن عني بعد طلاقي الثالث، و أضحيت وحيدة بل إنهن أصبحن يدرن وجوههن عني عندما نتواجد صدفة في أي مكان!

بنفس الحذر سألت فتنة مرة أخرى :
-مهما كان الطلب؟
ردت عمتها :
-اسمعي أعرف إبراهيم لا يمكن أن يطلب مني أن أسلمه نفسي دون زواج ، إذن دون ذلك كنت لأوافق وأنفذ فورا.

سكتت قليلا وقالت بحسرة :
- تعرفين كنت أتمنى أن يفعلها ، ربما يطلب أن نهرب معا أو نتزوج دون موافقة أهلنا ونضعهم أمام الأمر الواقع، هاهو والده وافق في النهاية وأبي رحمه الله ماكان ليقاطعني فقد كان يحبني جدا، كنا وفرنا على أنفسنا بعد سنوات وربما كان الآن لدينا أحفاد .
نبرتها المملوءة بالمرار جعلت فتنة تشعر بالشفقة على عمتها، هي أكثر من يعرف بمعاناتها بسب حبها الكبير لإبراهيم، لذلك قررت أن تنفذ طلب نادر فهي لن تكون جيهان رقم اثنين وتعاني من ويلات بُعد الحبيب.
-❈ ❈-❈


بحذر شديد وهي تعض على طرف لسانها حركت المشرط الطبي لتنهي شكل الورقة الصغيرة لتجعلها تبدو كأنها تسقط من عرف الزهرة ذات البتلات قلبية الشكل بأربع أوراق لا غير، رغم غرابة الطلب فهي لم تقم بتلك الرسمة المعقدة من قبل، لكنها تحاول كي لا تحزن أفطيم، يكفي أن أكثر من نصف القبيلة رافضة لعريسها بل إن شقيقها رفض أن يحضر الخطبة في بيت جدها الشيخ عثمان وفضل الذهاب مع شباب القبيلة للبر كإعلان صريح على موقفهم الرافض بتحريض من سفيان.
زفرت عندها و أبعدت عنها اللصقة العريضة المثبتة على ورق من النايلون الشفاف، كي تتأكد من أن الرسمة كما تريدها ثم قربتها لها لتفرغ الرسمة حتى تكون جاهزة .
لم تجرؤ در صاف أو أفطيم على التحدث أو حتى الهمس،حتى لا تحيد يد أشماس و تفسد ماتفعله، كأنهم في عملية جراحية دقيقة يخشون أن يموت المريض إذا حادت يد الطبيب!
والطبيب هنا أشماس التي تقوم بتجهيز الاصقة الخاصة التي ستضعها إفطيم بمناسبة حفل خطبتها.

بابتسامة رضا مدت أشماس اللاصقة لأفطيم التي ظهر الفرح عليها كطفلة حصلت على دميتها المفضلة وهي التي كانت تظن أنها لن تنالها
قفزت وهي تمسك اللاصقة برسوماتها المعقدة تضعها تارة على ساقها وتارة أخري على ذراعها ويدها بسعادة قالت وهي تتابع ماتفعله:
- رائع لا أصدق بأنك أتقنت الرسمة بهذه الدقة يجب أن تحترفي صنع هذه اللاصقات إنها أجمل من تلك التي تباع في المحلات.
نظرت در صاف للرسم من مكانها ثم عدلت نظارتها بسبابتها قبل أن تكمل ضرب مسحوق النسكافيه والسكر وفي كوب فخار، وهي تسأل أشماس:
- هل اخترت التخصص الجامعي، أعتقد بأن دراسة الفنون كالرسم أو هندسة الديكور تناسبك بما أنك بارعة في الرسم على الفخار و صناعة بعض الحلى من النحاس والقص بتلك الطريقة المبهرة ، ما رأيك تعالي للدراسة في العاصمة لنتقاسم غرفتي.
رفعت حاجبها و لوت شفتيها في امتعاص:
-ولماذا أذهب للعاصمة ألا يوجد لدينا جامعات هنا؟!!!!
هزت أفطيم رأسها وعقدت در صاف حاجبيها واضعة الكوب الذي كانت تحركه بقوة وبحركة دائرية مستمرة على حافة الرخامة وهي تتجه ناحية الموقد كي تقوم بتسخين الحليب ثم أخدت أكواب لتوزع فيها النسكافيه الذي صنعته بينها وهي تقول دون أن تحيد نظرها عن الموقد :
-هذا كل ماسمعتيه من كلامي !
أعرف أنه توجد كليات هنا لكن العاصمة جامعاتها أفضل بكثير، أردت أن أعيد أيامي مع أفطيم عندما كانت تقيم عندنا كنا نمرح كثيرا، لأنك وجه فقر ابقي مع حارث كي تلهي بين المواشي هذا المكان الملائم لك وله.
وقفت على ركبتها و تخصرت وهي ترمقها بنظره متعالية قائلة:
- رحم الله أبوك وجدك، مابها المواشي يابنت العاصمة أليست هي من جعلتك تعيشين حياة مرفهة ، لا تنسي أصلك نحن بدو نعيش على رعي الغنم والجمال وأما التجارة و باقي الأعمال فهي من أرباح الرعي و حرث الأرض، أنت ابنة الجعافرة تذكري هذا الكلام جيدا و ضعيه حلقة في أذنك؛ هذا أولا و ثانيا ما به حارث لا يعجبك لأنه ليس مثل أبناء العاصمة؟
زفرت در صاف وردت بهدوء يناقض الثورة التي تتحدث بها أشماس:
- أولا أنا لم أنس اصلي ، وإن فعلت فالبركة فيك تذكريني به ؛ ثانياً القصة ليست أن حارث يعجبني أو لا، القصة أنه ترك دراسته رغم تفوقه وحبس نفسه في قوقعة الراعي بدلا من أن يتقدم تأخر.

تدخلت أفطيم التي كانت صامتة منذ بدأ الحديث :
-لا أوافقك الرأي يا در، كلنا نعرف بأن حارث ترك دراسته تحت ضغط من والده، كي يمسك زمام العمل لأنه الولد الوحيد رغم أن الجميع تدخل حتى جدي عثمان لكن حارث لم يرضَ بأن يكسر أحد كلمة والده وترك دراسته بحجة أنه لا يرغب في إتمامها؛ كما أنه وسع التجارة وصنع له اسما مهما وسط كثير من أصحاب مزارع المواشي رغم صغر سنه.
رفعت سبابتها تكمل حديثها بتذكير:
-در صاف عليك الاعتراف بأن الشهادة الجامعية ليست دائما مقياسا للرجل في بلادنا.
صبت الحليب في الأكواب ثم رفعت حاجب الشر و مدت الكوب لإفطيم وهي تقول بنبره ساخرة :
-من يشهد بذلك غيرك؟
حركت الكوب قبل أن ترتشف منه قليلا،وتابعت:
-لا أصدق بأنك وافقت على أشرف حمادي.
ادعت الشجاعة وهي تجيب بصوت عال:
- وما به أشرف، قلت لك أن الشهادة ليست مقياس، أم لكونه من مدينة أخرى؟
منذ متى وأنت تفكرين بهذه الطريقة؟ كنت أتوقع ذلك من أشماس وليس منك.
رفعت أشماس حاجبيها في دهشة لكنها لم تجب، تعرف أن هذه المواجهة لابد أن تتم بين در وأفطيم ، مهما كانت العواقب فهي حتما أفضل من اللف والدوران أو المقاطعة الصامتة كما يفعل أشقاء أفطيم معها.
جلست در صاف على الكرسي العالي المجاور لبار المطبخ واضعة ساق فوق الآخر قبل أن تقول ببرود متعمد:
-المسألة ليست الشهادة فقط، رغم أنها أمر هام بين دكتورة صيدلانية في طريقها لنيل الماجستير و راسب شهادة إعدادية ؛ ولا حتى كونه من مدينة أخرى يعيبه، المسألة في أشرف ذاته كلنا نعرف سمعته وسمعته عائلته ، هو زير نساء شارب للخمر غير أن سمعة عائلته ... أستغفر الله.
بحمائية واندفاع هدرت بها:
-ليس زير نساء بل لديه بعض العلاقات مثل باقي الشباب، والشرب كذلك لقد قال بأنه توقف عنه وقرر الزواج، ثم منذ متى ونحن نسمع للشائعات ونحكم على غيرنا.

-باقي الشباب!!!!!
قالت در صاف باستنكار شديد وتابعت
-ومن قال أن كل الشباب لديهم علاقات عابرة بين قوسين، حركت إصبعي السبابة و الوسطى لكلا يديها في شكل قوس، ثم تابعت( زنا)!
ولا يشربون الخمر حتى ، أقرب مثال سفيان أخي لا يدخن حتى ولم تكن له أي علاقات خاصة ولا رؤوف طبعا.
قفزت تلك النبضة العالية بقلبها، التي تجعله يدق بسرعة فيجري الدم بسرعة أكبر عبر أوردتها بمجرد ذكر اسمه أمامها أو حتى التلميح له ، فأسرعت تقرب الكوب الساخن لمكان قلبها عله يلتذع وتتوقف سرعة نبضاته كي لا يفضحها.

رفعت أشماس يدها كطالبة نجيبة في الفصل وهي ترتشف من الكوب:
- حارث يدخن لكنه لا يشرب الخمر طبعا ولا يقيم أي علاقات أبدا أنا شاهدة على ذلك.
ردت درصاف بتهكم:
-يكفيه الخرفان لا يحتاج لفتيات أيضا.
ثم نظرت لأفطيم وقالت بلوم:
-وحتى لو فرضنا أن جزءا كبيرا من الشباب يفعلون تلك المعاصي، لماذا تقبلين أنت بشخص منهم لا تقولي الحب فأنت لم تتعرفي به إلا منذ فترة قليلة بالأحرى بعد أن تحصلت على المنحة ، رغم أن عمي دعمك في سفرك لوحدك خصوصا وأنت تملكين جنسية البلد، إذن هاتي عذرا واحدا لتقبلي به!
لمعت الدموع في مقلتيها دون أن تسمح لهما بالتحرر وأجابت:
- لدي عذران وليس واحد ، اختين أصغر مني واحدة متزوجة وأنجبت والأخرى عقد قرانها وأنا لازلت أنتظر الفارس الهمام كي يعتلي حصانه ويتكرم علي.
ابتلعت غصة مريرة وتابعت بصوت يقطر ألما :
-لا تعرفن ما أعانيه من تهكمات الناس في أي مكان أذهب إليه، بسبب زواج أخواتي قبلي، رغم أني لم أكن أعارض ذلك ولم أهتم به يوما، لكني أصبحت محط أنظار الجميع في أية مناسبة أذهب إليها حتى إذا كان عزاء .
هل تصدقين أن أمي أصبحت لا تتكلم أمامي عن تحضير فرح أختي كي لا أحسدها!
ناهيك عن كلمة عانس التي أصبحت ملازمة لي رغم أني لم أتخط السابعة والعشرين بعد؛ نعم لا أحبه وأعرف بأنه قرر الزواج بي من أجل السفر، لكني قررت أن أحاول معه حتى ينعدل حاله هو ليس سيئا ربما فقط لم يجد الطريق الصحيح بعد.

ردت در صاف بتهكم :
- وأنت المصلحة الاجتماعية التي سوف تعدله!
لم ترد أفطيم، فنظرت در صاف لأشماس التي لم تشرب من كوبها إلا رشفة قائلة :
-وأنت لماذا لم تشربي حتى الآن ألم يعجبك النسكافيه؟

وضعت أشماس الكوب وقالت بقرف:
- مر مثل لسان صاحبته، نسكافيه سفيان أفضل منك بكثير، عليه أن يعلمك قبل سفره.

شحب وجه أفطيم وقالت بلهفة لم تلاحظها أشماس ولا در صاف لحسن حظها:
-سفيان مسافر؟ الي أين؟
ردت أشماس:
-لن تصدقي إلى دولة (...) بعد أن رفض الذهاب الى شرق أروبا، سوف أفتقده كثيرا أعتقد بأنه سيذهب قبل حفل زفافك.

ازدرت ريقها دون أن تجيب وقد غاض قلبها في أحزانه رغم أنها نهته كثيرا عن أن يدق له وهي على وشك أن تحمل اسم رجل آخر لكن من له سلطان على قلبه؟

قالت در صاف مناكفة لأشماس:
اشربي على الأقل ترتاحي من الصداع الذي يلازمك ومن حرق خرقة عمتي خيرية.
بقرف واضح ردت:

-أووف لا تذكريني رائحتها كريهة و هي مصممة على أنها علاج موثوق.
دخلت أفطيم غرفتها وعادت تحمل بيدها كيس أعطته لأشماس قائلة :
-ذكرتيني بالصداع، والذي مازلت عند كلامي بأنه صداع نصفي؛ المهم هذا مانع حمل يكفيك لستة أشهر وبعدها خذي من نهى فهي من ستظل في الصيدلية بعد سفري.

رفعت حاجب وأنزلت الآخر تعقد يدها دون أن تأخذ الكيس قائلة بشراسة :
- ماذا تعني بأن نهى ستظل في الصيدلية؟
يجب أن تغلقيها أو تأجريها لا أن تجعلي تلك المائعة بها.
تبادلت در صاف و أفطيم نظرة سريعة قبل أن تقول أفطيم بحذر حتى لا تنفجر ضاحكة :
-أولا نهى ليست مائعة لا تطلقي إشاعات على الفتاة، ثم أن نهى تعمل بضمير، هي سوف تدير الصيدلية وتأخذ مرتب ما المشكلة في ذلك على الأقل أنا أعرفها ومتأكدة من أنها أمينة ، لا أريد أن أقوم بتأجير الصيدلية لشخص لا أعرفه ربما يقوم بيبع أدوية مخدرة ويجلب لي مشاكل.

-ونهى الصفراء هي الشخص الأمين صح.
قالتها أشماس وهي تزم شفتيها للأمام وقد زاد انعقاد حاجبيها
هزت درصاف رأسها في تفكير قائله:
- في الحقيقة هي ليست صفراء ، في الواقع هي بيضاء بخدود وردية كما أنها جميلة لا تنكري ذلك.

-ومن أين تعرفيها حضرة المحامية؟
هزت كتفيها و ارتشفت من كوبها ببطء ثم قالت :
- لقد ذهبت للصيدلية عند وصولي من المطار كي أراها بعد أن أخبرتني أفطيم عن قصة أيوب والشاي.

ضيقت عينيها وهي تنظر لأفطيم شزرا لتبعد الأخيرة عينيها وتنظر في أي شئ المهم ألا تتصادم معها.
زفرت و عدلت جلستها وقالت بتعال كاذب:
- لا يهم أصلا هي لا تعنيني في شيء ،المسألة فقط ماذا ستظن عندما أذهب كي أخذ منها حبوب منع الحمل؟

بحذر ردت إفطيم :
-وماذا سيقول أي صيدلي آخر؟
على الأقل أنا ساقوم بشرح الأمر لها، كي تعطيك النوع المطلوب المهم ألا تراه عمتي وإلا سوف تقوم بذبحك من دون قِبلة

 سيل جارف  الجزء الاول من سلسلة الحب والحربحيث تعيش القصص. اكتشف الآن