الفصل الاول
تمر السنون وتتوالى العقود دون أن نشعر بها أو نحسب حسابها، البعض يتعلم من الماضي ليصلح مايمكن إصلاحه، و البعض يتشبث به أكثر ليكون حافزا له للتقدم ، أو حافزا للإنتقام ربما أجيال تموت و أجيال تولد و البعض لازال متمسك بعادات منذ دهر مضى بل مصمم على إحيائها رغم تعارضها مع الدين أحيانا.
الكل يمضي في طريقة والبعض جعل طريق العودة مفتوح، ينتظر الثانية التي يسمح له القدر بها أن يحقق حلمه وينال جائزته الكبرى
وفي النهاية لن ننل من الدنيا إلا ما كتبه الله لنا.
❈-❈-❈
2006
في النادي الشهير بالعاصمة، ذلك الذي لا يرتاده سوى صفوة المجتمع والعائلات الغنية فقط، تجلس فُتنة مع صديقاتها، على طاولتها المعتادة في مكانها المميزة حيث يراها الجميع ويتأمل في فِتنتها التي تزداد كل يوم عن سابقه، وهي تراقب الجميع لترى الإعجاب في نظراتهم فترضي غروها الأنثوي،...
يكمن جمال فُتنة في طلتها وحضورها أكثر من شكلها، فهي قصيرة ذات جسد منحوت بعناية، عينيها الواسعة ذات لمعة خاصة بها وحدها، تتفنن هي في إظهار جمالهما بالكحل الثقيل كما تفعل مع حبتي الكرز اللتين لا يذهب اللون الأحمر منهما أبدًا و كأنهما لا يحملن لون طبيعي تحت ذلك الطلاء....
عرفت نقاط جمالها منذ بداية صباها وعلمتها عمتها (جيهان ) كيف تبرز تلك النقاط كي تلفت الأنظار لها أينما ذهبت .
وفد تغلب التلميذ على الأستاذ، وهاهي فتنة تجعل الرقاب تلتفت لها بعد أن كانت عمتها من تفعل ذلك.
وضغت منار كوب العصير على الطاولة ومدت يدها في حقيبتها وأخرجت ملف صغير مدته لفتنة، التي أخذته بلهفة واضحة وقلبت صفحاته بسرعة وهي تسأل دون أن ترفع نظرها عن الورق:
-منار هاتي المفيد ماذا وجد عماد في بحثه عنه؟
حركت عينيها وهي تقول بملل:
-نادر مأمون، والده وكيل وزاره في ( )، والدته صافيناز الخولي لازالت تعيش فوق إمكانيات زوجها المادية، لا أحد يعرف كيف ، تدعي أنها تقرب للعائلة المالكة ، كما أن والدها و جدها كانا من البشوات، أما الآن بعد الموجة الجديدة فقد أصبحت من أصول تركية ، لديه شقيقة واحده أسمها ( نورهان) ، آه كدت أن أنسى لديه صديقة أو بالأحرى حبيبة!
عقدت فتنة حاجبيها و ضغطت على الملف الذي تمسك به وهي تقول ببطء حذِر: -صديقة أم حبيبة؟
هناك فرق كبير، كيف يقع عماد في هذا الخطأ و يعرف الفرق ثم أنه ذو علاقات كثيرة حسب ماعرفت عنه من لينا!
اتجهت بنظرها للجالسة بصمت منذ بدأ الحديث، دون أن تشارك به أو تعلق بكلمة
كذلك فعلت منار.
على الجانب الأخر من الطاولة كانت لينا تجلس واضعة قدم فوق الأخرى، في يدها جهاز نقال من أحدث إصدارات العام، تلعب به و وتقوم بتصوير نفسها بالكاميرا الحديثة وقتها، دون أن تعير البقية أي اهتمام،
- هاي أنتِ اتركِي تلك اللعبة التي في يدك و ركزي معي.
قالتها فتنة وهي تلوح بيدها الحرة، وقد بدأ الخوف يتسلل داخلها من خسارة المعركة قبل أن تخوض أول جولاتها!
من دون أن ترفع عينيها عن شاشة النقال، قالت بهدوء مستفز لفتنة بالذات:
-ماذا تريدين أن تعرفِي بالضبط، سبق و أخبرتكِ بكل ما أعرفه عنه، هو طالب فاشل لايزال معي في نفس السنة رغم أنه يكبرني بثلاث سنوات!
في الحقيقة لا أعرف كيف لم يتم فصله من الكلية حتى الآن، متعدد العلاقات بطريقة مقززة، يتباهى بسيارته ويخاف عليها جدًا رغم أنها من القرن السادس عشر!
للأسف يحضر معي حصص المعمل ويظن أنه صاحب روح فكاهية، رغم ثقل ظله.
أطلقت منار ضحكة اضطرت لقطعها بسبب نظرة فتنة لها، التي رمقتها بنظرة قاتلة، ثم وجهت كلامها إلى لينا:
- هلا تركت تلك اللعبة من يدك أولًا قبل أن تلقي عليِ بالأحجار لتدفنيني تحتها!
أغلقت هاتفها ثم وضعته فوق الطاولة أمامها لتواجه فتنة رافعة حاجبها الرقيق ، لتقول في برود:
-نعم سيدة الحسن والجمال، ماذا تريدين أن تعرفي عن فارسكِ المغوار؟
زمت منار شفتيها كي لا تبتسم ، فهي تعرف فتنة عندما تضع شيئًا في رأسها، وهي قد وضعت نادر صوب عينيها منذ أن تجاهلها عكس البقية.
- لينا لا تزيدي جنوني، أريد أن أعرف إذا كان له حبيبة أو لا؟
- رفعت كتفيها و أنزلتهما ثم قالت وهي تسحب نقالها من فوق الطاولة مرة أخرى :
- ومن أين لي أن أعرف؟
كما قلت لكِ مئة مرة هو كل يوم مع فتاة مختلفة عن سابقتها، لا أعتقد بأن له حبيبة واحد، وإلا كان أخفى علاقاته تلك كي لا تعلم عنها؛ لكنه يجاهر بها بل يتبجح بعددها و أن الفتيات يرمين بأنفسهن عليه.
كانت تضغط على كل حرف قاصدة أن توصل المعنى بوضوع لصديقتها، علها تفيق من الوهم قبل أن تصبح رقم. مجرد رقم في حياة نادر مأمون.
عم الصمت لعدة دقائق، وأخذت الأجواء تنذر بالخطر؛ قررت منار التدخل لإنقاذ الموقف من أن ينقلب ، فهي تعرف لينا و فتنة جيدًا عندما تتواجهان تفتح أبواب جهنم وهي من ستتولى عملية المصالحة بينهما!
تنحنحت بصوت عال وقالت وهي تشير على هاتف لينا:
-هذا جديد صح لم أره معكِ من قبل، هل هو الإصدار الحديث؟
رفعت هاتفها في زهو:
- نعم إنه ( نوكيا) أحدث موديل بكاميرا أمامية عالية الجودة كما أنه يسحب للأعلى انظري.
قرنت كلامها بأن حركت الشاشة للأعلى والأسفل وقامت من مكانها لتلتقط صور لها مع منار.
مطت فتنة شفتيها :
-ومن أين لكِ به، ثمنه غالٍ جداً، حتى أنا لم أطلبه من أبي بعد أن عرفت ثمنه!!!
- أوووووف ، لا تدعي الجهل تعرفين من أعطاه لي، ثم أنتِ لا تهتمين بالتكنولوجيا، لذلك لم تطلبيه من والدكِ وليس لأن ثمنه غال!
عقد منار حاجبيها في تفكير ثم قالت كأنها اكتشفت شيئًا:
-هل لا يزال يتكفل بمصاريفك حتى الآن؟
هزت لينا رأسها في إيجاب.
- بارك الله له، وأنار طريقه، أمثاله أصبحوا قلائل في هذا الزمن.
لم تعلق لينا رغم الغصة التي شعرت بها مثل كلة مرة يذكر بها هذا الموضوع ويذكرها بحقيقتها!
استقامت فتنة وأخرجت مال من حقيبتها لتضعه على الطاولة ثم عدلت ملابسها قائلة
-يجب أن أذهب ، اليوم ستأتي عمتي و زوجها عندنا، لقد اشتقت لها كثيرًا.
جحظت عينا منار:
-هل تزوجت عمتك مره ثانية؟
حركت فتنة أصابعها الخمسة على التوالي لتقول بتسل :
-قصدك خامسة
شهقت منار، أما لينا فقد صفقت بمرح:
-كم أحب تلك المرأة، أكاد أجزم بأنها أمي الحقيقية .
ضحكت فتنة لتقول وقد رسمت على وجهها نظرة حزن كاذبة:
-للأسف عمتي لم تنجب أبدا ، و إلا كنت أقسمت بأنها والدتي أنا!
استغفرت منار وقد ظهرت عليها الصدمة، رغم معرفتها بعمة فتنة وزيجاتها جيداً، لكنها سألت كي تتأكد فقط :
-فهي لم تتزوج منذ مدة قصيرة متى حدث الطلاق و قضت عدتها لتتزوج من جديد؟
مالت عليها فتنة تسند يدها على حافة كرسيها و تلعب حواجبها:
-ومن أين لكِ المعرفة بالعدة ومدتها شيخة منار!
ازدرت ريقها وشعرت بالحرج لدرجة تعرق جبينها:
-لقد قرأت عن الموضوع بالصدفة، لا أقصد شيئًا أنا فقط أسأل....
أطلقت فتنة ضحكة صغيرة و أخرجت من جيبها منديل تجفف جبينها:
-لا تخافي قضت عدتها، وهذا المرة زواج شرعي موثق في المحكمة أيضاً فالعريس ليس من هنا، بل هو أول رجل أحبته عمتي في حياتها.
صفارة طويلة أخرجتها لينا و هي تميل بجذعها على الطاولة لتقترب منهما وتقول بهمس:
-قصة حب قوية تخطت الزمن والحدود أريد التفاصيل بسرعة.
كادت تفتح فمها لكنها اعتدلت فجأة و ظهرت ابتسامة بشوشة على ثغرها، لتلتفت الفتاتين نحو الاتجاة الذي تنظر له.
اقترب من طاولتهم شاب وسيم طويل ذو عيون زيتونية بابتسامة قريبة للقلب، لتكون فتنة في استقبالة بترحيب حار:
- عماد أفضل صحفي في البلاد، بل في الشرق الأوسط بأكملة يامرحبا يامرحبا.
قام بإلقاء التحية على الفتيات ثم وجه حديثه لشقيقته:
-هل أنتهيتِ كي نعود معًا، أم أنكِ ستعودين مع البنات؟
أسرعت تضع أشيائها في حقيبة يدها :
-لا سوف أعود معك لدي دراسة كثيرة وعليِ الانتهاء من تصميم مهم طلبه المعيد منا.
هزت فتنة رأسها في يأس:
- أرحمي نفسك قليلًا، غدًا عطلة نهاية الأسبوع، ياإلهي أنتِ تأكلين الكتب، لن استغرب إذا تخرجت قبل الكل.
وقفت لينا وسحبت حقيبتها في عجلة:
- عماد خذني معكم، أنا ايضاً لدي مذاكرة كثيرة، وإذا بقيت مع فتنة سوف تصر أن أبيت معها ولن أذاكر بالطبع.
رفعت يديها للسماء في يأس قائلة:
- لا أصدق بأن صديقتي المفضلتين، واحدة في كلية الهندسة والأخرى في الطب ، كيف أصبحت صديقة لكما؟ لابد بأنه سحر! نعم هو سحر أسود جعلني أعمي عن كل الفاشلات في المدرسة و أرافقكن.
ضحك عماد ملأ شدقيه واقترب منها يقول بمغازلة:
- بل هو حظي الجميل لتكون فاتنة الفاتنات صديقة شقيقتي.
تأبطت ذراعه وهي تقول بأسف كاذب:
-تعرف أنت الذي خرجت به من هذا الصداقة، المشكله أني لا أستطيع الزواج منك، تعرف قانون الصداقة لا يجوز.
كتفت منار يديها لتقول بغضب:
-قانون الصداقة!!!!!
هذا هو السبب الوحيد سيدة فتنة.
ردت وهي تلف شعرها لتضع على كتف واحد :
- هل لديكِ سبب آخر لا أعلمه!
جزت على أسنانها دون رد
ليطلق كلاً من عماد و لينا ضحكة عالية
أما فتنة فقد استمرت في تلعيب حاجبيها وهي تسير متأبطة ذراع عماد
-❈-❈❈-
في الدولة المجاورة
على الحدود البرية بين دولته والدولة المجاورة أنهى إجراءات الدخول بعد الوقوف في طابور طويل، ما رحمه من الوقوف لمدة مماثلة أو ربما أزيد، في انتظار إنهاء تفتيش كل شبر في الحافلة التي يستقلها مثل الحافلات الأخرى ، هو وجود عدد من العائلات المسافرة معه على نفس الحافلة، مما جعل رجال الأمن يغضون النظر عن التفتيش الدقيق المتبع لتلك الحافلات ويأمرون صاحبها بالتحرك رأفةً بحال العوائل.
استقر في كرسيه واضعًا حقيبته الصغيرة فوق حجره بها كل مايملك من ملابس قليلة و أوراقه المهمة ؛ ينظر من النافذة إلى تلك الأرض الممتدة أمامه ، بعضها أخضر مزدهر يلوح من بعيد فوق جبل تزينة الأشجار لم تلبث أن اختفى الخضار و ظهرت صحراء ممتدة إلى مالا نهاية..... مثل حياته التي لم يذق خضارها إلا في طفولته كما يعتقد، وهاهي تنقلب الآن لصحراء قاحلة لا يعرف لها نهاية!
استغفر ربه فهو أفضل حالًا من غيره بكثير، يكفي بأنه تحصل على عقد عمل بمرتب كبير رغم أنه لا يحمل شهادة جامعية؛ فقد أجبرته الظروف على أن يترك دراسته في السنة الأخيرة، ليبحث عن عمل يسدد به الديون التي أثقلت كاهله.
غم خسارة لحبيبته التي قررت المضي في حياتها بدلًا من انتظاره ؛ ومن ذا الذي يلومها على قرارها ذلك، لماذا تضحي وليس بينهما ارتباط رسمي حتى ؟
فقط حب طفولي بدأ عندما كانوا يلعبون في الشارع، لينمو دون إرادة منهما أو قد يكون مثل ما أخبرته وهي تصدر حكم الإعدام على قصتهما، إنه فقط تعود وليس حباً كما يعتقد، كونهما كبرا معًا في نفس الحي وتلازما في المدرسة كثيراً جعله يخلط بين الجيرة والزمالة ويظنها حب!
لم يلمها على تخليها عنه واختيارها عريس جاهز يعمل في إحدى دول النفط؛ لكنه لامها على التقليل من مشاعره وحصرها في خانة الصداقة!!!!
منذ متى كان بين أبناء حيهم و طبقتهم صداقات بين الجنسين؟
يد صغيرة على ركبته جعلته يخرج من ذكرياته المؤلمة ليطالع صاحب تلك اليد، وجده طفلا صغيرا لا يتجاوز العامين ، يركز نظراته عليه دون أن يرمش حتى، باليد الأخرى يحمل علبة عصير بالكاد يطبق أصابعه عليها، رغم أنها مخصصة للأطفال.
لم يتحدث الطفل و ربما هو لا يجيد الحديث بعد؛ هذا مافكر به أيوب لكنه لم يفهم ماذا يرد الطفل منه بالضبط، رفع يده بعلبة العصير وقربه لها يحُثه على أخذها، مد يده يلتقطها منها لتنتفخ أوداج الصغير و ذهب يتهادى في مشيته بسبب سنه الصغيرة لمقعد والديه فرحاً بالإنجاز العظيم الذي فعله......
تابعه أيوب بنظراته فبادره والد الطفل بنظرة ممتنة وابتسامة بشوشة يشكره عبرها لأنه أخذ العصير من صغيره!
رد له الابتسامة وأخذ يرتشف من العصير الذي كان تأثيره عليه كبلسم شافٍ لينعشه ويبدل مزاجه للنقيض، ذلك العصير الذي لا يعرف طعمه لكنه كان من ألذ ما ذاق من شراب منذ زمن.
بعد قليل وقفت الحافلة عند مطعم في الطريق، لينزل الركاب منها؛ وقف أيوب لا يعرف أين يذهب، فذلك المطعم عبارة عن مبنى صغير من طابق واحد له عدة أبواب، وساحة ترابية واسعة على الجانب تصطف عدة حافلات و سيارة صغيرة؛ وقف ينظر حوله لا يعرف أين يذهب، شاهد الأسرة الصغيرة التي تضم الطفل الصغير و والديه تدخل من أحد الأبواب فقرر اللحاق بهم، دخل للغرفة ليجدها عبارة عن صالة واسعة بها طاولات و كراسي مخصصة للطعام، اختار طاولة بعيدة عن الباقي و جلس عليها، فقد لاحظ أن معظم المتواجدين عائلات !!!
أين ذهب باقي الشباب الذين معه في الحافلة ؟
جال هذا السؤال في ذهنه، عندما تقدم منه رجل من نفس جنسية العمال ليخبره بهمس بأن المكان يطلب منه أن يخرج من الصالة لأنها مخصصة للعائلات فقط،
خرح من الغرفة ودخل الباب الآخر والذي به غرفة طعام مخصصة للشباب فقط، لكنه لم يجد مكان بسبب الإزدحام، كما أن رائحة دخان السجائر خنقته فهو عكس الكثير من الشباب لا يطيق رائحتها خرج من الغرفة وقرر أن ينتظر في الحافلة حتى ينتهي الجميع من طعامهم فهو على كل حال ليس جائع؛ لكنه من سوء حظه وجد الحافلة مغلقة بحث عن السائق دون جدوى فقام بسؤال العامل في الاستراحة عنه عله رآه، ليخبره بأنه يرتاح في غرفة مخصصة لسائقي الحافلات!
بالطبع غير مسوح لأحد من دخول تلك الغرفة المكيفة إلا سائقي الحافلات والباصات الكبيرة، الذين ينقلون الركاب لهذا المطعم ......
حك رأسه ونظر حوله علهُ يجد مكانا يجلس فيه حتى يحين موعد المغادرة، لكنه لم يجد فعاد يسأل العامل مرة أخرى عن مكان يجلس به.
أخبره العامل بأن يذهب للمسجد في الجهة المقابلة، فهو مكيف ولن يطرده أحد منه، ماعلية سوى أن يعبُر الطريق للجهة المقابلة .
خطى خطوتين ثم عاد للعامل مرة أخرى
- زفر العامل و قال بنفاذ صبر:
- ماذا تريد هذه المرة، هل تخشى من السيارات المسرعة وتريدني أن أعبر بك الطريق؟
- احتقن وجه أيوب و بدأت الدماء تصعد إلى رأسه، كور قبضته وأخذ يذكر نفسه بأنه سافر كل هذه المسافة من أجل شيء محدد، عليه التحمل أكثر ولجم غضبه قدر المستطاع.
أغمض عينيه ثم قال وهو يجز على أسنانه:
-هل يمكن إبلاغ سائق الحافلة عن مكاني ؟
رد بنزق وهو يويله ظهره عائدًا إلى عمله:
- حسنًا سأفعل توكل أنت.
رغم أن قلبة أنبأه بأن العامل يكذب عليه ولن يخبر السائق، لكن حرارة الشمس التي بدأت تصيبة بصداع جعلته يتجه إلى المسجد وهو يدعو الله أن يكذب إحساسه.
❈-❈-❈
وقفت سيارة أمام أحد منازل الحي الذي يقطنه أبناء القبيلة الواحدة؛ لتنزل منه ( در صاف) وقبل أن تدخل من بوابة المنزل الحديدية شعرت بأحدهم يجذبها من يدها لجانب السور، كادت أن تصرخ لولا أن يد أنثوية غطت فمها، لتجد نفسها محاصرة بين سور المنزل وابنة عمتها
بصوت خفيض :
-لا تصدري صوتًا، سوف ندخل معًا لأن أمي تريد أن تقتلني وأنتِ من عليها إنقاذي!
أبعدت يدها وعدلت نظارتها الطبية :
-ماذا حدث هذه المرة كي تقرر عمتي قتلك مرة واحدة ؟!!!
في العادة ترغب في سلخ جلدك فقط، أو على أسوأ تقدير تزويجك إلى أول كلب ينبح أمام منزلكم.
قلبت عينيها في ملل وهي تقول :
- هههه دمك خفيف جدًا لدرجة أنكِ أصبحتِ بلا دم!
ماذا سيحدث يعني، سوى أن عياد ذهب يبكي لأمي مثل الفتيات وهي كالعادة لم تسمع مني بل صدقته على الفور.
تقدمت كلا الفتاتان لداخل المنزل، لتقول در صاف في تحفز:
-لا يجوز أن تربطِي البكاء بالفتيات فقط، هذا تقليل من المرأة واتهام مباشر لها بالضعف وأنها عاطفية لا تستطِيع التحكم في مشاعرها.
زمت ابنة عمتها شفتيها ثم زفرت قائلة:
-أعتذر من سيادتك حضرة المحامية الكبرى المتخصصة في حقوق المرأة، لكننا أمام عمتك خيرية، تعرفين من هي عمتك خيرية أم أخبرك عنها؟
وصلت لباب المنزل الداخلي وكادت أن تفتحه عندما قالت آخر جملة ليفتح الباب ومن خلفه والدتها وقد ظهرت عليها علامات الشر!
تصنمت در صاف لثوان وهي ترى عمتها تمسك ابنتها من ضفيرتها بقوة حتى انحنى رأسها للخلف وبدأت وصلة الشتائم والدعاء:
-تعالي لقد فضحتني في كل مكان، لقد فلت عيارك و أنا من سيعيد تربيتك أو أقتلك وأرتاح، كيف تجرأتِ وفعلتها ها كيف؟
صرخت أشماس وهي تحاول أن تفك شعرها من يد والدتها دون جدوى، فقد تحولت يد خيرية إلى قبضة حديدية:
- أمي اسمعي مني أولًا، عياد كاذب، لا أعرف ماذا أخبرك لكني واثقة بأنه لم يخبرك الحقيقة، أنا كنت أدافع عن نفسي فقط .
شدت من شعرها أكثر حتى نزلت أشماس على ركبتيها مع حركة يد والدتها حتى لا تقتلع شعرها
وأخذت تضربها على ظهرها ضربات ليست قوية لكنها مؤلمة:
- تدافعين عن نفسك بأن تكسرِي له أنفه
- هل كُسر أنف عياد فعلًا ؟
قالتها در صاف بنبرة سعيدة رغم الموقف المشتعل أمامها
لترفع خيرية رأسها وتنظر لها وكأنها فطنت لوجودها للتو!
تركت ابنتها واستقامت وهي ترمق در صاف بغضب شديد:
-هل جلبت معكِ ابنة خالك كي لا أضربك ؟
دلكت رأسها و أخدت تتحس مكان قبضة والدتها و ثم تطالع أصابعها علها تجد بعض الدم ، ثم قالت وهي تحاول الوقوف:
-وجدتها أمام المنزل هل أطردها مثلًا ؟
كادت أن تهجم عليها مرة أخرى، وقد ظهر ذلك في حركتها لتعود أشماس للخلف في خوف ، كذلك فعلت در صاف التي خشت بأن تتطور الأمور وتضربها عمتها دون سبب وجيه؟
لكن خيرية عادت و جلست على الكرسي، فلم يعد جسدها يتحمل المجهود الكثير مثل السابق، لكنها لن تعترف بذلك بالطبع.
بعد عدة دقائق تحركت أشماس باتجاه والدتها بحذر، وعندما اقتربت منها رمت نفسها عليها تحتضنها وتقبل رأسها.
بمقاومة ضعيفة حاولت خيرية إبعادها لثوان ثم تركتها تفعل، لكنها التزمت قناع الغضب الذي ترتديه
جلست أشماس أسفل قدميها تتعلق بها كقطة صغيرة:
-أمي اسمعي مني أولًا ثم اغضبِي، عياد كان يريد مني أن أغششه في الاختبار وعندما رفضت ، جلس خلفي وأخذ ينقل الإجابات من ورقتي، بصراحة لم أتحمل هذا ظلم أنا أدرس طوال الأسبوع وهو يتسكع ثم يأخذ مجهودي؟
لم ترد خيرية ، وهذا جعل أشماس تتفائل فاكملت بحماس كبير:
-قمت بتصغير خطي حتى لا يستطع قرائته من تلك المسافة، لكنه قام بالاقتراب من مقعدِي لذلك قمت بتصغير خطي أكثر وأكثر وعندما اقترب بدرجة مناسبة قمت بإرجاع كوعي للخلف بقوة ليضربه وسط وجهه.
انطلقت ضحكة عالية مستمتعة من در صاف مقابلها شهقة عالية من خيرية!
أما أشماس فقد شعرت بالفخر لما فعلت خصوصًا وأنها كانت تقصد ضربة خفيفة ربما على جبينه أو عينه، لكن النتيجة كانت أكثر من مرضية .
-ولماذا لم تساعديه في الاختبار؟
كانت الشهقة هذه المرة من نصيب در صاف، التي تجمدت مكانها للمرة الثانية في أقل من ساعة
أكملت خيرية :
- هو ضعيف في تلك المادة ما المشكلة إذا ساعدته، أليس قريبك والأقربون أولى بالمعروف ؟
حركت أشماس أهدابها عدة مرات ثم غضنت جبينها لتقول بعدم فهم:
-هذا غش وليس معروف، أليس الغش حرام؟
رفعت خيرية حاجبها:
-هل تعلمينني الحرام والحلال الآن؟
ثم مافائدة إنكِ معه في نفس المدرسة بل في نفس الفصل إذا لما تساعدا بعضكما؟
وقفت أشماس بسرعة وحركت يديها بحركة مسرحية مثل فتح الستار:
-جئنا إلي لب الموضوع، أنا لا أريد تلك المدرسة، انقلوني لمدرسة الحي فهي للبنات فقط، ولن يقول لي أحد لا تلعبي بالكرة يوجد صبيان ، لايمكنك ممارسة الرياضة فالمدرسة مختلطة، لا يمكن الغناء في الكورال لأن المدرسة مختلطة ، لا يمكن دخول نادي الثقافي لأن المدرسة مختلطة
أريد مدرسة بنات أرجوك أمي أنا أكره تلك المدرسة.
رغم أنها لا تحبذ وجودها في مدرسة مختلطة لكنها بالطبع لن ترضخ لطلب ابنتها.
تغيرت نبرتها للهدوء:
-لن تنتقلي إلى أي مدرسة أخرى ، خالك (علي )هو مدير المدرسة ولو نقلتك سوف يعتبر هذا إهانة في حقه.
تدخلت در صاف لتقول بأسلوبها المعتاد كأنها محامية مخضرمة تترافع في قضية مهمة ، رغم أنها لم تتخرج بعد من كلية الحقوق:
-في الواقع عمتي هو ليس خالها، بل خال جدتي رحمها الله من بعيد، كذلك مديرة مدرسة البنات عمتها لوالدها من بعيد، في الواقع كل من في هذه المنطقة أقارب بطريقة أو أخرى لا أعرف ما المشكلة في انتقالها مادامت ترغب في ذلك؟
-نطق الحق ... يحي العدل......
أخذت أشماس تهتف وهي ترفع قبضتها للأعلى بحماس واضح؛ مما جعل والدتها تستشيط غضباً لتهدر بها
- انقلعي من أمامي .....
أسرعت در صاف تجذبها من يدها لتختفي من أمام عمتها قبل أن يتفاقم الوضع من جديد.
في غرفة أشماس جلست در صاف تقرأ كُتيب عن إحدى كليات الحقوق العريقة خارج البلاد.
خرجت أشماس من الحمام الملحق بغرفتها، وقد لفت منشفة صغيرة حول شعرها و ارتدت منامتها المنزلية.
جلست فوق سريرها وأخذت تجفف شعرها من الماء و نفضت شعرها بيدها و وضعت المنشفة جانبًا وقامت تجلس ملتصقة لدر صاف
نظرت للكتاب دون أن تفهم منه شيئا لتسألها:
- ماذا هذا الذي تقرئينه؟
أغلقت الكُتيب وتربعت فوق الأريكة لتواجهها:
-هذا كُتيب عن الجامعة التي قررت أن أكمل تعليمي بها.
تغضن جبينها :
- مع من ستُسافرين، رؤوف أم سفيان؟
راضي متزوج لا أعتقد أنه قد يذهب معكِ.
رفعت حاجبيها وردت:
- هل أنا طفلة أحتاج لجليس؟!!!!
حركت مقلتيها لليمين واليسار وقالت وهي تلعب بخصلة مبللة من شعرها بأصابعها:
-در صاف تعرفين جيدًا بأنه سفيان بالذات لن يسمح لكِ بالسفر للدارسة في مدينة أخرى وحدكِ، مابالك بالعيش في دولة أجنبية بمفردك!!
هزت رأسها في يأس:
- لا أصدق تفكيرك؛ هل تعرفين في أي عام نحن؟ في أي قرن؟؟؟؟
المرأة الآن تستطِع أن تفعل كل شيء، أصبحت قاضية ،تقود الطائرات، تحارب لحماية وطنها، بل إنها أصبحت رئيسة دولة!
حكت أسفل رأسها الذي لا يزال يؤلمها من شد والدتها لشعرها:
- هل انتهيتِ من محاضرة أنجازات المرأة في القرن الواحد و العشرين!!!
در صاف حتى لو ألقيت ألف محاضرة، لن يسمح لكِ أحد بالسفر للخارج وحدكِ، اختصري الطريق و تزوجي شنطة سفر.
رفعت حاجب و أنزلت الآخر عندما تعذر عليها فهم ماسمعت لتقول مكررة في تساؤل:
-أتزوج شنطة سفر!
وقفت من على الأريكة وجهها للتسريحة تشغل مجفف الشعر، حركته على كامل شعرها بسرعة وبعد أن أغلقته قالت ببساطة وهي تجلس هذه المرة على سريرها:
- شنطة سفر، ألم تسمعي بهذا التعبير!
وقبل أن تجيب در صاف أكملت أشماس الشرح :
-عندما تحصل الفتاة على بعثة للدراسة في الخارج ولا تجد من يرافقها من أهلها تتزوج من أول شخص يطرق بابها، فقط كي يوافق أهلها على سفرها.
بغير تصديق قالت درصاف:
وكيف يعرف الخاطب بأن الفتاة لديها بعثة من الأساس؟
لتجيبها ببساطه:
- رغم الذكاء الظاهر عليكِ،إ إلا أنكِ تسألين أسئلة غبية جدًا ؛ عزيزتي در صاف قبل أن تحصل الفتاة على قبول جامعي حتى يكون الخبر قد انتشر مثل النار في الهشيم، وبالطبع ما أكثر من يريد عروس لا تطلب و تتشرط، بل توافق بأقل شيء في سبيل البعثة الدراسة، هنا يأتي دور العروس التي تضع شروط وتختار مايناسبها من الشنط أقصد العرسان.
رمشت در صاف بعينها عدة مرات وهي تحرك رأسها :
-يا إلهي لا أصدق ذلك؛ كيف يقبل شخص بأن يضع نفسه في هذا الموقف؟
- تؤؤؤؤؤؤ ليس شخص بل رجل، يجب أن تسعدي بذلك در ؛ تخيلي منظر الرجال وهم يقفون في صالة منزلكم و أنت تقومين بمعاينتهم!
من الافضل الأسمر أم صاحب العضلات، أم ذو العيون الملونة أم الذي لا أم أو أخته له كي تنغص عليكِ حياتك، مشهد ولا أروع
لثوان سرحت در صاف في المشهد و استساغت الأمر لدرجة أن ابتسامة واسعة زينت وجهها ... شعور بالانتشاء تسلل لتشعر بأنها طاووس منفوش ريشه !
ضبطت نفسها في تلك الحالة، فعدلت نظارتها وتنحنت :
-لا طبعا لن أفعل ذلك وقبل أن تلقي علي خطبة أخرى خالي إبراهيم هو من سيكون معي، لقد أخبرني إذا تم قبولي في الكلية هناك سوف ينقل مكان إقامته كي أبقى معه.
-ظهر حزن في عيني أشماس ؛ فاقتربت منها در صاف تربت على كتفها:
- لازلتِ غاضبة منه؟
دون أن تنظر لها أجابت :
لا لست غاضبة هذا حقه أنا فقط حزينة على عمتي ( سليمة ).
أشماس تعرفين بأن معظم الرجال يتزوجون بعد وفاة زوجاتهم ، ماالجديد على الأقل عمي إبراهيم ليس لديه أطفال.
بنبره لم تخلو من الحزن ردت:
-أعرف ولست غاضبة علية، دعكِ من هذا الأمر هيا ننزل للأسفل مباراة الدوري ستبدأ بعد قليل أريد أن أشاهد حبيبي توتي.
بغباء قالت:
-من؟
- ظهرت علامات الصدمة على أشماس لتقفز فوق سريرها و هي تضم يدها لقبلها: فرانشيسكو توتي؛ زوجي و والد أبنائي.
-زوجك؟!!!
قالتها در صاف باستهزاء؛ لتتخصر أشماس وتقول بتحد :
-وما المانع عند حضرتك من أن يكون زوجي؟
لوت فمها لتقول :
-لا يوجد فقط جنسيته ودينه .
الحل سهل جدًا، سوف يغير دينه ويعيش معي هنا في منزل والدي.
اتسعت عيناها و قالت:
-بهذه السهولة!
شدت ياقة قميصها القطني وقالت بفخر :
-طبعًا عندما يقابلني سيقع في غرامي فورًا
أنزلت درصاف نظارتها لأسفل أنفها وحركت حاجبيها لأعلى وأسفل في حركات متتالية:
-سيترك بنات إيطاليا وأوروبا و أمريكا وكندا ويقع في غرامك!!!!
ضربتها بالوسادة بل سوف يتزوجني فرانشيسكو حبيبي لا يرى من النساء سواي
-نساء و أنت!!!!
لا توضع في نفس الجملة، أشماس اسمحي أن أخبرك بأنك يا ابنة عمتي لا تحملين من الأنوثة شيء سوء شعرك الطويل هذا
❈-❈-❈
في الدولة المجاورة
في شرفة منزل إبراهيم الجعفري ؛ يتأمل النيل من مكانه وقد أضحى أكثر جمالًا وسحرًا من السابق.
رغم أنها ليست المرة الأولى التي يراه فيها من شرفة منزله لكنه أصبح يرى كل شيء بنظرة مختلفة نظرة عاشق عادت لهُ روحه بعد أن كانت ضائعة لأكثر من عقدين من الزمن!
منذ أن تزوج ابنة عمة مُسير لا مُخير وهو فاقد للروح (كما اقنع نفسه).
صحيح بأنه عاند القبيلة لم يرض بالزواج فورًا، لكنه رضخ لهم بعد فتره وتزوجها كما هو مقرر لهما منذ الولادة.
سليمه كانت امرأة هادئة لا تتدخل في أي شيء يخص إبراهيم ، الذي أصر أن يعمل في السلك الديبلوماسي رغم اعتراض والدته لأنه بذلك سوف يبتعد عنها لسنوات عديدة لكنهُ التحق به فعلًا وعاش بالخارج معظم حياته ، بل كان يسعى دائمًا للدول البعيدة كأنه يعاقب والديّه على ما اقترفاه في حقه!
عكس معظم زوجات زملائه، لم تنخرط سليمة في المجتمع الدبلوماسي، بل كانت بعيدة كل البعد عنه وهو لم يحاول أن يغير ذلك، لم تتدخل يومًا في عمله او دراسته التي استمر بإكمالها بجانب عمله ، بل كانت دائمًا تتواصل مع عائلتهما وتسافر لهم لتبقى في الوطن أكثر من مرة في السنة؛ ذلك وسع المسافة بينهما لتزيد اتساعًا أكثر بعد مرور سنوات دون إنجاب، برغم طلبها المتكرر بضرورة مراجعة طبيب لمعرفة السبب، لكنه رفض ذلك وبشدة وهي بالطبع لم تخالفه لتذهب للطبيب من وراءه حتى مع إلحاح العائلة عليها.
حتى عائلته لم ينجحوا في إقناعه بالعكس،كان رده دائمًا بأن هذه هي مشيئة الله وعليهم أن يرضوا بها؛ وبالطبع رفض اقتراح البعض بالزواج عليها.
طول العشرة مع سليمة لم تجعله يحبها، ربما شعر ناحيتها بالراحة والمودة والاطمئنان لكن حب لا هو قرر ان لا يحب الا جيهان ليمنع اي فرصه لغيرها خصوصا سلميه يالذات، الشيء الوحيد الذي لون حياتهم هو وجود أشماس ورؤوف بها.
فقد تكفلت بها سليمة بهما ولادتها خصوصا أشماس لأن خيرية كانت متعبة من الحمل و والولادة في سنها، كما كانت تشعر بالحرج!
فقد جاءت أشماس بعد أن أصبحت خيرية جدة !
ومازاد الأمر سوءا هو وفاة زوجها عبد الخالق بعد شهرين فقط من ولادتها.
صحيح أشماس عادت لمنزل والدتها عندما دخلت المدرسة لكن سليمة لم تتركها وقد ساعدتها الإقامة في منزل والده الشيخ عثمان ان تكون قربها، وفعلا كانت تقضي أكثر من نصف السنة عند أشماس والنصف الآخر معه وبالطبع تزورهم أشماس في الإجازة المدرسية أو يقومون هم بذلك.
أشماس نفسها تعلقت بسليمة جداً، لم يخف عليه حزنها ونظرة اللوم في عينيها عندما حضرت حفل زفافه على جيهان، بل هي رفضت أن تحضر الحفل الثاني الذي أقامه في بلد جيهان بحجة أنها لا تحب السفر!
عليه أن يتكلم معها كي يصفي النفوس فهو لن يتحمل أن تجافيه أشماس أو تبتعد عنه بسبب زواجه من جيهان!
جيهان حبة القلب التي لم يدق إلا لها ولم يشعر بأنه حي يتنفس إلا في حضنها.
منذ أن تزوجها بمباركة والده الذي جاء لمنزل شقيقها كي يخطبها له رغم كبر سنه ، وهو يشعر بأنه امتلك الكون بين يديه.
كل شيء أصبح له طعم حلو بعد أن فقد حاسة التذوق سابقًا
بل كل يوم أجمل من الذي قبلة معها، لا يهم إذا كانت تزوجت قبله خمسه أو خمسين...هي بالنسبة له تلك الفتاة رائعة الجمال التي خطفت قلبة بنظرة من عينها الساحرة.
لفحه عبير عطرها قبل أن تلف ذراعيها حول رقبته من الخلف وتقبل رقبته برقة أشعلت النار في داخله
بصوتها الساحر المغوي:
-فيما تشرد؟
رفع كفها وقبل باطن كفها أولا قبل أن يقول:
-في ساحرة رمتني بتعويذة لتجعلني لا أرى من النساء غيرها.
ثم سحبها لتجلس فوق حجره وأخذ شفتيها بخاصته ليكمل اعترافه لها فعلًا لا قولًا.
فكت حصار شفتيه وأسندت رأسها على صدره وهي تلهث ويدها تلعب بأزرار قميصه :
-تعرف بأن أخي ينتظرنا اليوم على الغداء؟
لم يجب بل خلل شعرها ويده الأخرى تكتشف منحنياتها بطريقة بدأت رقيقة لتتحول بالتدريج للوقحة ؛
فأطلقت ضحكة مائعة متعمدة وهي تغمز بعينها:
-الظاهر بأن جمعة سينتظر للعشاء ؟
ثبت رأسها بيده و أخذه يقبلها بشغف ليرد على سؤالها بالطريقة التي تعشقها.
بعد فتره تسطح إبراهيم على ظهره فوق السرير يستمع لصوت الماء الذي ينسكب على جسد جيهان فهي لم تغلق الباب عند استحمامها كعادتها؛ يشعر معها بأنه عريس للمرة الأولى، صحيح بأن خجلها فاجأه لكنه أحبه كما يحب كل شيء منها.
خرجت تلف منشفة الحمام حولها وأخرى صغيرة فوق رأسها ثم تسطحت بقربه تلاعب صدره بِأناملها وبصوتها الذي يدخل قلبه لا طبلة أذنه :
ـ إبراهيم أريد منك طلب صغير .
- موافق قبل أن أعرفه.
- رفعت جذعها لتجلس مقابلة له وقالت في حذر:
- -اسمعه أولاً ثم وافق.
- زادت ابتسامته التي لم تفارقه منذ أن خرجت من الحمام:
- -حسنا ياقلب إبراهيم ماهو الطلب؟
- إزدردت ريقها :
-أريدك أن تبيع هذه الشقة وتشتري أخرى لي.
شعر بالصدمة لكنه كتم شعوره فورًا، ليقول بنفس الهدوء:
- لماذا أبيعها لو ترغبين بأن أكتبها باسمك ليس لدي مانع، لكني أحب هذه الشقة كما أن مكانها مميز لن نجد مثلها بسعر معقول.
كورت قبضتها وضربت على حافة السرير:
- لا يهم نأخذ في المدن الجديدة أو أي مكان لكن هذه لا، لا أريد أي شيء يذكرك بزوجتك السابقة أي شيء .
هذه المرة لم يقدر على كتمان الصدمة التي ظهرت على ملامحه،.... شعر بغيرتها من سليمة منذ اليوم الأول، أسئلتها المتكررة عنها وعن الأماكن التي عاشوا بها وغيرها من التفاصيل؛ لكنه عزز ذلك لحبها له و استطاع أن يهرب من الإجابة عن أغلب اسئلتها،في الأخير طلب منها ألا تتكلم عنها وتنس وجودها كما يفعل هو مع أزواجها السابقين، فهو لم يسأل عن أي شيء يخصهم.
أبعد الغطاء عنه ودخل يستحم دون أن يجيبها، يجب أن يفكر جيدًا قبل أن يجد جوابا لطلبها هذا
أما هي فقد أنبت نفسها على الاستعجال في طلبها، خصوصًا بعد أن شعرت برفضه المبدئي لطلبها؛ كان عليها أن تنتظر أكثر لكنها لن تهدأ حتى تنفذ مافي رأسها وتمسح أي أثر لتك التي سرقته منها، وحرمتهم من أن يعيشوا أجمل سنوات عمرهم معًا.
❈-❈-❈
في دولة الجعفري
في منزل خيرية بعد أن صعدت أشماس و در صاف لغرفة الأولى؛ شعرت خيرية بتأنيب ضمير تجاه ابنتها، لأنها قست عليها وظلمتها، تعرف بأنها محقة وأن عياد قد غير الحقائق تمامًا؛ فقد أخبرها بأنه تشاجر مع أشماس لأنه وجدها تتحدث مع شاب في سيارته خارج سور المدرسة!
عرفت بأنه كاذب باللحظة التي نطق بها، لكن وجود زوجة ابن عمتها والتي أخذت تمصص شفتيها وتلقي بالكلام ذو معنى مثل أن حال بنات هذا الجيل، وأنها يجب أن تشد عليها بعد أن رفع خالها يده عليها، والتي عنده قررت بأنها تربت دون والدها مما جعلها بلا حكيم ولا رقيب كي يكبح لجامها!
صحيح أنها مسحت بكرامته عياد الأرض وأخبرته بأن ابنتها مستحيل أن تفعل، بل هي من ستخبر الشيخ عثمان بنفسها ومدير المدرسة ليتأكد من كلامه؛ وهو ماجعل عياد يتراجع ويغير كلامة بأن صديقتها من كانت في سيارة مع الشاب و أشماس تحرسهم فقط.
لكن كلام زوجة ابن عمتها التي لم تتوقف حتى غادرت جعلها تريد قتل ابنتها ودفنها في مكانها.
استغفرت ربها و ذهبت للمطبخ تجهز الأكل للفتاتين ثم وضعت الأطباق في صينية كبيرة وحملتها لغرفة ابنتها كاعتذار غير معلن.
قبل أن تفتح الباب سمعت أشماس تتحدث عن شخص تحبه!
وضعت الصينية أرضًا و أخذت شبشبها من قدمها ثم فتحت الباب وقذفته في وجه ابنتها التي لم يحالفها الحظ لتجنبه، ليصطدم بجبهتها .
صرخت در صاف ولم تمهلها خيرية التي دخلت تزعق بهما:
-من هذا الذي تحبيه ياعديمة الحياء، هذا آخر الدلع سليمة لك ، ليتك مت بدل والدك.
أخذت تولول:
- يافضيحتي بعد هذا العمر ابنتي تحب وتقابل رجال من ورائك، يارب ماذا فعلت كي ابتلى بفتاة مثلها؟
جلست على الأريكة ثم دخلت في نوبة بكاء حقيقية ، مما جعل در صاف و أشماس تنظران لبعضهما في تعجب.
ثم اقتربت أشماس من والدتها في حذر وهي تحتمي بدر صاف و تأخذها كدرع واق:
-أمي لقد فهمت الموضوع خطأ ، أنا أتحدث عن لاعب كرة قدم لم أقابله في حياتي بعد
نكزتها در صاف كي تصمت، خصوصا وأن عمتها قد توقفت عن البكاء ورفعت عينها لهما بتساؤل
أخذت نفسا لتقول الأخيرة وهي ترتعش:
- أشماس تقول الحق، توتي لاعب كرة هي معجبة ليس أكثر ، مثل باقي الفتيات اللاتن تعجبن بمطرب أو ممثل هذه كل الحكاية.
عندما رأت الشك بعيني عمتها أخذت تنظر حولها تبحث عن صورة لذلك اللاعب؛ فهمت أشماس ماتفعله لتجذب صورة له من درج مكتبها وتريه لوالدتها.
أخذت خيرية الصورة ونظرت لها عدت ثوان قبل أن تمزفها أمامها .
شهقت أشماس و أسرعت تأخذ الصورة لكن والدتها حذرتها بنظرتها لتتركها مكانها مجبرة.
مسحت دموعها لتقول بصرامة:
- منذ اليوم إذا رأيتك تحضرين مباراة لكرة القدم سوف أكسر عظامك، هذا ماينقصني ابنتي أنا معجبة برجل!
لم تبعد نظرها عن الصورة الممزقة وقالت بصوت عال دون أن تدري:
-وهل تفضلين أن أعجب بامرأة ؟!!!!
كادت أن تمسك أذنها لكن أشماس هربت منها
تعالي هنا أنا من دللتك أكثر من اللازم ، سوف ترين أقسم برأس سيدي عبدالسلام بأن أعلمك الأدب يا ابنة عبد الخالق.
رفعت سبابتها وهي لاتزال مختبئة خلف در صاف:
- الحلف بغير الله حرام، يجب أن تتوقفي عن ذلك خيرية
خبطت على فخذتها وهي تجز على أسنانها :
- سوف أموت ناقصة عمر بسببك، أتمنى من اللهِ يعلقوك مثل الشاه وقت ذبحها ثم يقومون بوشمك مثل الجمال بعد أن يجلدوك ويحلقون شعرك، و
توقفت وهي ترى أشماس ترفع أصابعها تعد خلفها كل ماتقوله وتحرك فمها دون صوت!
خشت در صاف من رد فعل عمتها فتدخلت بسرعة:
- بعد الشر عنها عمتي، تعرفين أن دعاء الأم مستجاب، هل ستفرحين عندما يحدث لها ذلك؟
- لترد في حسم:
- نعم بل سوف أقيم ليلة لوجه الله.
قالت بفخر كأنها أمسكت بها بالجرم المشهود:
- آ هأ قلتِ لوجه الله وليس الأسياد ، إذن أشماس محقة
حركت يدها بلا مبالاة قائلة:
-عليك وعليها في يوم واحد، سوف سترون الأسياد الذين لا تؤمنون بهم إن لم يسخطوكما قردة بإذن الله لن أكون أنا خيرية!
خرجت من غرفة ابنتها تتمتم وقبل أن تنزل نادت عليها
اقتربت منها بمسافة آمنة كي لا تضربها :
-نعم أمي
- نظرت لها لتجد أن الشبشب قد ترك علامة بوجهها واضحة فشعرت بنغزة في قلبها لكنها أخفت مشاعرها تلك لتقول وهي تعطيها ظهرها:
-أحضرت لكم سم لتتناولاه، ادخليه ثم اذهبي مع در صاف والخادمة لمنزل جدك، فقد اتصل وأخبرني بأنه سيحضر معه ضيف.
قبل أن تنهي كلامها كبلتها أشماس من الخلف وقبلت رأسها:
-آسفة أمي لم أقصد أن أنرفزك، أرجوكِ لا تدعي على نفسك بسبي أو بسبب أي شخص من لي غيرك في هذه الدنيا.
زاد شعور خيرية بالنغزة في قلبها وكادت أن تبكي من جديد تمتمت ببعض الكلمات غير المفهومة، فأبعدت ابنتها ونزلت بسرعة كي لا تلاحظ ابنتها تغير نبرتها.
ابتسمت أشماس فقد عرفت بأن والدتها تبكي لأنها غاضبة من نفسها، أخذت صينية الأكل و أدخلتها لغرفتها.
كانت در صاف تحاول أن تعيد جمع قصاصات الصورة دون فائدة ، عندما دخلت أشماس بالأكل فتوقفت على الرائحة التي اخترقت أنفها وقد عرفتها فورًا
-لقد سامحت عمتي على كل مافعلت بعد أن عرفت بانها أعدت لنا فاصوليا بالكرشة!
-وضعت أشماس الصينية على الأرض وتربعت :
-تعالي بسرعة و إلا لن تجدي ما تأكليه
- بسبابتها دفعت نظارتها قبل أن تقول وهي تبحث عن شيء يصلح كطاولة طعام:
- -هل ستاكلي على الأرض ؟
لم تعيرها اهتمام وهي تقسم الخبز وتبدأ في الأكل :
- نعم وأنت يا ابنة العاصمة شاهديني وأنا أنهي الأكل بتلذذ، لا تعرفين ماذا اذهبي واحضري لي علبة مشروب غازي من الثلاجة.
شعرت بالحنق منها ، فجلست مقابل لها وفتحت زر بنطالها كي لا يضايقها وبدأت في الأكل هي أيضًا
- ابتعلت مافي فمها وقبل أن تضع لقمة أخرى قالت كأنها تذكرت شيء مهم:
- - أشماس لا ترين أنكِ كبرتِ على كل هذا الضرب؟ لماذا لازالت عمتي تضربك كأنك طفلة صغيرة!
أخذت تلوك مافي فمها قبل أن تجاوب دون أن تتغير ملامحها:
-هل تصدقين أنها لا ترفع يدها على أطفال إخوتي، بل تمنع أي شخص يفعل ذلك!
لتقول درصاف:
-تناقض ....
وضعت لقمة أخرى في فمها وتابعت:
-هي في العادة لا تضربني كثيرًا؛ أعتقد بأن أعصابها متعبة جراء سفر أخي العزيز مع عائلته للخارج، تخشى أن تعجبه الحياة هناك و ألا يعود خاصةً وأن زوجته تحبذ ذلك؛، كما أن زواج خالي من تلك المرأة يضايقها جداً حسب مافهمت أمي لا تحبها لسبب لا أعرفه .
- وضعت در صاف ملعقتها وقالت بحماس :
- - أنا أعرف عمي إبراهيم كان يحبها قبل أن يتزوج من عمتك سليمة رحمها الله . لكن القبيلة وقفت ضده وقتها؛ والآن اجتمع معها بعد كل هذا العمر، ياالله إنها قصة حب أسطورية.
تابعت حديثها دون أن تعي لتلك التي شملتها الصدمة وشعرت بالخيانة، وكأن والدها خان والدتها للتو
❈-❈-❈
في الدولة المجاورة
في منزل جمعة السماك، أنهت فادية تحضير الطعام وخرجت تطمئن على ترتيب المنزل قبل أن تحضر جيهان وعريسها للغداء الذي تحول لعشاء !
في داخلها سعدت بذلك بل تمنت ألا تأتي بالمرة؛ العلاقة بينهما لم تكن يومًا جيدة.... جيهان لم تتقبل فادية كزوجة لأخيها الوحيد ظلت طوال الوقت تذكرها بأنها أقل منهم مكانة وأن جمعة تزوجها كي يرضي والده فقط.
ومازاد الطين بلة هو سعيها لتزويجه من أخرى عدة مرات ، نجحت في واحدة منهن ....
وقتها لم تسكت مثل كل مرة بل قلبت الدنيا و حرضت الجميع ضد زوجها و شقيقته، حتى طلق الثانية بل قرر تصفية جميع أعماله والانتقال للعاصمة خاصةً بعد أن طالت الألسنة سمعة جيهان بسبب كثرة زيجاتها الرسمية والعرفية!
صحيح أنها أصبحت زوجته الوحيدة لكن الجرح لم يندمل بعد، بل لا يزال ينزف أحيانًا.
لم تحب العاصمة ولا ناسها، رغم أن منزلها أكبر و في منطقة أرقى نوعًا ما من التي ولدت وعاشت بها سابقًا؛ لكنها تشعر بالغربة فيها، فهي تعشق الأحياء الشعبية وناس البسطاء تعشق رائحة البحر المنعشة في الصيف و ثوراته في الشتاء....
لم تعد الحياة كما كانت كل شيء تغير حتى هي أصبحت تعيش حياتها كل يوم بيومه .
لم تشعر بزوجها عندما دلف للمنزل إلا عندما وضع يده على كتِفها لتنتفض مفزوعة من لمسته
وضع علبة الحلويات فوق الطاولة واقترب يناغشها بشقاوة :
-مابكِ قفزتِ هكذا من لمسة كتفك؛ ماذا ستفعلين عندما أمسك ..
أسرعت تضع يدها على فمه وتنظر حولها كي تتأكد إذا سمعه أحد الأولاد:
- اششش، سوف تفضحنا.
أطلق ضحكة عالية وهو يلثم باطن يدها؛ فتأملت ملامحه التي لا تنفك تأسرها رغم تقدمه في السن
لا يزال جمعة أوسم رجل رأته في حياتها، ذلك الطول الفارع شعرهُ الكثيف والذي تخلل فودية بعض البياض ليزداد وقارًا،أما أنفه الشامخ و عين الصقر التي تغرق في سوادهما فهما قصة أخرى لم تنجح يومًا في الهروب من الوقوع في عشقهما رغم كل مافعله بها!
ظهرت ابتسامة لعوب على شفتيه وهو يهمس قرب أذنها:
-ما رأيك أن ندخل للغرفة كي نعيد أمجاد الماضي؟
هربت بعينها كي لا تفضحها وأخذت علب الحلويات تدخلها للمطبخ:
-قل للزمن عود يازمن!
غير ملابسك أختك و زوجها سوف يصلوا في أي لحظة
تناول منها العلب و وضعها في مكانها ليقول بجدية هذه المرة:
-أم محمود لا أريد أي مشاكل مع جيهان ، لا مناكفة ولا كلام مبطن، أريدها أن تستمر في هذه الزيجة للأبد لا أن تعود لي بعد شهر أو اثنين.
تخصرت ورفعت حاجب الشر:
-من الذي يستفز من ؟ أليست هي التي تفتعل المشاكل معي؟
ثم لا تقلق هذه المرة لن تترك زوجها، فهو نفس الرجل الذي طرده الحاج محمود رحمه الله سابقًا حبيها الأول.
تغيرت ملامحه للصرامة ليقول بصوت جعلها تبتلع باقي كلماتها:
-فادية اغلقي الموضوع ونفذي ماقلته لكِ، لو سمعت منكِ مالا يعجبني لا تلومي إلا نفسكِ.
تركها ودخل لغرفته ، لتشتم في سرها ، وأسرعت تنهي رص الحلويات في مكانها قبل أن تهل عليها جيهان بلسانها اللاذع!
❈-❈-❈
في دولة الجعفري
دخل أيوب المسجد ليجده خالٍ إلا من بعض المصلين الذين أنهوا صلاتهم وجلسوا يقرؤون من المصحف.
أخذ ركن وجلس يمد رجليه اللتين تصلبتا من كثرة الجلوس في كرسي الحافلة، لم يشعر بأنه متعب إلا عندما تمدد وتوسد حقيبته الصغيرة!
ركز عينيه على الطريق المقابل للمسجد كي لا يغفل عن السائق ولم يشعر بنفسه إلا وقد غط في نوم عميق....
استيقظ ليجد نفسه يغرق في بحر عميق لا شاطئ لها، فقط أمواج عالية تطيح به كلما رفع رأسه ليلتقط أنفاسه، وعندما حاول مرة أخرى أن يلتقط أنفاسه بقوة أكبر ليدخل في حلقة كمية ماء جعلته يختنق حتى كاد أن يلفظ أنفاسه ليمسك رقبته بيديه محاولًا أن يجد الهواء دون فائدة!
ارتعش كامل جسده رغم ارتفاع حرارة الجو وشعر بحبات العرق تملأ جبينه دون أن يقدر على مسحها، لا يعرف كم مر وقت عليه و هو بتلك الحالة لكنه متأكد من دنو أجله.
يد كبيره متعرقة وخشنة هي من انتتشلته ليسعل بقوة ويأخذ شهيقا عاليا .
قفز من مكانه ونظر حوله فوجد أن الشمس قد غابت وهو وحده في مكان لا يعرفه!
أمام شخص غريب بلحية بيضاء و عكاز يرتدي عباءة سوداء لم يتبين ملامحه جيدًا .....
بالكاد خرجت الكلمات من حلقة فهو لايزال يشعر بطعم الماء المالح :
-من أنت.... هل أنت ملاك الموت!
يتبع
أنت تقرأ
سيل جارف الجزء الاول من سلسلة الحب والحرب
Romansaسلسلة الحب والحرب و هذا الجزء الاول منها اجتماعية رومانسية قبائل تحكي عن الحب من جنسيات مختلفة والصعوبات التي يواجهها هذا الحب في ظل اختلاف العادات و التقاليد ، و تقدم العمر هل يصمد الحب وحده في مواجهه كل هذا ام لا ، هل ينجح الزمن والبعد في انها...