الفصل الرابع. والاربعون

1.7K 91 24
                                    

مساء الخير قبل الفصل ملاحظه ان مافيش لايكات كثير رغم اني ملتزمه بالموعد وده  عاملي احباط بصراحه لو مالقتش تفاعل يناسب التعب بتاعي مش حنزل الفصل الي بعده ، ملاحظه الفصل اكثر من 14الف كلمه

الفصل الرابع و الأربعون

الكثيرون متزوجون لكن القليلون لديهم شريك حياة، وهي قررت بأن يكون هو شريك حياتها
لا تذكر متى تسلل خلسة لقلبها ليملكه برغم أنها كانت تضع جدرانا و حواجز عالية لا يسهل تسلقها لكنه لم يجد أي صعوبة ليسقطها واحدة تلو الأخرى ويجلس متربعا في قلبها.
حاولت الهروب منه كثيرا مرة بحجة أنه لايزال يحب طليقته ومرة لأنها أكبر منها سنا والأخرى بسبب كذبتها وادعائها أن والدتها تعيش معها وفي النهاية وافقت بل إنها سجدت لله شكرا عندما طلبها للزواج لكن!
ما بني على باطل فهو باطل لذلك قررت أن تخبره الحقيقة وليختار هو كما أخبرها بحقيقة أنه سيعيد طليقته لو طلبت هي ذلك .

توقف مخ حارث عن التفكير تماما لدرجة أنه لم يقدر حتى على الرد لتقول هي بخوف:
-لقد قابلت عمي.
صدح ناقوس الخطر في عقله، هل ستطلب الطلاق؟
لا لايمكن ليس الآن وقد بدأ يشعر معها بالتواصل الروحي، ما شعر به بين بيدها ليس مجرد مشاعر حسية بين رجل و امرأة بل هي اندماج للروح قبل الجسد ، تجاوبها و شعوره برغبتها وانسامجها معه أكد له بأن روحه و روحها منسجمان جدا لتأتي الآن وتهدم كل هذا.
وضعت يدها على يده عندما لاحظت تغير وجهه وتابعت:
-صدقني أنا خفت من أن تتراجع عن إتمام الزواج لذلك لم أخبرك .
بملامح غير مقروءة قال:
-ماهو الذي قد يجعلني أتراجع عن الزواج بالضبط؟
سحبت يدها لتضعها على صدرها مكان القلب و ردت بصوت أقرب للبكاء:
-علمت منذ فترة أنه يبحث عني وقد أرسل لطلب لقائي لكني رفضت، لأتفاجأ به في منزل خالتي تفاحة قبل عقد القران بعدة أيام ، جاء يطلب مني الصفح.
ردد بتساؤل :
-صفح؟!!
هزت رأسها و تابعت وقد بدأت الدموع تخدش مقلتيها:
-نعم جاء يطلب الصفح عما فعله بأبي عندما أجبره على ترك أملاكه ومغادرة مدينتنا و طلب مني أيضا أن أسامح ابنه لقتله لأهلي.
قاطعها بغضب هادر:
-هل قابلته؟
قابلت ابن عمك ولم تخبريني ؟
ردت بسرعة :
-لالا لم أفعل أقسم لك لقد جاء وحده أصلا ابنه مات كل أولاده الذكور ماتوا.
ظهر عليه عدم التصديق لتكمل:
-هو أخبرني بأنهم ماتوا جراء انفجار لغم بهم لا أعرف التفاصيل كلها ولا تهمني لكنه أصر أن يعطيني ثمن أملاك أبي التي استولوا عليه سابقا و حقه في ميراث جدي رحمه الله .
مرت دقائق طويلة عليها قبل أن يرد قائلا بنبرة لم تستطع تحديدها:
-لماذا لم تخبريني وقتها؟
على الأقل كنت خطبتك منه و..
قاطعته في حدة لم تقصدها:
-هذا أحد الأسباب لا أريده أن يكون وكيلي أو أن يظن لثانية بأني سامحته وأنه في مقام والدي رحمه الله ، لن ينال شرف وضع يده بيدك أبدا .
لم تتغير نبرته عندما رد:
-كان يمكنك إخباري بعد عقد القران لم أخفيت الأمر هناك سبب آخر صحيح ؟
شعرت بأن دموعها ستخونها لامحالة لتغمض عينيها وترد بصوت مبحوح :
-حتى لا تتراجع عن الزواج بي .
لم يفهم ماذا تعني ليقول بحذر:
-لم قد أتراجع ؟
أعرف قصة عمك جيدا ما الذي اختلف بظهوره كي أغير رأيي ؟
مسحت طرف عينها و ردت:
-لست غبية أعرف جيدا بأن جزءا كبيرا من رغبتك بالزواج مني هي أني وحيدة ليس لدي سند هذا إذا لم يكن ذلك هو السبب الوحيد، ظهور عمي و الإرث قد يجعلك تعيد التفكير في الأمر كثيرا.
انتعش قلبه قليلا لكنه لم يظهر شيئا بل قال:
-سبق وأخبرتك بأني لست جمعية خيرية كي أتزوجك لمجرد الشفقة لكن السؤال الأهم الآن هو لماذا أنا ؟
لو كنت تريدين الستر فقط لوجدت الكثيرين منذ أول يوم وطأت قدمك لهذه البلاد، لا تقولي بأن الخالة تفاحة لم تعرض عليك عرسان أبدا ، ولا تقولي حزنك على والديك السبب .
جاءت لحظة البوح
لن تقدر على اللف و الدوران بعد الآن حسنا سوف تقولها حتى لو كلفها ذلك حلمها الذي لم تعشه بعد ويتحول لكابوس لا نهائي.
حضنت يدها اليمن اليسرى كأنها تربت عليها وتبعث الطمأنينة لصاحبتها لتقول بعد تنهيدة عميقة :
-لأني أريد الزواج منك أنت.
أسند فكه لقبضة يده ورد:
-ولماذا تريدين الزواج مني أنا الذات؟
ماهي الميزة التي أمتلكها؟
مطلق لدي طفل، أتحمل مسئولية عائلتي كلها، لست غنيا بدرجة تجعلك تتنازلين لهذه الدرجة خصوصا و أن كل أفراد العائلة تقريبا شركاء معي، لست وسيما و...
-لانني أحبك
بصوت هامس قاطعته ليقول وقد قرب وجهه منها:
-ماذا قلت لم أسمعك جيدا؟
أغمضت عينيها وردت:
-لأنني أحبك.
حاولت التحكم في هدير قلبها عندما أردفت :
-كما أنك وسيم جدا لا تدعي أنك لا تعرف ذلك.
لم تكن المرة الأولى التي يسمعها من فتاة فقد سمعها أيام المدرسة من عدة فتيات بل حتى عندما ترك الدراسة وبدأ في العمل حاولت أكثر من واحدة لفت نظره لأنه أصبح مؤهل للزواج من وجهة نظرهن.
لكنها المرة الوحيدة التي يشعر بها بل يتمنى سماعها منها بالذات منذ فترة ؛ فهي لم تقلها بلسانها فقط كجملة عابرة بل شعر بها تخرج من قلبها، الترقب الذي يظهر على وجهها مخلوطا بخجل فطري جعله يعود بظهره للخلف ويشير لها لتقترب منه فتركت كرسيها وفعلت لتقف على بعد خطوتين منه ليشير له بأن تقترب أكثر وعندما اقتربت خطوة أخرى جذبها وأجلسها على ركبتيه ليتأمل صفحة وجهها ، كم هي جميلة تشبه لوحة مرسومة من زمن مضى ، لوحة نادرة يجب أن توضع في متحف خلف زجاج واق ، عينيها التي كان يظن لونها بنيا ليكتشف عندما اقترب منها بأنهما بلون غصن الزيتون الذي جلب لحياته السلام أنفها و شفتيها و آه من شفتيها
مرر يده على جانب وجهها نزولا على رقبتها وجذعها وقال بصوته المذيب لأعصابها :
-متى أحببتني ؟
زمت شفتيها غير قادرة على الإجابة ليكرر وقد رفع يده ليمشط شعرها:
-متى؟
أريد جواب جمان ، كيف تأكدت ربما عطفت علي أو على ابني ؟
ظمآن لكلمة حب وحنان وهو الذي لم يكن يهتم يوما بهذه التفاهات قبلا، فقد عاش طفلا محبوبا من الجميع ولم يبخل عليه جده عثمان أو جدته خيرية بالعاطفة رغم قسوة الأخيرة على الكل، أمه كان دائما تمطره بالقبل والدعوات حتى بعد أن أصبح رجلا حتي والده زرع به الثقة في النفس فلم يتأثر يوما بأحد لكن درصاف نجحت في تحطيمها على مدار سنوات زواجهم لتهز ثقته بنفسه لدرجة أنه منع نفسه عن إظهار أي عاطفة حتى لا يقع في نفس الفخ ويكسر قلبه من جديد.

لم تستطع النظر في عينيه وقد اشتعلت وجنتيها  بحمرة الخجل وهي تجيب:
-لا أعرف متى أحببتك بالضبط ، لكن ما أعرفه أنني كنت أبحث عنك كل يوم ولا أرتاح إلا عندما أراك ، أتعمد الكتابة في المنتدى لأني أعرف بأنك ستقرأ أصبحت أصر على صناعة الفطيرة لأنك تحبها مجرد الشعور بأنك تأكل من صنع يدي يجعلني في قمة السعادة.
غطت وجهها بيديها بحرج و تابعت:
-أعرف بأنها تفاهات ماكان علي قولها اعتبر نفسك لم تسمعها من فضلك.
أبعد يديها وقبل أرنبة أنفها برقه ثم قال:
-ليست تفاهات أبدا ، لكنها لا تعني بأنك تحبيني لا تنسي بأنك قررت البعد في يوم وليلة.
هنا رفعت عينيها له وردت:
-وقتها كدت أموت حرفيا، صدقني لا أكذب عندما قررت ترك العمل لديكم والبعد أكثر شيء آلمني هو أني لن أراك بعدها، لم أحلم يوما بأن أتزوجك لكن على الأقل كنت أراك يوميا أما بعد أن بعدت فعلا كان قلبي يتمزق لدرجة لم أكن قادرة على التفكير بشيء أو اتخاذ خطوة فعلية للاختفاء.
أسندت رأسها على كتفه لتهرب من تلك الذكريات أو ربما كي تتأكد بأنها معه الآن وليس مجرد حلم ليطوقها بذراعيه ورد:
-لم أكن لأدعك تبتعدين عني حتى لو أردت ذلك.
رقص قلبها بين ضلوعها ورفعت رأسها قائلة :
-هل تحبني أيضا ؟
لم يرتوى بعد من عشقها لا زال يزيد المزيد ليطيب جروح الماضي
لذلك ابتسم ورد مازحا:
-بل تزوجتك شفقة فقط.
زمت شفتيها ليطلق ضحكة عالية ثم وضع يده في جيب بنطاله لتقول بحرج:
-حارث توقف ماذا تفعل؟
أخرج علبة مخملية متوسطة الحجم ورد:
-أخرج هذه أم ترين شيئا آخر ؟
قرن جملته بغمزة لتغضب و تقوم من مكانه متجهة لغرفة النوم ليلحق بها قبل أن تقفل بابها وهو يضحك بصوت عال وقفت في منتصف الغرفة تعقد يديها أسفل صدرها بغضب واضح بينما عينيها تنظران له بحب، لا تذكر أنها رأته يضحك هكذا قبلا عليه أن يتوقف قبل أن تبدأ في الذوبان ، كأنه سمع أفكارها ليتوقف ويقترب منها مادا لها العلبة لكنها لم تأخذها بل حافظت على وجهها الغاضب
فقال بجدية:
-أعرف بأني قصرت في حقك الأسبوع الماضي وكنت مشغولا جدا بدلا من أن أجلس معك و أطمئنك بل أشرح لك ما قلته في منزل الخالة تفاحة .
بدأت نظراتها في اللين لكنها لم ترد فسحبها من ذراعها لتجلس على الكرسي و جلس مقابلا لها ثم تابع:
-سبق وأخبرتك بأني لا أستطيع جلب لك ما جلبته في عرسي السابق
قاطعته بحدة :
-و أنا لم أطلب شيئا لقد خرجت من الحرب بحقيبة صغيرة بها بعض الملابس فقط لا أعرف كيف سترني الله وحماني برغم أني كنت معدمة حرفيا، من عاشت تجربتي لن تهتم بالمظاهر صدقني أنت أكبر بكثير من كنوز الدنيا كلها .
بحثت عن الكلمة المناسبة لتصفه بها فلم يجدها عقلها لتقول بعدها:
-يكفي أنك حارث بل حارث الجعفري.
لم يتوقع أبدا بأن اسمه مقرونا باسم قبيلته سيكون له هذا هذا الوقع عليه؟
هذا ما يقال عنه الحب الحقيقي ؟
هذا العوض ؟
كيف لكمات بسيطة غير مرتبة بأن تقلب صحراء قاحلة لبساتين غناء مزدهرة ؟
شهقت لتخرجه من أحلام اليقظة ليجدها قد فتحت العلبة وتنظر لها بعينين تلتمعان في سعادة ليأخذها منها ويقول شارحا:
-هذه الجنيهات الذهبية كانت في عقد تلبسه أمي دائما ولأني أحبه وأعرف بأنها قديمة فطلبت من أيوب أن يصنع منه شيئا حديثا يليق بك ما رأيك ؟
تم تحويل العقد لحلق و خاتم وسلسال ينتهي بجنيه كبير الحجم و الباقي صنع منه إسوارة رقيقة، كما قام بإحاطة الجنيهات بحبات لؤلؤ صغيرة ليتغير منظرها تمام، نظرت له وقد امتلأت عيناها بالدموع وقالت:
-كنت سأرتدي عقد والدتك رحمها الله يكفي بأنه من رائحتها وأنك أعطيته لي .
للمرة العاشرة أو أكثر التي تفاجأه بها لا يصدق ماسمعه لكن كلماتها الصادقة وصلت لقلبه.
قفزت لذاكرته حادثة منذ أكثر من عامين عندما زارت درصاف منزل والده أول مرة كعروس قامت والدته بخلع العقد من رقبتها و إعطائه لها قائلة :
-لقد أعطته لي عمتي خيرية يوم الصباحية وها أنا أعطيه لك لتفعلي مثلي وتعطيه لزوجة ابنك يوما ما.
ابتسمت درصاف دون رد وبالطبع لم تأخذه بل تركته في منزل والديه قامت مشكلة على إثرها وقد غضبت فتحية كثيرا لتقول درصاف بأنه قديم ولا يناسب ذوقها؛
لذلك أمضي أكثر من ثلاثة أيام يقف على رأس أيوب كي يغيره للتشكيلة التي اختارها بنفسه وهو يدعو أن تعجب جمان ، يريد لأثر أمه أن يظل كما هو لكنه لايريد أن يفرض عليها لبس شيء قد لا يناسب ذوقها.
وقفت من من كرسيها لتجلس على ركبتيها أمامه وقالت:
-ألبسني
رد بابتسامة واسعة :
اعطني ظهرك كيف سأفعل هكذا؟
رفعت كتفها وأنزلتها قائلة :
-تؤ تؤ هكذا اعتبره واجب عليك حله وإلا أبلة جمان سوف تعاقبك.
بابتسامة شقية أمسك العلبة وبدأ بالحلق قائلا:
-إلا العقاب أنا طالب نجيب ولا أحب العقاب أبدا .
ألبسها الحلق بتمهل ليقبل كل أذن على حدة ثم ألبسها الخاتم والإسورة بنفس الطريقة ليأتي دور السلسلة فرفعت شعرها للأعلى ليميل يقبل رقبتها برقة فضحكت قائلة :
-حارث توقف أنت تدغدغني.
رد ببرائة مصطنعة :
-ماذا فعلت شفتاي اصطدمت برقبتك دون قصد.
زمت شفتهيا ورفعت عينيها للأعلى فيما استمر هو بتقبيلها ليضع السلسال الذي وجد صعوبة في إغلاقه فضحكت وقالت:
- هاته سوف أغلقه وحدي.
لم تعطه فرصة بل استقامت لتذهب للمرآة وتقوم بغلقه ثم وضعت يدها التي بها الخاتم على السلسال وأخذت تتأمله في سعادة واضحة ليحضنها من الخلف ويقول:
-ما جلبته لك أشماس أجمل من ذلك بكثير.
التفتت لتقابل عينيه وردت بسعادة حقيقية :
-أنت صنعتها من أجلي هذا يغنيني عن ذهب الدنيا كله ، أحبك حارث أحبك أحبك
ابتلع باقي كلماتها بين شفتيه فلم يعد يقدر الصمود أمام سيل عواطفها الفياضة لتبتعد عنه وتقول بدلال جديد عليها:
-أريد أن آكل أولا قبل أن يبرد الطعام.
وضع يديه أسفل ظهرها وحملها لتتلف ساقيها حول جذعه بتلقائية فابتسم ورد:
-لدي نقص في السكر تعالي نحلي أولا .


❈-❈-❈

قلبت أفطيم مقلتيها وقالت عبر الهاتف:
-أخبرتك بأن أسلوب الابتزاز العاطفي هذا لا يجوز التعامل به مع عبدالخالق، أنت تستغلين حبه لك عليك تركه يذهب ربما بعدها يقرر هو بأن الوضع ليس آمنا ويقتنع بضرورة البدء في عمل جدي.
ردت مبروكة بعناد :
-لا أفهم تلك المصطلحات الغريبة التي تقولينها، المهم عندي ألا أخسر ولد آخر من أولادي يكفيني ماخسرت، ثم ماذا لو ذهب و أصابه مكروه؟
حاولت التحدث بالمنطق لعلها تستجيب لها فقالت:
-وربما يصاب بحادث ، ربما يشتعل البيت بسبب ماس كهربائي ربما يصاب في مشاجرة أو ربما يحدث له تسمم طعام
قاطعتها في فزع:
-أعوذ بالله من فألك ماهذا الكلام يا فتاة صدق من قال عليك بومة .
نظرت لسفيان بنصف عين وردت:
-من الذي يطلق علي هذا اللقب؟
مطت شفتيها ثم قالت مغيرة الحديث:
-لا تنسى بأن تتصلي بجمان لتباركي لها و لحارث و اخبري سفيان ليفعل المثل.
تنهدت وردت:
-سأفعل لا تقلقي المهم اخبري عبدالخالق أن يرد على اتصالاتي أريده في أمر ضروري.
خرجت للحديقة تبحث عنه بعينيها لتجده يجلس مع سنان و يزيد فقالت:
-خذي كلميه إنه هنا.
نادت عليه تعطيه هاتفها و ذهبت لتجلس بقرب سنان فيما رد هو على شقيقته التي قالت:
-ماذا حدث مع نهى ألم أطلب منك أن تساعدها؟
رد بملل:
-اسمعي تلك النهى مغرورة ومتكبرة من تظن نفسها لم تدعني أفتح الحاسب الآلي وحدي ظنا منها أني لا أعرف كيف!
بل إنها سألتني بكل وقاحة إذا كنت أعرف الفرق بين البرامج و أستطيع قرائتها باللغة الأجنبية أم لا!
والله لولا أنها فتاة لكنت كسرته على رأسها كي تعرف مع من تتكلم.
زفرت وردت:
-سوف أتحدث معها لكن من فضلك يجب أن تساعدها اسمع ما رأيك أن تعمل من المنزل على برنامج تصنيف الأدوية و أماكنها وكذلك البرنامج الخاص بالحسابات الذي أخبرتني عنه حتى أعود كي تنزله بعدها في الصيدلية .
رد بحدة :
-ولماذا أضيع وقتي على متعجرفة مثلها؟
بنبرة مترجية اجابته :
-من أجلي لقد ساعدتني نهى كثيرا حتى قبل أن نأتي هنا هل نسيت ماعانته من طليقي سابقا؟
يكره عندما تستخدم معه تلك النبرة ، فهي تعرف بأنه لا يحب إحزانها أبدا لذلك قال:
-حسنا سوف أفعل لأني لا أجد ما أفعله فقط لا غير لكنك مدينة لي مفهوم.
ظهرت السعادة في صوتها وردت:
-كنت أقنع أمي بضرورة عودتك للوطن ولن أهدأ حتى تقتنع حبيبي عبدو.
-عبدو!!
ماهذا الدلع الماسخ اقفلي هيا .
ضحكت و أغلقت الخط ليدخل لفيلا حارث ليعمل قالت مبروكة :
-ماذا سوف تهدين زوجة أخيك ؟
نظرت لها سنان باستغراب لتتابع:
-لم تعودي صغيرة كنت أتوقع أن تعطيها شيئا في الحنة كونك أخته الوحيدة الآن لم تفعلي .
ادعت الغباء وتابعت اللعب مع يزيد لتقول:
-حسنا سوف أشتري لها باقة ورد أو علبة شوكلاتة عند حضورها.
ردت مبروكة بحزم:
-سنان يا ابنة فتحية لا تحاولي التغابي عليِ و إلا سيكون لي تصرف آخر مفهوم.
شعرت بالخوف لترد بصوت منخفض:
-لا أستطيع تقبلها أمي مبروكة لقد أخذت مكان درصاف.
عقدت يديها و ردت :
-درصاف التي لم تترك أحدا إلا و أخبرته بأنها أجبرت على الزواج من شقيقك، أم تلك التي تركته مع طفل رضيع سنة كاملة بسبب مرضها الذي تصرون عليه لتعود بعدها ولم تكلف نفسها حتى تعزيته؟
تعرفين بأنها لم تعزيني في بناتي و أحفادي؟
تسنيم ماتت وهي تتصرف كأن شيئا لم يكن، هذا غير أن أمها من قتلت أمك أم نسيت .
شعرت بنفس الغصة تسد حلقها عندما تذكرت أهلها، من كثرة ماخسرت من الأحبة أصبحت لا تعد من رحل بل من بقى!
يالها من سخرية فعدد الراحلين قارب من المئات وكل اسم منهم يمثل وجعا خاصا، وجع تحاول تخطيه وادعاء بأن كل شيء سيكون بخير الآن فقط عرفت كيف يعيش شعب في حرب مستمرة لعقود يفقدون فيها كل يوم أم وطفل وعزيز ليقوموا من جديد في اليوم التالي يواجهون الحياة بقوة كأنهم لم يحزنوا يوما.
مسحت دموعها و ردت:
-لا تنسي أنها أم يزيد وأخت رؤوف.
بصوت به نبرة بكاء قالت محاولة كتم ألمها:
-اتركي قصة أم يزيد على جنب أعترف بأنها تحسنت في ذلك، ولنتحدث عن رؤوف رحمه الله متى كانت أخته بحق؟
المسكين تربي بين بيتي وبيتكم أم نسيت ؟
أفطيم بكت عليه أكثر منها بل عبد الخالق وعلي بالذات كادا أن يصيبهما جنون لدرجة أني حلفت عليهما ألا يعودا للوطن ، كم مرة اتصلت به وقت الحرب.
لترد بصوت واهن:
-لقد كانت في المستشفى لا تحاسبينها أرجوك ثم هي ذهبت الآن للوطن كي تعيده أم نسيت.
صرخت بها وقد طفح الكيل:
-بل ذهبت تجري وراء أمها التي خربت حياتها لتصنع منها فتاة متعجرفة لا تعرف قيمة الرجل الحقيقي ، لا أعرف أي أم تحرض ابنتها على الطلاق من رجل كحارث بل وتركت ابنها أيضا .
توقف يزيد عن اللعب لينقل عينيه بين مبروكة و سنان وقد شعر بأن الأمر ليس على مايرام ، استغفرت مبروكة وقالت بحنان:
-تعال لجدتك زيزو سوف نذهب بعد قليل لتفاحة كي تلعب مع
تهللت أساريره و قاطعها بفرح:
-بياسم يعني بلقاسم
لتتسع ابتسامتها فأسرع ليحضنها ويجلس في حضنها كي لا تذهب وتتركه قبلت يده و بدأت تقرأ عليه المعوذتين كما تفعل دائما ثم قالت لسنان:
-اليوم تختارين لها هدية تليق بزوجة حارث لا أريد أن ينتشر الحقد والغل بيننا جمان أصبحت واحدة منا مثلها مثلك مثل أشماس و أفطيم مفهوم.

عمتها محقة تضامنها مع درصاف بهذه الطريقة سوف يقسم العائلة وقد يخلق درصاف أخرى ؛ خصوصا لو أنجبت جمان قد تكره أطفالها بالتبعية لذلك عليها أن تطوع نفسها وتحاول تقبلها من أجل حارث على الأقل وعندما تعود درصاف يكون لكل حادث حديث.

❈-❈-❈

في الدولة الأجنبية

وضعت لمار كوب القهو على الطاولة وقالت:
-لا زلت لا أصدق أنت و هادي؟
لم تجدي أفضل منه؟
بسخرية ردت:
-أفضل منه؟!!!
بل أنا التي أسأل نفسي ما الذي أعجبه بي؟
عموما لم أسمع منه منذ أن أخبرته بحقيقة وضعي بالكامل ولا أعتقد بأنه سيعود أصلا طلبه لا يتعدى كونه شهامة منه كي ينقذني من كمال فقط.
لتعقد لمار حاجبيها و ردت:
-لا تقولين بأنك لازلت تفكرين في عرض كمال؟
أخذت رشفة من قهوتها :
-هو من عدل عن الأمر ، عندما عرف بأني مطلقة طبعا لم يقلها بهذه الطريقة بل تحجج بأن لديه عمل كثير ولا يستطيع أن يعود للوطن كي يطلبني من أهلي و يتمم الزواج لكنه طبعا لايزال يريد الخروج معي تعرفين ماذا يعني ذلك طبعا.
شهقت لمار وقالت بصوت عال :
-الحقير الواطي يريد أن يتسلى فقط، عمتك محقة لرفضها إياه منذ البداية.
بمرارة ردت:
-لن تغطي الشمس بغربال لا توجد فرصة لواحدة في ظروفي لذلك سوف أستمر في الدراسة والعمل لكن أولا يجب أن أعود للوطن أمي متعبة جدا و زوجة محمود تشتكي منها كثيرا لا أعرف ماذا يحدث فهي لا تتحدث كما تعرفين و حسن دائما في العمل.
لترد لمار في مرح:
-ممتاز سوف أعود معك لقد اشتقت للوطن.
نظرت له بنصف عين وقالت:
-منذ متى هذا الاشتياق؟
بل السؤال الأصح لمن هذا الاشتياق هل هناك قصة تجري من ورائي ؟
بدأت الحمرة تغزو وجنتي لمار لترد مدعية اللامبالاة :
-لا قصة ولا يحزنون أنا فقط أصبحت أحب بلدي هل هذه جريمة ؟
ثم كما تعرفين ليس لدي أحد هنا وعملي لا يحتاج دوام يومي عموما كنت أريد تسليتك فقط لن أذهب .
بابتسامة شقية قالت:
-كما تريدين لامي عموما سوف أتفق مع عماد على كل شيء فهو الذي يستقبلني وقد أبقى عندهم أفضل من الفندق تعرفين أحب بيتهم كثيرا.
رمت الطعم لتغمز الصنارة فورا فقد تغير وجه لمار لتقول بغيرة واضحة :
-ولماذا تتصلين بعماد؟
اتصلي بإخوتك هم الأولى بتوصيلك ، أعني أنهم قد يتضايقون لو ذهبت معه.
بتسلي ردت:
-مِن عماد؟؟
مستحيل أصلا أنا أذهب معه طوال عمري قد يكون الوحيد المسموح لي بالركوب معه بل إنه يتصل بي في أي وقت عمدة الغالي لا يوجد له مثيل.
-عمدة ؟؟؟
قالتها بغضب لتردف:
-فتنة يجب أن تحذري أعني أنت جميلة وهو شاب و..
قاطعتها بضحكة مرحة ثم قالت:
-وأنت واقعة في حبه و تعاندين صح؟
اصطبغ وجهها باللون الأحمر لتنكس رأسها فتابعت فتنة :
-هيا قولي متى حدث ذلك وكيف تسير الأمور بينكما أريد التفاصيل كاملة .
شعرت لمار بالراحة لأن فتنة لم تغضب منها بل أخذت الأمر بمزاح وبدأت تقص عليها قصة الحب المستحيلة بكل المعايير بالنسبه لها


❈-❈-❈

في بلد أيوب

مضت العشرة أيام كعشر سنوات خصوصا وهو يدعي الصبر والتفهم، لازالت تلومه ولم تنسَ الماضي بل الأصعب أنه خسر ثقتها المطلقة ولا يعلم إذا كان يستطيع استعادتها أم لا؟
يعلم بأنها لاتريد إجهاض الطفل لكنه لم يفكر أبدا بمخاوفها تلك، لأنها ببساطة لم تكن موجودة قبلا
أي قبل أن يخون ثقتها و يتزوج بغيرها!
شعر بالخناجر تمزقه وهو بقربها ، رغم كل الأعذار وحقيقه بطلان زواجه من غيرها فقد فعلها وخلق ثقبا كبيرا في علاقتهما قد لا يستطيع إصلاحه أبدا .
قالت بصوت منخفض أخرجه من أفكاره :
-لازلت غاضبا من حارث؟
الموضوع كله سوء تفاهم وانتهى.
رد دون أن ينظر لها:
-لا لم أعد غاضبا لقد ذهبت له في الصباح الباكر مع فطور العرسان.
ظهر عليها الامتعاض و ردت:
-عمتي رفضت أن آكل من الكبدة بحجة أنها تضر الطفل تصدق؟
زفر دون رد لتمسك بيده و قالت:
-اسمعني أيوب الأمر ليس كما تظن ولا أحد منا يظن بأنك بدون نخوة الأمر فقط ..
رد بغضب رغم أنه لم يكن يفكر في الأمر أساسا :
-ماهو الأمر إذن ؟
اكتشفتم فجأة بأني لا أعرف عاداتكم بل إني لا أحمل أي ذرة رجولة ؟
تلفتت حولها لترى إذا وصل صوته لأحد ثم ردت بهمس:
-كونك لا تعرف كل عاداتنا هذا أمر طبيعي خصوصا أن معظم اختلاطك بالشباب و لم يحدث أن ذهبت مع أحد منهم لأماكن سهر أو تعرف ماهو الذي يجوز ولا يجوز عندنا، أما الشق الآخر لو شك جدي واحد في المليون بك لم وافق عليك وأصر أيضا .
لم يبدو عليه الاقتناع ، جزء منها أخبرها بأن الأمر ليس مشكلته مع حارث بل هناك أمر آخر لم تعرفه بعد لكنها مصممة على إنهاء الخلاف من أساسه حتى لا تبقى شوائب عالقة .
ضغطت على يده وقالت:
-ما رأيك في المرأة التي تدخن أو تشرب الأرجيلة ؟
ظهر الجواب واضحا على وجهه ليرد:
-منحلة طبعا أعرف بأنه يوجد من تفعلن لكني لا أقدر على تقبل هذا أبدا .
ردت بابتسامة مذاكرة :
-أم فادي جارتنا تدخن وبناتها يشربن الأرجيلة بل إنهن يفعلن ذلك في حضرة والدهن.
فغر فاه في غير تصديق لتتابع:
-هل تقول بأنها ليست محترمة ؟
مسح وجهه بكفيه و استغفر ليقول:
-لا أصدق أعني أنهم محترمون جدا الرجل حاج بيت الله
لتقاطعه :
-هي أيضا حجت معه وجميع بناتها محجبات لكن الأمر عادي في بلدهم وليس مستنكر مثل عندكم وعندنا.
قلب مقلتيه ورد:
-ماذا تريدين القول ياحكيمة زمانك؟
عدلت قميصها وقالت متظاهرة بالأهمية :
-الأمر العادي عندكم قد يكون مستنكرا لدينا والعكس لذلك لا تأخذ الأمر بحساسية أو أنه خاص بك ، كما أني وعدتك بتعويض خاص.
نظر لها بطرف عينيه وقد لانت ملامحه ورد:
-أي تعويض والسيد يزيد ينام بيننا؟
ضحكت ليجزرها بنظراته فوضعت يدها على فمها ثم ردت:
-لا أستطيع تركه الآن، حارث مع عروسه ودرصاف مسافرة تحمل قليلا أعدك بأن التعويض يستحق الانتظار.
ليقول بغيظ:
-مما رأيته اليوم شهر العسل سيستمر سنة ويبدو أنني من سيدفع الثمن.
نادت الممرضة على اسمها لتزداد دقات قلبها ولم تقو على الوقوف ليمسك هو بيدها هذه المرة و يساعدها لتستقيم ويدخلا للطبيبة فقد حانت اللحظة الحاسمة.


❈-❈-❈

دخل عبدالخالق الصيدلية يضع حقيبته على كتفه ليجدها تجهز الأدوية لعدد من الزبائن، اختار هذا الوقت بالتحديد لأنه يعلم بأن الصيدلية تكون مزدحمة وبدون استئذان توجه لخلف الحاجز الفاصل و أخرج جهاز الكمبيوتر الخاص به وبدأ في وصله بجهاز الصيدلية ليبدأ عمله متجاهلا وجودها تماما بل إنه لم يلقِ عليها السلام حتى
بدأ بركان الغضب يغلي بداخلها لمعاملته الفظة تلك وتدخله السافر في عملها دون أخذ إذن على الأقل ، حاولت ضبط نفسها قدر الإمكان كي لا تظهر شيئا أمام الزبائن فمعظمهم باتوا يعرفونها بل إنهم لا يأخذون الدواء إلا منها حتى لو لم يتوفر ينتظرون لتحضره لهم ، شخصيتها و رقتها في التعامل جعل الجميع يرتاح لها و تعدد الجنسيات في هذا المجمع السكني أيضا ساعدها فهي تفهم لهجة معظم المقيمين و تعرف كيف ترد عليهم؛ هذا مافكرت به كي تخمد بركانها قليلا.
توجهت لمنطقة الكاشير لتفاجأ بأن الشاشة تظهر لغة غريبة لم تفهمها طحنت ضروسها وقالت:
-أسطى عبدالخالق ماذا فعلت في الجهاز يظهر لغة غريبة؟
رفع حاجبه ورد بسخرية :
-أسطى؟؟؟؟؟؟
تكتفت ولم ترد فيما حرك الزبون عينيه بينهما لتقول هي من تحت ضرسها:
-ماذا فعلت لا أستطيع إدخال البيانات أعد كل شيء لوضعه الطبيعي.
أخذ الدواء منها و قام بإدخاله في المنظومة و أكمل عملية البيع وهي تقف مكانها بداخلها تتقافز حمم بركانية كم تتمني أن تكون حقيقية لترميها عليه وعندما خرج الزبون قال بسخرية :
-هذه لغة فرنسية وليست غريبة واضح أنك لا تعرفينها .
عقدت حاجبيها ومالت تدقق في الشاشة لتجد أنه محق، صحيح أنها لا تجيد الفرنسية لكن كيف غفلت عنها هي ليست بعيدة كثيرا عن الإنجليزية ؟
شعرت بالحرج لكنها لم تظهر ذلك لترد :
-حتى لو، أعد كل شيء لا أريده فرنسي ولا غيره.
شعر بتسلي و هو يراها تعاند ولا تريد الاعتراف بخطئها ليرد ببرود:
يجب أن أعيد برمجة كل شيء عليك إغلاق الصيدلية لساعتين على الأقل تعرفين هذا عمل محترفين وليس أسطوات ؟
زفرت و أخذت تهز قدمها لتقول باستسلام :
-حسنا لم أقصد التقليل منك ، اعتقدت بأنك ضابط فقط أعني لم أكن أعرف بأنك دارس فعلا.
وضع يديه في جيبه و بدأ في التصفير لتزداد حنقا كم ودت أن تطرده الآن ، لا يهم لو دفعت لشخص آخر مبلغا كبيرا بدلا من الاعتذار لهذا المتعجرف ، هي أصلا لا تطيقه منذ أن كانت تعمل مع أفطيم في بلده عندما يأتي للصيدلية وهو نادرا ما كان يحدث ولا يتحدث كثيرا بل إنه يتعمد ألا يدخل لو كانت وحدها بدون شقيقته !
لا تذكر بأنها اصطدمت معه قبلا كل ما تعرفه عنه أنه يعمل ضابط في الجيش مكالمة أفطيم لها و شرحها بأن تخصصه هو هندسة البرمجيات وأنه لم يدخل الجيش إلا بعد تحصله على شهادة جامعية أدهشها لكنه لم يغير الكثير من رأيها فيه فهو مغرور يظن نفسه أفضل من الجميع.
رسمت ابتسامة مغتصبة على شفتيها و قالت:
-هل يمكن من فضلك أن تصلح العطل يا بشمهندس عبدالخالق.
سحب الكرسي وجلس أمام جهاز الحاسب و قال بغرور:
-احضري لي دبل مكياطة بسرعة.
سمع صوت تكسير زجاح لكنه لم يهتم بل كتم ابتسامته وبدأ في تحميل البرنامج وإدخال البيانات بينما هي في الخلف كسرت كوب زجاجي من الغيط وكادت أن تكسر الآخر لتحاول ضبط نفسها ثم قررت أن تهدأ وتخرج خلطة المكياطة التي حضرتها أفطيم قبل زواجها لتسخن الحليب و تجهز له كوب وثم ذهبت له تنوي تسميم بدنه بكلمات لاذعة لتجد أنه مستغرق فيما يفعله ولم يشعر بها تركت الكوب بقربه و ذهبت للجهة الأخرى ترص الأدوية بهدوء وقد استغربت عدم دخول أي زبون لينتهي عمله بعد ساعة تقريبا
ليقول:
-انتهيت يمكنك تغير اللافتة ليدخل الزبائن.
ردت بغير فهم:
-أغير ماذا ؟
رن هاتفه ليبدو عليه القلق عندما رأى اسم المتصل و أسرع يخرج من خلف الحاجز ليقلب اللافتة المعلقة باب والتي كانت تعلن عن إغلاق الصيدلية ليقول :
-نعم درصاف ماذا هناك؟
اتسعت عيناها عندما فهمت ماذا يعني، لقد كانت الصيدلية مغلقة طوال الوقت وهي لا تعلم!
لن تسكت هذه المرة يجب أن يعرف مقامه جيدا ذلك المتعجرف .
اندفعت خلفه بقوة لتجده يقف أمام الصيدلية فكادت تصطدم بظهره وسمعته يقول بوضوح:
-اهدئي سوف أكون عندك غدا لكن لا تخبري سفيان ولا أفطيم ، لا تقلقي كل شيء سيحل اهدئي فقط ولا تتحركي من مكانك سوف أرسل لك من يأخذك من المنزل لكن أولا نفذي ما أخبرتك به.
أغلق الهاتف وشعر بأحد يقف خلفه لينظر من فوق كتفه فوجدها ليلتفت بكله ويقول بتحذير:
-إياك و إخبار أفطيم مفهوم.
هزت رأسها بالموافقة دون أي مقاومة منها كما تفعل عندما يتحدث معها بهذه اللهجة الحاسمة لتشاهده يبتعد وهو يرفع هاتفه ويتحدث مع أحدهم بينهما هي تسب نفسها لانصياعها له بهذه السهولة ؛ ضربت الأرض بقدمها و هي تقسم بأنها لن تمرر له الأمر عندما تراه المرة القادمة لتعود بعدها للصيدلية ثم تذكرت ماسمعته فشحب وجهها، المعني واضح درصاف في مصيبة و هو ذاهب لإنقاذها أو ربما هي خطة لاستدراجه من طليق أفطيم لينتقم منهم بعد زواجها ؟


❈-❈-❈


لم تصدق عندما أخبرها بأنها سوف تحب الرحلة النيلية وحاولت التملص منها لكنه أصر عليها لتجد بأنه محق ؛ أخذت نفسا عميقا مخلوطا برذاذ النيل لتسند رأسها على كتفه وتقول:
-المنظر جميل جدا تصدق أني لم أفكر أبدا أن أتمشى حتى على النيل؟
رد بسعادة انتقلت له منها:
-تعتدل الأوضاع قليلا و آخذك لنهر السين وعد مني جمان.
التفتت له في غير تصديق وردت:
-أنت تمزح صحيح ؟
لم أحلم يوما بزيارة مدينة أوروبية أبدا .
مرر إبهامه على خدها ورد:
-أعدك برحلة طويلة إلى كل أروبا اصبري قليلا فالأحوال ليست على مايرام الآن لكني أنوي بيع قافلة الجمال التي أملكها في الوطن عندها سوف يتحسن الوضع.
عدلت جلستها لتقابله وقالت:
-ليست أول مرة تقول لي نفس الكلام ماذا تعني بأن الأمور ليست بخير؟
بسم الله ماشاء الله تملك عددا من الشقق وتقوم بتأجيرها هذا غير عملك مع المعلم صالح و..
قاطعها :
-الشقق اشتريناها أنا و أشماس قبل الحرب بكثير كانت فكرة أيوب في الحقيقه قبل أن تبني المدينة أصلا وكان سعرها زهيدا جدا، لقد خرجنا مثلك من الوطن بل أنت أفضل ربما فنحن لم نحمل معنا ملابس وقتها، الشيء الوحيد الذي ساعدنا أن جدي رحمه نصحنا بالاستثمار هنا بعد عدة مشاكل في الوطن.
عقدت حاجبيها وقالت:
-اسمع لا أفهم شيئا ماهي المشاكل التي حدثت بالضبط؟
أخبرها بكل شيء منذ بداية معرفة أيوب لسرقة عمه عوض حتى بعد الحرب بأخذه لمال أشماس و أيوب و مشاركة خالهم إبراهيم أيضا ليقوم بشراء الفيلتين ويستقر بهما مع من بقى من قبيلته.
أصغت بقلبها قبل أذنيها وعندما انتهى ردت بمرح:
-ممتاز الآن عرفت ماذا سأفعل بورثي شغله معك.
تجمدت ملامحه وقال بغضب:
-إياك وفتح الأمر مرة أخرى لن آخذ مال زوجتي كي أصرف على أهلي .
أشاح بوجهه عنها لتمسك بفكه وتلفه ليقابلها وردت برصانة :
-أولا أنا لن أعطيك مالي بل سوف أدخل معك شريكة مثل أشماس و أيوب ثم ألست أنا أيضا أهلك ؟
وهم ألم يصبحوا أهلي ؟
ثم ماذا سأفعل بكل هذا المال لم أعتد على التصرف بمبالغ كبيرة .
نظراتها تبين صدقها لكنه رد بصرامة :
-سوف أفتح لك حسابا في البنك ، وديعة تتصرفي بها كما تريدين ،ولا تفتحي هذا الموضوع مرة أخرى .
زمت شفيتها و عقدت يديها معلنة رفضها لطلبه ليزفر ويحاول مراضاتها عندما رن هاتفه برقم عبدالخالق

بعد ساعتين كانا في فيلا مبروكة مع أيوب و أشماس ليقول عبدالخالق:
-هذا ما تأكدت منه من صديقي لذلك يجب أن أذهب كي أعيدها فورا قبل أن تتهور أكثر أو تقوم تلك الميليشيات بخطفها هي أيضا.
ردت مبروكة :
-هل أنت متأكد من صديقك هذا ؟
أعني ربما يكون من طرف أشرف أو عياد لينتقم منكم لا أستطيع المجازفة بك.
لتقول أشماس بصدمة :
-ونجازف بدرصاف؟
ليقول حارث:
-هي من جازفت وذهبت رغم اعتراض الجميع بل تركت ابنها والآن يجب أن نجري ورائها لن أدفع مليما واحدا من أجل قاتلة أمي وأبي لا تحلموا بأن أسمح بأن تأخذ مالي بعد الآن أبدا.
لتقول سنان بحدة :
-قررت بيع ابنة عمنا و أم ابنك الوحيد الآن ؟
لترد مبروكة :
-سنان احترمي شقيقك الكبير هو يتحدث عن هناء ومعه حق أنا أيضا أتفق معه لماذا ندفع لها هذا المبلغ كله؟
تدخل أيوب :
-حتى لو وافقنا على كلام صديق عبدالخالق لن نستطيع دفع المبلغ المطلوب إنه كبير جدا كما أن عودة والدتها ليست أكيدة خصوصا و أن تلك العصابة أو الميليشيات لا تلتزم بكلمة كما فهمنا.
لتقول جمان التي لم تتدخل طول الجلسة حتى الآن :
-لماذا لا نقسم البلد نصفين؟
التفتت الأعين لها لتشعر ببعض الخوف لكنها تابعت:
-عبدالخالق أصلا كان يخطط للذهاب إذن ليذهب يكمل عمله هناك ويخرج درصاف أما مسالة والدتها فهو من سيحدد جديتها عندما يصل هناك على الأقل نطمئن على عودة درصاف .
همست سنان:
-كأنها تريد عودتها فعلا.
لتقول مبروكة بصوت عالٍ قاصدة أن تغطي على سنان:
-سلم لسانك يا ابنتي ، رغمي خوفي من سفر عبدالخالق لكن المهم عودة تلك المجنونة و ألا يعلم سفيان الآن، أي أنه لديك أقل من أسبوع كي تذهب و تعود مفهوم.
-ممتاز.
قالها عبدالخالق و وقف ليقف معه أيوب و حارث ثم أردف الأخير :
-تعالى كي نناقش الأمور الأخرى غدا صباح تذهب للعاصمة .
ذهب الشباب لفيلا حارث بينما جلست الفتيات مع مبروكة التي قالت :
-بشري يا أشماس ماذا قالت الطبيبة لم تخبريني؟
التفتت لها جمان وقالت بسعادة :
-حامل!!!
هزت رأسها بابتسامة واسعة وردت:
-نعم العقبى عندك.
-آمين
قالتها برغبة حقيقية لتلوي سنان فمها فنكزتها مبروكة لتقلب عينيها بينما قالت الأولى :
-هل سمعت النبض و اطمئن قلبك ؟
وضعت أشماس يدها على بطنها وعادت بذاكرتها لعدة ساعات مضت عندما دخلت لغرفة الكشف لتستلقي على السرير وتضع الطبيبة الجل على بطنها لتحرك الجهاز عليها مرت ثوان كأنها سنوات قبل أن تسمع صوت يشبه عدو الخيول فابتسمت الطببية وقالت:
-هذا نبض ابنكما.
انحنى أيوب و أسند يديه على ركبتيه يحاول التنفس بينما نزلت دموعها لتقوم الطبيبة بأخذ مقاسات للجنين ليعتدل أيوب و يقبل رأس أشماس ثم قال:
-كم طفلا عندك أسمع أصوات كثيرة
ردت بنفس الابتسامة:
-الأصوات طبيعية لقلب الجنين في العادة يكون عاليا في هذه الفترة عموما يوجد جنين واحد ولا قبل أن تسأل لا أعرف إذا كان فتاة أن صبي.
انهت الطبيبة الفحص ثم طلبت منها أن ترتدي ملابسها لتشرح لها أكثر
أراد أيوب أن يحتفلا بالخبر السعيد لكن اتصال عبدالخالق غير الأمور لينتهي بهم الأمر هنا في الأخير .
صفقت سنان وقالت بمرح:
-نريد فتاة و أفطيم ولد وجمان فتاة هكذا أفضل.
ضحكن لتقول مبروكة:
-اكتبي طلباتك في ورقة كي نطبعها قبل سحبها.
ضحكت جمان و أشماس معا لتعقد سنان حاجبيها
فقالت أشماس:
-بصراحة أنا أريد فتاة لكني لن أتشرط ، الطبيبة قالت أن حظي جيد لأني حملت دون علاج بسبب اضطرابات الدورة لدي.
لترد جمان:
- أنا أريد فتاتين عشت طوال عمري وحيدة لم تكن لدي علاقة بأحد حتى مع بنات عمي أو خالي أبدا لذلك لا أريد لأطفالي أن يعيشوا مثلي ، بعدها سوف أنجب صبيا كي لايبقى يزيد وحده .
لتقول مبروكة :
-أعطاك الله ما تريدين وزيادة يا ابنتي المهم أن تريحي حارث.
لترد سنان :
-لا الصبي أولا كي يلعب مع يزيد لديك سنة وبعدها الفتيات.
ضيقت أشماس عينيها وقالت:
-تخططين لإنجاب فتاة كي تتزوج من ابن حارث وجمان صحيح ؟
حركت سنان مقلتيها لليمين واليسار وردت:
-حسنا رأيت عينيها ؟
لابد أن أولادها سيرثون نفس العيون بناتي أولى بالحلويات من الغريب.
ضربتها مبروكة بخفة على يدها وقالت بحزم كاذب:
-تحشمي يا فتاة لازلت طفلة وتتحدثين عن الإنجاب بل تخططين لزواج بناتك ؟
عمي عثمان رحمه الله منع ذلك لن نعيده نحن الآن مفهوم .
وقفت سنان وقالت:
-مفهوم أمي مبروكة سوف أحضر شيئا نتسلى به
أشارت لجمان قبل أن تذهب بيدها بما يعني بأنها ستزوج ابنتها من ابن جمان الذي لم تحمل به بعد.
شعرت جمان بأنه تم قبولها رسميا في القبيلة ، قد يكون الأمر غير مهم لغيرها لكنها تريد ذلك وبشدة من أجلها ومن أجل حارث.
قالت أشماس بنبرة معتذرة :
-لقد قطعنا عليك شهر عسلك الذي كان أصلا قصيرا اعذرينا هذه إحدى عيوب الزواج من أبناء الجعفري لن تنعمي بخصوصية لوقت طويل.
ردت بابتسامة واسعة :
-حارث وعدني بأن يعوضني أعرف بأنه سيفعلها عندما تهدأ الأمور .
لترد مبروكة :
-مادام وعدك سينفذ ليس لأنه حفيد أخي لكن حارث بالذات لا يحنث بوعد.
ردت بابتسامة لم تعد تفارقها أعرف .
عادت سنان تحمل صينية عليها بعض المقرمشات وقالت:
-المهم أن تنتهي من المشكلة وتعود درصاف قبل أن يعرف سفيان وإلا سيعود للوطن وعندها لا نعرف ماذا قد يحدث له هناك.
عم السكوت المكان فقد كانت مبروكة و أشماس تفكران بنفس الشيء أما جمان تفكر في حال حارث الذي وضع في موقف صعب للغاية فهناء من جهة تعتبر جدة ابنه ويجب أن يقف معها ومن جهة أخرى هي قاتلة أهله ولا يريد مساعدتها وبالطبع معه حقه.
لم ينم أحد تلك الليلة حتى سافر عبدالخالق تتبعه دعوات مبروكة ودموعها ولم تنس طبعا أن تسكب ماء خلفه وهي تقول بصوت باك :
-استودعك الله الذي لا تضيع ودائعه لتعود لي سالما غانما تتنفس يا ابن قلبي.
لتحضنها سنان فبكت بحضنها كأنها هي الصغيرة وليس العكس؛ بينما دخل حارث متعبا لغرفته فقامت جمان بتدليك كتفيه ليريح رأسه على صدرها لم يحتج للكلام فقد عرفت علته لتمشط شعره بأناملها حتى نام كطفل في حضن أمه


❈-❈-❈

في الدولة المجاورة

منذ وصولها و هي تجري وراء والدتها كي تراها، رغم عدم اقتناعها بما تفعله لكنها لا تستطيع رفض طلباتها، جلب المال لم يكن سهلا لكنها استخدمت الذهب الذي أحضره لها حارث في الفرح والهدايا التي تلقتها بعدها تذكر بأن والدتها أصرت عند سفرهم أول مرة أن تبقيه عندها كي لا تأخذه فتحية وهي نفذت ليس لأنها تشك في فتحية بل كي ترضيها فقط ؛ عندما أخرجت ذهبها من مخبئه السري لتقوم ببيعه شكرت والدتها على فعلتها فلو تركته في منزلها في مدينة حارث بالتأكيد ما كانت لتجده الآن .
أعطت والدتها المبلغ لتذهب به لتلك العصابة التي تطلق على نفسها اسم ميليشيات وتدعي بأنها تعرف مكان رؤوف ، لكنها اختفت مع المال منذ ثلاثة أيام ولم تعرف لها طريق حاولت الاستعانة بأخوالها أو معارفهم في العاصمة دون فائدة ، فكرت في سفيان لكنه لن ينصنت لها وبالطبع حارث لن يساعدها بل ربما يشمت في أمها ولم تجد رقم عمها إبراهيم الجديد للأسف لذلك قررت أن تتصل بعبد الخالق الذي لم يخيب رجائها وهاهي تنتظر حضوره ، لم يتأخر عليها بل وصل في اليوم التالي ، أول شيء فعله هو تأمين مكان لها ليضعها في منزل قريب لهم أو صديق لا تعرف المهم أنه طلب منها ألا تتحدث في قصة والدتها ولا أن يتواجد باقي أفراد العائلة فلا أحد مضمون هذه الأيام ؛ ما رأته مع والدتها جعلها تنفذ دون مناقشة وهو أمر مخالف لطبيعتها لكنها بالطبع لم تكن راضية ليمر يومان وبعدها طلب منها أن تأتي و طلب منها ارتداء خمار وأخذها لمدينتهم ، في السيارة حاولت التحدث معه لكنه لم يجيب لتخلع النقاب وتقول بغضب:
-عبدالخالق توقف واخبرني الي أين تأخذني لست إحدى بنات الجعفري الخاضعات كي تجرني مثل البهمية ورائك؟
أوقف السيارة على حافة الطريق و رد بغضب مماثل:
-ماذا تريدين أن تعرفي يا ابنة العاصمة الراقية ؟
تكتفت وردت:
-ماذا حدث لأمي؟
لماذا ليست معنا الآن ، أعرف بأن هذا طريق مدينتك إذن قررت تركها والعودة صحيح ؟
لم تتبين شيئا من ملامحه الجامدة ليخرج هاتفه أخذت الهاتف وشغلت الفيديو الذي به لتصرخ وثم أغمى عليها من الصدمة .



❈-❈-❈

في بلد أيوب

بقرف جلست صافيناز تنتظر حضور ابنها مع باقي المساجين في موعد الزيارة الإسبوعية ، رغم أنها لم تكن تواظب على زيارته بحجة أنها لا تحتمل رؤيته بملابس السجن !
تغيرت ملامحه كثيرا لم يعد نادر الوسيم الواثق من نفسه حد الغرور، حلق شعره أو تم حلقه له لا تعرف ولا تريد أن تعرف كما أن بنيته تغيرت كثيرا لا تعرف إذا كان السبب فقدانه الوزن أو الانكسار الذي أصبح يلازمه ؟
كالعادة كان سلامه باردا معها فهو منذ اختفاء توأمه و وفاة والده لم يعد يكن لها المحبة السابقة بل تكاد تقسم بأنه يحملها الذنب!
تنحنحت وقالت:
-تواصلت مع المحامي ليجد لك مخرجا من القضية .
سحب علبة السجائر التي أمامها وأشعل واحدة ثم قال:
-لا أعتقد بأنه يوجد حل الأمر معقد جدا خصوصا مع انتحار الدكتور سامح الذي أكد عليه التهمة وطبعا علي أيضا لأني شريكه حسب الأوراق .
ردت بغضب:
-غبي كيف ينتحر كان عليه الادعاء بأن الأوراق مزورة بسبب وقوفه ضد النظام السابق أو أن أحدهم أجبره على فعل ذلك كما يفعل الكثيرون .
لم يجادلها فقد سئم من الحديث المكرر معها، تأتي لتقول نفس الكلمات ثم تذهب لتعود بعد عدة أشهر كتأدية واجب لا غير ، حسنا إنها تترك مبلغا في الأمانات لن ينكر ذلك ربما هذه هي الحسنة الوحيدة التي تفعلها له.
أخرجت ورقة و قلم من حقيبتها و مدتها له قائلة :
-أريد توقيعك .
أخذ منها الورقة يقرأها ثم يعيدها لها ويرد:
-لا يمكن حتى لو تنازلت عن حقي في الشقة هل نسيت حق نورهان؟
ردت بحنق:
-أختك ميتة سوف أرفع قضية كي أثبت ذلك و استخرج شهادة وفاة لها وبذلك لن يكون هناك وريث غيرك معي.
سحب نفسا من سيجارته ثم قال:
-أولا نورهان حية وأنا أعرف مكانها بل إنها في حال أفضل ثانيا لماذا تريدين تنازلي عن الورث؟
الم تقولي منذ قليل بأن المحامي يبحث عن مخرج لي؟
أحتاج لمكان أقيم فيه ومال كي أبدا من جديد هل نسيت بأنه تم سحب ترخيص العمل مني ولن أستطيع ممارسة الطب أبدا .
رمشت بتلك الرموش الاصطناعية لترد بصدمة حقيقية :
-نورهان حية ؟
كيف عرفت هل رأيتها ؟
أين هي ولماذا لم تعدها للمنزل؟
أشعل سيجارة أخرى بتلك التي قاربت على الانتهاء ليطفىء الأولى ويرد:
-نعم لقد رأيتها و تأكدت من صحتها ،أيضا لكنها لا تعرف بأني أعرف مكانها كما أنها ليست في البلاد.
هي سبب في معرفتي بحمل فتنة وانجابها.
لمعت عينا صافيناز و قالت:
-فتنة أنجبت منك؟
أين الطفل؟
عرف بأن نيتها ليست سليمة ليقول:
-اخبريني لماذا تريدين التنازل أخبرك بكل شيء عن فتنة.
بابتسامة شيطانية قالت:
-تعرف لماذا أنت مقرب لي وليس شقيقتك؟
يعرف الإجابة جيدا لكنه تركها تفعل لتردف:
-لأنك مثلي تعرف كيف تستغل الفرص ولست مثل والدك.
باستهزاء رد:
-لكني لا أسلم مالي لفتي أصغر من ابني لأصبح أضحوكة الجميع.
ضربت الطاولة بيدها وقالت بصوت عال :
-احترم نفسك ياولد.
كادت أن تتركه و تذهب لكنها عدلت عن ذلك و غيرت نبرتها في ثوان كما تغير الأفعى جلدها لتقول مدعية الحزن:
-أصبحت وحيدة بعد موت مأمون و هروب نورهان وأنت أيضا ذهبت وتركتني لذلك بحثت عن الونس.
نفخ دخان سيجارته ورد:
-ونس في شاب أصغر مني صحيح ؟
عموما سوف أخبرك عن فتنة بشرط لا أريد مشاكل ولن أتنازل عن شيء هذا حق نورهان يجب أن تجده عندما تعود.
ساعدتها عمليات التجميل في إخفاء تعابير وجهها لتصبح جامدة معظم الوقت وردت:
كما تريد والآن ماهي قصة فتنة وابنها ؟

كنز جديد وقع تحت يديها وعليها معرفة كيف تستغله جيدا هذه المرة فالوضع لم يعد مثل السابق والتهديد وحده لن ينفع بل قد يؤذيها شخصيا لذلك عليها أن تفكر وتخطط و تدرس الوضع لتكون ضربة العمر هذه المرة.

❈-❈-❈

قررت أم حامد إقامة عزيمة على شرف جمان و أفطيم التي عادت من شهر العسل قبل الموعد بسبب مكالمة مع شقيقها علي؛ ارتدت جمان فستان بلون الفستق بتنورة منتفخة قليلا لتدل هيئتها على أنها عروس خصوصا مع تلك الخطوط الذهبية التي تتخلله و تركت شعرها مفرودا سمعت طرقات خفيفة لتسمح بالدخول فدخلت سنان لتقول جمان باستغراب:
-منذ متى تستأذنين لتدخلي أي غرفة ؟
زمت شفتيها وردت:
-أمي مبروكة أكدت علي عدة مرات رغم أن حارث عندنا.
قلدت صوتها قائلة :
-لايجوز أن تدخلي على المرأة المتزوجة دون استئذان عيب يا بنت.
ابتسمت وأخرجت العبائة الخارجية لترتديها فمدت لها سنان علبة مخملية وقالت:
-هذه هدية زواجك .
احتضتها قبل أن تفتح العلبة وردت:
-شكرا سنان لا تعرفين ماذا تعني لي هديتك هذه.
تظاهرت سنان بعدم التأثر و قالت:
-افتحيها أولا قد تكون علبة شوكلاتة فارغة .
ضحكت و فتحت العلبة لتجد بها عقدا ذهبيا طويلا أخرجته لتتأمله فيما تابعت سنان:
هذا عقد أمي.
تندت عيناها لتقول بصوت منخفض:
-أعني كان لأمي ، حارث لم يقرب ذهبها قال إنه حقي وحدي لذلك اخترت لك هذا العقد أرجو أن يعجبك.
فكرت جمان إذا كانت سنان تملك ذهبا لماذا لم تعطه لحارث ليساعده في مشكلته المالية ؟
ربما لا تعلم بها فهو كتوم ولا يتحدث عن العمل أمام الباقين إلا نادرا كما لاحظت.
بحذر قالت سنان:
-إذا لم يعجبك يمكنك اختيار قطعة أخرى ، لقد اخترت هذا العقد لأنه يليق بالسلسال الذي ترتديه ، هذا أيضا كان لأمي أذكر جيدا أنها أرادت إعطائه لدرصاف وقد حدثت عليه مشكلة ليأخذه حارث وقد وعدها بأنه سوف يجعل أول بنت ينجبها ترتديه يوما ما.
كم تمنت أن يكون حارث أمامها الآن لتحضنه و ربما تبادر هي بتقبيله بل ستجعله يعترف بحبه لها، لا تصدق بأنه اعتبرها ابنته الأولى !
علت طبول قلبها لتضع يدها عليه كي لا يفضحها ثم أخذت العقد ولبسته وهي تقول:
-إنه رائع جدا لقد أحببته جدا، ما رأيك هل يليق بي.
مطت شفتيها وردت:
-حسنا أنت أصلا لست بشعة شكلك مقبول لكن بعد زواجك أصبحت جميلة فجأة.
أنهت ارتداء العبائة و أخذت حقيبتها الصغيرة لتخرج معها وترد:
-كنت مقبولة فقط ؟
هزت كتفيها وخرجت معها لتجد حارث ينتظر في الحديقة أسرعت سنان لتذهب للفيلا الأخرى بينما تمهلت جمان في المشي متعمدة حتى اقتربت منه ولم تفتها نظرة الإعجاب في عينيه .
وضع يديه خلف ظهره وقال بجدية :
-لماذا تضعين الكثير من طلاء الشفاه ؟
ردت بدلال:
-ليس كثيرا بل لونه غامق ثم لا تنس أني عروس.
ضيق عينيه واقترب منه قائلا:
-جمان لا تختبري صبري قلت كثيرا قللي منه وإلا لن تخرجي اليوم مفهوم.
لمعت عيناها بشقاوة وردت:
-خففه أنت.
رفع حاجبيه والتقط شفتيها ينفذ طلبها وقام بضمها بيديه حتى ابتعدت بعد قليل وهي تلهث وقالت:
-قد يرانا أحد.
ضغط على أنفها ورد:
-ألم تطلبي مني ذلك ؟
مسحت شفتيها بإصبعها وقالت ببراءة مصطنعة :
-أنا ؟
-قلت خففه ولم أقل قبلني
سمع صوت نحنحة عالٍ فابتعد عنها والتفت ليجد أيوب يقف أمام الباب الرئيسي يكتم ضحكته فقال:
-هيا كي لا نتأخر على الناس.
ذهبت جمان لتنضم لمبروكة والباقين بينما خرج حارث لسيارته فتبعه أيوب يضحك ليلتفت له وقال بغضب:
-ما الذي يضحكك بالضبط اخبرني كي أضحك معك؟
وضع كوعه على كتف سفيان الذي ينتظر هو الآخر قدوم أفطيم من الداخل ورد:
-سفيان هل سمعت ؟
-أحدهم يأخذ دروسا من أول و جديد وهو من كان يدعي الخبرة سابقا.
رد سفيان مدعيا الجهل:
-من هذا تعرف ماذا يجب أن نأخذ معه هذه الدروس ربما تفيدنا نحن أيضا ، أنا بالذات أحتاج للكثير.
ادعي التفكير ورد:
-المشكلة أن دروسه حصرية لا يمكن مشاركتها معنا لكننا نريد بعض النصائح تخيل هو خبرة ولايزال يتعلم و...
ضغط حارث على بوق السيارة بقوة لينتفض أيوب و سفيان اللذان لم يلاحظا أنه ركب سيارته ليخرج رأسه من النافذة وقال:
-هل أنهيتم حديث العوانس ؟
جيد هيا اركبا كي لا نتأخر .
ضحك أيوب و سفيان بصوت عال وركبا السيارة مع خروج النساء فانطلقوا لمنزل أم حامد.
-رغم لطافة الجلسة ظاهريا إلا أن التوتر كان يطفو في الأجواء لم تستطع هالة السكوت أكثر خصوصا مع رؤيتها الانسجام بين جمان والباقين حتى أفطيم التي تتسم بالبرود عادةً لم تأخذ منها موقفا معاديا كما توقعت منها لذلك قالت:
-توقعت منك أن تصوني كرامتك ولا توافقي عليه بعد أن أعلن رغبته في إعادة درصاف لعصمته ؟
بغضب قالت تفاحة :
-هالة !
ردت ببساطة :
-ماذا عمتي لم أكذب كلنا سمعنا ماقاله أم أني أكذب ؟
همست سنان التي تجلس بين أفطيم و أشماس:
-واحد صفر هالة.
فتحت مبروكة فمها لترد جمان:
-كلنا سمعنا لكنك لم تفهمي معني كلامه أو ربما لم ترغبي في ذلك.
اتسعت عينا هالة من وقاحة الأولى لتكمل جمان:
-اولا أنت من سألته هو لم يبدي رغبة أبدا ، لو أراد إعادتها لفعل منذ أول يوم دون أن يأخذ إذن أحد ولا حتي هي، لكنه لم يفعل بل  قرر الارتباط بي أنا رغم كثرة العروض حوله.
وضعت سنان يدها على فمها وقالت:
-تعادل لكن المباراة ساخنة ولم نحدد الفائز بعد.
وضعت هالة ساقا فوق الأخرى وردت:
-كنت أود أن أقول أنك محقة لكن للأسف في النهاية عودة درصاف لحياة زوجها أمر مؤكد خصوصا مع وجود طفل بينهما.
للمرة الثانية تحاول مبروكة الرد وقد زاد غضبها لكن جمان سبقتها لتقول بهدوء تحسد عليه:
-لايوجد شيء مؤكد في هذه الحياة قد انفصل غدا عن حارث وقد ينفصل زوجك عنك أو يتزوج عليك، وجود الأطفال لا يربط الرجل أبدا أما حديث حارث فهو طبيعي جدا لرجل تربي على يد شيخ القبيلة ويفهم جيدا كيف يصون بناتها، الأمر ليس له علاقة بوجود طفل أو عشرة بينهما وإلا ما كان طلقها منذ البداية لكنه ابن بيته*( تعبير يدل على حسن التربية)
كما يقال عندنا لن يترك ابنة عمه لو استنجدت وطلبت أن يعيدها لعصمته حتى وإن لم يكن بينهما أطفال ، لعلمك لو رفض لما كنت آمنة على نفسي معه
لتقاطعها مبروكة وقد فاض الكيل بها:
-واضح يا هالة أنك رغم زواجك منا لا تعرفين عاداتنا جيدا عليك تعليمها ياتفاحة أو أعلمها أنا إن لم تسمع منك في النهاية ابنها منا وعليه أن يتعلم كيف يحمي عرضه ولا يفرط فيه بسهولة .
شحب وجه هالة ونظرت لعمتها تطلب دعمها لتهمس لها:
-نبهتك من فتح الموضوع تستحقين أكثر من ذلك.
أنزلت ساقها لتقوم فحدجتها تفاحة بنظرة تعني إياك وفعلها لتجلس مرغمة
لتقول سنان :
-اووو أمي مبروكة حسمت المباراة لصالح حارث لكني أعطى جمان المركز الأول لتحكمها في اعصابها لو كنت مكانها لغرست كعب حذائى في رأس هالة .
زمت أفطيم شفتيها بقوة كي لا تضحك لتقول أشماس بصوت عال :
-باركوا لي ياجماعة أنا حامل.
أطلقت تفاحة زغرودة لتعلو المباركات فحتى أفطيم لم تكن تعلم بحملها وتغير الجو للمرح مع وجود بعض التحفظ من جانب هالة و جمان.

عكس ما كان مخطط له عدن مبكرا للمنزل وكي لا يلاحظ الشباب شيئا قمن بتغيير ملابسهن بسرعة والنزول لتكملة السهرة معا في الحديقة حسب أوامر مبروكة ؛ جلس أيوب بقرب أشماس و يزيد أمامها تقوم بتقشير اللب الأسمر له و جمان بقرب حارث أما مبروكة فجلست خلف العالة تعد الشاى للجميع و أفطيم بجانب سنان و سفيان يقوم بالشواء أمامهم
قالت مبروكة :
-جمان قشري اللب لزيزو الملح ليس جيدا له .
لترد سنان:
-أنا سأفعل أحب اللب الأسمر .
ردت عليها :
-قلت جمان يجب أن يعتاد عليها زيزو أكثر
نفذت جمان وقالت:
-معك حق تعرفين يجب أن نجهز له غرفة خاصة لقد كبر أفكر في الغرفة التي بجانب غرفتنا.
لترد سنان:
-لا، أحب أن أراه كل يوم في الصباح دعيه ينام معي يكفي أنه سيذهب مع درصاف عندما تعود.
ليقول حارث:
-أنت أيضا يجب أن تنقلي معي ولندع هذه الفيلا لعمتي وسفيان وعبدالخالق، لا تعجبني فكرة انفصال سفيان عنا.
لترد مبروكة بحدة :
-لا سنان لن يبعدها أحد عني، سفيان ليس صغيرا أصلا هو كان يريد السفر خارجا ماذا سيفرق لو انتقل للشارع المقابل؟
اسمع حارث أحذرك لن أقبل بأن تبتعد ابنتي عني إلا سنان مفهوم.
رفعت أفطيم يديها وقالت:
-أهلا أنا هنا بالمناسبة وأكون ابنتك التي طردت زوجها للتو.
ليرد سفيان :
-لا تتدخلي بيني وبين عمتي أنا راضٍ بكل ما تقوله عني.
لتشهق وترد:
-أصبحت أنا الغريبة بينكما الآن ؟
ضحك الجميع لتهمس بها سنان:
-تستحقين هذا مايحدث لمن يأتي علي.
لتقول أشماس:
-هل بدأت في إعادة فرش الفيلا من جديد، بصراحة تحتاج للكثير لا أعرف كيف كان الشباب يقميون بها؟
رد حارث:
-نحن لا نحتاج إلا لمكان للنوم واريكة واسعة كي نجلس عليها عندما نلعب وتلفزيون فقط أما باقي الرتوش فهي من اختصاصكن.
لتقول أفطيم:
-بصراحة الأثاث غال جدا خصوصا لو أردت صنع صالون بالمواصفات الخاصة بنا
ردت أشماس:
-معك حق حاولت أخذ فكرة من بعيد لم أجد ذوقي و ولو طلبت صنعها مخصوص الأسعار مضاعفة لا أعرف لماذا لم يفكر أحد بفتح مصنع من بلدنا لصنع الأثاث هنا
سكتت وقت تبلورت الفكرة في أكثر من رأس لتقول جمان:
-فكرة ممتازة يمكن لسفيان و عبدالخالق تنفيذها
لتقول مبروكة :
-كيف عبدالخالق ما دخله في الأثاث ؟
ردت أفطيم :
-يمكنه الطباعة على القماش هل نسيت بأنه متخصص في البرمجة ؟
ظهر عليها عدم الفهم ليقول حارث:
-يستطيع بأن يحمل برامج خاصة ليختار الزبون الأشكال والألوان فيقوم بطباعتها وبذلك التكلفة لن تكون غالية .
ليقول سفيان:
-و أنا سأتولي الآلات بحكم دراستي أيوب يمكنه مساعدتنا في المسائل المالية وأشماس في التصميم.
لتقول سنان:
-و أنا كالعادة فاسوخة .
ضحك الجميع ليقول أيوب :
-ماذا عن التمويل؟
نحن ننتظر قطيع الجمال الذي قد يكون ضاع في الصحراء أو استولى عليه أحدهم و تمويل مصنع كهذا يحتاج مال الآن .
ابتسمت جمان وقالت بثقة :
-لا تقلق لدينا مايكفي ويفيض بإذن الله.
عقدت أفطيم حاجبيها وقالت:
-ماذا تعنين من أين التمويل لا تقولي قرض بنك الفوائد ستكون كبيرة ونحن لا نضمن نحاج المشروع قد يتعثر سفيان ويحبس بسبب الفوائد.
لترد سنان:
-بومة لا فائدة كنا نظن بانك قد تتغيرين بعد الزواج واضح أن ذلك المسكين ابتلي بك .
بتحذير ردت أفطيم:
-سنان !!
نظر حارث لجمان و رغم رفضه السابق للفكرة إلا أنه شعر بأنها تفعل ذلك من أجله أكثر من رغبتها في استثمار مالها لذلك قال بفخر لم يخفَ عن أحد من الجالسين:
-جمان دخلت شريكة معنا بنصيبها في ورث والدها.
تبادلت سنان و أفطيم وأشماس النظرات لتقول الأولى :
-تريدين ضمان بقائك معه صحيح .
القت عليها مبروكة بنظره صارمه لتقول جمان وهي تلعب حاجبيها:
-عرفتها لوحدك؟
هذه البداية فقط أنوي إنجاب عشرين طفلا كي لا يستطيع الفرار مني أبدا .
مطت شفتيها وردت عليها:
-ألم تقولي بأن الأطفال لا تربط الرجل.
وضعت اللب في فم يزيد و ردت:
-هذا جزء بسيط قلت لك لا أنوي ترك شقيقك يفلت من يدي أبدا .
ردت عليها:
-طبعا أين ستجدين عريس مثل أخي ؟
حضنت ذراعه في حركة جريئة و ردت:
-بالضبط وهو ليس أي عريس عزيزتي بل حارث الجعفري.
رغم ما يشعر به من سعادة و رد لكرامته المهدورة سابقا قال بصرامة :
-كفا عن مناقرة الأطفال هذه الآن ؛ سفيان هل لازلت مصرا على الانفصال في شقة وحدك؟
الأمر ليس بيده للأسف ، لا لاريد أن يبتعد عنهم لكنه حتما لن يجعل شقيقته تعاني أبدا ، لن يسمح لأي أحد أو أي شيء بأن يجرحها، هذه الجلسة بكل ماتحملها من دفء و مرح جعلته يوقن بأن الأمر محتم وجود جمان القوي و حبها الظاهر لحارث واحترام الجميع لها حتى لو كان من أجل حارث فقط قد يتسبب في جرح درصاف، لذلك عليه التضحية على الأقل حتى تعتاد على الوضع.
رد بعد برهة :
-نعم أنا مصر الشقة ليست بعيدة سوف نكون هنا كل يوم بالطبع وعندما يعود عبدالخالق و درصاف بالسلامة نبدأ في إجراءات مصنع الأثاث .
أوما له لتمضي باقي السهرة بسلاسة

في غرفتهم تمددت أشماس على السرير يحضنها أيوب كالعادة لتقول:
-لماذا أشعر بأنك غير منسجم مع أهلي ؟
أعني أنت مع حارث مثل الأشقاء حتى مع باقي الشباب لكن عندما نجلس معا لا تتدخل في الحديث إلا نادرا هل أشعرك أحد بأنك غريب عنا؟
قبل رأسها و رد:
-لا العمة مبروكة تعاملني مثل الباقين حتى عندما تغضب تقوم بتأنيبي مثل عبدالخالق بالضبط وهذا يسعدني في الحقيقة لكني لازلت أشعر ببعض الحواجز ، لا أعرف كيف أصف الأمر أعني أنتم تربيتم معا عندما تجتمعون معا تكملون جمل بعضكم البعض أشعر بأن بينكم رابط يصعب اختراقه لذلك أفضل البعد.
التفتت له وردت:
-جمان دخلت للعائلة منذ شهور فقط بل نحن لم نعرف عنها كل شيء إلا منذ شهر واحد ورأيت كيف تتحدث و تتدخل في كل شيء لأنها أصبحت منا
أبعد عينيه عنها لتقول:
-انظر في عيني أيوب هل هناك ما يجعلك تشعر بأنك لست منا؟
صدقني لن أسمح لأحد أبدا بأن يقلل منك أو يشعرك بذلك مهما كان.
انقلب ليجعلها أسفله وقال:
-حبيبي الشرس ماذا ستفعلين عندها؟
بدلال مغوي ردت:
-أيوب توقف عن تلك الحركات عمتي قالت يجب أن لا..
التقط شفتيها لتطوق رقبته وتضمه لها أكثر ليبتعد بعد فترة وهو يقبل رقبتها و يقول:
-كلام عمتك يقف خارج هذه الحجرة مفهوم؟

في غرفة حارث وجمان خرج حارث من الحمام ليجدها تجلس أمام التسريحة تمشط شعرها ليتكئ على السرير وأخذ يتأملها ثم قال:
-لا تغضبي من سنان هذا أسلوبها لكنها طيبة ، أعني تعرفين بعد إصابتها وما حدث لها لذلك لا أقسو عليها.
تركت مكانها لتجلس بقربه فوق السرير وردت:
-أولا هي ليست فظة أو تتعمد جرحي، كما قلت لقد مرت بالكثير كما أني استمتع بالجدال معها تشعرني بأن لدي أخت أصغيره تغار مني، شعور لم أحسه من قبل، أعني أشماس لطيفة لكنها حذرة في الحديث كأنها تخشى أن تقول ما يجرح و أفطيم تعرفها متحفظة لكن سنان على طبيعتها وهذا ما يميزها.
سحبها لتجلس على قدميه وقال بأنفاس ساخنة :
-أنت تتكلمين كثيرا وأنا  أحب الفعل.
رفعت حاجبيها وردت:
-كنت أظن بأنك تحب سماع تفاصيل الدرس جيدا
اقترب من شفتيها ورد:
-هل هذا نفس لون الطلاء؟
اممم واضح أنه يجب إعادة الشرح من جديد أبلة جمان.

في صباح اليوم التالي
استحم وقضى فرضه ليجدها أحضرت الإفطار لغرفتهم فابتسم و جلس بقربها لتبدأ في إطعامه بدلال ثم صبت له الشاى فتذكر شيئا ليقول:
لماذا قالت عمتي بأن اللب مضر بأشماس هل هي مريضة ؟
ابتسمت وردت:
-بل حامل.
لثوان لم يستوعب عقله المعلومة لا لايمكن ...
كيف حدث ذلك ؟
بل كيف لم يفكر به سابقا ؟
لماذا وافق على هذا الزواج من البداية ؟
هو السبب في هذه المهزلة
تكلم أخيرا ليقول:
-عمتي حامل من أخي !

❈-❈-❈

في بلد الجعفري

لم يدخل مدينته بل اتخذ أحد المنازل في أطرافها ليضع به درصاف ثم انتظر حتى غربت الشمس ليدخلها وقد غطى وجهه بقماش عمامته، كما وعد والدته لن يجازف وسيكون حذرا طول الوقت خصوصا وهو يعلم بأن عياد قد جمع عصابة حوله بعد اكتشاف أمر المتاجرة بالمحتجزين و انضم لمجموعة متشددة هذا غير والده الذي عين نفسه شيخ القبيلة ليستولي على أملاك الشيخ عثمان وجميع أولاده بحجة الحفاظ عليها حتى يعودوا !
المدينة لم تعد نفسها كل شىء تغير بها لا يعرف ماذا ، ربما السبب هو تهدم معظم المباني الرئيسية ؟
أم الحزن الذي يخيم على معظم ناسها بسبب فقدان عزيز أو خسارة لباب رزق والأكثر ألما هي الِفتنة التي خلفتها الحرب بعدها ، الكل أصبح قاضي وجلاد يحاكم من كان يقف في صف غيره ؟
الأصعب كان روية منزلهم والمزرعة فقد تم هدم البيت و إشعال النار به مع كتابة عبارات مسيئة ، وجد بعض من صورهم ممزقة و أجزاء من الأثاث الذي تم تكسيره في كومة كبيرة لم يختلف الأمر في المزرعة وقد يكون أثرها عليه أسوأ فبها ذكريات الطفولة كما أن من فعل ذلك لا يهتم بزرع ولا بحيوان الأمر لا يحتاج لذكاء ليعرف بأن لأشرف طليق أفطيم يد في الموضوع .
منزل جده عثمان مهدم كما وصفه له حارث وقد يكون هذا أفضل من أن يستولي عليه خاله عوض كذلك منزل خيرية و جبريل ، المصنع تم إشعال النار به أما الأقسى لم يأت بعد ماعرفه عن قافلة الجمال الخاصة بحارث التي يعول عليها الجميع لو كانت سرقت لكان الأمر أهون بكثير لكن ماحدث لايمكن وصفه حتى.

بعد أكثر من ثلاث ساعات عاد ليجدها تشتاط غضبا وانفجرت به بمجرد دخوله:
-أين كنت كل هذا الوقت ألا يكفي بأنك أخذت الهاتف وتركتني في هذه الزريبة؟
لم يرد عليها فقط وضع كيس الطعام وخرج ليجلس أمام الباب حتى يظهر ضوء النهار ، فكر بالاتصال بعلي لكنه تراجع لمعرفته بتهوره ولم يشعر بنفسه عندما نام في مكانه من كثرة التعب ؛ أما هي فلم تعرف ماعليها فعله بعد قضاء وقت في البكاء ثم انتبهت أنها وحدها في منزل شبه مهجور ، أكثر ما بغيظها أن تعامل كأنثى من الدرجة الثانية لا يهم رأيها في شيء
ورجال الجعافرة أساتذة في هذه المعاملة طبعا!
لازالت تحاول استيعاب ما رأته لا يمكن أن تكون تلك أمها لا لن تصدق أن يفعلوا بها ذلك هي لا تستحق أبدا ذلك المشكلة الاكبر أن عبدالخالق يرفض النقاش في الأمر بل أوضح بصراحة بأنه لن يفتش وراء الموضوع ولن يطالب بجثتها.
انهارت في بكاء حار حتى نامت أو ربما أغمى عليها خصوصا انها لم تأكل شيئا منذ أن وصلت.
بعد يومين قرر عبدالخالق أنه حان وقت العودة فوجودهم هنا لاطائل منه كما أنه يخشي من أن يطال درصاف شيء لو علم عياد بوجودها أو حتى أشرف ؛ لم يكن طريق العودة سلسلا فقد اضطر للالتفاف حول المدينة الأمر الذي أخذ وقتا أطول من العادة؛ لم يكن عبدالخالق من المحبين للحديث الأمر الذي جعله لا يعقد الكثير من الصداقات سواء داخل القبيلة أو خارجها واكتفى بحارث و سفيان و أشماس لينضم لهم بعد ذلك علي و رؤوف ، حتى آلاء هي من سعت لجذب انتباهه وليس العكس لينفصل وقتها عن الباقين لمعرفته برأيهم بها ثم يتحطم قلبه بطريقة علنية فلم يجد سواهم يطيبون جراحه.
قبل أن يصل للحدود الفاصلة أوقف سيارته على جانب و التفت لها قائلا:
-لن نخبر سفيان بشأن التسجيل على الأقل حتى نقرر مع حارث ماهو الأنسب فهو لن يتحمل رؤية والدته في هذا الوضع.
تقبضت وحاولت التحكم في نبرة صوتها وهي ترد:
-ماذا عن أمي لقد ضحت من أجل إيجاد رؤوف ؟
نحن لا نعرف إذا كانت على قيد الحياة أم لا يجب أن ننقذها من
قاطعها بحدة :
-أمك ماتت ألم تري التسجيل؟
ثم منذ متي كانت تهتم برؤوف أساسا إن كان له أم فهي أمي و خالتي سليمة أما السيدة هناء فلم تكن يوما أما حقيقة لرؤوف أبدا .
امتلأت عيناها بالدموع فزفر وتابع:
-لا وجود لأمك ولا حتى جثتها ضعي هذا في مخك وتوقفي عن العناد .
رفعت سبابتها محذرة وردت:
-إياك وأن تتعامل معي على أني أمة تأمرها فتنفذ لست إحدى نساء الجعافرة الخاضعات قلت أريد أمي أعدني للعاصمة حالا وإلا سوف أصرخ في الحدود وأقول أنك..
أمسك بإصبعها ولواه تألمت بشدة حتى ظنت بأنه كُسر ورد بصرامة :
-لست حارث كي أبلع إهاناتك بحجة الحب ولا سفيان الذي يمرر لك لأنك شقيقته المدللة تذكري جيدا أنا عبدالخالق ولا تتجاوزي حدودك معي.
تأوهت ليترك يدها ثم فتح الباب الذي بقربها و قال:
-انزلي الآن لو أردت لاداعي للصراخ أنا أصلا مجبر على مرافقتك.
بلعت ريقها و أغمضت عينيها تكتم دموعها لتمر دقيقة قبل أن تغلق الباب فانطلق بالسيارة وقال:
-لعلمك أنت لا ترتقين لمستوى نساء الجعافرة  لتقارني نفسك بهن.

سياط تنزل عليها لتدمي قلبها و تهدر كرامتها و الأسوأ أنها تشعر بأنه محق أمها ضاعت للأبد بعد أن تم انتهاكها بأبشع الطرق وتقطعيها لأجزاء مثل الأضاحي .

❈-❈-❈

في بلد أيوب

بتوتر لم يشعر به في حياته أبدا جلس على الاريكة بصالون السماك هادي بقرب سفيان و إبراهيم الذي جاء مخصوص من أجله ، محمود لم يكن مرحب بالفكرة لولا إقناع عمته له بأن هادي شخص محترم أما حسن فقد كان حذر لكنه لم يبد رأيا بعد في الموضوع ؛ قام إبراهيم ببدء الحديث:
-سبق وأخبرتكم عن هادي و ظروفه كما أنه جاهز شقته في الخارج كما تعرفون وسوف يعيش هناك معها.
وضع محمود ساقا فوق الأخرى ورد:
-نريد ضمان حق أختنا لذلك عليه التوقيع على القائمة والمؤخر و دفع مهر طبعا هذا غير الشبكة بقيمة معينة طبعا.
عقد هادي حاجبيه وتبادل النظرات مع سفيان قائلا:
-ماذا تعني قائمة ؟
وكيف يحدد ثمن الذهب؟
تنحنحت جيهان وردت:
-هذه أمور شكلية سوف أشرحها لك لا تقلق منها.
ليقول محمود:
-لا ليست شكلية لقد سمعنا كلامك في زواجها السابق وكانت النتيجة بأن النذل طلقها و رماها وهي حامل ليتزوج من سارقة الرجال ال (...)
اتسعت عيون الحضور لوقاحة اللفظ واستقام إبراهيم قائلا بغضب:
-احترم نفسك أنت تتحدث عن ابنة أختي التي في مقام ابنتي وهي لم تسرقه من أحد .
تدخل حسن :
-اعذره هو لم يقصد طبعا الأمر أنه حزين على ماحدث لفتنة لذلك خانته مشاعره.
ليقول هادي :
-أعرف ماضي فتنة وإن كان التوقيع و المال هو ما سيضمن حقها بالنسبة لك أنا موافق.
بعد جهد جهيد انتهت تلك المقابلة ليتم تحديد موعد الزفاف بعد أسبوع على شرط أن ينفذ هادي كل شيء قبل عقد القران
خرج هادي و سفيان من منزل السماك الذي بالعاصمة ليقول الأول :
-لا أعرف كيف أشكرك لأنك أتيت معي رغم كل شيء أعرف بأنك تجازف بعلاقتك مع أقاربك بمجيئك معي.
ابتسم سفيان وركب السيارة ثم رد:
-لا طبعا أنا لا أجازف بشيء أنت لا تعرف علاقتي بحارث و أشماس، لا يوجد شيء يمكنه أن يغيرها ولا حتى طلاق حارث لأختي و زواجه من أخرى ، أما أشماس فهي تعرف بأن الأمر لايخصها ، المهم الآن متى ستصل شقيقتك.
انطلقت السيارة ليخبره هادي بالتفاصيل.

في فيلا حارث
منذ أن عرفت بقصة زواج هادي و فتنة و رغبة عمتها في إقامة عزومة كبيرة لشقيقته وهي تقلب وجهها وبعد ضغط قامت باخبار عمتها بما حدث سابقا وطلب هادي السابق بالزواج منها بعد انتهائها مالت مبروكة وأخذت الشبشب المنزلي بيدها لتقوم بتلويحه كأنها تود ضربها لتصرخ أشماس وتقول:
-عمتي توقفي كبرت على الضرب بالشبشب عمتي !!!
لترد عليها بغضب:
-تحدثت مع رجل سبق و عاكسك وأنت متزوجة بل تذهبين معه و كنت ستوافقين على طلبه للزواج!!!
أي كبر تتحدثين عنه وأنت تتصرفين بهذه الطريقة؟
وقفت خلف الكرسي تحتمي منها وردت:
-أعترف بأني مخطئة أقسم بأني لم أتحدث معه بعدها أبدا أصلا كان غباء مني والآن هلا توقفت لا تنسي أني حامل.
حركت الشبشب بتحذير وقالت:
-والله لو فعلتها سنان لتفهمت لكن أنت العاقلة لا أصدق .
جلست على الكرسي لتميل عليها أشماس و تقبل رأسها وترد:
-قلت لك كانت غلطة برئية أنا فقط أخبرتك لأنك أصريت علي.
زفرت ثم قالت:
-حتى لو هذه غلطتك وقد وعدت سفيان بأن أعزم صديقه و شقيقته كما أني سأحضر الفرح الرجل لا أقارب له لايجوز أبدا أن يكون وحده بين نسائبه لقد أخبرت تفاحة و بعض معارفنا كي نشرفه.
قلبت سنان شفتيها بحزن لتقول:
-لا أصدق أن ملك الحلويات سيتزوج كنت أضعه على أعلى القائمة تحت رؤوف مباشرة في حال غيرت رأيي .
جزت أشماس على ضروسها وقالت :
-الآن فقط تكلمت ولم تتدخلي عندما كنت أضرب ؟
رمقتها بنصف عين وردت:
-أي ضرب بالله عليك أمي مبروكة لم تمسك حتى هل نسيت ضرب جدتي رحمها الله؟
قلب أشماس عينيها لتقول مبروكة :
-اسمعي يوم العزيمة خذي زوجك وحارث و امضوا اليوم في الخارج هو أيضا لا يحبه.
دخل حارث وسمع نهاية الحديث ليقول:
-من ذلك الذي لا أحبه ؟
ردت سنان بوله:
-هادي.
قلب وجهه ولم يرد لتقول مبروكة :
-ألم تعد جمان بعد؟
لا أعرف لماذا تركتها تذهب للعمل لازالت عروسا ؟
جلس بقربها ورد:
-هي من أصرت لتكون مع يزيد من اليوم الأول ، كما أنها تحب العمل و ذلك أفضل من البقاء في البيت و الزن على رأسي
لتقول سنان:
-لا أعرف كيف فاتت علي كانت تمضي معظم الوقت في تعليم الأطفال أعني إنها لاتجيد الأعمال المنزلية أبدا .
لترد مبروكة :
-أشعر بأنها ليست على مايرام هل حدث شيء ؟
هز حارث رأسه لترد أشماس:
-درصاف ستصل اليوم وهي خائفة بالطبع.
عقد حاجبيه و نظر لها لتقول سنان بسخرية :
-أين تلك الثقة التي كانت تتحدث بها في منزل خالتي تفاحة ؟
شعر حارث بأن هناك ماحدث ولا يعرفه لكنه لم يسأل لترد أشماس:
-مهما كانت واثقة في نفسها أو في حارث الأمر صعب جدا اسأليني أنا فكرة المقارنة بالزوجة الأولى قاتلة والأصعب ترقب رد فعل زوجك عندما يراها و يتعامل معها.
ليرد حارث:
-زواج أيوب و فتنة باطل كم مرة سنقول ذلك هو أصلا لم يعش معها لا أعرف لماذا تصرين على تحميله وتحميل نفسك ما لاطاقة لكما به.
لفت لتجلس على الكرسي و قالت:
-طبعا من يشهد له لم أنس أنك علمت بالأمر لشهور ولم تخبرني، خائن.
رد بغير مبالاة :
-المهم متى ستعودين للخارج الرجل أخر أعماله من أجلك ، ما دامت درصاف ستصل اليوم أعتقد عليك العودة في أول طائرة .
لتقول مبروكة :
-ستعودين قبل ولادتك صحيح لا يمكنك قضاء النفاس وحدك وأنت بكرية
وقف حارث ورد:
-بدأت المواضيع المقرفة لي سوف أذهب لأجد شيئا مفيدا أفعله .
تركهن يتحدثن عن الحمل و الولادة ليذهب هو لإحضار جمان و يزيد من الحضانة ، كانت جمان هادئة بينما لم يتوقف يزيد عن الحديث لولا أنه مربوط في كرسي الأطفال الخاص به لكان جلس بحجره ومنعه من التحرك من شدة الحماس
أمسك بيدها وقال:
-واضح بأنه مستمتع جدا كنت أخشى ألا تعجبه المدرسة .
ابتسمت وردت:
-يزيد محبوب و اجتماعي لم يكن من الصعب عليه تكوين صداقات كما أنه ذكي، واجه صعوبة في فم لهجة بعض الأطفال تعرف بأن الحضانة بها الكثير من الجنسيات العربية لكن غير ذلك مضى الأمر جيدا .
ليرد بمرح:
-محبوب و مرح مثل والده لابد أن الفتيات تجمعن حوله.
نظرت له دون رد، لم تكن المسافة طويلة فوصلوا للفيلا قبل أن يسألها عما بها وكانت المفاجأة بأنهم وجدوا عبدالخالق و درصاف هناك .


قبل قليل رن جرس الباب وقبل أن ترتدي أشماس حجابها لتفتحه فلا يوجد أحد من الشباب فُتح الباب ليدخل عبدالخالق و درصاف أسرعت تحتضنها لتبكي الأخيرة في حضنها ثم خرجت مبروكة لتحتضن ابنها وبكت ليقبل رأسها قائلا:
-لماذا البكاء أنا بخير يا أمي كفي عن هذه العادة أرجوك .
مسحت دموعها في نفس وقت دخول حارث و جمان لينزل حارث يزيد الذي جري لوالدته يهلل فرحا:
-أمي أمي
انحنت لتلتقطه بين ذراعيها تشتم رائحته لينتعش قلبها به وأخذ هو يقبله خديها و يتحدث بحماس منقطع النظير ؛ في نفس الوقت دخلت جمان خلف حارث تلقي السلام عليهم وبقت واقفة في مكانها تراقب الجميع بل تراقب وتحلل بقلب يتقلص خصوصا مع اقترابه منها وحديثه معها الذي لم تسمعه أو ربما صمت أذنها للحظات.
في نفس الوقت اقترب حارث من درصاف ملقيا السلام بطريقة عادية أنزلت عينيها بسرعة تبحث عن خاتم الزواج في يده، منذ علمت من عبد الخالق بأنه أتم زواجه فعلا وعقلها لا يستطيع التصديق و المصيبة التي حلت بوالدتها جعلتها لا تفكر كثيرا أو تهتم ربما لكنها الآن تصطدم بالواقع حارث تخطاها فعلا؟

أين الحب الذي يتغنى الجميع به أليس هو من ادعى عشقه لها منذ الطفولة ؟
والمصيبة أنه اختار واحدة لا تليق بالمقارنة معها أبدا بكل الأحوال ، شعرت بانقباضة قوية تكاد تمزق قلبها خصوصا وهي تلمحها واقفة هناك تعلن عن مكانها كزوجة حارث بكل عنجهية ، لا لن تظهر ضعفها أبدا هي درصاف المحامية الكبيرة وليست مجرد معلمة أطفال بحضانة لذلك رفعت عينيها لتنظر في عينيه والتي كانت باردة خالية من أي تعبير و مدت يدها له رغم أنه لا يحب السلام باليد على النساء لكنه لم يرد كسفها فمد أطراف أصابعه و قال ببرود:
-حمدالله على سلامتك ثم ذهب لعبدالخالق ليتغير وجهه للفرح ويقوم باحتضانه قائلا:
-حمدالله على عودتك يابطل خشينا أن يعجبك الوضع ولاتعود لنا.
ليهمس له:
-اتصل بأيوب و تعال في غرفتي هناك أمر هام عليا حله قبل وصول سفيان.
أومأ له وأخرج هاتفه يتصل بأيوب ثم ذهب معه للفيلا الأخرى في الوقت الذي دخلن فيه للصالة لتمسك مبروكة جمان حتى ابتعدت أشماس و درصاف ثم قالت:
-لابد أنك متعبة لماذا لا ترتاحين في غرفتك حتى يجهز الغداء؟
نظرات عينيها أخبرتها الكثير لكنها لم تنطق بحرف فقط هزت رأسها وذهبت لغرفتها في الفيلا الأخرى ؛ تنهدت مبروكة وقد شعرت بأنها ربما أخطأت وقد تأخذ جمان كلامها بطريقة أخرى لكنها شعرت بأن المواجهة الآن غير ضرورية خصوصا بملامح درصاف التي تنبئ بوقوع مصيبة .
في فيلا حارث حضر أيوب بسرعة فقد كان متواجدا في نفس الحي ليريهم عبدالخالق التسجيل صدم الجميع وتقززوا من المشاهد ليغلقها عبدالخالق وقال:
-لا أعرف ماذا سيكون تأثيرها على سفيان إذا عرف ، من حسن الحظ أن الفيديو الذي انتشر على مواقع التواصل غير واضح .
ليقول أيوب:
-إذن لن نخبره ولن نريه التسجيل، ما ستره الله لايجوز فضحه وهو أصلا عانى الأمرين ما فائدة معرفته الآن .
ليرد عبدالخالق:
-أتفق معك وقد حذرت درصاف لكني لا أضمنها بصراحة.
ليقول حارث:
-سوف ندع أشماس تتحدث معها، أما سفيان كما اتفقنا سوف نقول بأنها أخذت المال ولا زالت تبحث عن رؤوف وبعد فتره نقول ماتت في حادث أو انفجار أو أي كذبة لاداعي كي يذل بسببها أكثر.
ليرد أيوب:
-لايجوز على الميت إلا الرحمه ، لا داعي كي تأخذ إثما بسببها.
استغفر وقال:
-لا أستطيع قولها فعلا لا أستطيع الترحم عليها ربما بعد مدة قد أفعل لكن الآن لا .
وضع عبدالخالق يده على كتفه ورد:
-أفهمك تماما أنا أيضا لا أستطيع الترحم عليها حتي بعد ما رأيت ما حدث لها بعيني المهم أن نتفق ونحذر أشماس من أخبار أفطيم تعرفونها  ستهول الوضع وتبدأ في صناعة سيناريوهات كئيبة .
ليقول أيوب:
-المهم أن نتصرف بطريقة طبيعية وأنا سوف أذهب الآن لأخبر أشماس وأنت ارتاح من عناء السفر سفيان لن يأتي إلا بعد المغرب فهو مع هادي الآن .
ذهب أيوب ليتحدث مع أشماس في الوقت الذي ترك حارث عبدالخالق يرتاح و ذهب لغرفته ليجد جمان تجلس واضعة يدها على خدها تنظر من النافذة للسماء سارحة لدرجة لم تشعر به، ليمشي على أطراف أصابعه وبسرعة وضع يده أسفل ركبتها و حملها لتطلق شهقة خوف فضحك وجلس فوق السرير وهي في حضنه لتدفن رأسها في صدره وتقول:
-أفزعتني حارث لا تفعلها مرة أخرى .
قبل أرنبة أنفها ورد:
-تعرفين بأني سأفعلها وكثيرا، يوم الخميس القادم فرح المدعو هادي وطبعا لن نذهب مارأيك نذهب للساحل أم رحلة نيلية ؟
ردت دون أن تنظر إليه:
-لنبقى في المنزل أفضل دائما نهاية الأسبوع تكون الأماكن مزدحمة لنجعلها وقتا آخر .
رد بمرح:
-اممم موافق بشرط أن تنفذي طلبي.
أبعدت رأسها عن صدره وقالت:
-حارث بصدق لا أعرف كيف أرقص حتى في الأفراح لا أفعلها سأبدو هبلاء وأنت ستضحك علي.
وضع يديه على وركها وقال :
-الأمر لايحتاج للكثير ابدئي فقط وهذا سيتحرك وحده.
رغم مايعتريها من قلق وخوف وجدت نفسها تضحك ليرد:
-ممتاز يوم الخميس المنزل فارغ أنا وأنت فقط جماني.
حضنت وجهه بين كفيها و قالت:
-لماذا تأخرت في الظهور كنت أنتظرك طوال عمري.
لمعت عيناه ليرد في مرح:
-كنت صغيرا تعلمين بأنك أكبر مني، لذك وجب عليك الانتظار.
ضربته بقبضتها في صدره وابتعدت عنه قائلة :
-ابحث عن من ترقص لك.
تحرك من مكانه لتسرع وتدخل الحمام وتغلق عليها بالقفل ليقول بصوت عال :
-يوم الخميس ياجمان وسنرى كلمة من منا ستنفذ.


في الفيلا الملاصقة جهزت سنان و مبروكة الغداء وقد انضمت لهن أفطيم لتقول الأولى :
-خالي جاء ألن نعزمه مع هادي؟
لترد أفطيم:
-بالتأكيد سيأتي لكن لا أعرف بخصوص زوجته.
لوت مبروكة فمها وقالت:
-سبحان الله منذ أسابيع لم يكن يستطيع حضور زفافك ولا زفاف حارث والآن أتى من أجل قريبة زوجته !
لترد أفطيم:
-عادته أم سيشتريها هذا عمي إبراهيم لذلك لا يجب أن نتوقع منه شيئا أو نلوم عليه، ونعم ياسنان سوف يأتي معهم .
بحسرة ردت سنان:
-لا أصدق بأنه سيتزوج متاكدة لو رآني لم يقدم على تلك الخطوة أبدا
تنهدت وأكملت :
-الحلويات خسرت طبقا مهما جدا بزواجه.
نكزتها مبروكة وقالت:
-توقفي عن حماقتك واذهبي لتنادي على جمان و حارث هيا.
تمتمت بكلمات غير مفهومة ثم خرجت لتقترب من ابنتها وقالت:
-كيف حالك مع زوجك؟
لم تخبريني كيف مضي شهر عسلكم ؟
بحرج ردت أفطيم:
-جيد
رفعت حاجيها وردت :
-جيدا؟!!!
أريد تفاصيل يابنت وليس كلمة جيد هذه.
احمر خديها وقالت بحرج غير مبرر بالنسبة لأمها :
-أمي لست صغيرة ولا هذه زيجتي الأولى قلت كل شىء جيد.
لترد :
-لو كنت لست صغيرة لماذا تتعاملين مع زوجك ببرود إذن ؟
اتسعت عيناها وقالت:
-هل اشتكى لك؟
سحبت لتجلس على طاولة المطبخ و قالت:
-الأمر لا يحتاج للشكوى رأيت كيف تتعاملين معه ، انظري لأشماس و زوجها أو حتى لجمان وحارث الاثنتان لا تتركان زوجيهما أبدا وتجلسان بالقرب منهما أما أنت فلم أراك مره واحده تجلسين بقربه أو تمدين له طبق فاكهة أو حلويات أو حتى خبز يابس.
أبعدت عينيها عن والدتها وردت بحدة :
-جمان تحاول إثبات أنه يحبها عنوة و أشماس معروفة
رفعت حاجب الشر لترد:
-مابها أشماس ماذا تعنين معروفة ؟
إذا كان قصدك بأنها معروفة بإظهار مشاعرها فهذه ميزة بها وليست عيبا ضدها و جمان أيضا ما تفعله يكسبها زوجها وليس العكس، قلتها لك سابقا تعلمي من تجربة درصاف كي لا تخسرين سفيان البرود يطفىء الحب تعلمي مني.
أشاحت بوجهها وردت:
-ماذا أتعلم أنت كنت دائما مع عائلتك و أجبرت أبي على العودة لمدينتنا بدلا من البقاء معه في شقق المشروع صحيح .
زفرت وردت بهدوء:
-صحيح لم أحب يوما العيش في شقق ولا البعد عن أهلي لكني كنت أعوضه عندما يعود، لو تذكرين أنا من كنت أستقبله أمام الباب عند عودته لم يكن يرتاح إلا عندما يضع رأسه على ساقي حتى في حضور عمي عثمان رحمه الله ، والدك لم يخجل من إظهار حبه لي طريقته مختلفة عن الآن لكنها تصلني كما كنت أنا أفعل .
سرحت أفطيم في كلامها لتتذكر كيف أن أمها كانت تقوم بوضع الطعام في فم والدها حتى أمامها وكثير ما كان عبدالخالق وعلي و رؤف يسخران منهما، بل إنها لم تخجل من مناداته غاليا ( الغالي خاصتي) أمام أزواج بناتها، ناهيك عن سفرها معه لوحدها منذ أن كانوا صغارا واستمرا حتى وفاته ، علاقة والديها كانت تتسم بالحب والحنان نعم رومانسية مختلفة قد لا تناسب جيلها فهو لم يناديها حبيبتي يوما ولا هي لكنها موجودة وبقوة كيف نسيت أم ربما تناست كي تعيش في قحط المشاعر مع أشرف ؟
لكن ما ذنب سفيان ؟
ربما أمها محقة ربما تحتاج أن تسمح لمشاعرها بالخروج لكن الأمر أبدا ليس سهلا بل هو أشبه بحرب ضروس بداخلها وهي المحاربة الوحيدة .


كما أخبرها أيوب قامت هي بإقناع درصاف بعدم إخبار سفيان بشيء إذا كانت لا تريد خسارته ، على الأقل ليس الآن سوف يمهدون له أولا .
مسحت درصاف دموعها وقالت:
-أنا أيضا قررت ألا أخبره بالتفاصيل لست قادرة على خسارته هو الآخر يكفي أمي و رؤوف .
ربتت أشماس عليها لتتابع:
-أريد أن أسألك سؤالا و أجيبيني بحق.
هل صحيح رؤوف لايحب أمي ؟
أعني هل حقا هو يحب خالتي مبروكة  و سليمه رحمه الله أكثر منه؟
حركت أشماس رأسها لليمن واليسار في تفكير ثم ردت:
-اسمعي لا أستطيع القول بأنه لا يحب أمك لكن علاقته مع عمتي سليمه  قوية  كما انه تربى في منزل عمتي مبروكه ، أعني رؤوف وعلي كانا مثل التوأم أم نسيت أصلا خالي رحمه الله بني الملحق الخارجي من أجل رؤوف.
نظرت لها درصاف في تعجب وقالت:
-من أجله لا أفهم؟
تنهدت وردت:
-عندما كان رؤوف أصغر كان يقيم في غرفة عبدالخالق وعلي لكن بعد دخوله للثانوية العامة قرر خالي بناء الملحق كي يكون خاصا بالشباب، تعرفين كلام الناس وكيف يقيم مع البنات وهن لايحللن له.
سكتت قليلا كأنها تذكرت شيئا لتقول بعدها:
-تعرفين بأنه توقف على المبيت في منزل أخي جبريل بعد دخوله الكلية العسكرية ؟
لم تفهم در صاف ماذا تعني لترد:
-لا لا أعرف ثم ألم يكن جبريل لا يحبه أصلا ؟
ردت عليها بالنفي:
-لا ليس عدم حب بل كان يستهزئ به لأنه ابن العاصمة لكنه يحبه فهو من أهداه سيارة عند تخرجه من الثانوية العامة .
اتسعت عينا درصاف في دهشة كانت تظن بأن هذه السيارة هدية من خالها أخو هناء لرؤوف حتى لا يسخر منه أولاد عمومته كما أخبرتها والدتها، رغم شكها في تلك المعلومة لأن أمها أصلا لم تكن تعلم بأنه يملك سيارة الابعاده عدة أشهر لكنها قررت أن تصدقها كعادتها.
لتكمل أشماس:
- جبريل رحمة الله أسلوبه حاد مع الجميع لكنه يحب رؤوف حقا أعني رؤوف محبوب من الجميع لكن الأقرب كانت أمي  سليمه و عمتي مبروكة تذكرين بأنه كان ينام في حضن أمي سليمه وينافسني عليها  .
كان عقلها يحاول استيعاب هذه المعلومات التي للأسف لم تكن جديدة لكنها كانت تغض عنها الطرف عامدة ، كيف ولماذا لا تعرف لا بل تعرف من تسميم الأفكار طوال حياتها حتى باتت عمياء عما أمامها .

فضلت البقاء مع مبروكة على العودة لشقة سفيان بحجة أنها متعبة ليمر اليوم بهدوء حذر من الجميع وقد تم حبك القصة على سفيان الذي لم يسأل عن التفاصيل لانشغاله مع هادي.

اليوم التالي
قررت درصاف الذهاب لحضانة يزيد لتذهب معها أشماس، عندما وصلت للحضانها سألت عن يزيد فقامت المديرة بسؤالها عن هويتها لأنها لا تعرفها لتقول بأنها أمه .
أسرعت إحدى المشرفات لتحضره
بينما قالت المديرة:
-أعتذر كنت أعتقد أن جمان هي والدته فقد كانت مع والده وقت التسجيل وعرفها على أنها زوجته.
لترد درصاف:
-هي زوجته الثانية أنا والدة يزيد.
شهقت المديرة والمشرفة التي دخلت بيزيد لتقول أشماس:
-درصاف و والد يزيد منفصلان منذ مدة طويلة تقريبا منذ ولادة يزيد .
لترد المديرة
-مفهوم مفهوم.
بعد قليل خرجتا من المدرسة لتقول درصاف بغضب:
-ماذا كنت تعنين بكلامك؟
هل تدافعين عنها لا أصدق بأنك تقفين ضدي
لترد عليها بحزم:
-بل أقف مع الحق أنت تعمدت أن تظهريها بصورة خطافة الرجال والواقع غير ذلك، هذا ظلم عانيت منه شخصيا ولن أقف و أتفرج عندما يحدث لغيري بالطبع.
عقدت حاجبيها وردت:
-الوضع مختلف بينكما تماما
بسخرية ردت:
-حقا؟!!!
عندما يتم عقد القران فتنة و هادي ستحضر ورقة طلاقها من أيوب وليس من الذي سبقه، هذا غير أن الجميع يعرف بأنه تزوجني وهي حامل إذا وضعي أسوأ
بعناد ردت:
-لا زواجه باطل والطفل ليس له لكن جمان وحارث
قاطعتها وهي تكتف يديها:
-مابها؟
أنت لا تحبين حارث كما قلت مرارا وتكرارا و قررت تركه بإردتك ماذا يهمك لو تزوج جمان أو أميرة او اي امرأة أخرى ؟
أشاحت بوجهها وردت:
-من قال أهتم أنا فقط أضع النقاط على الحروف.
لترد بصرامة:
-أي نقاط و أي حروف ؟
تشويه صورة غيرك لن يجعلك أفضل بل سيخلق منافسة لا معني له ويقلب حياة ابنك لجحيم.
تغضنت ملامح درصاف ولتقول:
-لا أشوه صوره أحد أنا من قررت الابتعاد ولست نادمة أبدا بل هو من سيندم أنا أريد أن يعرفوا من هي أمه كي يخبروني لو قامت بالتقصير في حقه أو أذيته لكنك أنت تتصرفين بحدة غير مفهومة.
لترد عليها أشماس وقد هدأت قليلا :
-كما قلت لك لأني ظلمت لا أقبل بظلم غير كما أنه من حق يزيد عليك أن تأمنين بيئة صحية له ، أنت قررت البعد عن حارث ممتاز هو الخاسر كما قلت إذن لا داعي لتشويه صورة زوجته إذا قصرت في حق ابنك أو حاولت أذيته كلنا سنقف لها غيره حاولي تقبل نتيجة أفعالك .
لم ترد درصاف بل استمرت في المشي وقد ظهر عليها الحزن لتقترب منها أشماس وتقول بلين:
-لا تغرقي بالحقد أو محاولة الانتقام رأيت مافعل ذلك بأمي ، لازلت صغيرة وجميلة اكملي حياتك كما تحلمين و استمتعي بابنك هذا هو الانتصار الأعظم.
مسحت دمعهة قبل أن تنزل و ردت:
-أصبحت تقولين حكم واضح بأن الحمل غيرك.
هزت رأسها وردت:
-هيا نعود بسرعة سنان تكاد تجن منذ سمعت بفرح هادي كأنها كانت خطيبته.
لترد در في حزن:
-سفيان سيذهب للفرح أتصدقين أمي لم يمر عليها شيء وهو يحضر فرح.
التفتت له وردت:
-درصاف إياك و إخباره لا ذنب له ضعي في بالك بأنه شقيقك الوحيد على الأقل ، ثم الرجال ليسوا مثلنا لايحزنون كثيرا و لا يظهرون حزنهم دعيه يذهب لقد حزن كثيرا.
كادت أن تصرخ بها بأنها أيضا لا تهتم بموت والدتها ولم تكلف نفسها بأن تعزيتها حتى ، بل إنها ذهبت مع سنان لشراء ملابس لتحضر بها الأخيرة الفرح متجاهله حزنها، لا تصدق تجاهل الكل لما حدث لوالدتها حتى مبروكة المرأة العاقلة لم تهتم أبدا مجرد كلمة عزاء خاوية وبعدها مضت الأمور كأن شيئا لم يكن، لأول مرة تشعر بالوحدة وسطهم رغم أنها لا تحب القبيلة ولا تقبل انتمائها لها لكن لم تشعر أبدا بأنها وحدها مثل الآن فقط كانوا دائما يخنقونها بتدخلهم بأمورها و ادعائهم الاهتمام الزائد على حده وعندما احتاجت لهذا الاهتمام لم تجد منهم أحد !
لولا وجود ابنها لتركتهم وقطعت كل علاقتها بهم فهم لا يستحقون أي تعاطف منها الآن !
صوت ضعيف يصرخ بداخلها بأنها ربما تكون مخطئة وعليها إعادة تقييم الأمور ربما عليها اتباع هذا الصوت في النهاية لن تخسر أكثر من ما خسرت بل ربما تستطيع فعلا تجاوز كرهها لهم من أجل يزيد
❈-❈-❈

في منزل السماك


جلس محمود وحسن مع فتنة وجيهان حسب طلب إبراهيم رغم اعتراض الأول وتململ خصوصا أن زوجته لم تحضر وهي التي تصر على التدخل في كل شيء .
ليقول إبراهيم برزانة :
-رغم أن ما يفصل بين بلدينا حدود طولها بعض الكيلومترات إلا أنه يوجد الكثير من الاختلافات بيننا وأنا لم أوضحها لكم سابقا.
وضع محمود ساقا فوق الأخرى ورد:
-والآن قررت بأن تعطينا درسا فيها ؟
ليرد حسن:
-محمود توقف عن استفزازك ودعنا نسمع واضح بأن هناك شيء مهم .
ليكمل إبراهيم:
-معك حق ياحسن هناك شيء مهم جدا وأعتقد بأنه سيكون ضمانا لأختكما أكثر من القائمة والذهب والمؤخر فهذه كلها شكليات ومجرد مال لن يفرق مع هادي لو كنتم تعرفونه جيدا.
عقدت فتنة ذراعيها وقالت:
-وماهو الشيء الذي يفرق معه؟
شخصيا أتفق معك بأن المال ليس ضمانا لشيء يمكنه بكل بساطة تطليقي دون إعطائي حقوقي وجنسيته سواء العربية أو الأجنبية تحميه أي أنه لن ينفذ أمر المحكمة في حال رفعت قضية عليه.
اتسعت عينا محمود فهو لم يفكر في جنسيته أبدا ، شقيقته محقة لا القانون ولاغيره يحميها لو قرر هادي تطليقها إذا كان نادر نجح في الهروب من المؤخر و أيوب لم يكتب على نفسه أصلا !
لتقول جيهان في محاولة لتهدئة الأمور :
-لا داعي لهذا الكلام الرجل نفذ جميع طلباتنا وأثبت حسن نيته كما أنه سيتكفل بمصاريف الفرح ولم يطلب منا شيئا أبدا أنتم فقط تعودتم على الأنذال .
تداخلت أصوات محمود وحسن بين مؤيد و معارض ليقول إبراهيم بصوت عال حازم:
-دعوني أتكلم ولا يقاطعني أحد .
عم الصمت ليزدري ريقه ويتابع :
-سبقت وأخبرتكم بكون هادي تحدى قبيلته كي يتزوج فتنة ؛ قد يكون الأمر بالنسبة لكم عادي أو رومانسي لكن عندنا من يفعل ذلك يتهم بأنه ليس رجلا أو مسحورا بل أن الجميع يتجنبه لأنه اختاره امرأة و فضلها على عن قبيلته.
تبادلت فتنة وجيهان نظرات تبدو مندهشة في باطنها خوف أو ربما إدراك لموقف قديم.
ضغط على ذراع الكرسي وقال:
-تحدي القبيلة ليس أمرا سهلا حتى لو لم يتم طردك منها سوف يتم التعامل مع الشخص الذي فعلها بطريقة مهينة جدا تجعله يكرهه نفسه وعندما يقرر البعد كما فعل هادي أولاده سيحرمون من كل شيء حرفيا.
زفر و نظر لفتنة يوجه كلامه لها:
-هادي وضع العالم كله بما فيه أولاده المستقبلين في كفة وأنت في كفة أخرى وقد اختارك هل يكفيك هذا؟
لا تعرف ماذا يسمى الشعور الذي اعترها، لقد اختارها هي بكل ذنوبها و خطاياها
حارب من أجلها ترك عائلته أو قبيلتة لا تعرف التسمية المناسبة من أجلها هي وافق على طلبات أشقائها دون مناقشة من أجلها هي
حارب من أجلها
من أجلها
شيء لم يسبق لأحد أن فعلها أبدا ليأتي هادي عمران بكل ما يمثله من كمال ويفعلها
خرجت من أفكارها على صوت محمود يقول باستخفاف:
-لا أفهم هذه التفاهات ولا أهتم بها أريد ضمان حقيقي يجب أن يشتري لها شقة هنا باسمها.
ليرد حسن بغضب:
-هل جننت؟
اسمع محمود كف عن تعجرفك الزائد لا تنس بأن أختك سبق لها الزواج أكثر من مرة وهو لا الجميع يحسدها عليه.
لتقول جيهان:
-ليس هراء يا محمود ما يقوله عمك إبراهيم صحيح لقد شاهدت بنفسي كيف كانوا يعاملون حارث ابن ابن شقيقته لأن زوجته خطبت لشخص سيء قبله فقط ؛ ما أعنيه بأن هادي فعلا ضحى بالكثير من أجلها وهذا يجعلنا مرتاحين و مطمئنين عليها .
وقف وقال في حسم :
-قلت شقة باسمها و إلا لن يكون هناك زواج .
لتقول فتنة بصوت عال:
-لا أحتاج لموافقتك.
التفت إليها الجميع ليرفع محمود يده قاصد ضربها فأوقفه حسن بصعوبة فقال الأول :
-ماذا قلت ؟
فلت عيارك وتظنين بأنك تستطيعين فعل ما تريدينه ؟
أكسر رقبتك قبل أن تفكري فيها مفهوم .
لم يبدُ عليها الخوف لترد:
-أستطيع تزويج نفسي دون إذنك كوني احترمت كلمتك فهذا فقط كرامة لأبي رحمه الله لكن إذا حاولت التدخل و إفساد الزواج سوف أتزوج من دون وجودك وإذا حاولت منعي سترى عندها إذا كان عياري قد فلت أم لا.
دفع حسن محاولا الوصل إليها وقال:
-أيتها الحقيرة الفاسقة هذا ما جلبه لنا تدليل أبي لك أنا من سيربيك من جديد.
تدخل إبراهيم ليقف بينهما فيما رفعت هي هاتفها وردت:
-لم أعد صغيرة لو حاولت مد يدك علي مثل السابق سوف أبلغ عنك الشرطة حالا .
توقف مكانه غير مصدق لتقول جيهان:
-توقفا عن لعب الأطفال هذا، محمود أختك ليست صغيرة والرجل لا يشوبه شائبة أنا وأنت نعرف بأن مشكلتك في زوجتك فقط لأنها ترفض هذا الزواج.
عقد حسن حاجبيه و قال:
-هل هذا صحيح لذلك تفتعل مشاكل من أول يوم؟
وقفت فتنة وردت:
-نعم صحيح، حسن هل تقبل أن تكون وكيلي أم أزوج نفسي دون وكيل؟



تم عقد القران اليوم التالي في المحكمة بحضور سفيان وعبدالخالق من جهة العريس وحسن و إبراهيم مع العروس كما حضرت جيهان و تافريت التي احتضنت فتنة بعد انتهاء المراسم وقدمت لها هدية عبارة عن حلق من الفيروز و الألماس وقالت:
-عرفت من هادي بأنك لا تحبين الذهب كثيرا لذلك أحضرت لك هذا أرجو أن يعجبك.
أدمعت عيناها لتقول لينا التي رافقتها مع منار ولمار :
-رائع جدا يشبه عيني هادي صحيح ؟
ضحكت تافريت و ردت:
-احذري قد تسمعك زوجته
تخضب وجه لينا وردت باعتذار:
-لا فتنة تعرف قصدي لا أعني المغازلة أبدا .
تبادلت تافريت الكلام مع الفتيات في محاولة منها لمعرفة تلك المرأة التي خطفت قلب شقيقها فهي لم تحظى بالوقت الكافي لمعرفتها بعد خصوصا و أن فتنة كانت متحفظة في جميع لقاءاتهم .
لم يجرؤ هادي على الاقتراب منها فقد خشي أن تخونه مشاعره ويحتضنها أمام الجميع لذلك تعمد أن يطيل الحديث مع سفيان ويتأكد من حجز الفندق والصالة
ليقول له :
-لا أعرف كيف أشكرك وقفت بجانبي رغم حساسية الموقف.
ربت سفيان على ذراعه ورد:
-لا تقل هذا تعرف بأننا إخوة ، المهم الصالة ليست كبيرة وقد عزمت عمتي نصف أبناء الجالية لو تركتها على راحتها لأقامت لك عرسا حسب عاداتنا .
ضحك ليقول إبراهيم الذي انضم لهم مع حسن:
-مبروكة والعادات لا أصدق أن حارث فلت منها دوم فرح.
ليرد عبدالخالق:
-لازالت تعايره إلى الآن سوف تأخذ حقها بطريقة أو أخرى لا تقلق عمي.
ليقول حسن:
-تفضلوا معنا لقد جهزنا الأكل في منزلنا من أجل عقد القران ومحمود في الحارة يوزع اللحم احتفالا بفتنة .
وحده إبراهيم يعلم بأن محمود أجبر على ذلك لأن حسن هدده بأن يقوم بتقسيم الإرث وإعطاء فتنة حقها لو لم يفعل ذلك و إن كان غرض الأخير هو إعادة اعتبار أخته بعد ما طالها من زيجاتها السابقة خصوصا الأخيرة .

توجه الجميع لمنزل السماك ولم يكن يعلم أحد بالكارثة التي كانت تنتظرهم هناك.


❈-❈-❈

عكس العادات المتبعة قرر حسن أن تخرج فتنة بزينتها من منزلهم في العاصمة وسط زفه شعبية وتباطأ متعمدا ليرقص وسط الحي كثيرا وجعل شقيقته ترقص معه لتلتف حولها منار ولينا و لمار فى دائرة واسعة ، لم تكن ترقص بحق بل تتمايل في سعادة كبيرة لأول مرة تشعر بها مختلفة عن تلك التي شعرت بها عند خطبتها لنادر فهي تعلم بأن هادي اختارها ولم يجبر عليها، تعلم بأنه تخطى ماضيها و آثامها وقدم لها قلبه على طبق من فضة لذلك سوف تفعل كل شيء كي تحافظ على هذا الكنز الكبير، بداية من اختيارها لفستان فرح مغلق لا يظهر منها شيء ، كان برقبة دائرية ضيقة مشغولة بخيوط فضية حول الصدر و أسفل الفستان المنتفخ أما ذراعيه فهما بنفس القماش مع نقش خفيف الفستان كله لم يكن ملفتا للأنظار كثيرا وقد ارتدت الحلق الذي أهدت لها شقيته
بعد انتهاء الزفه تحرك السيارات باتجاه الصاله نزلت لتجد هادي في انتظارها رفع عنها الطرحة لتلمع عيناه وقبل جبهتها قائلا:
-مبروك علي.
حضوره الطاغي جعلها لا تقدر على الرد فقط هزت رأسها بلا معنى ليرفع ذراعه فتعلقت به ودخل بها للصالة ، لم تكن صالة كبيرة بل صغيرة تصلح لأعياد الميلاد أكثر منها للأفراح، فتنة أصلا لم تدعُ سوى صديقاتها المقربات و أسرهم فقط مع أصدقاء هادي و شقيقته.
لم يكن من الصعب التمييز بين معازيم العروس والعريس فقد التزم معازيم العريس الجلوس رغم الموسيقى الصاخبة وفعل الآخرون العكس ، في المقدمة كانت تجلس سنان بقرب هالة وأفطيم و تنظر لهادي بحسرة وقالت:
-يا إلهي كيف يبدو أجمل كل مرة أراه فيها شعره وحده قصة أخرى لا أصدق بأن تلك الفتلة فازت به!
ضحكت هالة وردت:
-اخفضي صوتك سوف يسمعنا أحدهم .
سندت خدها لقبضتها و ردت:
-دعيهم يسمعون ربما يغير رأيه ويراني بدلا منها.
لتقول أفطيم:
-وماذا عن رؤوف ؟
زمت شفتيها و ردت:
-اممم أنا فقط أريد توسيع اختياراتي ثم هل يجوز أن يتجوز الكعك المحلى من الفتلة ؟
استمر الجدال بين سنان وأفطيم بين ضحك مرة وشد مرة أخرى في الوقت الذي اقتربت فيه امرأة ترتدي شال على رأسها يغطي مقدمة وجهها من كرسي العرسان لتسلم على هادي أولا وقالت:
-صافيناز هانم حماه زوجتك السابقة .

انتهى آلفصل ولم تنتهي الحكاية
ريما معتوق














 سيل جارف  الجزء الاول من سلسلة الحب والحربحيث تعيش القصص. اكتشف الآن