الفصل الرابع والثلاثون

1.4K 70 23
                                    

الفصل الرابع والثلاثون


منذُ أن رآها في المطار وهو يتمني اقتلاع ضلع من ضلوعه ليغرسها مكانه،تمنى ألا تبتعد عن عينيه أبدا ، لكن منطقة الواقع جعلته يبتعد غصبا فصحة زواجهما لم تثبت بعد، لم يخفَ عليه نظراتها الطالبة لقربه يعرف بأنها تحتاجه جدا في هذا الوقت، تحتاج الشعور بدعمه وحنانه تحتاجه كي يخفف من ألم خسارتها وكم يتمنى بأن يلبي احتياجها دون الخوف من ارتكاب معصية.

تركها يوم وصولهم ساعات قليلة ليعود حاملا معه شطائر، عند دخوله من بوابة المنزل لاحظ أن أحدهم بالحديقة فخمن أنه حارث عاند قلبه الذي يتوق لرؤيتها وانحرف ليدخل الحديقة فحال حارث لا يسر عدو ولا حبيب وعليه دعمه في مصابه ليجدها تجلس على الأرجوحة العريضة في الظلام أسرع يقترب منها ليقف أمامها يتأملها لثوان قبل أن يجلس بقربها واضعا يده حول كتفها ضاما لها لتريح رأسها على صدره وتطلق تنهيدة جعلته يضمها له أكثر ، توقع انهيارها بالبكاء لكنها لم تفعل فأسند ذقنه لأعلى رأسها وقال:
-أشماسي جلبت لك شطائر هيا لندخل ونأكل معا حتى حارث لم يذق شيئا.
ابتعدت عن صدره وعدلت جلستها قائلة :
-لقد نام لا أريد إيقاظه فهو لم ينم منذ ثلاثة أيام أو أكثر وسنان نامت أيضا بعد أن جلب لها خالي مسكن أو منوم لا أعرف.
أنزل يده من كتفها ليمسك بها وسألها :
-والصغير نام معهم؟
هزت رأسها بنعم وردت:
-حارث أخذه في حضنه أعتقد بأنه خائف عليه.
مرر يده الحرة على وجهها ينظر لكل إنش به كأنه يصوره ليقول:
-وأنت لماذا لم تنامي معهم؟
لم يستطيع التحكم في نفسه ليقرب أنفه من رقبتها ويشتم رائحتها التي اشتاق لها كثيرا وهو يتمتم :
-لابد أنك متعبة أم أنك تفضلين النوم في حضني؟
لم تبعده ولم تحثه على الاستمرار بل بقت جامدة عكس طبيعتها لدرجة جعلته يبتعد عنها قلقا وقال:
-أشماس أعرف بأن الظروف غير مناسبة وأنت تريدين فرح وقد وعدتك به، لكنني أريد أن نكون معا بأسرع وقت ممكن لا يمكنك تصور الخوف والرعب الذي عشته الشهور الماضية غير قادر على الوصول لك وحمايتك ، هناك فقط بعض الأمور التافهة التي علينا حلها وبعدها أنا مستعد للطريقة التي تناسبك كي نكون معا، يمكننا البقاء هنا أو العودة للخارج لتكوني قرب درصاف وأنهى أنا عملي وعندما تهدأ الأوضاع في بلدك نعود لها و نبني بيتنا هناك كما وعدت جدي ما رأيك حبيبتي .
تنهدت وردت:
-لنرى ما يقوله الطبيب غدا عن حالة سنان أولا لا أستطيع التفكير في أي شيء الآن صدقا.
عاد يضمها له ويقول:
-هذا ليس شيئا هذه حياتنا، أنت حياتي إن كنت لا تعرفين لقد كنت جسدا بلا روح حتى عدت لي بدونك أنا تائه لا أستطيع أن أفكر  بطريقة صحيحة ربما سابقا كنت أعيش كل يوم بيومه أعافر للمضي مرة كي أدفع دين أمي ومرة أخرى محاولا تأمين مستقبل لي ومرة ثالثة لأنه يجب أن أستمر لكن بعد أن صارحتني بحبك و أصحبت حبيتي و روحي وزوجتي اختلف الأمر أصبحت أحيا في انتظار اليوم الذي تصبحين فيه ملكة بيتي رفيقتي في كل مكان وكل وقت أريد أن نكون معا في أقرب وقت ممكن أرجوك .
أراحت رأسها على صدره لتسمع نبضاته التي تنطق باسمها لتقول بعدها:
-أتعرف بأني كنت اتخذت غرفتك ملجأ لي بعد وفاة جدي.
ازداد هدير دقات قلبه لتتابع:
-أردت مكانا يشعرني ببعض الأمان ويخفف عني وطأة موت جدي، لحسن حظي أنك تركت بها بعض من ملابسك رائحتك كانت لازالت عالقة بها.
أمسك ذقنها يرفع وجهها له ومال يقبلها برقة لثوان قبل أن يبتعد بسرعة كمن لدغه عقرب لدرجة أن قام من جانبها بحركة مفاجئة لم تغفل عنها، فخلل شعره وأمسك كيس الطعام قائلا:
-هيا ندخل لهم كي نوقظهم قبل الأذان الفجر.
تبعته دون تعليق فلا الوقت ولا الحالة النفسية التي بها تسمح بأي نقاش الآن.

*يوم العيد*

قرر أيوب أخذ حارث و أشماس والصغير لأحد المولات القريبة منه حيث يقام احتفالا كبيرا ، رغم الحزن المخيم عليهم وافق حارث من أجل يزيد بالذات فقد أصبح لا يلعب و يضحك مثل السابق بل يلتصق بأشماس ولايكف عن البكاء عند صدور أبسط صوت كغلق باب بقوة .
كان المول مزدحما الأمر الذي ضايق أشماس فهي تكره الازدحام والتلاصق لكنها حاولت ألا تظهر ذلك ليمر الوقت سريعا خصوصا بعد أن انسجم يزيد مع النافورة الراقصة وأخذ يصفق مع ظهور الإنارة متعددة الألوان كذلك فرح بالبالونات التي على شكل حيوانات وغيرها لتجعله يضحك بصوت عال من جديد الأمر الذي جعل حارث و أشماس يتنفسون الصعداء هو بالذات يجب ألا تؤثر به الحرب أبدا .
بحماس قال أيوب:
-ما رأيكم لو ندخل لنشاهد أحد الأفلام الجديدة.
ثم مال يهمس بأذنها :
-هناك فيلم كرتون جديد متأكد سيعجبك بدلا عن الفار الطباخ الذي فوته عليك.
اشتعلت وجنتيها مع ازدياد ضربات قلبها، لا تصدق بأنه لايزال يذكره، حسنا لتك لم تكن زيارة عادية لهم بل المرة التي اعترفت فيها له بحبها واخبرها هو بطريقة غير مباشرة بأنه يبادلها المشاعر دون قولها علانية مثل الآن .
حمل حارث يزيد الذي أشار ناحية بائع الحلوى ليقول لهم:
-تعالوا نأكل ثم أحضر له حلوى فهو لا يتوقف عن طلبها ورغم انها تجعله يجري ويقفز بطريقة غير طبيعية الطبيب أخبرنا بأنها تصيبه بفرط نشاط لذلك نحاول تقليل كمية الحلوى التي يأخذها وأنت أيضا عليك ألا تجلب له حتى العصير يفضل أن يكون طبيعيا بدون سكر لكن اليوم استثناء .
بدأت عروض من نوع آخر ليشير لها يزيد في مرح فنظر الجميع حيث يشير ، كانت عبارة عن رجل وآخر يلوحان بعصا نارية لتتناثر النيران محدثة أشكال دائرية جميلة شدت انتباه الجميع ماعدا أشماس التي شعرت بثقل في قفصها الصدري ثم بدأت في الاختناق مع شعورها بضيق تنفس وظهرت حبات عرق على جبينها فمسدت رقبتها علها تسهل دخول الهواء لها لكن كلما زادت تلك الدائرة النارية اشتعالا كلما ازداد إحساسها بالاختناق واحتقن وجهها بشدة فقد بدأ الهواء ينفذ حولها لدرجة لم تقدر على التنفس بطريقة طبيعية ، أيوب أول من لاحظ احتقانها
ليقول بفزع:
-أشماس ماذا حدث لك هل أنت بخير؟
التفت لهم حارث وربط فورا بين النار و
حالتها ليصرخ به كي يسمعه وسط الازدحام:
-ابعدها من النار بسرعة هيا قبل أن تبدأ في نوبتها.
أبعدها بالقوة فقد كانت متخشبة حتى وصل لجراج السيارات وهي لازالت تجد صعوبة في التنفس ليجلس على كرسي يخص حارس على الاغلب وقام بإنزال رأسها بين قدميها طلبا منها التنفس بعمق الأمر الذي لم تفعله في الأول ليبحث بعينه عن أي شيء يساعده فوجد يزيد يمسك بكيس ورقي به بوشار أخذه منه غير مهتم بصراخه و أفرغ مابه ثم أعطاه لها وطلب منها أن تتنفس فيه بل وضعه على أنفها وفمها وكرر في أذنها الطريقة عدة مرات حتى فعلتها لتعود لتنفسها الطبيعي بعد فترة أمسك وجهها بكلتا يديه ورفعه له ليجد أن عينيها ملأت بالدموع لم يعرف سببها
-فقال متسائلا دون أن يتركها:
-لم يسبق أن رأيتها في مثل هذه الحالة ولم تخبرني بأنها تصاب بها هل هذا بسبب الحرب ؟
كان حارث يحاول إسكات يزيد الذي لم يكف عن البكاء منذ أن أخذ منه أيوب كيس البوشار ليرد بسرعة وسط صرخات الصغير:
-لا من قبلها بسبب الحادث لقد أصبحت تخشي النار.
عقد الأول حاجبيه ثم تذكر الحادث الذي أصابها بحرق في مصنع الشيخ عثمان استغرب أن تكون هذه أول مرة يلاحظ خوفها من النار خصوصا أنهم دائما يقومون بالشواء لكنه عاد وفكر بأنها لا تقترب منها لذلك لم يلحظ ذلك؛ كم رغب في ضمها فحبيبته خائفة تحتاج للشعور بالأمان وللأسف وجود حارث يمنعه، ساعدها على الاستقامة وعادوا للمنزل كي ترتاح بعدها ولم ينس أن يحضر ليزيد بوشار بدلا من الذي أخذه منه إلا أن الصغير كعمته لم يرض عنه بل قذف الكيس في وجهه ونظر له بتحد خصوصا أن حبات البوشار ملأت السيارة،
لم يتوقف حارث عن الضحك قائلا:
-تربية أشماس ماذا تتوقع منه لن يرضَ عنك بسهولة أشفق عليك من الآن أولادك لن يرحموك عندما تغضبهم خصوصا لو كن بنات.
نظر لمرآة السيارة يراقب أشماس التي جلست في الكرسي الخلفي مغمضة العنينين ورد:
-لا بنات ولا ذكور أريد أن أستمتع و أستقر مع أمهم أولا وبعدها نفكر في الأمر لازال العمر أمامنا .
أومأ حارث دون رد وهو يفكر:
- ربما أخطأ عندما ضغط على درصاف في قصة الحمل المبكر وهي غير جاهزة للأمر ، ربما لو انتظر قليلا لما تركته وتركت ابنها وهو رضيع لم يكمل شهرين حتى.
ضحكة مكتومة من الصغير جعله ينظر له فوجده يأخذ حبات البوشار التي وقعت و يرميها على أيوب والأخير يحاول أن يكون جامدا رغم الغضب الظاهر عليه فضمه له ضاحكا ، وقال في سره:
-بل ربما أراد الله أن تكون عوضي لأنها كانت ستتركني في كل الأحوال .



ذهب أيوب لزيارة رنا و لكي يقنعها بالذهاب لأشماس فهي ترفض أن تراها أو تعزيها حتى .
ارتشفت رنا من كوب الشاى ليقول أيوب:
-رنا من فضلك على الأقل عزيها لا يجوز لقد مات معظم أهلها و بقيت وحيدة تقريبا.
رفعت حاجبها وردت:
-مثل ماعزيت أنت في حماك؟
أنت حتى لم تحضر الدفن وسافرت تاركا زوجتك وأهلها وحدهم لم تهتم بمنظرها وزوجها يتركها ليلة زفافها.
صرخ أيوب :
-توقفي عن ذلك الحديث ، سبق وأخبرتك أن هناك الكثير الذي لا تعرفينه فلا تجعليني أفضح ما ستره الله.
ثم ضرب بيده على ذراع الكرسي غضبا من نفسه لأنه قال أكثر مما يجب ، ليستغفر بعدها ثم قال بنبرة أقل حدة :
-لقد انتهت قصتي مع فتنة ولن نعود معا أبدا والآن أنا متزوج من أشماس من فضلك كما احترمت زوجك وأهله تعاملي معي بالمثل أطلب منك تعزيها فقط  لا أعرف سبب كرهك لها حتى قبل أن تريها صدقيني سوف تغيرين رأيك عندما تعرفينها جيدا.
كتفت ذراعيها وردت:
-أنا ضد الزواج من جنسية أخرى من الاساس ، ما الذي ينقص بناتنا كي تتركهن وتبحث عن عروس في دولة أخرى ؟
ثم إني لا أحتاج أن أعرفها كلهم يتعاملون معنا بتعال و غرور، يظنون أنهم اشترونا بمالهم وهي ستكون مثلهم؛ ثم تعال هنا هل تعايريني بمعاملتك لزوجي
نظر له بدهشة  مستنكرا رأيها ليقول:
-التعميم خطأ لقد عشت في بلدها أكثر من ثلاث سنوات ومعظم الذين قابلتهم عاملوني باحترام شديد لن أنكر بأن البعض كان يحاول التقليل مني لكنني كنت قادرا على رد كرامتي فورا كما أن الأغلبية يحبونني بل و يحبون بلدنا و أبنائها والدليل أمامك معظمهم أتوا هنا بعد الحرب رغم وجود أكثر من دولة تحيط بهم ، كما أن أشماس و عائلتها بالذات لم يقللوا مني أبدا على العكس تماما حارث جعلني أخ له وفضلني عن الباقين وسفيان والباقين وقفوا معي ضد ابن عمهم والشيخ عثمان رحمه الله أعطاني لما لم أجده يوما مع أبي.
اعتصر قلبه ألما على ذكرى الشيخ وكادت الدموع أن تفر من عينيه فزفر وقرأ الفاتحة على روحه ثم قال:
-رنا إذا كانت لدي أي معزة عندك أو احترام حتى نفذي طلبي أنا لن أتراجع عن ارتباطي بأشماس أريد فقط أن نكون عائلة كبيرة أريد لأطفالي أن يعرفوا عمتهم وأولادها لكنني لن أجبرك على شيء إن لم ترغبي به.
استقام و ذهب يودع أبنائها لتشعر بتأنيب ضمير فأسرعت خلفه قائلة :
-سوف أذهب لها لكن لو قامت بإهانتي لن أسكت لها
ابتسم في سعادة وحضنها مقبلا رأسها ورد :
-لن تفعل أعرفها جيدا هيا جهزي نفسك لنذهب لها
-الآن !!!
-نعم الآن خير البر عاجله.
حاولت التفكير في حجة لتهرب منه لتقول:
-يجب أن استأذن من زوجي أولا لن يتأخر عندما يعود سوف أخبره.
مد لها هاتفه قائلا:
-اتصلي به ولو على الأطفال نأخذهم فابن أخيها الصغير يقيم معها هي من تتولي الاهتمام به و سوف يلعبون معا.
بعناد ردت:
-ليس لدي ملابس سوداء كيف سأذهب ؟
ازدادت ابتسامته وهو يراها تعاند كما كانت تفعل وهي طفلة عندما تحاول الهروب من الذهاب للمدرسة:
-لا يهم هم لا يرتدون الأسود أصلا أي لون مناسب المهم لا تضعي زينة الوجه.
قلبت شفتها وقالت بعناد :
-سوف أذهب في المساء لا تحاول أو انسَ الموضوع.
-لالالا موافق مساء جيد جدا أمر كي  آخذك مارأيك ؟
ردت بنزق:
-لا أذهب وحدي و أبلغك بعدها عن انطباعي إياك أن ألمح ظلك عندها.
رفع يده بتحية عسكرية وقال بتمثيل :
-علم وينفذ افندم أي أوامر أخرى.
مطت شفتيها بصوت وأشارت له ليذهب فخرج من منزلها وقلبه يتراقص طربا.


صحيح أنه وعدها بالابتعاد لكنه بقى في سيارته بجانب سور الفيلا ينتظر خروجها، قلبه ينبأه بأن الأمر لن يمر مرور الكرام خصوصا أنها دخلت مع فادية السماك ثم تبع ذلك دخول فتنة بكيس خمن أن به سكاكر ليزيد كما تفعل دائما الأمر يجعله في حيرة لماذا تصر على الاقتراب من أشماس بعد كل ذلك،خصصوا أن الأخيرة لا تطيقها ولا تخجل من إظهار ذلك يجب أن يخبرها عن الأمر بسرعة قبل أن تقع فتنة بلسانها أمامها فهو لا يعرف غرضها بعد من هذا التقرب الغريب ، اليوم بعد خروج رنا سيذهب و يخبرها وبعدها يسألها عن مكالمة عياد لينهي الأمر ويرتاح من عذابه .
تفاجأ بخروج رنا بعد فترة قصيرة تشتم بصوت عال ليخرج من السيارة ويلحق بها ينادي عليها :
-رنا توقفي ماذا حدث لماذا خرجت بسرعة ؟
التفتت له بغضب عارم تصيح به:
-حدث ما هو متوقع أخبرتك منذ البداية بأنهم متكبرون لكنني لم أكن أعرف بأنها متجبرة أيضا حسبي الله فيها، اسمع نفذت طلبك لكن لو أصررت على إتمام زواجك بها لن أدخل بيتك بل لن تكون أخي مفهوم.
حاول التحكم بأعصابه وعاد يسألها بهدوء:
-لا أصدق بأن تقدم على إهانتك ربما لم تفهمي لهجهتها فهي حادة نوعا ما، هلا أخبرتني ماذا قالت لك بالضبط؟
عادت بجذعها للخلف و كتفت ذراعيها قائلة :
-لقد طردتني.
بغير تصديق قال:
-طردتك!!!!
ردت بإصرار :
-نعم طردتني بعد إهانات كثيرة و قامت بمعيارة فتنة و طردها هي الأخرى.
أوقفها قائلا:
-لحظة.
مادخل فتنة في الأمر ؟
أشاحت بوجهها و ردت:
-المسكينة جلبت بعض السكاكر للطفل لتقوم تلك المتعجرفة بطردها بعد إسماعها كلاما جارحا جدا، لم تراعِ بأنها ثكلى ترى فيه ابنها الذي لم تحمله بين يدها بل إنها هددتها زيادة وعادت لتكمل علي وطردتني أيضا.
لم يرد أيوب وقد شعرت رنا بأنه لا يصدقها لتصرخ به:
-اذهب لها حالا واسألها عن طردها لفتنة و ما قالته لها ولو كذبتني سوف أعتذر منها فورا وأمامك .
كأنها أعطته الخلاص ليذهب لأشماس فعلا، ردد في رأسه الكلام الذي يريد النطق به، لن يسأل عن فتنة ولا طردها لن يجلب سيرتها أبدا بل سيتظاهر بأنه لا يعرف شيئا وجاء ليسلم على شقيقته لكن بمجرد أن دق الباب ولم تجبه ليدخل ويجدها تجلس في انتظاره وقد أخبرته هيئتها بأن رنا ربما لا تكذب.
لا يعرف لماذا غير كلامه وبدأ حديثه بفتنة لينتهي بصفعة وطلب طلاق لارجوع فيه
لكنه لن ينفذ طلبها أبدا




❈-❈-❈

في دولة أجنبية

تقبض عبدالخالق وحاول كظم غضبه ليقول وهو يجز على أسنانه :
-سفيان تحت يد ذلك النذل بسب دفاعه عن أختنا ونحن نختبئ هنا مثل النساء ألا يكفي أن أبي و مات ولم ندفنه أو نأخذ العزاء حتى!!!
رغم حزنها الذي يزداد كل يوم على فراق رفيق دربها إلا أنها قالت مدارية ألمها :
-والدك اختار أن يبقى رغم حصوله على التأشيرة وقرر في آخر لحظة بأنه لن يذهب ليتركني أركب الطائرة وحدي، ليختار الله أن يأخذ أمانته في بلده بل في مكان عمله من كان يظن أن أول مكان يتم قصفه عمل والدك ليكون من أوائل الشهداء.
باستنكار وسط دموعها قالت أفطيم:
-هل تلومينه يا أمي ؟
عمل أبي في مشروع تحلية المياة كيف يكون من طبيعي أن يتم قصف مقره ؟
أشاحت مبروكة بوجهها لوحت قائلة:

-تتوقعون من الغرب أن يدع شيئا سليما نسيتم العراق؟
قاطعها عبدالخالق بغضب متأجج:
-دعونا من فقرة السياسة الآن ذلك الحقير أخذ ابن عمي وأنا من سيعيده بعد أن آخذ روحه بيدي.
قفزت مبروكة من مكانها في فزع قائلة :
-والله الذي لا إله إلا هو لو اقتربت من الوطن وذلك الحقير بالذات لا أنت ابني ولا أعرفك وسأكون غاضبة عليك ليوم الدين؛ يكفيني  ما خسرته لم يبقَ إلا أنت وشقيقك ارأفوا بحالي.
دخلت في نوبة بكاء لتضمها أفطيم وبدلا من تهدئتها بدأت تبكي معها ليخرج عبدالخالق ويترك المنزل حتى لايزيد من حزن أمه.
بعد فترة هدأت الاثنتان لتقول أفطيم:
-اسمعي أمي أنت حلفت على عبدالخالق في العودة للوطن دعيني على الأقل اهتم بدرصاف، فهي وحيدة في المصحة ولم تعلم بعد بموت رؤوف وأسر سفيان ، بعد إذنك سوف أذهب لها مع علي كي أمهد الأمر و ربما أقنعها بالذهاب لابنها و حارث تعرفين سنان أجرت عملية جراحية و أمر سفرهم الآن لدر صعب جدا رغم رغبة أشماس .
مسحت دموعها وردت:
-تظنون أنني قاسية القلب ولا أشعر بهم؟
قلبي يتقطع يا بنتي عليهم شباب مثل الورد ضاعوا هباء، انا من ثكلت في رووف بالذات، حتى حارث وأشماس كم وددت أن أكون معهم الآن من سيأخذ بيدهم في هذه المحنة هم لم يجربوا قسوة الحياة كي يقعوا في كل ذلك وحدهم ، أشعر بأن قلبي منشطر فلا أنا قادرة على الذهاب لهم والنظر في عينهم منذ علمت فعلت عياد و انضمام  للطرف الآخر مدعيا إنه ثأر أعرف جيدا بأنه لا يريد إلا الخراب والانتقام ولن أستغرب لو كان هو من بلغ عن منزل الشيخ عثمان ليتم قصفه،و لا أنا لا قادرة على البقاء هنا في رخاء وهم يعانون وحدهم.
سكتت تضع يدها مضمومة على قلبها لبرهة ثم قالت:
-اذهبي مع عبد الخالق لدرصاف وكوني سندا لها وليس عليها أعرفك عندما تبدئين في إلقاء الأحكام على الآخرين إياك وفعلها معها عديني وإلا لن أسمح لك بالذهاب مفهوم.
قلبت مقلتيها و قالت:
-لن أفعل أعدك ، صدقا أريد التخفيف عليها من أجل حارث و أشماس لم تعجبني آخر مكالمة معها أشعر بأنها على وشك الانفجار و الصغير يحتاج لأمه بعد كل ماعاناه ، لكن تعالي هنا قلت عبدالخالق و ليس علي؟
عدلت ربطة الايشارب الخاص بها فوق رأسها وردت:
-عبدالخالق أخرج كل غضبه في كلامه وذلك الدخان الذي بدأ به مؤخرا وين اني لا اعلم به ، أما علي فهو هادئ جدا وهذا يخيفني خذي عبدالخالق لن يتهور ويكسر كلمتي أعرفه عصبيا لكنه بار بي.
همست أفطيم وهي تبتعد لتعود و تتصل بأخيها وتتجهز للسفر:
-استغلال عاطفي.
-سمعتك.
-قصدت أن تسمعيني.
ابتسمت مبروكة ودخلت المطبخ تعد الطعام، علاج ابنتها أتى بنتيجة جيدة جدا، ظنت أنها سوف تنتكس بعد الأحداث الأخيرة لكن ذلك لم يحدث ، صحيح موت والدها أدخلها في حالة سيئة لعدة أشهر و ما حدث بعدها من أخبار تدمي القلب جعلها تخرج من ذلك الحزن رويدا و تحاول التمساك من أجلها هي أمها و من أجل الباقين فكانت خير داعم للباقين بمن فيهم أقاربهم بالوطن، وهاهي تحاول مساعدة درصاف و إن كان السبب الأكبر لذلك هو سفيان وماحدث له بسببها.
رفعت يديها للسماء وقالت:
-أراح الله قلبك وجمعك مع من تحبين بقدر أحزانك التي مضت يا افطيم يا ابنة مبروكة.

❈-❈-❈
في بلد أيوب

أدخلت فادية لغرفة العناية المركزة بعد ارتفاع ضغطها لدرجة خطيرة قد تؤدي لذبحة صدرية بسبب قلة إمداد القلب بالدم وبالتالي انخفاض تدفق الدم للقلب ؛ كل تلك التفاصيل وغيرها مما ذكرها الطبيب وهو يشرح حالة الأولى، لم تجعل إبراهيم يهتم بشيء انتظر حتى يذهب الطبيب ثم أمسك جيهان من يدها وقادها لأقرب غرفة فارغة فدفعها أمامه ثم أغلق الباب خلفه لتنكمش في مكانها بينما إبراهيم يدور حول نفسه غير مصدق لما سمعه من أشماس.
لا يحتاج لسؤالها عن صحة الأمر ، الإجابة كانت واضحة على وجهها
هل هذا ما كانت خيرية تحاول إخباره به قبل وفاتها؟
تذكر فجأة والده عندما كان يستأذن خيرية كي تقبل باستقبال جيهان هل كان يعلم هو الآخر ؟
-من يعلم أيضا ؟

نظرت له في عدم فهم ليكرر عليها بصوت حازم أرعبها:
-من يعلم أيضا غير خيريه وأشماس انطقي.
انهمرت دموعها وعقد لسانها لثوان لتحاول النطق بعدها فخرج صوتها معتزا بعبرة :
-لم أكن أعرف بأن أشماس تعلم.
أمسكها من ذراعها وأخذ يهزها وهو يقول :
-قلت من يعلم هيا انطقي.
قالت وسط عبراتها:
-شيخ قبيلتكم لقد أخبرته عندما رفض أن يطلقني كي يجبره أن يفعل و يبتعد عني.
ترك يدها وتراجع عاقدا حاجبيه، رغم أنه كان شبه متأكد من ذلك لكن سماعه للأمر منها له وقع مختلف تماما شعر بأنه على وشك الوقوع في حفرة سحقية لقد خدعته ضحكت عليه سنوات وهو يظن نفسه ظالما لها ليجدها تزوجت من أخ زوجته وزوج أخته !!!
لماذا
وكيف
كيف تم ذلك أين التقيا
جلس على سرير المرضى وسألها :
-كيف التقيت به وأين ؟
ارتعشت شفتاها وأغمضت عينيها ليهدر بها:
-اجيبي حالا.
بنره نادمه حزينه ردت:
-جاء لخطبتي دون أن ألتقيه ، في البداية أبي رفضه لكنه أصر وطلب مقابلتي وعندها أخبرني بأنه قريبك وكنت عرفت قبلها بأنك تزوجت ابنة عمك وسافرت معها منذ مدة، لن أنكر بأن كلامه و رغبتي في الانتقام لكرامتي جعلتني أقبل به لكنني ندمت بعد عقد القران فورا في الحقيقة كان زواجنا في مكتب محامي وتم تسجيله في الشهر العقاري هكذا كانت تجري الأمور وقتها لكن أبي أصر على عقد عند مأذون حتى وإن لم يكن قانونيا كي يطمئن قلبه لكنني ندمت بعدها فورا بل طلبت الطلاق منذ أول يوم ورفعت عليه قضية بعد أسبوع.
رفع عينيه التي أصبحت بلون الدم لها ليقول بألم :
-لم تجدي سواه كي تطعنينني ؟
جثت على ركبتيها أمامه و أمسكت يده تبكي بحسرة وقالت:
-لم أكن أعرف أقسم بالله عرفت عندما أعادني لعصمته و ذهبت لوالدك مستنجدة به وهناك صدمت.
نفضها كمن ينفض ذبابة ليقف قائلا:
-أبي أيضا يعرف و أخفى عني وأنا الذي كنت أتغنى بحبك أمامه.
مسحت دموعها وردت بسرعه:
-لا لا أرجوك لا تظلمه أنا طلبت منه ذلك قبل زواجنا.
لم يستمع لباقي كلامها بل خرج مندفعا من الغرفة ليجد هادي هناك فشتم بداخله وحاول التهرب منه لكن هادي وقف أمامه ومد يده يسلم وهو يقول بوجه شاحب:
-السلام عليكم سيد إبراهيم ذهبت لمنزلك فأخبرني بواب الجيران بأنك هنا أنتم بخير أعني لقد سمعت بأن سيارة الإسعاف نقلت مريضا لهنا؟
سلم عليه وقال:
-نعم بخير إنها قريبة زوجتي لا تهتم، لكن ماهو الأمر الهام الذي جعلك تأتي هنا في هذا الوقت ؟
ظهر التوتر على هادي وازدرى ريقه ليقول :
-الأمر خاص بحضرتك وحارث و سفيان لقد وصلتني أخبار من الوطن لكن يجب أن نتحدث معا.

 سيل جارف  الجزء الاول من سلسلة الحب والحربحيث تعيش القصص. اكتشف الآن