الفصل السادس والاربعون

1.9K 71 14
                                    

الفصل السادس و الأربعون

تردد كثيرا قبل أن يذهب له، لايعرف ماذا يريد منه ولماذا تذكره الآن بالذات؟
هل عرف شيئا عما فعله مع نورهان ؟
لا مستحيل لو عرف لكان استغل الموقف نادر لن يمرر أمرا كهذا دون الاستفادة منه!
أفكار كثيرة لعبت بعقله حتى جلس أمامه وقال نادر :
-خسرت الكثير من الوزن هل  أصبحت تهتم بصحتك أم هي تعليمات زوجتك؟
جف حلقه لدرجة لم يقدر على الرد فبحث عن ماء ليبلل ريقه ليجد الطاولة التي بقربه بها كوب ماء أخذه دون استئذان وشربه دفعة واحدة بينما نادر يشاهد توتره في استمتاع غريب، منذ مدة لم يشعر بالإثارة مثل الآن لمجرد أن باسم خاف منه!
هو أصلا لم يتوقع أن ينفذ طلبه ويأتي لزيارته خصوصا بعد أن طالت المدة فقد اتصل به وعندما لم يجبه ترك خبر عند سكرتيرة والده بأنه يريد لقاءه لأمر هام جدا.
تنحنح باسم وقال:
-كيف حالك نادر أعتذر عن التأخير كنت مسافرا وعدت منذ عدة أيام فقط.
ابتسامة جانبية ظهرت على شفتيه ورد:
-عدت وحدك؟
بدأت حبات العرق الصغيرة تظهر على جبهته ليمسحها ثم قال:
-البقاء لله لقد سمعت بوفاة والدتك، حزنت من أجلها جدا خصوصا أنها ماتت بتلك الطريقة البشعة .
اتقدت عينا نادر بنار الغضب وهو يتذكر ماحدث منذ شهرين تقريبا.
بحكم دراسته وخبرته استطاع أن يعمل في مستشفى السجن صحيح بأنه مجرد عامل نظافة بدرجة ممرض لايحق له مسك الإبرة و غيرها من الأدوات لكن الأمر أفضل من العمل في أي مكان آخر في السجن كما أنه يتيح له التواصل مع العالم الخارجي عن طريق هواتف المرضى و الأطباء الذين يقدرون خبرته فهو طبيب ممتاز خصوصا بالنسبة لسنه
ذلك اليوم بالذات كان المكان شبه فارغ لأنها نهاية الأسبوع لذلك جلس يشرب سيجارة مع أحد الممرضين الذي قال بصوت عال متحمس:
-ليلتنا فل هناك تسجيل جديد نزل انظر بسرعة.
مد رقبته لينظر للشاشة الهاتفية ليشاهد تسجيل غير واضح الملامح يبدو لرجل و امرأة يمارسان علاقة مع بعض الألفاظ الخارجة وقد كتب عنوان فوقه( شاهد سيدة المجمتع ص. خ مع زوجها الشاب في أوضاع ساخنة )
لم ينتبه في البداية للاسم لكن الصوت جعله يعقد حاجبيه ويركز جيدا، رغم التشويش و دخول أغنية شعبية في المنتصف لكنه لن يتوه عن صوت أمه أبدا
أعاد المقطع عدة مرات عله ينفي شكوكه وفي كل مرة يتأكد أنها هي!
فقال الممرض بمغزى:
-واضح أن المقطع أعجبك رغم أن الصورة مخفية عموما هناك فيديوهات أخرى ستنزل لها قريبا الصفحات كلها أعلنت عن الأمر .
تعلم في السجن كيف يطوع نفسه ولا يظهر غضبه وحنقه بسهولة لذلك لم يرد بل تجاهله وبدأ في التدخين وتغيير الموضوع لتمر ساعة كاملة كدهر فاستأذنه أن يتصل بوالدته لأنها مريضة الأمر الذي جعل الممرض يعطيه هاتفه عن طيب خاطر
تركه الممرض كي يأخذ راحته في الحديث وقد خشى ألا تجيب والدته على رقم غريب أو تكون غيرت رقمها القديم لحسن حظه ردت هي لتتفاجأ عندما عرفت هويته وقالت:
-رقم من هذا هل هربت من السجن؟
جز على أسنانه ورد:
-أفكر في فعلها كي أقتلك و أغسل عاري  لا يهمني إن شنقوني بعدها.
شهقت و رمشت عدة مرات غير مستوعبة لكلامه ثم ردت:
-هل جننت؟
أم أنك بدأت في التعاطي مثل باقي المساجين؟
كيف تتكلم معي بهذه الطريقة ياولد
قاطعها صارخا وقد فقد القدرة على التحكم في أعصابه :
-هذه هي الطريقة التي تنفع معك بعد أن فقدت عقلك وجعلت الولد الذي تزوجته يصورك وينزل تسجيلاتك القذرة على الانترنت ، اسمعيني جيدا عليك بجعله يزيلها و إلا سوف أنفذ كلامي و أقتلكما معا.
أغلق الخط دون أن يعطيها فرصة الرد لتمر ذكرى امرأة أخرى هددها لسنوات بفضحها و أخذ مقابل سكوته لترن كلماتها في أذنه من جديد:
-سوف يرد لك ما فعلته بي.
عاد للوقت الحالي
أنهى سيجارته لينظر لباسم الذي لم ينطق بحرف فأشعل أخرى وقال بنبرة آمرة :
-أريد أن أعرف كيف ماتت بالضبط.
عدل باسم نظارته بتوتر و رد:
-ماذا تعني كيف ماتت ألم تكن حادثة ؟
مال ينفث الدخان في وجهه ورد:
-لا ليست كذلك أنا متأكد من أن لزوجها يد في الأمر خصوصا أنه قام بدفنها فورا رغم أني رغبت في التحقيق وتشريح الجثه أولا .
بدا عليه الاهتمام وقال:
-لماذا أردت التحقيق في الأمر ؟
هل كانت هناك مشاكل بينهما؟
المهم أين أبحث أولا تعرف مرت فترة على الأمر وأنا لا أعرف الرجل ربما يكون اختفى أو هرب لو كان متورطا فعلا.
-هل يخبره ؟
هل يفضح أمه بعد موتها؟
واضح أن باسم لا يعرف شيئا عن تلك الفيديوهات أو ربما يعرف ولا يريد إحراجه في الحالتين عليه معرفة الحقيقة كي لا يجن أو يقتل نفسه.



❈-❈-❈


قرر حارث الاحتفال ببدء عمل المصنع أخيرا أخذهم لأحد المطاعم التي يملكها صديقه من أبناء الجالية خصوصا أنهم لم يجتمعوا معا منذ فترة طويلة بسبب انشغال عبدالخالق و سفيان في تجهيز المصنع، رفضت مبروكة الذهاب معهم بحجة أنها لا تحب المطاعم كما أن يزيد سوف يتعبهم فأبقته معها لتبقى معها سنان أيضا
كان المطعم ذو طابع عربي بديكور تراثي يعطي انطباعا بأنهم في الوطن الأمر الذي أدخل الراحة في نفوس الجميع وغطى على التوتر الحاصل بسبب تواجد درصاف و جمان في نفس المكان معا لتناول الأكل وهو أمر لم يحدث تقريبا منذ زواج الأخيرة .
مال سفيان يهمس في أذن أفطيم:
-هل أنت بخير تبدين متعبة ؟
أغمضت عينيها وردت:
-بخير فقط أحاول أخذ موعد لمعادلة شهادتي تعرف وربما إتمام الدراسات العليا لا أعرف ماهو الأهم .
ربت على يدها قائلا:
-لقد انشغلت عنك كثيرا الفترة الماضية ولم أسأل عن جلسات الطبيبة أعتذر حبيتي أعدك بأن أعوضك عن ذلك قريبا.
نظرت له بحب واضح وردت:
-بالعكس أنا فخورة بك جدا لقد عدت للعمل من جديد الأمر فرق معك أرى نظرات السعادة في عينيك صدقني هذا أفضل تعويض بالنسبة لي أما الجلسات فهي تسير ببطء بسبب انشغالي عموما لدي جلسة الأسبوع القادم .

في الجهة المقابلة كانت جمان بقرب حارث تمسك بيده تحت الطاولة في تملك منذ أن جاءت درصاف الأمر الذي استغربه حارث هل تغار منها؟
رغم عدم منطقية الأمر له إلا أن الشعور أنعشه فهو لم يعشه سابقا
جاء النادل يدفع طاولة أمامه ثم وضع أطباق متنوعة من بلدهم أمامهم ليبدؤا في الأكل ، أبعد حارث اللحم من صحن جمان لتصدر الأخيرة صوت اعتراض فقال بصوت منخفض:
-الطبيبة حذرتك من الدهون وارتفاع الكلسترول وهذه ثاني قطعة لحم تأكلينها اليوم.
عقدت حاجبيها وردت:
-تعد علي الطعام ؟
ماذا أفعل بناتك يشتهين اللحم؟
أخذ ملعقة من الطبق الذي أمامه و وضعها في فمها قائلا:
-بناتي سيحببن المكرونة مثلي .
لاكت الطعام في فمها بغير رضا فشعر بالذنب و قال:
-هل أطلب لك سمك؟
لابد أن لديهم سمك مشوي هو صحي مارأيك ؟

من الجهة الأخرى كانت درصاف تراقب في صمت ، منذ أن طلبت منها طبيبتها معرفة سبب انسجام جمان معهم وهي تراقبهما ، لم يفت عليها أمر حملها بالطبع خصوصا مع كبر بطنها الواضح رغم محاولتها لمداراتها بلبسها الواسع ، لا تعرف إذا كان دلال حارث الواضح لها يضايقها بسبب غيرتها أم لأنها لم تحظ به ؟
لحظة من قال أنه لم يدللها ؟
هل ستكذب على نفسها أيضا ؟
لقد دللها حتى ظنت بأن لا نهاية للدلال فزادت بالتغنج ؛ ماذا عن وقت حملها لا تذكر أنه كان معها مثل جمان ؟
ربما بسبب وجود أمها معهم في المنزل ؟
أمها التي كانت تمنعه حتى من تناول وجبة عادية معها بحجة أنها متعبة ولا يجوز أن تنزل من السرير!
نعم فترة حملها كلها قضتها بعيدة عنه بحكم أمها إلا مرات قليلة جدا سرقها هو من الزمن لتعود بعدها هي لوضعها السابق
كيف تحمل جفائها لا تعرف ؟
الآن فقط بدأت ترى الصورة بنظرة أخرى نظرة المراقب من بعيد، في البداية ظنت بأنه تزوج جمان توريطة من سفيان و أيوب ثم رجحت بأنه أشفق عليها خصوصا مع حب الأخيرة له الواضح كقرص الشمس للجميع ثم مع تكرار جلسات المصارحة مع الطبيبة بدأت ترى حب حارث ودلاله الذي حرمت نفسها منه متعمدة
الأمر مؤلم جدا لن تستطيع إنكار ذلك تشعر بأن أحدهم وضع سكينا في قلبها وأخذ يحركه بقوة ليحدث فجوة في المنتصف يصعب سدها.
أخرجها عبدالخالق من غيمتها السوداء بصوته العالي وهو يقول:
-أنا سعيد بالعمل خصوصا وأنه لدينا طلبات كثيرة تكفينا شهور قادمة لكن هل هذا يعني بأننا سنستقر هنا ولن نعود للوطن؟
توقف الجميع عن الأكل و نظروا له ليقول سفيان:
-الوضع الآن غير ملائم ربما بعد فترة نذهب أنا شخصيا أريد العودة و رؤية أمي أنتظر فقط جمع معلومات أكثر عن رؤوف كي لا أصطدم بها كالعادة .
لتقول أفطيم:
-ماذا عن سنان و أشماس كلتاهما ترفضان العودة خصوصا مع تغير العلم والنشيد كيف نقنعهما هذا في حال تحسن الوضع و انتهت أزمة حارث و عمي إبراهيم ؟
لترد درصاف بحدة :
-ما لهما العلم و النشيد ؟
لقد تغير نظام كامل طبيعي أن يتغير معه العلم والنشيد لا أعرف سبب العند والتشبت بالماضي الذي تصران عليه ؟
كاد أن يرد عليها حارث لولا أن ضغطت جمان بيدها على ذراعه ليشيح بوجهه في غضب الأمر الذي لم يفت على سفيان فقال :
-الأمر ليس عناد و لا تشبث بالماضي هما ترفضا العلم والنشيد لأنه يذكرهما بالأرواح التي زهـقت والأرزاق التي انقطعت و الأموال التي نهبتو المنازل التي احترقت والحرمات التي انتهـكت بذريعة شرعية فأصبحت هذه الراية والنشيد رمزا للموت بالنسبة لهما وليس التجديد أو الثورة لا تنسي بأننا خرجنا بسبب دخول تلك الراية لمدينتنا رغم كوننا كنا محايدين طوال الوقت ولم نقم بإظهار أي تحيز لجهة معينة حسب طلب جدي رحمه الله.
لتؤكد على كلامه أفطيم :
-أشماس لازالت تخشي تكبيرات العيد لأنها تذكرها بوقت القصف عندما كانت تبدأ المآذن بالتكبير ناهيك عما يحدث لها في الشتاء مع أصوات البرق و الرعد حمدالله أن سنان و يزيد تخطيا الأمر أخيرا.
لتقول جمان:
-أي أمر الذي تخطياه زيزو حبيبي لايزال يخاف من صوت الطائرات وقصة التراب تلك ترعبه في الحضانة يوم نثر عليه طفل حفنة رمل من التي يلعبوا بها كاد أن يجن لدرجة عدت به للمنزل وهو لايزال يرتعش.
صدمت درصاف فهي لم تعرف بتلك القصة ، تكره علاقتها مع يزيد لكنها في نفس الوقت ممتنة لها ولا تريد أن تبعده عن والده بسبب غيرة غبية !
يزيد لا يشعر بغيابها كثيرا بل هو طفل سعيد قد يكون ذلك بسبب وجود الجميع حوله لن تكرر خطأ والدتها وتورثه كرهها للقبيلة ستدعه يعيش في بيئة محبة كي لايلومها بعد أن يكبر على طلاقها من والده ، هذا أهم درس تعلمته من العلاج النفسي ابنها قبل أي شيء آخر حتى نفسها!

مرة أخرى تكلم عبدالخالق لتنظر له قائلا:
-أعترف بأن الوضع تغير وكون  خاليعوض  أصبح شيخ القبيلة يجعلني أتردد كثيرا في العودة لكن إلى متى بالله عليكم ؟
لترد عليه جمان:
-اسمع أنا شخصيا ليست لدي مشكلة مع العلم أو النشيد كما تعرفون جميعا ليس لدي أهل بعد موت والداي ولا أريد التواصل مع قبيلتي لكني أتفق مع عبد الخالق في شيء لابد أن نعود يوما ما الاختلاف فقط متى؟
ليقول حارث:
-دعونا ننظم حياتنا هنا كأننا باقون للأبد كي لا نتعب تفكيرنا و عندما يتغير الوضع نعود في النهاية بلدنا ليست بعيدة وهناك أو هنا الفرق ليس كبيرا على الأقل نعيش بين عرب مسلمين وهم شعب يرحب بنا ماذا نريد أكثر .
أتفق الجميع معه فيما ركز سفيان فيما تفعله جمان ليقول بعد برهة بصدمة :
-لحظة لحظة هل تخرجين بذور البرتقال له ؟
تيبست يد جمان الممسكة بالبرتقالة ولم تجرؤ على الرد ليقول عبدالخالق:
-حارث الذي يأكل البطيخ بقشره أصبحوا يفصصون له حبوب البرتقال؟
لالالا الدنيا أتت بآخرها
بلعت جمان ريقها و قالت:
-تعودت فقط على الأمر هو لا يطلب مني ذلك أبدا .
أخد منها حارث باقي البرتقالة و رد:
-لماذا تبررين لزوج الثيران؟
ما دخلكم أصلا تفصص لي أم لا ؟
ثم من الذي يأكل البطيخ بقشره ؟
ردت أفطيم وهي تلعب حاجبها له:
-أنت طبعا أم نسيت أيام كنا نذهب للبحر معا ؟
تعرفين جمان زوجك الموقر كان يشتري أكثر من خمس بطيخات طبعا اثنتين تضيعان لأن الأساتذة يصرون على دفنها في الشاطئ بحجة أنها بذلك تصبح باردة و الأخرى في بطن حارث و باقي القبيلة تأكل اثنتين فقط.
أطلق الشباب ضحكات عالية ليقول حارث:
-لا تكذبي أبي دائما كان يحضر زيادة كذلك والدك.
ليردف سفيان:
-لا تنسوا عمتي خيرية كانت تحضر معها خبزا يكفي المدينة كلها كأننا في مجاعة وتقضي الوقت كله تطبخ لا أعرف لماذا؟
ليقول عبدالخالق :
-أمي الأفضل كانت تجبر أخواتي على تجهيز الحلويات قبلها بأسبوع لا أعرف نحن ذاهبون للبحر أم للأكل.
أسرعت أفطيم تشارك معهم في مرح افتقدته منذ زمن طويل قبل أن تتزوج أول مرة :
-لا تنسوا بسبوبه  خالتي سليمه و فطيرة سهيلة ذات المكسرات لا أحد يعرف كيف يصنعها غيرها يا إلهي لايزال طعمها في فمي.
لتقول جمان بانبهار:
-كنتم تذهبون للبحر معا؟
ردت درصاف بنوع من الاشمئزاز:
-هم أنا لم أفعلها إلا مرة واحدة عندما كنت صغيرة هم لا يذهبون للبحر بل يهاجرون عمي جبريل يأخذ سيارة نقل كبيرة ويظل يسير على طول الساحل رغم أنه يكون فارغا من الناس حتى يتأكد بأنه لايوجد مخلوق على مرمى بصره بالمنظار تخيلي ؟
رمشت بعينيها تحاول تخيل منظرهم لتقول أفطيم:
-المشكلة أننا كلنا لا نسبح معا الشباب في أقصى اليمين البنات أمام جدتي فقط الوحيدة التي تهرب لهم هي أشماس لتأخذ عقاب من عمتي بعدها.
تنهدت جمان و قالت:
-لم أحظ يوما بذكريات مثل هذه أبدا .
التفت لها حارث في استغراب و قال:
-لم تذهبي للبحر ؟
كيف مستحيل لا أصدق ؟
أسندت خدها على قبضتها وردت:
-ذهبت طبعا مع أمي وأبي لكني أقصد لم أذهب يوما مع أقاربي ليس لي ذكريات مثلكم حتى عندما كنت صغيرة .
تلفت لها بكله وضيق عينيه قائلا بنبرة خطيرة :
-ذكريات مع من بالضبط تلك التي تتحسرين على عدم وجودها جمان؟
تحب غيرته لن تنكر ذلك لكن مكانها وتوقيتها غير مناسبين أبدا ، تلقائيا رفعت عينيها تنظر لدرصاف التي كانت تحدق بهما مثل الجميع لتحاول استجماع لباقتها و ردت بهدوء :
-معك طبعا ومع باقي القبيلة أليسوا أهلي أيضا .
لم يتوقف عن نظراته لها ليقول عبدالخالق :
-بعد أن يتحسن الطقس نذهب كلنا للبحر المدينة التي بجانب حدودنا بحرها يشبه بحرنا وتكون عادت أشماس وقتها.
رغبة خبيثة كادت أن تنجح في التسلل من أعماقها لتقول لهم بأن حالة جمان لن تسمح لها بالذهاب وقتها بسبب تقدم الحمل لتنجح في قتلها، لم تكن يوما لئيمة ولا من النوع الذي يوقع بين الناس لابد أن هذه الرغبة سببها الغيرة فقط، معرفة العلة نصف العلاج
وضعت يدها على صدرها وتنهدت ثم قالت :
-هيا نذهب لقد تأخرنا كثيرا و انا اشتقت لابني.


❈-❈-❈

في الدولة الأجنبية

اليوم موعد الجلسة المشتركة المواجهة لن تكون سهلة أبدا صحيح أنها واجهت آلاف المرات لكن هذه المرة مختلفة فهي تريد جوابا واضحا وصريحا .
جلست أرضا وهو أمامها ممسكا بكلتا يديها ينظر في عينيها فتحت فمها قائلة:
-لا أستطيع أن أثق فيك مثل السابق ، أعرف كل أعذارك لكن شيء بداخلي كسر وجبره صعب جدا يحتاج لوقت طويل وربما لن تعود لما كانت عليه سابقا.
قبضة قوية اعتصرت قلبه جلعته يزفر كي يخفف من ألمها ثم تنهد ورد:
-أعرف
أنا كفيل بجعلك تثقين بي من جديد.
جاء وقت الاعتراف الأكبر والذي جاهدت كثيرا كي تقدر على النطق به، و طبيبتها ساعدتها كي تصوغه بطريقه توضح مشاعرها
أجلت حلقها و قالت ببطء:
-لا أثق في شكلي أمامك .
عقد حاجبيه في غير فهم لتتابع:
-أشعر بأني بشعة لا أريدك أن ترى ظهري المشوه أبدا ، أكاد أجزم بأنك تقارن بيني وبين بقية النساء وطبعا أنا الخاسرة ، أكره عندما تطلب مني ارتداء قمصان نوم أو أن نستحم معا اليوم الذي أفعل ذلك سيكون آخر يوم لي معك.
اتسعت عيناه في صدمة وهز رأسه عدة مرات كأنه يخرج الكلمات من أذنه
وضغط على يدها قليلا ثم رد:
-لا توجد مقارنة لأنه ببساطة لا توجد أي امرأة على سطح الأرض ترتقي لتقف معك في نفس المكانة.
ظهر عليها عدم التصديق ليقول:
-ما الذي يرضيك أن تجري عملية تجميل تخفي بها الندوب؟
اهتزت حدقة عينيها وهزت رأسها بمعني نعم أنزل رأسه في يأس لثوان ثم رفعها وقال:
-أنت لا ترين الندوب ولا تشعرين بها أنا من أفعل صحيح؟
لم تتحرك بها شعرة بل ظلت تنظر له ليكمل فتابع قائلا:
-العملية سوف تزيل تلك الندوب وربما تعيد لك ثقتك بنفسك رغم أني لا أعرف لم يهمك الأمر خصوصا أنك محجبة لكن هناك شيء آخر نسيته تماما في بحثك عن الكمال من وجهة نظرك.
ظهر عليها التفكير لعدة دقائق قبل أن تقول:
-ماذا نسيت؟
رد:
-أنا لم أكن معك عندما أصبت ، لم أحضر أي شيء عانيته حتى عندما رأيتك بعدها في الخارج ظننتها بسبب حادث سيارة عادي حتى أخبرتني أنت بالسبب الحقيقي ، الشيء الوحيد الذي يجعلني أعرف بشاعة ما قاسيته بسببي هي تلك الندوب كلما رأيتها أعرف مقدار حبك لي وتمسكك بي.
اهتزت مقليتها وظهر بها سيل من العواطف الجياشة بينما ظهرت طبقة دموع طفيفة في عينيه ليتابع:
-لو قمت بالجراحة واختفت ندوبك سوف أنسى تدريجيا تضحيتك أو على الأقل لن تكون بنفس القوة لي، مجرد ذكرى ا..
قاطعته بصوت خفيض:
-لست نذلا كي تفعل ذلك.
ضم يدها برقة ورد:
-بل أنا إنسان متأكد من أنني سوف أنسى أرجوك أشماس لا تحرمني من دليل حبك أقسم بأني أحب ندوبك و أراها علامة جمال وليس نفور أبدا .
رفعت عينيها لطبيبتها لتومئ لها فتنهدت و قالت:
-لا أعرف لم أفكر في هذا الأمر من قبل.
ليقاطعها قائلا:
-هل تسبب لك أذى جسدي؟
أعني هل تضايقك الندوب و تؤلمك جسديا؟
هزت رأسها نافية ليبتسم لها أخيرا و يقول:
-ممتاز لماذا لا نجرب حتي موعد ولادتك؟
اتركي نفسك على راحتها ولو لازلت تشعرين بالكره لها نستشير طبيب تجميل.
بلعت ريقها ثم ردت:
-حسنا سوف أعطيك هذه الفرصة رغم تأكدي من النتيجة .
هنا تدخلت الطبيبة قائلة :
-ممتاز و الآن انتهينا من المواجهة لم يبق إلا آخر جزء سوف ننتهي منه الأسبوع القادم .

وقف أيوب ثم ساعدها لتقول بحنق:
-أستطيع الوقوف وحدي كف عن معاملتي كأني مريضة.
رفع حاجبيه ورد:
-أستحق كان علي تركك تقفين على أربعة كي تعرفي قيمة مساعدتي.
لفت رأسها بالجنب ونظرت له بنصف عين قائلة :
-أقف على ماذا؟!!
فرد ذراعه و حضن كتفها لتخرج من العيادة معه بعد أن ودعت الطبيبة وقال بهمس:
-تقفين على جدار قلبي لتتحكمي في نبضاته متى أردت زادت النبضات أو نقصت بإشارة من طرف أصابعك
نظرت له بعينين متلألئتين وقالت:
-تحبني حقا أيوب؟
اقترب من أذنها وهمس:
-أحبك في هذهِ اللحظة ، و غدا و بعد أربعين عاما من الآن و في حياتنا الأخرى للأبد ، ولا يهمني مقدار المشقة والطرق الطويلة بيننا ، بل يكفيني أنك هنا بقرب ، أنك قلبي ومعي للنهاية.

نظرت لشفتيه بوله ثم أنزلت عينيها وقالت:
-لو كنا في المنزل.
كانا قد وصلا للشارع ليشير لأول سيارة أجرة ورد:
-حالا لنري ماذا سيحدث عندما نصل.




أنهت تحضير الطعام فخرجت للصالة تضع الزهور في مكانها اليوم ستحضر فتنة و زوجها بعد أن تأجلت تلك الدعوة لأكثر من شهرين، فقد قرر هادي أخذها في شهر عسل يجولان خلاله عدة دول أروبية لتبدأ بعدها فتنة العمل في تجهيز قسم الأطفال بإحدى المستشفيات وبعد تخرجها أخذت عدة أعمال أخرى منها التطوعي كمركز اللاجئين وحديقة الحي الفقير والكثير غيره، واليوم أخيرا ستقيم لهما عزيمة في منزلها وهي شبه متأكدة من أنهما زوجان متحابان ، الأمر الوحيد الذي يضايقها هو فرض إبراهيم نفسه عليها!
ليس في هذه الدعوة فقط بل في كل شيء تقريبا ، أصبح المساعد لها في التدريس في حركة غريبة جدا لا تعرف كيف قبلت بها الجامعة ؟
ليصبح حضوره لحصصها أمر مسلم به، كما أنه استأجر الشقة المقابلة لها لشهر لينتقل لشقتها بعدها بحجة انتهاء العقد و عدم حصوله على أخرى في هذا الوقت الضيق!!
رن جرس الباب فرفرت وذهبت تفتح له فقال مبتسما:
-ألن تعطيني مفتاح شقتك لقد مضى أكثر من شهر على بقائي معك؟
أخذت منه علبة الحلويات وردت:
-قلتها بنفسك شقتي كما أن بقائك مؤقت عموما لقد تحدثت مع كمال كي يجد لك شقة قريبة من الجامعة لاداعي أن تسكن هنا.
ضيق عينيه ورد:
-تحدثت مع من؟
لم تهتم بالرد عليه كما أنقذها جرس الباب لتسرع وتفتحه واستقبلت فتنة بالأحضان ليدخل هادي خلفها و يسلم على إبراهيم ثم جلسا يتبادلان الأحاديث فيما جهزت جيهان و فتنة الطعام وقد لاحظت جيهان إشراق وجه ابنه شقيقها رغم أن هادي مثل اسمه رزين ولا يظهر الكثير من مشاعره تجاه فتنة أمامها لكنها ترى الاهتمام الواضح والحرص على كل مايخصها ، تناول الجميع الطعام في جو هادئ حميمي طغى حديث إبراهيم على أغلبه لينتقلوا بعدها للصالة لتناول القهوة والحلويات هناك قال هادي:
-لدي أخبار غير مؤكدة بوصول عدد من المهاجرين غير الشرعيين من بلدنا بينهم شباب يقال بأنهم دون أوراق ثبوتية.
عدل إبراهيم جلسته ورد :
-هل تظن أن بينهم رؤوف؟
وضع هادي فنجان القهوة وقال:
-هذه ليست أول مرة يصل فيها مهاجرين بنفس الطريقة للأسف وبالطبع لم أخبر سفيان حتى أتأكد لكن مواصفات بعض الشباب تنطبق عليه عموما الأسبوع القادم أنوي السفر للمساعدة في الترجمة وغيرها لو أردت تعال معي .
انضمت لهم جيهان وفتنة لتقول الأولى :
-إذن اترك فتنة تبيت معي وقت سفرك أفضل من بقائها لوحدها.
رد وهو يعاود شراب قهوته:
-لا مانع لدي أصلا ماكنت لأتركها وحدها .
لتقول فتنة:
-كنت أظن بأني ذاهبة معك .
ابتسم لها ورد:
-لقد تعبت المرة الماضية لا أريد أن يحدث نفس الشيء لذلك أفضل أن تبقى هذه المرة .
أومأت له بابتسامة ليكملوا الجلسة بأحاديث متنوعة خفيفة عاد بعدها هادي و فتنة لمنزلهما لتقول فتنة:
-هناك شيء أريد أن أتحدث فيه معك لكني أخشى غضبك.
سحبها لتجلس على حجره ورد:
-إياك والخوف مني بل يجب أن تخبريني بكل ما يجول في بالك.
لفت ذراعيها حول رقبته و أراحت رأسها على كتفه ثم قالت:
-أريد طفل
أريد طفل منك أنت نربيه بيننا ويكون نسخة منك في كل شيء
حرك يديه على ظهرها ورد:
-ماذا لو كانت فتاة ؟
أبعدت رأسها عن كتفه لتنظر لعينيه وردت:
-أريدها مثلك أيضا إلا الطول لايجوز أن يكون كل البيت أطول مني.
ضحك بمرح لتلتمع عيناها بحب وهي تراقب تلك الملامح التي تزداد وسامة
أسند ذقنه لرأسها و قال:
-أريد أطفال بشبهوننا نحن الاثنين ليكونوا مزيجا و رابطا للأبد للأجيال القادمة ،لن أمانع لو أردت إعطائهم جنسيتك ، عليهم تعلم لهجتي و لغتي مع لهجتك أيضا سوف يسمعون أغاني بلدي و يرقصون على موسيقى بلدك ليكن لهم منزلان ووطنان سيكونون أبناء فتنة وهادي بكل ما يعني ذلك حرفيا.
كل يوم بل كل ساعة معه تؤكد لها بأنها نالت أفضل رجل في العالم الحب الذي تعيشه معه لم تحلم به في حياتها هو رفيق الروح الذي يلهمها لتصبح شخصا أفضل
ابتسمت وقالت:
غدا آخذ موعد مع الطبيبة كي أتأكد من إمكانية حملي دون مشاكل
مال يقبل جبهتها برقة ثم بدأ ينثر قبلاته على وجهها ورد:
-علينا البدء في المحاولة قبل الذهاب للطبيبة فتونة
ضحكت بدلال ليطوقها بذراعيه و يقول:
-لن أتركك إلا وأنت حامل هذه المرة بالذات



❈-❈-❈
في بلد أيوب

في الصباح الباكر جهزت جمان يزيد وأخذت حقيبتها لتذهب للحضانة معه لتفاجأ بدرصاف في الحديقة ترتدي ملابس رسمية أنيقة تلائمها جدا مع زينة وجه هادئة سوى ذلك اللون الغامق الذي طلت به شفتيها ، يزيد نفسه استغرب حضورها رغم السعادة الظاهرة عليه لرؤيتها لدرجة قال :
-أمي مانة نذهب باي .
تقبض قلبها من المعني هل ينادي جمان أمي ؟
-أما جمان فقط شحب وجهها آخر شيء تريده المواجهة معها، لا تريد مشاكل خصوصا وهي تعرف مكانة درصاف في العائلة وكيف يراعي الجميع شعورها.
أغمضت عينيها وأخذت تدعو بألا تكون درصاف فهمت ابنها حتى سمعتها تقول :
-أين حارث؟
فتحت عينيها على اتساعهما وردت:
-ماذا تريدين منه ؟
رفعت درصاف حاجبها وقد أعجبت سرا بنزعة التملك لديها لتسمع حارث من خلفها يقول:
-ماذا هناك جمان لماذا صوتك عال هيا كي نذهب لقد تأخرنا .
لترد درصاف:
-اوصلني في طريقك لقد تأخرت عن عملي.
نظر لها لثوان ثم تابع سيره ليحمل ابنه و قال:
-عبدالخالق لم يخرج بعد يمكنه إيصالك لدي مشوار مهم أو اطلبي سيارة أجرة .
ذهب للجراج لتلحق به جمان فورا هربا من أي رد فعل بينما وقفت درصاف مصدومة لمدة طويلة ثم خرجت من المنزل متجهة لطبيبتها دون موعد مسبق والتي أتت مبكرا بعد أن اتصلت بها در غاضبة .

لم تستطع الجلوس بل أخذت تدور حول المكتب وهي تقول كلام غير مترابط حتى قالت الطبيبة :
-هلا جلست كي أستطيع الرد عليك ؟
جلست مصدرة صوت ارتطام بسيط و هي تلهث غاضبة لتتركها الطبيبة لعدة ثوان ليهدأ غضبها قبل أن تقول:
-فسري سبب غضبك نقطة نقطة كي نتناقش به ولا تدخلي الأمور ببعضها.
لترد بنفس الغضب:
-ابني يناديها أمي أتصدقين ؟

لتجيبها بهدوء:
-ألم تقولي سابقا بأنها حامل؟
ربما يقصد ذلك أنها أصبحت أم ؟
أخبرتني بأنه لديه مشكلة في النطق و يصعب فهم ما يعنيه أحيانا
بدا وجه درصاف يتخلى عن تصلبه وردت ببعض اللين:
-تعنين أنه لم يستبدلني هو الآخر بها؟
لتقول الطبيبة :
-ابنك متعلق بوالده كثيرا من الطبيعي أن يتعلق بزوجته أيضا مادامت تعامله بطريقة جيدة و حسب فهمي فهو يتعامل مع قريبتك شمس على أساس أنها أمه صحيح ؟
استرخت أكثر و ردت:
-أشماس وليست شمس
ليست أمه بالضبط لكنه يحبها كثيرا أعني عند سفرها تعب كثيرا في المرتين عندما سافرت أنا غضبت لكنه لحسن الحظ لم يصب بحمى .
لتسأل الطبيبة :
-ماذا عن الباقين أريد أن أعرف علاقته بباقي عائلتك.

حركت رأسها لليمين واليسار قليلا و ردت :
-يعتبر خالتي مبروكة جدته هي تحبه كثيرا بل تدللة لدرجة الفساد ، سنان أخته أكثر منها عمته حسنا هي عقلها صغير كثيرا ما تتعامل بطفولية تصدقين تسرق منه الحلوى ؟!!!
أيوب عمه لكني أشعر بأنه أقرب لسفيان من أيوب لا أعرف كيف أشرح الوضع مجرد شعور يراودني
وطبعا أشماس أمه الروحية علاقتهما قوية جدا تعرفين بأنها قادرة على تغيير مزاجه من مكالمة عبر البحار؟
سكتت تفكر لتقول الطبيبة :
-هل تغارين من علاقتهما؟
ردت دون تفكير:
-لا أنا ممتنة لتلك الرابطة بينهما في الواقع، أعني دائما نسمع عن أطفال الطلاق و أنهم منطوون و محرمون من الحب ، يزيد على العكس تماما الجميع يحبه ويعوضه عني لدرجة أنه لا يهتم كثيرا بوجودي في المنزل أم لا.
تعجبت من نفسها وهي تقول ذلك بكل صراحة بل الأغرب بأنها لم تكن حزينة بل مرتاحة جدا.
لترد الطبيبة :
-أكبر دليل على أنك أم جيدة جدا هو جعل مصلحة ابنك أهم من أنانيتك كأم ، أهنيك در قطعت شوطا كبيرا جدا
والآن لنعد لموضوعنا منذ التغيرات التي حدثت في الوطن العربي وقد أصبح زبائني من جنسيات مختلفة لذلك بت قادرة على تقبل أشياء كانت غريبة سابقا ؛ كما قلت أبناء الطلاق في العادة لا ينمون في وسط محب لكن وجود قبيلتك و إحاطتها به جعلت ابنك من القلائل المحظوظين والآن هو ينتظر أخ أو أخت لا تستغربي لو نادى زوجة أبيه أمي بعد فترة
نظرت لها درصاف بغضب لتكمل حديثها :
-قد يفعل ذلك من باب التقليد الأخوي كما سيفعل لو أنجبت من رجل غير والده قد يناديه أبي أيضا
ابنك لايزال صغيرا طبيعي أن يقلد ثم أنت تقبلت كون شمس أمه لماذا ترفضين زوجة أبيه ؟
حضنت يديها وقالت:
-أنا لن أنجب مرة أخرى حتى لو تزوجت، أصلا فكرة الحمل لم تكن رائجة عندي فعلتها فقط من أجل حارث وندمت بعدها.
حركت الطبيبة القلم بين أصابعها وردت:
-ندمت على الحمل بصفة عامة أم الحمل من حارث؟
فكرت لثوان ثم قالت:
-لم أكن يوما من الفتيات اللواتي يحببن الأطفال أو يلعبن دور الأم في الصغر، لطالما أردت أن أكون محامية مؤثرة ، تعرفين عندما حملت رغبت بأن تكون فتاة لتكون مثلي لا صبي مثل والده!
أحب يزيد كثيرا جدا بل إني لا أستطيع وصف حبي لكني لا أريد المزيد من الأطفال لا أعتقد بأني قادرة على إعطاء الحب اللازم لطفل آخر .
قامت الطبيبة من مكانها لتمسك بيدها وقالت بامتنان حقيقي:
-شكرا
شكرا لأنك اعترفت بذلك ولم تنكري مثل الكثيرات وتصممي على الإنجاب من الآخرين فقط.
رمشت درصاف لتعود الطبيبة لمكانها ولطبيعتها وقالت:
-حسنا انتهينا من يزيد والآن ماذا عن والده ؟
لم ترد لتقول الطبيبة :
-لقد قلت بأن طليقة أبدل زوجته الجديدة بك هل أنت مقتنعة بذلك حقا؟
تجمعت الدموع في عينيها لتنزل برغم كل محاولاتها لحبسها وردت بصوت باك :
-لم يعد يراني.
لم تفهم الطبيبة لتقول:
-ماذا قلت لم أفهم ؟
خرجت عبرة عالية منها لترد ببكاء:
-لم يعد يراني مثل السابق نظراته اختلفت أصبحت باردة كانه ينظر لشخص غريب لا يمت له بصلة.
شهقت وأخذت منديل من العلبة التي فوق الطاولة تمسح به دموعها ثم تابعت:
-في البداية ظننت أنه يتعمد ذلك كي يؤدبني أو يجعلني أندم فقط لكن اليوم تأكدت بأنه تخطاني فعلا.
مدت لها كوب ماء تشرب منه و قالت:
-ماذا حدث اليوم جعلك بهذه الحالة ؟
ارتشفت القليل من الماء و ردت:
-لقد سألتني إذا كنت أحببته من قبل و أجبتك بأنني أحببت حبه لي فقط؛ اليوم تعمدت أن أضع أحمر شفاه لطالما كره أن أضعه خارج غرفة النوم بل إنه قام مرة بمنعى من الذهاب لمناسبة لأني عاندته و وضعته ضد رغبته .
لم تتوقف شهقاتها لتشرب المزيد من الماء و مسحت فمها لتقول الطبيبة :
-دعيني أخمن لم يعلق على وضعك له صحيح ؟
هزت رأسها بالنفي و ردت:
-لم يراني صدقيني عينيه لم تلاحظ أني أضع الحمرة أصلا ، رغم أنه التفت لي لكنه عاد وأكمل طريقة بل إنه طلب مني الذهاب مع عبدالخالق.
لتقول الطبيبة :
-هل هذا أمر سيء؟
أعني ذهابك مع عبدالخالق؟
نزلت دموعها أكثر وردت:
-لو كانت سنان لما تركها تذهب معه بهذه الزينة ؟
هذا دليل بأنه لا يهتم لقد قال اطلبي سيارة أجرة تخيلي!
لترد عليها :
-هل هذا أمر سيء جدا؟
رفعت رأسها تنظر لها غير قادرة على الرد، كيف تخبرها بأنه كان ينتظرها كل يوم وقت دراستها في الخارج كي لا تعود وحدها رغم أنها كانت تتشاجر معه وتنعته بالمتخلف و الرجعي؟
كيف تشرح بأنها أصبحت تشتاق لما كانت تعتبره حصارا سابقا ؟
النظرات التي بينه وبين جمان لا تذكر بأنهما تبادلاها سابقا، وللأسف هي السبب !
نعم هي من كانت ترفض أي اجتماع للعائلة حتى لو كان مع أشماس و أيوب فقط !
تصر على الفصل بحجة أن الآخرين لم يكونوا مرتبطين وهي في الحقيقة تريد فرض كلمتها عليه فقط
تلك العلاقة التي باتت تجمع جمان بالجميع هي من كانت ترفضها وتبعد عنها حتى سنان لا تذكر بأنها باتت في منزلها يوم بعد زواجها من حارث!
الكثير والكثير من الأشياء التي كانت تنظر لها على أنها العادات من المتخلفة أصبحت تتوق لها بل تتحسر على أنها ذهبت لغيرها
لكن مهلا أليست هي من رفست النعمة بقدمها؟
ألم ترفض كل شيء قدمه لها واعتبرته أمر مبتذل؟
ما الذي حدث لها الآن أم هي غيرة لأنه وجد حب مع غيرها؟
انهالت دموعها كسيل جارف لتقول :
-لقد أحببته وهو توقف عن حبي بل بات يحب غيري.
ظهر الرضا على عيني الطبيبه و تركتها تفرغ مافي جعبتها لمدة ليست قصيرة وعندها هدأت درصاف قالت لها:
-الآن اعترفت بمشاعرك وهذه خطوة كبيرة جدا أنت تسيرين في الطريق الصحيح أنا فخورة بك جدا.
لترد درصاف بحزن:
-لكني أحبه ماذا علي أن أفعل الآن ؟
ابتسمت لها وردت:
-درصاف لا تجري وراء رجل لا يحبها أبدا ،سوف تتعبين قليلا ربما تبكين كثيرا لكنك في النهاية تعرفين بأنه لم يعد لك لذلك تخطيه لن يأخذ وقتا طويلا
المهم أن تستفيدي من تجربتك في المستقبل .
بلعت غصتها وقالت:
-كيف سأتعامل معه بعد الآن.
كتبت بعض الملاحظات وردت:
-مثل السابق، در لازلت صغيره اهتمي بابنك واستفيدي من هذه التجربة ، خذي هذه نقاط أخرى عليك معرفتها في نفسك و الإجابة عليها.
أخذت الورقة تقرأ منها لتجد بها أسئلة بدت لها ساذجة:
-متي بدأت تشعرين بالحب؟
كم مرة شعرت بالحب من الطرف الآخر ؟
هل لديها أصدقاء من الجنس الآخر ؟
ماهو طموحها في الحياة ؟
لو لها حرية الاختيار لتعيش حياة شخص آخر من يكون ولماذا؟
وضعتها في حقيبتها و خرجت من العيادة بعد أن عدلت زينتها لتذهب لعملها ربما تأخرت قليلا لكنها ستذهب على أي حال سفيان لن يذهب للمصنع بحجة أنه متعب و هي لن تكون عزول بينهما ، ربما عليها العودة لمنزل مبروكة؟
لا ليس الآن هذه خطوة خطيرة جدا لكن عليها التفكير في حل لموضوع الإقامة فالوضع لا يعجبها أبدا

❈-❈-❈

في الدولة الأجنبية

رغم مرور أربعه أشهر إلا أن الغثيان لم يتوقف بعد ، غسل لها وجهها وساعدها لتعود للسرير فاستلقت بتعب ونظرت له قائلة في حنق:
-أنا من أحمل و أتعذب من الوحام ثم يأخذ الطفل شكلك و جنسيك هذا ليس عدلا أبدا !
دثرها بالغطاء يكتم ابتسامته فهي لا تكف عن نفس الشكوى كلما أتتها موجة قيء ؛ ضغطت على أنفه بإصبعها و قالت :
-تعرف لو اتضح أنها فتاة بأنفك المفلطح هذا لن أسامحك أبدا .
نظر للمرآة خلفه من فوق كتفه ثم عاد ينظر لها ورد:
-أنفي ليس مفلطحا ثم دعينا لا نتحدث عن الأنوف الآن بالذات.
ضيقت عينيها و عدلت نفسها لتكون نصف جالسة و ترد :
-ماذا تعني بكلامك هذا؟
مابه أنفي ؟
ألا يعجبك الآن ؟
نسيت أيام التغزل به أليس هو من يضئ ظلمة حياتك؟
جلس على حافة السرير و قال:
-أنفك يضئ حياتي أنا ؟
لماذا به خلايا نيون ؟
ضربت على صدرها مصدومة وردت:
-أنفي خلايا نيون؟
هذه آخرتها تستهزئ بي و بأنفي ؟
تغضنت ملامحها لتنزل حافتي شفتيها للأسفل و بدأت في البكاء بطريقة مضحكة جعلته يعض على خده من الداخل بقوة و يحضنها كي لا ترى ملامح وجهه فتزداد غضبا ليتنحنح ورد:
-بل أنا ذو الأنف البشع لا يوجد في جمالك أبدا قبل الحمل و بعده لا تحزني حبيبتي.
ردت بين دموعها:
-تضحك علي أعرف ذلك، أنفي أصبح كبيرا جدا بل إن أصابعي أيضا انتفخت لتصبح مثل أصابع الخرتيت.
أبعدها عنه قليلا ليمسك بيدها يقبل أصابعها كل إصبع على حدة وهو يقول :
-لايوجد بجمال و لا رقة و حلاوة هذه الأصابع ثم أن الخرتيت لايملك أصابع .
وضعت يدها الحرة على صدره وقد بدأت ابتسامتها في الظهور و ردت:
-أعرف ذلك أنا فقط أردت سماعها منك.
تعرفين بأن الخرتيت لايملك أصابع ؟
عادت تعقد حاجبيها وقالت:
-أيوب!!
ضحك وقفز ليجلس بقربها من الجهة الداخلية وضمها له قائلا:
-لقد بدأت في إجراءات المصنع المكان الذي وجده حارث ممتاز وسعره مناسب جدا، بما أن المفاوضات التي بدأت من جديد مع الشركة هنا أتت بثمارها الرقم الذي عرضوه لشراء سهم الماركة للأبد ممتاز جدا يكفي لبدء مصنع أعتقد بأننا لن نحتاج لرهن الفيلا .
ردت وهي تضع يدها على بطنها:
-حمدالله لا نريد أن نبدأ حياتنا بالدين خصوصا الآن .
قبل خدها و قال:
-لقد قررت أن أسمى المصنع كنز.
تكومت دموع السعادة في عينيها و التفتت له بكلها تحضن وجهه بكفيها وهي تقول:
-لا أصدق أنك فعلتها أردت أن أطلبها منك لكني كنت أتراجع في كل مرة كي لا أضغط عليك.
ما زالت في كل مرة تحادثه فيها يعشقها من جديد
كلما رأي سعادتها معه يتورد قلبه و يشعر بأن الله يرضى عنه لأنه سبب سعادتها
همست في أذنه:
ـأحبك
فقال منتشياً:
ـ أعيديها في أذني الثانية كي أستعيد توازني

لتميل على أذنه الأخرى وتقول:
-أنت طماع تعرف ذلك.
وضع يديه على خصرها وحملها لتجلس فوقه قائلا:
-جدا جدا و أنوي استغلال هذه اللحظة أسوأ استغلال


❈-❈-❈

في بلد أيوب

عاد باسم لزيارة نادر بعد أسبوع تقريبا ماعلمه عن موت صافيناز يقشعر له الأبدان ، فقد أصيبت في حريق بمنزلها رجح بأن سببه الشموع العطرية التي تستعملها بكثرة لتقضي ثلاثة أيام في المستشفى تتعذب ماتت بعدها وقد أخبرته إحدى الممرضات بعد أن دفع لها بأن صافيناز أخبرتها قبل أن تموت عن شجار حدث بينها وبين زوجها ليضربها زوجها على رأسها أغمي عليها لتستيقظ والنار تأكل جسدها.
مسح وجهه ثم تنهد ليجلس نادر أمامه فمرت دقائق دون أن يتحدث أحدهما حتى قال نادر:
-يبدو أنك وجدت ما كنت واثق به هو قتلها فعلا ؟
عاد باسم بظهره للخلق و رد:
-لماذا تهتم ؟
كلانا يعرف بأنك لن تلوث يدك أبدا حتى لو كان الثمن حياة والدتك.
ظهرت بعض الدهشة على نادر وسرعان ماتلاشت وهو يسحب علبة السجائر التي أمام باسم ويبدأ في التدخين ثم رد:
-ماذا تعني دكتور باسم؟
لقد بعثتك في مهمة محدد وأريد الرد.
بشجاعة لايعرف من أين أتى بها رد:
-طوال معرفتي بك لم تلوث يدك أبدا بل تترك العمل القذر لغيرك، في الواقع أنت حتى لا تهتم بمساعدة أحد عندما يحتاج لك، تذكر فتنة ؟
تركتها حامل بعد أن أخذت مالها وجعلت والدتك تستغلها أسوأ استغلال غير مهتم بصورها رغم أنها كانت عرضك!
تجعد جبينه و رد بسخرية :
-السيد المحترم يتحدث!!!
أنت أكبر نذل لا تنسى بأنك سبب موت أبي .
مال للأمام ورد بحدة :
-لو كنت تعرف منذ البداية لماذا لم تواجهني ؟
لماذا تركني أكمل طريقي و أفعل ما فعلته ؟
على الأقل أنا لم أدعي يوما بأني كامل بل أعرف ذنوبي وأحاول التكفير عنها ماذا عنك أنت دكتور نادر؟
أغمض نادر عينيه وقد ظهر عليه الألم ليشعر باسم بتأنيب الضمير فقال:
-لا تلتفت للماضي من يعرف قد تخرج قبل المدة المحددة أعرف بأنك لن تمارس الطب لكن يمكنك أن تجد شيئا آخر ، اعتبر ماحدث تكفير عن الماضي و انس كل شىء.
لبس قناع الجمود ورد:
-أنسى دم أمي؟
كيف يعقل؟
ذلك الواطي زوجها فضحها و قتلها أنا متأكد من ذلك .
ببرود رد عليه:
-وانت ساهمت في فضح فتنة بل تسببت في موت والدها و موت ابنك وعدت تحاول ابتزازها مرة أخرى هذا غير عن البلوى الأخرى التي يعرفها كلانا؛ نادر اعتبر السجن فترة مراجعة للنفس أما أنا فلن أساعدك أبدا .
ضرب نادر الطاولة التي أمامه بقبضة يديه وقال:
-ستفعل رغما عنك أعرف مافعلته بأختي ياقذر.
تحفز الحراس ليرفع باسم يده بمعني كل شيء بخير ثم استقام وقال:
-كما قلت كان يمكنك التواصل مع أختك إذا أردت و إخبارها وقتها لماذا لم تفعل سابقا ؟
الوداع نادر.
ذهب وتركه يشاهد تطاير دخان سيجارته مثل سنوات عمره التي أهدرها هباء.

❈-❈-❈


لم تتوقف تلك الأحلام أوالكوابيس كما تطلق عليها تفاحة منذ شهور رغم كل مافعلته، أخرجت زكاة أكثر من مرة
حاولت تغيير مكان نومها عله هو السبب
وضعت مصحف أسفل مخدتها
بل وصل بها الحد أن تنام بالنهار وتسهر طول الليل كي تقول أحلام ظهيرة لا معني لها!
دخلت تفاحة عليها تحمل قاروة ماء كبيرة وضعتها أمامها وقالت:
-هذه من ماء زمزم وصلتني اليوم لقد أوصيت عليه مخصوص لك اشربي منه بنية تخليصك من همومك وتوضئي وصلي ركعتين لله.
غطت مبروكة عينيها بيدها وبدأت في البكاء لتجلس تفاحة بقربها وتقول بغضب:
-استغفر الله ماذا هناك يا امرأة من يراك يظن بأن الحرب قامت من جديد؟
أولادك بقربك بصحة جيدة وأمان ماذا تريدين أكثر .
مسحت أنفها و ردت:
-قبل الحرب كانت تأتيني أحلام مشابهة ظننت أن سببها حرقة قلبي على أفطيم و عبدالخالق و كتمت الأمر داخلي كي لا أضايق أحد فكانت النتيجة موت أكثر من نصف أهلي بمن فيهم بناتي و زوجي و أحفادي لم تعد لي قدرة على مفارقة أحد آخر حتى لو كان الكلب الذي يصر عبدالخالق على وضعه في الحديقة والله لقد ألفه قلبي
رفعت يديها للسماء ورددت :
-خذ أمانتك ياربي قبل أن توجع قلبي في أحد آخر فأنا أضعف من أن أصبر على فراق أي من أحبتي بعد الآن .
زاد نحيبها لتضمها تفاحة وتبدأ في البكاء معها فتدخلت سنان التي نادت جمان من فيلا حارث و أبعدت مبروكة عن تفاحة قائلة :
-أعرف سبب حزنك لأن هذه الشريرة اختارت اسم أمها وليس اسمك صح؟
شهقت جمان و ردت في حرج:
-لم أقصد تجاهلك عمتي أبدا أنا فقط اقترحت اسم أمي.
مطت سنان شفتيها بصوت عال و ردت:
-تذكرت اسم أمك فقط صح؟
كي تعرفي أمي التي تدافعين عنها.
أبعدتها جمان لتجلس بقرب مبروكة وتقبل رأسها قائلة :
-إلا زعل الغالية لن يسمي بناتي غيرك.
شهقت هالة قائلة:
-بناتك!!!
حامل في توأم ؟
فردت سنان يدها في وجه هالة وردت:
-خمس بنات نفكر في تسمية واحدة منهن هالة تعرفين كم أنت غالية عندنا .
في نفس الوقت وضعت جمان يدها على بطنها تقرأ المعوذتين سرا فيما التفتت تفاحة لكنتها وقالت:
-ألن ننتهي من هذه القصة ؟
توقفي عن هذا الأسلوب وإلا أقسم بالله العظيم سأجعل ابني يتزوج عليك حقا ويريك الزوجة الثانية.
تدخلت مبروكة لتهدأ الوضع بعد أن شحب وجه هالة جدا و بدا أنها سوف تبدأ في البكاء قائلة :
-لماذا كل هذا الفتاة سألت سؤال عادي؟
نعم ياحبيتي جمان والحمد الله حامل في توأم بنات العاقبة لك قريبا نريد فتاة جميلة مثلك.
استقامت جمان وخرجت دون أن تلاحظها مبروكة عندما التفتت تفاحة للآخرين وقالت بحنق:
-لقد زودتها كثيرا، رغم حديثي معها لكنها مصرة على تفكيرها ، حسنا فهمنا تخشى على زوجها لكن ما دخل جمان كي تسمم بدنها كلما رأتها ؟
هي لا تحترم حتى وجودي تعرفين أن جمان أصلا وصية الشيخ مفتاح شيخ المسجد الذي ساعدها على الخروج من البلاد وكانت دائما تأتي لي كي تفضفض معي لكن منذ أن بدأت هالة في مضايقتها بل طردتها بطريقة غير مباشرة لم تخطو منزلي أنا حتى لم أعرف بحملها إلا منك.
ربتت مبروكة على كتفها و قالت:
-اهدئي ياحبيبتي لن تفيدك إلا صحتك، أما جمان لا تحملي همها هي فقط مشغولة مع زوجها و العمل ، قولي شيء ياجمان
ردت سنان:
-خرجت منذ أن بدأت قوات حلف الناتو في ضرب صواريخ ناسفة على هالة.
اتسعت عينا مبروكة فيما وضعت سنان إصبعها على فمها ثم تابعت:
-بصراحة تستحق، اعذريني هالة تعاطفت معك لثوان فقط.
تقبضت هالة وحاولت مجاراتها كي لا يسوء الوضع أكثر قائلة :
-شكرا لكرمك وأنت مع أي حِلف ؟
حركت مقلتيها في نصف دائرة وردت:
-حسب المصلحة ، لكن المهم أن لا تقربي شيء يخص حارث أخي .
ابتسمت تفاحة وردت:
-تعالي بقربي أنت من كانت تصلح لتكون كنتي ليست هذه.
رمشت سنان بعينها وبطريقة مسرحية وردت:
-للأسف محجوزة وإلا كنت لبيت طلبك.
ختمت كلامها بإخراج لسانها لهالة لتقول مبروكة بلوم:
-جعلتي الوساس يركبها حتى باتت تكره جمان وتعتبرها ضرة لها شخصيا !
مدت رأسها لتنطر لهالة و تابعت:
-لا تسمعي لهذا الكلام والله إنها تحبك جدا وتشكر فيك طول الوقت ثم من التي تخرب بيت ابنها بيدها بالله عليك.
تندت عينا هاله ولم ترد لتدخل جمان مع الخادمة الجديدة لتقدم لهم العصير فقالت تفاحة :
-من أين احضرتها أبحث عن واحدة لم أجد بعد؟
ردت مبروكة :
-لا أنصح بها فأنا وهي لا نتفاهم أبدا تتحدث لغة غريبة أصبحت أتكلم بالإشارة على آخر الزمن.
لترد عليها:
-أفضل من التي عندي أنا من أخدمها ولا أجرؤ على تغيرها لقلة العمالة
لوت مبروكة فمها و نظرت للفتيات قائلة :
-لو بناتي فالحات لم أحتج لأحد.
لترد تفاحة :
-صدقت ياحبيبتي كنت أحمل بيتي وبيت عمتي رحمها الله وحدي حتى بعد أن أنجبت هي تطبخ فقط لأني لم أكن أجيد طبخكم وعندما تعلمت أصبحت كل يوم أنا ويوم هي.

أشارت سنان لهالة كي تقترب منها وعندما فعلت مالت لتقول لها و لجمان التي تجلس بقربها:
-الخالة تفاحة فول اوبشن انتظرن خمس دقائق وستقول أنها ترعي الغنم وتغزل أيضا .
كتمت هالة ضحكتها بينما اهتزت بطن جمان بطريقة واضحة لتعقد مبروكة حاجبيها وتقول:
-اضحكينا معك
نظرت لها هالة وسنان لينفجرن في ضحك عال غير قادرات على التفسير

❈-❈-❈
في الدولة الأجنبية

كثيرا ما نخفي أوجاعنا و خيبات أملنا في صندوق حديدي نغلقه جيدا ونكسر المفتاح لنضع الصندوق في مكان بعيد حتى ننساه وننسى ما به
لكن
هل حقا ننسى ؟
أم أننا نتناسى لتعود لنا الذكريات مع أبسط هبة ريح؟
نعيد نفس الأخطاء ونتألم من نفس الوجع رغم مضي أعوام ؟
هل التأم الجرح أم لايزال ينزف؟
اليوم عليها مواجهة ما تجاهلته لسنوات وكان له أثر عميق في حياتها.

حرصت الطبيبة أن تكون العيادة فارغة في هذه الجلسة بالذات، لم تكن أشماس المريضة الأولى التي تمر بهذه الجلسة لذلك تعودت على الانفعالات التي قد تحدث لها و حاولت تهيئة أيوب لذلك
حافية القدمين وضعت أشماس كل قدم على لوح خشبي مثبت به مسامير اخذت نفس عميق كي تتعود عليها ليعود لها فورا مشهد غرق في الأرشيف أو هكذا ظنت يوما.
الأمهات تغفر كل شيء لأبنائهن ..... إلا أمها
تعاطفها مع والدتها عندما عرفت بزواج والدها عليها من جيهان
شعورها بالذنب لمحاولتها الكاذب بالانتحار وأخيرا ذهابها بنفسها لذلك المنزل ودخولها معها بأمان وثقة مطلقتين لم يكونا يغادرانها قبل ذلك اليوم أبدا !
سوف أصحح الوضع؟!!!
جملة لم تفهم معناها وقتها
دخان كثيف أغمى عينيها وجعلها تكره النار و كثرة البخور حتى فترة قريبة
و هو
عياد
الشيطان بذاته متجسد أمامها لا لن تظلم الشيطان وتشبهه به فهو لم يعصي الله إلا يوما أما عياد لم يفعل غير عصيانه بكل الطرق
صراعها معه ومع ذلك المشعوذ مع صراخها باسم أمها لتنقذها دون جدوى
الضرب لا بل الانتهاك الذي شعرت به تعليقها شبه عارية أمامه غير قادرة على فعل شيء سوى نظراتها التي لم تنكسر أبدا بل ظلت تحتقره حتى وهي تكاد تفقد وعيها ثم
النهاية
ربما كانت تتوقعها وربما ظنت للحظة بأن والدتها قد تنقذها
وقد خاب ظنها !
بدأت لسعات نار سرعات ماتحولت للهيب أحرق ظهرها وشعرها وانحرق معهما جزء كبير منها لن يعود أبدا .

لتبدأ ذكريات أخرى لاتقل عنها ألما ولا سوادا
لم يتوقف الألم كي يبدأ من جديد فقد انتقلت من ذلك الحرق لموت جدها
حاميها وسندها الأوحد
يومها ويومها فقط شعرت بأنها يتيمة
بدلا من أن تبكيه كما يجب غطت عليهم أصوات الطائرات والقصف و الأسوأ وجود أمها في نفس المنزل!
اليوم الأخير
لا ليس صوت يزيد هو الوحيد الذي تذكره بل صوت سالم يصرخ:
-تشهدوا تشهدوا
رؤوف :
-خذوا ساتر احتموا وخذوا ساتر
جبريل:
-لا لم تسمع صوته يومها ؟
يل سمعته قبل الغارة بساعات عندما جاء لغرفتها بعد صلاة الفجر انتظرها تنهي قرائتها للمصحف وقال:
-أعرف بأنك غاضبة مني لكنها أمي لن أتركها تموت وحدها.
لم ترد عليه فتابع:
-جبر الله قلبك.
وخرج هذا أسلوبه لا يعرف الاعتذار لكن تلك الدعوة بمئة اعتذار تعرف جيدا بأنه يعنيها بل إنه يكاد يكون نادم على إحضار أمها للمنزل معهم لكنه حقا لا يقدر على تركها وحدها، المشكلة أنها تلومه وتعذره في نفس الوقت
لم تر فتحية ولا ميار ولا حتى الباقين
تذكر الثقل الذي كاد يكسر ظهرها
وصوت صرخات يزيد المرتعبة ،
التراب الذي غطاهم
وجوه كثيرة تحفر بحثا عن ناجين
رائحة الموت في كل مكان
مستشفى مملوء بالجرحى
ثم رحلة هروب لم تنتهي بعد
تذكر كل ذلك وهي تقف على الأطراف الحادة للمسامير لتبدأ في الصراخ والبكاء بأعلى صوتها كما تمنت أن تفعل منذ ذلك اليوم وبعدها وبعدها وبعدها حتى أصبحت الأمنية مستحيلة إلى الآن
كانت الطبيبة تقف بقربها لسندها عندما تميل للأمام كي لاتقع
أما أيوب فيجلس بعيدا في ركن الغرفة كما طلبت منه الطبيبة متقبض غير قادر على مساعدتها ولو بحضن !
بعد أكثر من ساعة توقفت عن البكاء لتنزل بعدها من المسامير فأسرع أيوب يساعدها على الجلوس أرضا و يبدأ بتدليك باطن قدميها برقة فاعطته الطبيبة مرهم خاص ليخفف من ألمها ، للعجب لم تكن هناك أي دماء مجرد علامات تركتها المسامير؟
فكر بأن تلك المسامير ربما تكون من البلاستيك وليست حقيقية وجودها يعطي انطباع لما عاناه المريض دون أذيته جسديا بالفعل، لا يهم السبب ما يهمه بأنها أفضل الآن .
مسح دموعها بيده و قال هامسا:
-أفضل الآن حبيبتي؟
أغمضت عينيها دون رد لتقول الطبيبة :
-لا تجبرها على الكلام دعها تنام بالقدر الذي تريده وعندما تشعر بالرغبة في الكلام هي من ستتحدث المهم ألا تضغط عليها أبدا وتبقى بقربها.
أومأ وهو يفكر بأن الصعب مر عليه تحمل بعض الأيام فقط

❈-❈-❈

استغلت فتنة سفر هادي لتذهب مع عمتها للطبيبة النسائية التي اخبرتها بأنها يمكنها الحمل بدون مشاكل أعطتها بعض الفيتامينات
جلستا في مطعم من اختيار جيهان التي لاحظت كثرة اتصالات ابنة شقيقها بزوجها لتخبره عن كل تحركاتها لتقول:
-سوف نطلب سلطة وشوربة و شريحة لحم اخبري زوجك هيا قبل أن يحضرها النادل.
رفعت فتنة رأسها من قائمة الطعام بحدة ونظرت لها لثوان ثم ردت:
-هادي لا يتحكم بي أنا من أخبره بتحركاتي عن طيب خاطر.
لترد عليها بنفس النبرة :
-ولماذا تتطوعين؟
أغلقت القائمة وردت:
-لانه أخبرني بنفسه بأنه لم يسامحني كليا بعد وثقته بي ليست كاملة لذلك علي أن أكسبها وهذه الطريقة الوحيدة أمامي.
لتقول جيهان بنبرة أقل حدة :
-إذا اعتاد على ذلك ونسيت في مرة إبلاغه سوف تقوم قيامتك بعدها، احذري ماتفعلينه أعرف جيدا بأنك تحبينه و تريدين رضاه لكن طريقتك خطأً ،كسب ثقته ليس عن طريق جعله سجانك بل عن طريق وضعه نصب عينيك في كل تصرف تتصرفينه سواء يعلم عنه أم لا.

ظهرت الحيرة على فتنة وهي تستمع لعمتها، من ناحية تعلم بأنها محقة فهي تخنق هادي بتلك التفاصيل التي أخبرها مرارا بأنه لا يريد سماعها لكنها تريد ثقته بأي طريقة كانت.
حضر الطعام لتقول جيهان:
-عليك أن تجدي طريقة أخرى تثبتي بها حبك له و تكسبي ثقته لأن هذه الطريقة فاشلة جدا وقد تخسرك زوجك .
مررت عينيها على الطعام بغير شهية وردت:
-ماذا عن زوجك؟
هل عدتما لبعضكما بما أنه انتقل لشقتك الآن ؟
توقفت يديها عن تقطيع الطعام لثوان ثم عادت لعملها مدعية اللامبالاة وقالت:
-الأمر أنها اضطر لترك شقته ولم يجد أخرى بسبب ضيق الوقت لذلك انتقل للعيش معي كرفيق سكن فقط لا غير.
ردت بنغمة :
-رفيق سكن!!
أعرفك جيدا عمتي أنت لن تتوبي عن حبه أبدا و إلا كنت رفعت قضية خلع لكنك تنتظرين منه أن يعتذر ويطلب عودتك، تعرفين ماذا بدون اعتذر سوف تعودين له متأكدة من ذلك.
ارتعشت أصابعها فأوقعت الشوكة ليسرع النادل يبدلها لها فقالت:
-هل تلمحين بأني عديمة الكرامة ؟
شعرت فتنة بأنها تمادت فيما قالت صحيح بأنها تعني كل حرف لكن في النهاية لا يجوز بأن تتجاوز الحد مع عمتها وتجرحها لهذه الدرجة
لتتابع جيهان بصوت متحشرج :
-أعترف بأني لازلت أحبه بل حبه لم يقل قيد أنملة من قلبي برغم الحقائق التي ظهرت أمامي وأثبتت لي بأنه لم يحارب من أجلي أبدا واعتبر حبي له أمر مسلم به.
عصرات قوية أصابت قلبها كادت توقف نبضها لدرجة أنها وضعت يدها على صدرها تدلك عضلة القلب قبل أن تتنهد و أكملت :
-نعم لن أقاومه أكثر و نعم أعرف أن ذلك يقلل من كرامتي أمامك أنا فقط انتظر محاولة جادة منه فلم يعد في العمر الكثير كي أعيش وحدي أتحسر عليه.
لم تكن جملة عابرة بل حقيقة مؤكدة هذا ماشعرت به فتنة لدرجه أنها أسرعت وحضنتها قائلة :
-أطال الله في عمرك عمتي من الذي سيقيم لي حفل ولادة ؟
أعتمد عليك أنت أمي الروحية تعرفين ذلك صح؟
ظهرت دموعها ولم تخفيها لترد بسعادة :
-طبعا سنقيم حفلتين واحدة بطريقتنا والأخرى بطريقة أهل زوجك.
ثم عقدت حاجبيها مفكرة :
-هل لديهم طقوس معينة أم مثل أهل إبراهيم؟
عادت بكرسيها وردت:
-شقيقه سوف يصل الأسبوع المقبل مع زوجته سوف أعرف منها ، علي تجهيز الكثير من الأشياء وشراء هديا لأطفالهم يا إلهي أشعر بالرعب للقائهم.
ربتت على يدها وقالت:
-لا تقلقي كل شيء سيكون بخير أنا متأكدة من ذلك وحضورهم دليل على تقبلك يجب أن تأخذي ذلك في عين الاعتبار، أهل إبراهيم لم يزورني أبدا حتى عندما أتوا هنا أو في بلدي كأنهم يؤكدون لي بأني غير مقبولة عندهم.
أمر آخر لم تلاحظه فتنة سابقا، يا إلهي كم عانت عمتها والكل يظنها الرابحة الكبرى !

❈-❈-❈

في بلد أيوب

بحثت في كل مكان دون جدوي لدرجة أنها قلبت مخدات الاريكة فدخلت لغرفة أفطيم لتجدها تضع الملح الحجري في الماء ثم تأكدت من درجة الحرارة لتقول بصدمة :
-ماهذا؟
لا تقولين بأنك تجهزين ماء وملح لسفيان؟!!!
ردت بسعادة :
-جعلت نهى تطلبها مخصوص كي آخذ منها لسفيان انظري كيف تعمل.
أوصلت السلك بقابس الكهرباء لتصدر صوت فجذبت أفطيم درصاف لترى ماتتكلم عنه وقالت بحماس منقطع النظير:
-هذه الحبيبات المثبتة في القاع تعمل على إرخاء باطن القدم كي لا يشعر بألم و الموجات التي تطلقها تحفز جزيئات ال..
قاطعتها درصاف:
-توقفي عن حصة الكيمياء و أجيبيني هذا ماء وملح لقدم سفيان صح؟
أوقفت الجهاز عن العمل وردت :
-نعم له وليس كما وصفتها لن أجلس أمامه و أفرك قدميه كما تلمحين!
زفرت وقالت:
-لا ألمح لشيء كفي عن إظهاري شريرة القصة سؤالي واضح لو رأيته عند أشماس كنت استنكرت بنفس الطريقة لعلمك.
جلست تضع ساق فوق الأخرى وردت:
-ربما أنا أيضا كنت لأستنكر لكن حالة سفيان خاصة جدا.
كتفت ذراعيها وقالت بسخرية :
-ما المميز في حالته ؟
غير أنك تحبيه طبعا أعرف أعرف الحب يصنع المعجزات عموما لا تقلقي أنا فقط أريد جهاز التحكم لم أجده في الصالة.
تنهدت أفطيم و ردت:
-سفيان تعرض للضرب الشديد ( الفلقة) وقد كسرت مشط قدمه وجبرت بطريقة خطأ بسبب انعدام العلاج لذلك بات يتألم كثيرا من الوقوف وتوقف عن ركوب الخيل، حارث ساعده قليلا بأن أخذه لطبيب جيد وعبدالخالق يجبره على العلاج الطبيعي لكن مع العمل في المصنع عادت له آلامه من جديد وهذه الطريقة جيدة في التخفيف منها.
شعرت بأن الأرض تدور بها، كيف لم تعلم بأمر شقيقها ؟
لا يمكن أن يفوتها شيء كهذا سفيان بالذات مقرب لها جدا منذ أن كانوا أطفال !
-كيف كيف
قالت بصوت عال لترد أفطيم وقد شعرت بالخوف عليها:
-لقد خشي من إخبارك أنا نفسي لم أعرف إلا عندما لاحظت أنه لا يستطيع الوقوف بطريقة طبيعية عندما يستيقظ صباحا.
استقامت واقتربت منها تتابع:
-در لا تخبريه بأنك عرفت مني فهو أوصاني بألا أخبرك تعرفين كم يحبك ولايريد إحزانك.
تعلم بأنها تكذب، هي فقط لاتريدها أن تشعر بأنها مقصرة في حق شقيقها؛
لحظة أليس هذا ما كانت الطبيبة تتكلم عنه؟
الجميع يحتويها و يحاول التخفيف عنها!
الجميع يخفف حزنها!
لا أحد يلومها بل يلتفون على الموضوع كي تظهر بأنها ضحية لا مذنبة !!
الجميع يحبها مهما اختلفت درجات ذلك الحب و يظهرون ذلك بكل الصور!
يا إلهي كيف لم تلاحظ ذلك أبدا ؟
هذا ما رأته جمان؟!!
لذلك تمسكت بهم؟
الطبيبة أيضا لاحظت ذلك رغم أنها سمعت منها هي فقط .
هل وصل تأثير حقد أمها لها بأن تعمي عن كل تلك المميزات؟

هزتها أفطيم عندما طال صمتها لتشعر بأنها غارقة في بئر غويط لتأخذ نفسا قويا وتبلل شفتيها الجافتين بلسانها ثم قالت:
-أين جهاز التحكم؟
خرجت أفطيم للصالة تتبعه درصاف لتعطيها الجهاز الذي كان فوق الطاولة الجانبية وجلست معها قائلة :
-تعالي نشاهد فيلم رومانسي كوميدي حتى يعود سفيان لم نضحك منذ مدة طويلة.
أومأت لها لتختار واحد وشغلته ظنا منها بأنها أبعدت عن عقل درصاف قصة شقيقها لا تعلم بأنها الآن تمر بمحاكمة لكل ما مرت طول عمرها من تصرفات وردات فعل قد تكون محاكمة القرن لها.


❈-❈-❈

أنهت الخبز و وزعته في أكياس لتعطيه لحارث الذي قررالسفر اليوم التالي للمعلم صالح ثم لفت خبز دائري الشكل في قطعة قماش و ذهبت لفيلا حارث تبحث عن جمان لتسمع صوت حارث عاليا فعادت للخارج ورنت الجرس ليخرج لها غاضبا فقالت:
-صوتك وصل للجيران لماذا كل هذا؟
تقبض و رد محاولا جعل صوته منخفض:
-للمرة الثالثه تقوم بجعلي أتأخر عن ذهابي للمعلم صالح بل إنها هذه المرة أخذت مفتاح السيارة تظن بذلك بأني لن أذهب فعلا ناقصات عقل.
ودت لو تقرص أذنه كما كانت تفعل وهو صغير لكن طوله منعها لتثني سبابتها و تضربه بها على كتفه قائلة :
-من الناقصات ؟
احترم نفسك ياولد ثم يا كامل أنت لماذا لم تسألها عن سبب ما تفعله؟
وضع يديه في جيب بنطاله و قلب عينيه ورد :
-تحكم، لأني رفضت أن تذهب معي، الطريق ريفي البعض منه ليس معبد سيتعبها.
مدت له الخبز و قالت:
-الآن عرفت من ناقص العقل؟
اعطي هذه لزوجتك واسألها عن السبب بطريقة صريحة من دون تخميناتك العبقرية .
عادت للفيلا الأخرى تشعرببعض الراحة ربما يكون هذا تفسير حلمها وهي من كبرت الأمور ؟

أما حارث فلم يفهم قصد عمته لكنه دخل لها بأي حال ليجدها في المطبخ تحضر وجبة لتأكلها لتزحف ابتسامة لشفتيه وقال بصوت عال :
-مازال الوقت مبكرا على البيات الشتوي لعلمك.
لم تهتم به وأخذت تبحث عن لا شيء في دولاب المؤن ليقترب منها بالخبز الساخن الذي التقطت رائحته أنفها فورا لتبلع ريقها بطريقة واضحة محاولة عدم إظهار لهفتها عليه ، اللعنة على الحمل منذ بدايته وهي لا تقاوم خبز العمة مبروكة أبدا بل لا تقاوم أي شيء تصنعه خصوصا أنها لم تكن قادرة على الطبخ في أول الشهور بسبب الدوخة والغثيان لتعتمد عليها حتى الآن .
كسر حارث قطعة من الخبز ليخرج بخار ساخن منه فوضعه في فمها الذي رحب بها باستماع ثم مدت يدها لتأخذ باقي الخبز فضحك قائلا :
-اعطني منه رائحته شهية.
ردت وهي تضع قطعة أخرى في فمها:
-خذه من أميرة سي حارث!
تركته ودخلت غرفتها ليلحق بها وقال:
-لا تقولي بأنك تغارين منها ؟
غير معقول جمان هذا جنون حقا أعني كانت أمامي ولم أعبرها كيف لك أن تغاري الآن ؟
لترد بحدة :
-إذن تعرف بأنها معجبة بك وتذهب لمنزلها أيضا ؟
اقترب منها لتتركه وتجلس على السرير فانحنى بركبته أمامها على الأرض وقال:
-أعرف ولا أهتم ، أنت فقط من أهتم لها لماذا الغيرة ؟
هاتي مفتاح السيارة كي أذهب صباحا لدي عمل مهم لا أستطيع التأجيل أكثر .
وضعت يدها في وسطها وقالت بحنق:
-وإذا لم أعطك ؟
قلب يديه ورد بمسكنة :
-سآخذ السيارة الأخرى وأمري لله.
شهقت وقالت:
-افعلها وقتها سوف ... سوف.. نعم سوف أبكي بصوت عال يهون عليك بكائي؟!!
ضحك لدرجة أنه مال برأسه ليستقر في حضنها وهي تشتاط غيظا ثم نظر لها وقال:
-أحببتك بقلبي وروحي وعيناي
أحببتك بكل ما أملك
أحببتك لدرجة أنه عندما تغيبين يغيب معك كل شيء
أحببتك فعلا حتى أيقنت أنك عالم يسكن بداخلي أضيع بك ولك وإليك
أحببتك وكأنني لم أشعر بقلبي يوما
شكرا لأنك معي تحولين اكتئابي إلى ،ضحكات وأتجاوز بحبك تعب الأيام.
ضيقت عينيها وقالت:
-لا تضحك علي بتلك الكلمات ستبقى أم لا؟
استقام وجلس بقربها و قال :
-الآن لا تعجبك كلمات الحب!!
من الذي كان يشحتها سابقا؟
-حاررررث
التصق بها يخلل شعرها بيده ورد:
عيونه ياغصن الزيتون، تعرفين بأنك أصبحت أشهى مع الحمل؟
المشكلة فقط في الوزن الزائد لم أعد قادرا على حملك
أبعدت يده بحنق ليضحك من جديد ثم أمسك يديها وقال:
-لم ولن تهوني يوما حبيبتي ذهابي أمر محتم وكي لا تغضبي مارأيك أن تذهبي معي؟
تهللت أساريرها ثم تذكرت شيء وقالت:
-ويزيد غدا درصاف لديها عمل سيبقى هنا.
ممتاز يذهب معنا الرحلة ستكون ممتعة له وحتي لا يجبرنا المعلم الصالح على المبيت.
حضنت وجهه بكفيها ومالت تقبله ليفصل قبلتها بعد فترة ويقول ضاحكا:
-كان علي أن أصر على الذهاب من أول الزواج كي تتجرئي وتفعلينها أخيرا.
احمرت وجنتيها ليقول وهو يخلع عنه ملابسه:
-لا أرجوك لا أريد خجل الآن متى سننتهي من هذه المرحلة بعد الطفل العاشر.
جاء دورها لتضحك وطوقت رقبته قائلة :
-لو عملت بجد سأنفذ خطتي في إنجاب عشرين طفلا في وقت قياسي.
غمز بعينيه ورد:
-اعطني حافز كي أستمر جماني.
لم تخيب أمله وبدأت بتقبيله من جديد

❈-❈-❈

في الدولة الأجنبية

تنهد أيوب وقال عبر الهاتف:
-مر أسبوع تعتبر أفضل فقد توقفت عن النوم طوال النهار وعادت للأكل لكن كلامها قليل جدا،لا أعرف ماذا أفعل والطبيب تقول إن وضعها طبيعي!
ليرد عليه حارث:
-لقد حدث لها نفس الشيء بعد الحادث تقريبا لم تتكلم مع أحد لشهور المهم كما أخبرتك لا بخور لا نار أبدا حتى نتأكد بأنها بخير.
رد بتفهم :
-سبق و أشعلت بخور لم تتأثر منه لا أعرف لماذا منعتني الطبيبة أيضا منه؟
أشعل حارث سيجارته وقال:
-الأمر أخذ منها الكثير كما أننا لو تذكر نضع كمية قليلة جدا كي لا تتأثر مع الوقت هي من ستشعله لا تخف.
شعر ببعض الراحة وقال:
-وأنت كيف هي أحوالك لم أسألك اعذرني.
رد بنزق:
-الآن تذكرت؟
بخير لازلنا نبحث عن أسماء للتوأم بدلا من التي تريدها جمان
ضحك أيوب ورد:
-أحاول نطق الأسماء دون فائدى المشكلة أن أشماس ترفض أن نسمي عثمان لأن نطقه لا يعجبها بلغتنا لترى كيف تنطق زافرة إذن.
بدأ حارث في الضحك لدرجة أن الهاتف وقع منه ولم يفهم أيوب السبب لتخرج أشماس تضحك هي الأخرى بدرجة أقل وقالت:
-زاخرة وليس زافرة لو سمعتم جمان قد تقتلك.
أغلق الخط وقد ارتاح قلبه لتلك الضحكة فقرر مجاراتها قائلا:
-عليك اقناعها بتغير الاسم أنا عشت معكم ولا أستطيع نطقه تخيلي الباقين .
أخذت هاتفه وعاودت الاتصال بحارث لتجده مازال يضحك فقالت:
-توقف حتى لا تسمعك.
رد عليها بمرح:
-أم عثمان كيف حالك اشتقنا لك .
قلبت عينها وردت:
-أم عثمان في عينك لو سمعت أحد ينادي أم فلان سأقتلع لسانه؛ دعك من هذا واسمع لدي اسم كنت أريده لابنتي لكنه ولد لذلك هو حلال عليك لو أعجب جمان اخبرها بأنك اخترته حتى لا تشعر بالضغط أو الضيق.
بفضول قال:
-ماهو الاسم؟

أغلقت الهاتف بعد قليل ليقول أيوب:
-لماذا أصررت أن لا تعرف بأنه اختيارك؟
وضعت مخدة وراء ظهرها و ردت:
-جمان وحيدة رغم أني متأكدة بأنها ستقبل مني حتى لو لم يعجبها فقط من أجل حارث لكني لا أريد فرض اسم ابنتها الأمر محزن في الأخير صح؟

أمسك يدها يسحبها للغرفة و فتح باب الخزانة يخرج ملابس وقال:
-أنت أدرى المهم تعالي لنخرج قليلا مارأيك أن نشتري ملابس الصغير ؟
أومأت له وغيرت ملابسها ليذهبا في جولة تسوق أخذت منهما وقتا طويلا وتنوعت المشتريات بين ملابس لطفلهما وأخرى لتوأم حارث ، جلسا في أحد المقاهي

نظرت حولها للثلج الذي غطى المكان فقال:
-هذا آخر ثلج ينزل لهذا الموسم حسب الأرصاد الجوية بعدها يتعدل الوضع.
ردت:
-تعرف بأني أكره الثلج جدا.
وضع يده على يدها ورد:
-تريدين العودة للمنزل؟
نظرت له وقالت:
-علينا العودة لمنزلنا وليس تلك الشقة .
ابتسم ورد:
-سنعود بعد ولادتك مباشرة حبيبتي.
هزت رأسها بلا وقالت:
-لا يوجد شيء مؤكد في هذه الحياة، دول انهارت وتغيرت انظمه بل الأسوأ منزل جدي الذي ظننته سيبقى دائما لابن ابني انهار فوق رأسي وأصبح حطام.
ضغط على يدها ورد:
-رحمه الله كل شيء يعوض لقد وعدتك بأني سوف أبني لك منزلا هناك ولازلت عند وعدي.
زفرت وقالت:
-ما أريد قوله بأن الجنسية الأجنبية لن تحمي ابني .
أغمضت عينيها لترتب كلماتها ثم فتحتها وقالت:
-عندما أحببتك أول مرة كنت مراهقة لم أعرفك جيدا لكني سلمت لك مشاعري كلها و آمنت بك ، أنا الآن ناضجة أعرف معدنك وأعرف ما أحبه فيك كما أني بت متقبلة لفكرة بأننا قد لا نستمر معا للأبد.
قاطعها بحدة :
-لماذا تصرين على قول ذلك؟
لن يفرقني عنك سوى الموت.
تعلم بأنه صادق بكل حرف لكنها لم تعد ساذجة هذه هي الفكرة فقط.
ابتسمت وردت:
-أيوب اسمعني جيدا أولا ، ما أعنيه أني لم أفكر يوما بأن أخرج هاربة من بلدي
أن يهدم منزل جدي، أو يدفن إخوتي بتلك الطريقة دون عزاء
أن تسلمني أمي لعياد
أن ينفصل حارث عن درصاف ويحب غيرها
أشياء كثيرة حدثت لم تمر لثانية في مخي أبدا .
زادت قبضته على يدها وقال:
-أعلي أنا دفع الثمن بسبب كل ماسبق؟
هذا ظلم أنا عشقتك أنت أصبحت قطعة من جسدي وشيئا من روحي لا أستطيع العيش بدونك .
وضعت يدها الأخرى على يده كي يخفف من ضغطه ففعل و ردت:
-لا أشك بحبك لذلك أريد أن نعود الآن و نبدأ حياتنا بطريقة صحيحة ، نسكن في منزلنا نحن حتى لو على البلاط حتى نجهزه قطعة قطعة ، تبدأ أنت عملك و أنجب ابني بقرب عائلتي ، لقد تزوجتك عن طيب خاطر لن أدعي العكس والآن جاء وقت البداية الحقيقية.
لا يعرف إذا كان عليه أن يفرح أم يحزن
المحزن بأنها لم تعد تؤمن بالأبدية
والمفرح بأنها تريد بناء أسرة وسط حياة طبيعية معه.

أبعد يديه و قال بعد برهة :
-موافق بشرط.
لترد بتساؤل:
-ماهو؟
سكت لدقيقة ثم قال:
-ارتدي لي قميص النوم الأزرق.
ارتفع حاجبيها ثم أنزلت رأسها تنظر لبطنها فقال:
-لا تكذبي بطنك لا تكاد تكون ظاهرة ثم هو مفتوح لا يهم حتى لو كانت كبيرة.
ضربت يد بالأخرى ليعود بظهره للكرسي و يضع ساقا فوق الأخرى قائلا:
-هذا شرطي و إلا لن نسافر، يكفي أكلت علي الرقصة الخاصة .
لم تتمالك نفسها لتضع يدها على فمها وهي تضحك وتهز رأسها غير مصدقة لتلك الطلبات التي عليها تنفيذها وهي بهذا المنظر!


❈-❈-❈
في بلد أيوب

رغم مضي فترة على الجلسات إلا أنها لم تقترب من سيرة أشرف حتى الآن وقد كانت شاكرة لذلك إلى أن قالت الطبيبة:
-اخبريني عن أول يوم لك في الزواج.
ابتسمت أفطيم وردت:
-كنت خائفة جدا لكن سفيان تفهم و..
قاطعتها قائلة :
-ألا تلاحظين بأنك تتجنبين عمدا ذكر زوجك الأول ؟
حتى عندما سألت عن زوجك أول مرة اخبرتني عن سفيان وتجاهلت الأول تماما.
هربت بعينيها وردت:
-لم أقصد ذلك الأمر فقط أني أريد حل مشكلة البرود مع سفيان مادخل أشرف؟
لتقول الطبيبة :
-مشكلتك مع زوجك الحالي سببها السابق أعتقد بأنك تعرفين ذلك جيدا.
عقدت أفطيم حاجبيها بحدة لتتابع الطبيبة :
-لم تسألي نفسك يوما لماذا لم يشتك زوجك الحالي من برودك وعدم استجابتك له؟
لترد بحدة :
-لست باردة ،أنا فقط لا أبادر في طلب العلاقة ولا أحب الدلع وغيره.
عرفت بأنها اقتربت كثيرا لتقول:
-لم يتناقش معك في الموضوع أبدا صح؟
ردت وهي تضغط على ذراع الكرسي:
-لا لم يفعل .
لتقول بجدية :
-لأنه يحمل نفسه الذنب، يظن بأن فقدانه للخصية هو السبب في برودك وامتناعك عنه.
شهقت وردت بسرعة :
-لا غير صحيح درصاف تحدثت معه قبل الفرح وشرحت له بأني لا أحب العلاقة .
عادت الطبيبة للحديث بنفس النبرة :
-لو كان صدق أخته لكان سألك و بحث في الأمر بل قلب حياتك جحيم لا يوجد رجل مهما كان درجة تفتحه يقبل بأن يقارن بآخر خصوصا في العلاقة الخاصة حتى الأجانب إلا نوع معين تعرفين ماذا يطلق عليهم طبعا.
اتسعت عيناها في صدمة حقيقية فهي لم تتصور يوما بأنه يحمل نفسه الذنب، ربما في تأخير زواجهم لكن أنها تنفر منه هو؟!!!
لا لم يحدث أبدا بالعكس هي تجاهد نفسها لتكون معه؟
شعرت بأن هناك من ضربها بقوة أعلى القفص الصدري لتعجز عن التنفس
لذلك بات يتركها دون الاقتراب منها لعدة ليال؟
لذلك قلل تقبيلها وحضنها؟
وهي التي كانت تظن وجود درصاف معهم في نفس الشقة هو السبب ليتضح الآن أمامها بأنها السبب الوحيد!
بعد قليل مسحت وجهها بكفي يدها و قالت:
-حدثت الدخلة في منزل أهله في غرفته القديمى ، والجميع يقف أمام الباب ينتظر البشارة !
لم يراعي خجلي و لا ارتباكي ولا حتى كوننا تقريبا كنا مكشوفين للجميع بل أصر على إظهار رجولته لهم .
بصوت منخفض قالت الطبيبة :
-أخذك غصبا ؟
نزلت دمعى لم تهتم لها وردت بسخرية :
-قلت فقط انتظر، لم أرفض لم أقل لا لو كان هذا قصدك لينتهي بي الأمر بعد عدة ساعات في الإسعاف لأن النزيف لم يتوقف طبعا وليس من كرم أخلاقه.
بصعوبة تحكمت الطبيبة في ملامح وجهها لتسأل :
-ماذا حدث بعدها أبلغت أهلك ؟
ابتسامة ساخرة ظهرت على شفتيها وقالت:
-لم أكن الوحيدة تلك الليلة التي نقلت للمستشفى وطبعا الجميع هناك تعامل على أنه أمر عادي بل إن بعض الأطباء تبادلوا النكات تخيلي؛ والممرضات طبعا ألقين اللوم علي لماذا أتدلل وأمنع زوجي من حقه؟
لتقول الطبيبة :
-الجامعات تخرج أطباء لكن لا تربيهم ولا تمنحهم إنسانية للأسف .
كأنها لم تسمعها تابعت:
-الأمر لم يتوقف هنا طبعا وإن كنت أظن بأنه ندم بسبب حلفانه لي واتضح أنه فقط خشي أن أخبر أهلي فتضيع فرصة السفر!
لينتقل بعدها للمرحلة الأسوأ
سألتها الطبيبة بصوت أعلى :
-كان سادي ؟
سرحت قليلا ثم ردت:
-الأذى النفسي أكثر بالنسبة لي، نعم يضرب كثيرا لأتفه الأسباب و حتى وقت العلاقة لكن ليس بمفهوم السادية الذي قرأت عنه لكنه لا يكف عن الشتم بأبشع الألفاظ ويقول كلمات نابية جدا لا أعرف معني معظمها بل يطلب مني قولها وعندما أرفض وهو ما أفعله دائما يكون مصيري الضرب.
ضمت قبضتي يدها لصدرها وأحنت كتفيها للأمام في حركة حماية ذاتية أخذت منها أكثر من خمس دقائق لتقول بعدها:
-تعرفين بأنه لا يهتم حتى إن كنت أتألم بل إنه في مرة فعلها بعد عودتي من عملية إجهاض كان هو سببها وعندها دفعته عني من الألم أوسعني ضربا وقال بأنه ذاهب ليجد امرأة بحق؟
أخذت زفيرا وشهيقا عدة مرات ثم قالت:
-المشكلة بأنه يعاني من مشاكل كثيرة بل إنه في الكثير من الأحيان لا يستطيع إتمام العلاقة لا أعرف لماذا يفعل ذلك رغم ضعفه الواضح؟
لتقول الطبيبة :
-ليداري علته.
نظرت لها أفطيم في استغراب فتابعت:
-هذه واحدة من أساليب الدفاع المتطرفة ، يقوم الشخص بإغراق ضحيته بالضرب والإهانة مدعيا القوة كي يداري ضعفه من الواضح بأن طليقك كانت حالته متأخرة لذلك وصلت لدرجة منخفضة من السادية.
مسحت دموعها و قالت:
-لم أكن أطلب منه الطلاق فأنا من اخترته تصدقين؟
أعتقد بأني مختلة بحق.
ردت عليها:
-أولا لست مختلة بل كنت عنيدة ثم أي اختيار إذا كنت لم تعرفيه قبل الزواج أبدا ؟
لا تتحججي بالعادات كان يمكن أن تطيلي الخطبة صدقيني تلك الأشياء تظهر بسهولة لأنه يكون متحكم بطريقة غير منطقية لكن أن يرمي المرء نفسه في بحر لايعرف شاطئيه هو الغباء بذاته.
تننهدت وهزت رأسها موافقة لكلامها ثم قالت:
-هل هناك أمل في علاجي؟
ابتسمت لها وقالت:
-بالطبع أصلا حديثك هذا هو بداية العلاج والآن هناك خطوات أريدك أن تحاولي اتباعها واخبرني بعدها عن النتيجى
بدأت الراحة تتسلل له لترد:
-اتفقتا

❈-❈-❈
في الدولة الأجنبية

على عكس مايقال طريق العودة كان أطول بكثير من الذهاب!
خيم الصمت لمدة طويلة عليهما ليكسره هادي قائلا:
-على الأقل تأكدنا من شكوننا هذه نقطة في صالحنا ربما علينا إخبار سفيان .
تابع نظره للطريق ورد:
-لا لن نفعل ، الكلام الذي سمعناه لا يزيد عماعرفه سفيان وعبدالخالق سابقا
دعه الآن لو طرأ جديد يكفيه مصيبة أمه.
قرب حاجبيه ورد:
-أي مصيبة ألم تعد شقيقته وتتركها بهد أن يأست منها؟
انتبه إبراهيم بأنه باح بالكثير ليرد بدبلوماسيته المعهودة :
-هذا ليس قليل عليه تعلم بأن العودة الآن للوطن ليست آمنة للأسف ، قضيتي واتهام حارث و وغيرها الكثير.
زفر وقال:
-الله غالب
في النهاية ستحل الأمور عاجلا أم آجلا.
رغم خيبة أمله المتوقعة نوعا ما كان يتوق للعودة بسرعة فقد اشتاق إليها في هذه السويعات القليلة بعيدا عنها، من صدق بأنه يشتاق لشخص غير إخوته ؟
هو الذي قضى أكثر من عشر سنوات يعيش وحده حتى تعود على وحدته بات لا يستطعم قهوته إلا معها!
أخرج هاتفه وكتب لها:
-ربي لا تحرمني من الشخص الذي رزقتني به و رأيت به الحياة فتعودت عليه ثم أحببته حتى أصبح سعادتي وقوتي وعائلتي، فيارب احفظه لي من كل شر فإني جعلته في ودائعك التي لا تضيع.
انتظر ليرى إشارة وصول الرسالة ليريح رأسه على الكرسي ليشعر باهتزاز هاتفه ليجد رسالة منها فاهتزت ثنايا قلبه كمراهق يلتقي رسالة من حبيبته ، تردد قليلا ثم فتحها ليقرأ ما بها كتبت له فيها:
-رزقني الله بك
و أيقنت أنك أجمل أرزاقي
أنت نعيمي أنت الكثير في عيناي
دمت لي كل العمر زوج سند ورفيقي الأوحد
(خسعاك )أحبك
زوجتك فتنة.

كل يوم تثبت له بأن اختياره صحيح هاهي بدأت في تعلم لغته حتى لو كانت بها أخطاء تكفيها شرف المحاولة ، نعم هي فتنة تستحق انتظاره طوال سنوات عمره عازفا عن الحب والزواج ليجد سكينته بين ذراعيها و راحته في وسط حضنها، يظنون بأنها المحظوظة ؟
لا بل هو من كسب اليانصيب بها لا بأس دعهم يظنون هو فقط يعرف الحقيقة وهي المهم.
تنهد و قال:
-لازال كثيرا كي نصل.
ابتسم إبراهيم ورد:
-حسب رغبتك لو تريد يمكنني إطالة الطريق أكثر
ليرد بسرعة :
-لالا لقد تأخرنا بما فيه الكفاية .
ضحك وقال:
-حمد الله أخيرا مشيت في أمر وانتهى بخير.






❈-❈-❈

على شواطيء البحر الأبيض المتوسط وقف يراقب المد والجزر محاولا الدخول في حالة استرخاء قبل رحلة الموت كما يسمونها، حتى هذا لم ينعم به فقد أفسدت خلوته كعادتها لتقول:
-مازلت مصرا على الذهاب؟
لم يجبها بل ظل ينظر للقمر لتلمع عيناه فخفق قلبها وتابعت:
-ابق هنا أو عد معي لبلادك مهما كان الوضع لكن لن يكون مثل رمي نفسك في أعماق المحيط.
سمع صوت تنبيه هاتفها فأنزل عيناه و مد يده لها لتعطيه له عن طيب خاطر
كما يفعل كل مرة دخل الصفحة وقلبها لكن هذه المرة قرر كتابة شيء لا يعرف السبب إذا كان يريد إعطائها إشارة أم ربما وداع؟
أغلق الصفحة ومد لها الهاتف قائلا:
-شكرا
لا تستطيع أن تمنع عينيها من النظر له رغم كل ماعرفته منه وعنه تود فقط لو تعرف شيء واحد لذلك قالت:
-ألن تخبرني ماهو اسمك أيها الملثم ؟
هيأ إليها بأنه ابتسم رغم أن اللثام يخفي جانب وجهه وفمه ثم عاد للتحديق في البحر دون رد كعادته
سويعات قليلة ويبتعد عن عينيها للأبد وربما عن الدنيا كلها.

❈-❈-❈


في بلد أيوب


قلبت الصفحة التي أنشأتها باسمه عل أحد يتعرف عليه و يبلغها لكن كالعادة لم تجد سوى تعليقات البنات المتغزلة بصورته أو بعض المرضى الذين يسبونه أو يلقبونه بالقاتل لأنه يعمل مع الجيش!!
مسحت التعليقات وقامت بحظر أصحابها كما تفعل دائما لتجد إشعار بوجود تعليق ثم الإشارة له بمنشور لتفتحه مستعدة لحذفه هو الآخر لتجد قصيدة

أبلغ عزيزا في ثنايا القلب منزله
أني وإن كنت لا ألقاهُ، ألقاه
وإن طرفي موصول برؤيته
وإن تباعد عن سُكناي سُكناهُ
ياليته يعلم أني لست أذكرهُ
وكيف أذكره إذ لستُ أنساهُ
يامن توهم أني لستُ أذكرهُ
والله يعلم أني لستُ أنساهُ

قرأتها عدة مرات وشعرت بأن قلبها تحول لفراشات ترفرف بقوة ، حاولت التواصل مع صاحب الصفحة الأخرى دون جدوي فقد كانت بدون صورة أما الاسم فهو الذي أكد لها شكها ( غزالة البيت) ذلك اللقب الذي أطلقه عليها منذ كانت صغيرة لأنها لا تتوقف عن النط من مكان لآخر و قد تبعها حتى الآن
خرجت من غرفتها تبحث عن أي أحد كي يؤكد لها ما رأته فلم تجد أحد لتذكر بأن عمتها و حارث ذهبا للمطار فأسرعت لفيلا حارث تبحث عن جمان لتجدها في غرفة يزيد لتعطيها هاتفها وقالت بحماس:
-جمان انظري رؤوف كتب لي شعر على صفحتي.
أخذت منها جمان الهاتف وقرأت الشعر لترد عليها:
-لا أريد أن إحزانك لكن الصفحة لا تدل أنها لأحد ربما فتاة خصوصا أن صفحتك باسمه ثم من كتب هذا المتنبي وليس رؤوف حتما.
تخصرت وردت بغضب:
-أنا من أدير صفحته مكتوب هنا بالمناسبة
أشارت بيدها للمعلومات الشخصية وتابعت:
-ثم أعرف بأنه نسخه من مكان آخر لكن المعني واضح ركزي فيه جيدا ستفهمين.

حاولت جمان تعديل جلستها دون فائدة لتمد يدها لها وتقول:
-ساعديني أولا تعبت من هذه الوضعية ثم سنرى حل في مشكلتك هذه.
قلبت عينيها ولم تتحرك لثوان ثم مدت يدها لها و قالت :
-فقط من أجل جفالة و إلا تركتك هكذا.
استقامت بصعوبة ليسرع يزيد يساعد عمته بالإمساك بقدم جمان لتضحك الأخيرة وقالت:
-شكرا حبيبي ماكنت لأقوم من دون مساعدتك.
مطت سنان شفتيها ثم أمسكت بيد يزيد قائلة :
-أريد أن أعرف كيف تتحركين بهذا الجبل أمامك بل كيف تنامين أصلا ؟
وضعت يدها على ظهرها تسند نفسها وردت:
-أي نوم الذي تتحدثين عنه الوضع أصبح متعب جدا لدرجة أن حارث اقترح علي شراء سرير المرضي الذي يتحرك لأعلى و أسفل ربما يريحني قليلا.
لعبت حواجبها وردت:
-أنت من تريدين عشرين طفلا تعودي إذن .
صوت شهقة مستنكرة جعلها تلتف لترى صاحبه فوجدت درصاف تنظر لهما باستنكار لتمد لها هاتفها وتقول بسعادة متجاهلة تعبيرها:
-انظري رؤوف كتب لي على صفحتي هذا هو صح لا أتخيل.
قرأت المكتوب و ردت بابتسامة :
-نعم هو، ألم تصل أشماس بعد؟
هزت رأسها بالنفي لتبعد نظرها وتقول لجمان:
-أين غرفة يزيد أريد رؤيتها ؟
فك يزيد يده من عمته وأسرع لغرفته حيث تقف جمان أمامها لتذهب ورائه درصاف وتفحصتها بتدقيق شديد بينما جمان تقف في مكانها لتدفعها سنان من الخلف و قالت بهمس:
-ادخلي وكفي عن لعب دور سندريلا هذا منزلك.
تشجعت ودخلت الغرفة التي كان يزيد يقوم بدور السمسار فيها حيث يشرح لأمه بحماس عن السرير بشكل السيارة الذي يحبه و الغطاء ذو الرسومات الكرتونية ثم يفتح صندوق الألعاب ثم يفتح الأدراج يخرج كراسات الرسم والألوان ؛ لا تعرف إذا كانت سعيدة أم حزينة ؟
للأسف الغرفة ممتازة لطفل في سنه متأكدة من تدخل الجميع في اختيارها الأمر الذي كان ليحدث مشاكل كثيرة بينها وبين حارث كالعادة.
بحثت عن أي شيء لتقول بعدها:
-لماذا لا توجد صورتي في غرفته؟
تبادلت سنان و جمان النظرات لترد الأخيرة :
-هل تريدين أن نضع صورتك هنا؟
قبل أن ترد قالت سنان:
-وهل توجد صورة لحارث في غرفته عندك؟
توترت نظرت درصاف لتتابع الأولى :
-هيا نخرج لانتظار أشماس قاربوا على الوصول أصلا .
خرجت سنان ويزيد لتطفئ جمان الأنوار و تبعتهم فقالت درصاف:
-ترتدين الحجاب حتى في البيت؟
ردت :
-عبدالخالق موجود أعني قد يأتي في أي لحظة كما أننا نقضي معظم الوقت في الحديقة عموما تعودت عليه مؤخرا فقط أصبحت تضايقني أعتقد من الحمل.
أنزلت عينيها ونظرت لبطنها ومشيتها التي تظهر تعبها فحمدت الله أنها لم تعد حامل كانت بالنسبة لها أسوأ فترة في حياتها .
جلست جمان في الحديقة ونادت سنان:
-تعالي هنا لا أستطيع الذهاب للفيلا الأخرى اخبري عمتي أن تأتي هنا.
عادت لتجلس بقربها و أخرجت هاتفها قائلة :
-السكرتيرة الخاصة بحضرتك، اتصلي بزوجك .
رفعت ساقيها على الكرسي القصير وردت:
-حارث الآن مع أيوب و أشماس انسي أن يفكر في أحد آخر عموما يمكنني الاتصال بعمتي وأنت اتصلي عبدالخالق ليأتي بسرعة مارأيك ؟
قلبت شفتيها واتصلت بمبروكة مع قدوم أفطيم التي انضمت بعد أن وضعت طبق حلويات في المطبخ و قالت:
-عبدالخالق أوصلني وذهب ليحضر الذبيحة وسفيان سيأتي لاحقا لديه طلبية مهمة .
نظرت حولها ثم تابعت:
-لماذا نجلس هنا أمي قالت أن كل شيء معد عندها .
لترد سنان:
-الأخت تحتاج طاقة شمسية كي تتحرك.
زفرت جمان لتتحامل على نفسها و تقف وهي ترد عليها:
-يوما ما سأردها لك كلها وعد مني.
رقصت كتفيها وقالت:
-أنا غزال لن أصبح مثلك أبدا حبيبتي
قبضت على مؤخرة رقبتها وردت:
-تعالي ياغزال اسنديني حتى نصل .
انحنت سنان وقالت مدعية التعب:
-تحتاجين لونش كي يسندك سوف أنكسر تحت يدك ارحميني.
انحنى يزيد مثلها مدلدلا يديه أمامه مثل الزومي لتضحك جمان وتتابع السير متكئة عليها وقد شاركتها أفطيم الضحك أما درصاف فلم تهتم الأمر كله لايعجبها كيف لفتاة صغيرة أن تقلل احترام الأكبر منها والأخرى ترضى بأن تكون مسخرة لأخت زوجها؟!!!


❈-❈-❈



تلقتها مبروكة بالأحضان في المطار فلم يطقها الصبر كي تنتظر وصولها للمنزل وكعادتها بدأت دموعها بالنزول لتبعدها عنها وتنظر لها جيدا ثم تنزل عينيها لبطنها وقالت:
-لماذا هي صغيرة هكذا؟
لابد أنك لا تتغذين جيدا من اليوم ستبقين معي حتى تلدي.
ثم تركتها وحضنت أيوب قائلة :
-بارك الله فيك وأسعد قلبك كم أسعدتني ياولدي كنت متأكدة بأنك لن تكسر بخاطري وتجعلها تلد عندي.
ثم قبلته على جبهته كما تفعل مع حارث وعبدالخالق
لأول مرة يشعر بأنه مقبول من نساء قبيلة الجعفري ، صحيح بأن الشيخ عثمان والشباب رحبوا به وجعلوه أخا لهم لكن النساء لا
موقف خيرية جعله دائما حذر في التعامل معهن، حتى درصاف و أفطيم علاقته معهما سطحية جدا الوحيدة التي تعامله بطريقة عادية سنان و جمان مؤخرا وقد رجح ذلك بسبب قربهما لحارث لا غير؛ إنما حركة مبروكة أزاحت الحواجز وجعلته أخيرا يندمج بينهم .
مال يقبل رأسها وقال:
-المهم رضاك عمتي.
ليجد حارث أمامه فحضنه ليقول الأول :
-نصي جاء وجلب معه بلاد الفرنجة.
ضحك أيوب دفع العربة التي عليه الحقائب ليأخذ حارث الأخرى متوجها ناحية سيارته ، كانت الأجواء دافئة والشمس ساطعة لتقول أشماس:
-ماهذا الحر لم يأت الصيف بعد؟
رد عليها أيوب:
-تريدين العودة للثلج؟
لازالنا بالمطار فكري قبل خروجنا؟
لتقول مبروكة ناهية :
-أعوذ بالله لن يذهب أحد منكم بعد الآن كلكم ستبقون معي ، لا حر و لا غيره الحمل فقط يجعلك حساسة له.
خلعت جاكتها الصوفي الثقيل وركبت السيارة معهم ليتسلل لها شعور بالراحة أخيرا .
كالعادة أول المرحبين وأكثرهم صخبا يزيد الذي كانت سعادته لاتوصف بوصول أمه الروحية فلم يترك حضنها أبدا رغم محاولات مبروكة الكثيرة لكن أشماس نفسها كانت مشتاقة له كثيرا أخذت وقتا طويلا لتقنعه بتركها تسلم على الباقين فقط في الوقت الذي سلم أيوب على الكل بل انضم لعبد الخالق و سفيان .
حاولت جمان الاستقامة لتسلم عليها فقالت الأولى :
-مكانك حالتك أصعب من حالتي والنية واصلة
ضحك حارث ورد:
-تظنين بأنها تقوم هكذا؟
تحتاج ل...
أغلق فمه مع نظراتها المعتادة ليضحك أيوب و عبدالخالق الذي يقف عند الشواية وقال الأول :
-عشنا و رأينا من يجعل حارث يبلع لسانه.
فرد عليهم سفيان:
-لم تروا شيئا الأبلة علمته الأدب بحق تعالوا أخبركم ماذا حدث يوم قرر أن يذهب للمعلم صالح.
في طاولة النساء جلست أشماس ويزيد على قدميها لتقول لسنان:
-ألا تلاحظون سعادة حارث و سفيان؟
من يراهما لا يصدق بأنه مر أقل من سنتين على خروجهما من الحرب و موت نصف أهلهم ؟
تنهدت مبروكة وردت:
-قولي حمدا لله هما يخفيان كل ماحدث تحت غطاء سميك كي يستطيعان العيش هكذا ثم الرجال مختلفون عنا
لترد أشماس:
-لا ليسوا مختلفين الأمر كما قلت لا يملكون رفاهية الحزن ولا التعبير عنه تخيلوا لو سقط حارث منذ خروجنا كيف كان ليكون حالنا ولو استسلم سفيان بعد ما حدث له ؟
لعبت بشعر يزيد وتابعت:
-أنت نفسك تجاوزت ماحدث لا تلومي غيرك الآن .
نظرت سنان للشباب و قالت:
-لا ألومهم بالعكس أنا سعيدة لهم هذا يعني بأن رؤوف لن يغرق في أحزانه بل سيخرج منها بسرعة مثلهم.
تبادلن النظرات لتقول أشماس مغيرة الموضوع:
-كم بقى لولادتك كنت أظن بأني قبلك؟
أجابت بأسف :
-بل أنت الأول بإذن الله لأني حامل في توأم تظهر بطني أكبر .
لتقول أفطيم :
-ماذا حدث في الأسماء وجدتم أم لازال البحث مستمرا.
ردت جمان :
-حارث اختار واحد و لازال الآخر مع أني فعلا أردت اسم أمي .
لتقول درصاف:
-إذن سمها هذه ابنتك ليس عليك أن تنصاعي لأحد .
جاء الرد من مبروكة وقد شعرت بأنها حادة قليلا:
-ولماذا لم تختاري لابنك؟
ألم يسميه حارث أيضا ؟
لا تتدخلي في شئون الغير هي راضية ومتفقة معه.
لوت فمها دون رد لتقول أشماس:
-الطفل يأتي باسمه.
نظرت لجمان ثم لبطنها وقالت في سعادة :
-لا أصدق بأن ابني و بنات حارث سيولدون في نفس السنة يا إلهي لم يتبق سوى ابن سفيان لتكمل المثلث.
ابتسمت أفطيم وردت:
-لازلنا نفكر في الأمر نهى أخبرتني عن طبيب ممتاز في التلقيح الصناعي عندما نقرر سوف نذهب له.
لترد مبروكة:
-ومتي يصدر القرار بعد أن أموت ؟
لتقفز سنان من مكانها وتقول بفزع:
-لا لا لن تموت أمي لن تتركني صح.
نفس الألم يعتريها كلما انتابت سنان نوبة الخوف عندما تتحدث عن الموت لتحضنها وتقول:
-لا تخافي ابنتي أنا هنا كل هذا من البومة .
أشارت أفطيم لنفسها وقالت:
-أنا أصبحت سبب المشاكل؟
لا إله إلا الله تراضي ابنتها على حسابي رأيتم ظلم مثل هذا؟
ضحكت أشماس وهي تغبط نفسها على هذا الجو الأسرى الذي حرمت منه بإردتها.
جلب حارث طبق لحم مشوى و وضعه أمام أشماس قائلا:
-هذا لك لايوجد به شحم من أجل الكلسترول.
عقدت حاجبيها غير فاهمة لتهمس لها سنان:
-هذا لجمان لكنه محرج يقول ذلك علنا كلي ودعيه يحضر آخر لها.
غمزت بعينها لها ونفذت وهي تراه يراقب من بعيد فأحضر آخر لتعطيه لأفطيم و تهمس لها بالخطة ثم كررتها مع سنان ليحضر واحد آخر وقال بصوت عال :
-هذا لجمان لا أحد يقترب منه مفهوم.
ردت أشماس بصوت عال:
-سفيان صورت المشهد؟
رفع إبهامه ورد:
-كله موثق صوت وصورة
ليقول عبدالخالق:
-هذا آخر من يتزوج قال حب قال.
شعر بأنه حوصر ليقول بحنق:
-يا إلهي كنت أشك بأنها مكيدة لكن توقعت سنان ورائها وليست أنت !
أيوب جد صرفه لزوجتك كانت عاقلة قبل سفرها ماذا حدث لها.
انفجر الشباب في الضحك ليحك هو شعره و يأخذ منها يزيد عنوة فيما قالت درصاف:
-لاحظت فعلا تغير بك لا أعرف ماهو لكن هناك أمر تغير بك؟
أنزلت عينيها تنظر لها لتلاحظ لأول مرة أنها لا تضع شالا على رأسها حتى فقالت:
-أين شالك هل خلعت الحجاب؟
قلبت عينيها وردت:
-لم أكن يوما محجبة تعرفين ذلك وضعته لأنه فرض في المدرسة وبعدها بسبب تعنت القبيلة لا تخرجي برأسك هكذا لا أعرف ما العيب في رأسي ؟
شعرت مبروكة بأنها ستقول شيئا يقلب تلك الجلسة لساحة معركة لذلك قررت تأجيل المواجهة ليوم آخر لذك استقامت تجلب أي شيء من المطبخ لتمر السهرة بسلام ظاهري

بعد أيام بدأ أيوب و حارث في تجهيز المصنع فقد قرر الأخير أن يكون حارث شريك له بينما أشماس انشغلت في تجهيز الفيلا رافقتها درصاف لمحلات الأثاث لينتهي الأمر بالجلوس في جهة المطاعم والأكل فقالت الأخيرة :
-إذن قررت الاستقرار هنا و الاستغناء عن حلمك للأبد ؟
ردت وهي تضع ملعقة ساخنة من أم علي في فمها :
-لم أتخلى عن شيء بل سأعمل من هنا أصلا عبدالخالق جهز الموقع لي عندما تأتي طلبيات سوف أجهزها .
مضغت بتلذذ لتأخذ ملعقة أخرى كبيرة ثم قالت:
-ماذا عنك؟
أشعر بأن هناك ماتريدين قوله منذ أن أتيت هات ماعندك كلي آذان صاغية.
عادت بظهرها للوراء ثم قالت:
-لقد راسلت جامعتي القديمة كي أكمل دراستي انتظر الرد وبعدها سوف أسافر خصوصا أني أخذت التأشيرة بالفعل.
اتسعت عينا أشماس لثوان ثم عادت لطبيعتها وردت:
-و يزيد ماذا سيحدث له أعني هل ستأخذيه معك؟
لم تتغير ملامحها و إن ظهرت الدموع بعينيها نحجت في كبتها قبل أن ترد:
-قلتها سابقا لقد تخطي أهم مرحلة دون وجودي، أكثر شيء تعلمته من العلاج النفسي أن أفكر في مصلحة ابني وليس مصلحتي أو منظري أمام الناس، أعلم جيدا أن البعض سيطلق أحكاماعلي ويقول بأني أم سيئة بل لا أستحق ابني لكني بحق لا أهتم .
أكملت طبقها ثم قالت:
-اتفق معك المهم أن يعيش يزيد مع ناس يحبون ومهما كان رأيي في جمان لا أستطيع أن أقول عنها زوجة أب اعتيادية ، إنها تتقي الله فيه ، عموما أدعمك في أي شيء تريديه المهم تحدثي مع سفيان.
أسعدها دعم أشماس لها حتى لو كان هزيلا غير حقيقي المهم أنها ليست وحدها والآن عليها التحدث مع سفيان لا تريد إذنه فهي ستذهب في كل الأحوال لكنها لا تريد أن يقاطعها فقد
تنهدت لتتابع جولة التسوق الفاشلة كلاهما لم تهتم حقا بالتسوق هما فقط أرادا تمضية وقت معا يتذكران أيام مضت كان كل همهما الضحك والتسلية

❈-❈-❈

في الدولة الأجنبية

استغل يوم الإجازة ليعد لها إفطارا متأخرا و دخل غرفتها يضع صينية الإفطار على الطاولة الجانبية ثم أخذ الزهرة التي وضعها في المزهرية ومررها على وجهها حتى فتحت عينيها ببطء لتراه يخيم عليها من علو فأغلقتهما لتعود لتفتحهما مرة أخرى ثم أبعدته عنها وقالت بصوت ناعس:
-ماذا تفعل في غرفتي ألم أقل لك لا تدخلها .
استقام وعدل المخدة ورائها ثم قال:
-صباح الخير جيهان القلب.
أبعدته لتستقيم وقالت:
-توقف عن تلك الكلمات عرفت من أنا عندك جيدا
أمسك بذراعها يلفها له و رد:
-أعرف بأني لا أستحق فرصة أخرى معك بل إني لم أستحق الأولى أصلا
أعترف بأني أناني مغرور لا يهتم سوى بنفسه ومصلحته فقط
أعترف بأني ضيعت حياتنا بسبب جبني عن المواجهة
أعرف بأنك تستحقين رجلا أفضل مني
رجلا يشعرك بقيمتك الحقيقية ويمنحك الأمان الذي لم أمنحه لك أو لأي شخص في حياتي
و لكني أتمنى أن أشيب معك،أن نصبح عكازا لبعضنا حين تخوننا قدمانا، أن أرى تجاعيد يديك و أقبلها بحب عظيم، أن أموت قبلك لا أستطيع تحمل البعد عنك في هذه الحياة .

من هي كي تتحمل سيل المشاعر الصادقة التي نطق بها للتو؟
نعم هو صادق تشعر به هذه المرة قبلا لم يحتج أن يقول لها شيئا بمجرد رفع عينيه لها فقط تركض له أما الآن وبعد التنازلات العلنية التي قام بها من أجلها والتي قد تبدو للغير عادية لكنها تعرف كم جاهد نفسه بل حاربها كي يفعل ذلك!
كم بق في العمر كي تصده أكثر وهل تريد صده أصلا ؟
جاء الجواب عن طريق قبلة منه استقبلتها برحابة ليغدق عليها بالمزيد فلو تعلم شيء من هجرانها له بأنها الوحيدة التي أحدث بعدها جرح غائر لن يداويه سواها



❈-❈-❈
في بلد أيوب

لم يأت علي في العطلة الأمر الذي أقلقها لكنها شعرت بأن هناك أمر آخر خصوصا مع تهامس سفيان و أيوب و أشماس لأكثر من ساعتين في أمر لم تعرفه لدرجة أنها فكرت بالتلصص عليهم لتعود وتنهي نفسها ودخلت للمطبخ تشغل نفسها بأي شيء عداهم.
في الصالة المغلقة قال أيوب بعدم فهم:
-لا أفهم ما الفرق بين هذه المرة والسابقات؟
لقد هدموا المنازل و استباحوا الأرض والرزق بل إنهم اتهموه زورا لماذا تخافون من قصة الجمال لهذه الدرجة؟
كان سفيان يدور في الغرفة محاولا الاتصال بعبد الخالق لترد أشماس وقد ظهر عليها التأثر الشديد:
-الجمال وضعها مختلف جدا، الجمل أصلا لا ينسى ولديه عزة نفس لذلك في العادة أصحابه لا يقومون بضربه لأنه سوف يرد الضربة مهما طال الزمن أو يموت مقهورا والذين ضربوا الجمال بهذه الطريقة كان قصدهم إهانة حارث أولا وأخيرا وكسر نفسه لذلك ربطوها وتركوها تنظر لهم و هم يضربونها وهي تبكي حتى ماتت قهرا فهمت.
شحب وجه أيوب وهز رأسه لينظر للتسجيل مرة أخرى بعد ماعرفه وقد رأي الصورة بطريقة مختلفة لتقول أشماس:
-من فعل ذلك يريد حارث أن يعود للوطن كي يستفرد به لابد أنه جهز له خطة ، وطبعا لو حارث رأي أو عرف لن يصبر دقيقة .
فتح الباب لتسكت فدخل عبدالخالق بوجه غير مقروء و أغلقه خلفه قائلا:
-كما توقعت علي سافر للوطن أحدهم أرسل له التسجيل قائلا الرجال ماتت عن عرضها و النساء هربت تجر ذيول الخيبة .
-من الذي هرب مثل النساء؟
التفت الجميع ليجدوا حارث يقف أمام الباب .
في ساعة انقلب المنزل رأسا على عقب جمان وسنان تبكيان بصوت عال و سفيان وأيوب يحاولان تهدئة حارث أما مبروكة فجلست وسط الحديقة تضرب صدرها وتقول:
-كنت أعرف والله كنت أعرف ، فعلها علي ألم أقل لكم ؟
لم تشعر بأفطيم التي حقنتها بإبرة مهدئة كي لا تنهار لتنظر لها وتابعت:
-ألم أقل لك أن صمته يخيفني كنت اعرف رأيته في حلمي كسر الكوب و هجم عليهم الذئب قلت لكم والجميع قال تخاريف.
أمسكت جمان بقميص حارث تصرخ به باكية :
-لا تذهب استحلفك بأغلى ماعندك فلتحترق جمال العالم كله إلا أنت ياحارث أرجوك ليس لدي غيرك.
أغمض عينيه وطحن ضروسه قائلا:
-ابتعدي عني كي لا تتأذي، أشماس خذيها من أمامي .
كانت أفطيم أخف فقامت بمحاولة إبعادها بالقوة لتفاجأ بيزيد يحاول إبعادها عنها ظنا منه بأنها تؤذيها فقالت معاتبة :
-لقد أخفت الصغير يرضيك ذلك اهدئي قليلا حتى تعود أمه فقط.
انهارت أرضا تبكي ليحضنها يزيد و يلوح لأفطيم متوعدا لأنها أحزنتها حسب فهمه.
لم تستطع مبروكة الوقوف جراء الإبرة لكنها انتزعت طرحتها ورمتها أرضا وقبل أن تحاول الكلام أخذه حارث و ربطه على رأسها قائلا:
-أستحقه إن لم آخذ حقي بيدي.
زاد بكاء سنان ليجزرها عبدالخالق بصوت عال:
-اصمتي!
لا أريد صوت امرأة عال مفهوم لا نواح ولابكاء ولا هذه الخزعبلات هيا للداخل كلكن .
ارتعبت سنان لتجلس بقرب مبروكة تحتمي بها وقامت أفطيم بمساعدة جمان لتستقيم وتدخل غرفتها مع يزيد بينما قال سفيان:
-اخيرا رد علي سوف ينتظرنا عند حدود مدينتنا هيا بنا.
التفت حارث لعبدالخالق وقال:
-أنت ابقي هنا
رد بغضب:
-لماذا تظن بأني...
قاطعه وهو يوجهه لمكتبه :
-لأنك الوحيد الذي يخفن منه جميعا ، الكل يبات هنا حتى عودتنا وإن لم نعد تعرف ما عليك فعله.
هز رأسه ليحضر حارث مبلغ مالي من خزنته و كتب شيك لعبدالخالق وقفت تنظر لهم يغادرون في سيارة واحدة و سكبت ماء خلفهم تحصنهم وتدعو الله أن يعودوا سالمين لها لم تجرؤ على توديعهم حتى بالسلام العادي فقط أومأت عندما قال لها أيوب :
-سأعود قبل ولادتك.
لم تنتبه لطول وقوفها إلا عندما عاد عبدالخالق يحمل كيس به أدوية طلبتها أفطيم لتدخل معه فوجدت الجميع في الصالة وقد توقفت سنان عن البكاء أما مبروكة فممسكة بالمصحف دون كلام و جمان لم تجف دموعها وإن هدأت عبرتها
جلست على أول كرسي لتدخل درصاف بعد قليل وقالت:
-ماذا هناك لماذا كل هذا لا أفهم حتى أمي ماتت وليس مجرد جمال تجعلهم يجرون وراءها مسلوبين العقل.
رفعت لها أشماس عينيها وقالت:
-سفيان و أيوب و حارث
تعرفين ماذا يعني ذلك؟
بدأت في الضرب الخفيف على صدرها و متابعة
-سفيان و أيوب و حارث
الثلاثة ياقلبي الثلاثة يا در
سفيان وأيوب و حارث
كيف تركتهم يذهبون ؟
لماذا لم أمنعهم؟
سفيان و أيوب وحارث
كيف سأعيش لو حدث لأحدهم شيء ؟
زاد ضربها وعلا صوتها و وقفت تتحرك كمن ركبها نار فعلية
سفيان و أيوب و حارث
متى ستتوقف ناري متي سأرتاح ماذا فعلت كي أحترق كل مرة
آه يا سفيان آه يا أيوب
اااااه ياحاررث
انتهى آلفصل ولم تنتهي الحكاية
ريما معتوق


















 سيل جارف  الجزء الاول من سلسلة الحب والحربحيث تعيش القصص. اكتشف الآن