الفصل الثامن

1.5K 54 15
                                    

الفصل الثامن

تخطي شخص تحبه ليس بالأمر الهين ، والأصعب أنك لن تحظى بفرصة البوح بمشاعرك أو حتى التفكير بها لأنها أصبحت محرمة

هو من تركها تضيع منه كما تتسرب المياه من بين الأصابع وقت الوضوء، فإذا كانت مياه الوضوء تطهر الجسد من النجس والذنوب، فهو قد ارتكب أكبر ذنب بتركها تذهب بلا عودة، بل هو يرتكب آخر الآن بالتفكير بها وقد أضحت باسم رجل آخر!
حاول لسنوات أن يدفن أي مشاعر ناحيتها، لأنه يعرف مسبقا بأن أي تلميح للارتباط بها سيقابل بالرفض القاطع من قبل والدته.
هناء القاضي ابنة العاصمة التي تكره قبيلة والده أكثر من أي شيء في العالم، طوال طفولتهم كانت تقوم بتحريضهم ضد عماتهم و أعمامهم ، وتزرع في رأسهم بأنهم لا يحبونهم ويستولون على مالهم خصوصا عمتهم خيرية التي يقوم والدهم فرج رحمه الله بالإنفاق عليها وعلى ابنتها بعد وفاة زوجها، بل إنه يحبها ويدللها أكثر منهم برغم أن عمته لها مرتب خاص من الدولة كونها أرملة كما أن زوجها ترك لها ورث كبير ولا تحتاج لمساعدة من أحد حتى جدهم الشيخ عثمان؛ بغض النظر عن واقع أن والده يعمل في العاصمة ولا يذهب لزيارتهم إلا في الأعياد أو المناسبات على فترات متباعدة، ولا يقوم بإعطاء أحدهم مال أو هدايا زيادة عن المعتاد ،بل إنه يصرف على عائلة والدته أضعاف مضاعفة وقد قام بضغط من أمه بالمساهمة بمبالغ كبيرة في أفراح أخواله وأبنائهم رغم أنهم لا يحترمونهم بل يتعاملون معهم بتكبر شديد و سمعهم أكثر من مرة ينعتونه بالقروي راعي الغنم!
حرصت والدته على أن تسلخهم من قبيلتهم و قامت بتزويج ابنها الأكبر راضي من قريبتها.
وبعد وفاة والده بذبحة قلبية قامت بقطع العلاقات معهم لكن سفيان و رؤوف لم يصغيا لها خصوصا بعد أن شاهدا الفرق بين أعمامهم و أخوالهم في المعاملة ، في الوقت الذي لم يقم أخوالهم بشيء وقت العزاء أو بعده بل أتوا مثل الضيوف الأغراب، وقامت خالته بجلب العشاء ثالث يوم فقط مثلما تنص العادات وقت العزاء*، كان أعمامهم في المقدمة ولم يتركوهم إلى أن انتهت أمهم من العدة، بل إن عمته خيرية ذات اللسان الحاد والتي لا يحبها هو شخصيا بقيت مرافقة لوالدته طوال مدة العدة الشرعية والتي لا تخرج فيها النساء من المنزل إلا لو كان الأمر ضروريا جدا مثل زيارة الطبيب فقط ولا تقابل رجل من غير المحارم وهو ما قامت خالاته باستغلاله جيدا كي لا يزرنها أو يقمن معها حيث أنهن تعون على زيارتها مع أزواجهن!
وهن في الواقع كن يخفن أن تتورط إحداهن في مصاريف زيادة لمعرفتهن بأن والده لا يملك إلا مرتبه.

عمته هي من كانت تقوم بالطبخ واستقبال المعزين لأن والدته لم تكن في حالة نفسية جيدة ، يعترف بأن لسانها لاذع بل إنها لا تطاق في الكثير من الأحيان، لكنها لم تتركهم أبدا حتي بعد انتهاء مدة العدة فهي مثل باقي أعمامه لم ينسوهم ولم يبخلوا عليهم أبدا، ربما كانت المواجهة الكبرى التي أدت لقطيعة تامة من والدتهم لعائلة والده عندما طالبت بحق زوجها في إرث الشيخ عثمان.
رغم أنه لا يحق له أن يرث في والده لأنه توفي قبله، لكنهم أعطوها الأرض التي اشتراها سابقا وكان قد رهنها كي يقدر على تغطية تكاليف الزفاف لابنها الأكبر وهدايا العروس التي فاقت الحد، كما أنها أصرت على أن يكمل دراسته في الخارج على حسابه الخاص ولم تنتظر أمر المنحة مثل الباقي بحجة أنه حفيد القاضي و ليس مثل عامة الشعب!
وقتها قام الشيخ عثمان بدفع ثمن الرهن حتى لا تضيع الأرض، ولم يكن يعلم بمخطط هناء في بيعها وهو مالم يقبل به بل منع أي شخص من شرائها حتى رضخت و وافقت بأن تبيعه الأرض، والتي سجلها باسم أولادها الأربعة حسب الشرع دون أن يخبر أحد إلا هو ومن فترة قريبة، مع هذا فإن أمه لم تتوقف عن بث سمها في أذن إخوته عن قبيلتهم بل إنها أزالت اسم عائلة والده من لوحة تعريف المنزل وجعلت أبنائها يعرفون أنفسهم دون ذكر اللقب كأنه عار، فقط يذكرون أن أخوالهم من عائلة القاضي.
كرهها امتد لراضي و فهو الأكبر والمقرب من أمه، در صاف أخذت نصيبا منه صحيح أن صداقتها بأشماس و أفطيم جعلت الأمور متوازنة قليلا لديها، لكن بداخلها كره للقبيلة ومدينتهم ومعظم أقاربهم، حتى عندما جائت أفطيم كي تدرس في العاصمة لم تبق في منزلهم إلا بضعة أشهر، انتقلت بعدها للقسم الداخلي بحجة أنه الأقرب لكليتها، هو يعرف بأن أمه السبب وأنها لاحظت التقارب بينه وبين أفطيم ،عينيه اللتان تلمعان عندما يراها فضحته رغم محاولته الدائمة أن يغض البصر عنها، خصوصا أنها ملتزمة بالحجاب وهو لم يكن شابا عابثا من قبل كي يبدأ الآن ومعها!!!!
بعد انتقالها لسكن الطالبات وبعد أن علم والدها قام بنقلها لكلية مدينتهم رغم اعتراضها واقتصرت رؤيته لها في الأعياد أو عندما تحضر در صاف لها، ربما زادت قليلا عندما فتحت الصيدلية الخاصة لكن الكلام بينهما لم يأخذ أي مجرى سوى الرسمي.
تنهد وقد شعر بأن نيران تحرق جوفه؛ منذ تلك المكالمة التي لم يكن يتوقعها وكانت مثل فتح أبواب جهنم عليه.
يذكر المكالمة جيدا بالتاريخ والساعة أيضا
يومها كان يقوم بتوصيل رؤوف لمعسكره فهو أيضا يعمل في الجيش لكنه دخل بعد الثانوية العامة رغم اعتراض والدته واختار أن يعمل في مدينة والده، و يقوم بزيارة منزلهم في العاصمة كل شهر لتنتهي الزيارة كالعادة بشجار مع هناء
وطردها له مع إصرارها على أن زوجة عمه سحرته كي يبقى معها ويتزوج ابنتها!
رن هاتفة برقمها وهو يقود السيارة فلم يرد رغم أن الطبول كانت تدق في قلبة جراء رؤية اسمها، لا يذكر أنها اتصلت به إلا مرات معدودة و أكثرها كانت درصاف المتصل لأن هاتفها لم يعد به شحن أوصل شقيقه ثم أعاد الاتصال بها وهو يدعو ربه بأن تجيب هي بدلا عن شقيقته ، من شدة لهفته نسى بأن شقيقته في العاصمة وليس في مدينتهم!
لم تنته الرنة الأولى حتى فتح الخط وأتاه صوتها ليجعل قلبه يرقص طربا بين أضلعه.
بصوتها العذب والذي يسمعه في أذنه كنغمة موسيقية لا تشبه غيرها، قالت:
—السلام عليكم سفيان أعتذر لاتصالي السابق دون أن استأذن أولا، أنا فقط...
لم تجد ما تضيفه فقد غمرها شعور بالخجل والخزي في نفس الوقت ليقف الكلام في حلقها.
أما هو لم يصدق في البداية أنها هي بل أنها طلبته عمدا لسبب يخصها كما هو واضح من صوتها، عندما توقفت عن الاسترسال أسرع يقول كي لا يفقدها:
-أين أنت الآن، الوقت مبكر لازلت في الصيدلية؟
بصوت متحشرج أجابته:
-نعم لازلت فيها،الفتاة التي تساعديني عادت لمنزلها وأنا سأغلقها بعد ساعة من الآن.
شعرت بأنها تتكلم في تفاصيل ليس لها معنى أو فائدة، فقط لتطيل الحديث معه وتسمع صوت أنفاسه قد تاتيها الشجاعة لتخبره بما تريد وتنتظر رد فعله بعدها.

أخرجها من تفكيرها بصوته الذكوري الذي يدغدغ أنوثتها قائلا:
-أنا قادم إليك حالا.

أقل من عشر دقائق وكان أمامها بطلته المهلكة لأعصابها، تقسم بأن الوسامة لا تصفه بل إنه جميل، جميل جدا ذلك الشعر الناعم رغم قصره الشديد، تلك الغمازات التي تظهر حتى دون أن يبتسم، لم ترى رجل بغمازات من قبل، سفيان عندها هو حد الجمال والرجولة ليس شكلا فقط بل فعلا و لفظا وكل شيء ، فهو دائما كان متصدرا لكل خطأ يصدر من كبير أو صغير على حد سواء، الجميع يرى به جدها الشيخ عثمان بحكمته و رجاحة عقله ،حتى والدته لم تقدر على تغييره أو اثنائه عن التدخل في أمور القبيلة، والتي برع فيها رغم محاولة الكثيرين إبعاده أو التقليل منه وعلى رأسهم عمها عوض.
سرحت في سحر عينيه  بعد أن خلع عنهما النظارات الشمسية، و هو كان يحاول تجنب عينيها الواسعة ذات اللمعة التي يقسم بأنها خاصة به هو لا لأحد غيره
غير متأكد إذا كان لونهما بني فاتح أم عسلي، يذكر بأن شعرها لونه بني وليس أسودا، كانت مميزة بين بنات العائلة بل إنه عندما كانوا أطفالا كانوا يغيظونها دائما بأنها ليست ابنتهم وأن عمتها جلبتها معها عندما كانت تقيم خارج البلاد بسبب دراسة زوجها ، حيث أنها ولدت بالخارج؛ وكانت أفطيم تبكي لأنها تصدق ذلك الكلام وقتها.
حاول أن يزيح عينيه عن خاصتها بصعوبة وهو يقول في صرامة:
-ماذا هناك أفطيم لقد شغلني اتصالك وصوتك لم يكن على مايرام؟
أجلت حلقها وعدلت حجابها بطريقة عفوية ثم أخذت قلما تقلبه بين أصابعها لتقلل من توترها وقالت:
-أهلا سفيان أنرت الصيدلية كيف حالك؟
شعر  بالإحراج لأنه لم يحييها بل دخل يسألها مباشرة كأنه يتكلم مع عسكري عنده!
أخذ ينظر في أرفف الصيدلية ثم قال بصوت أقل صرامة: -أنا بخير كيف حالك يا ابنة عمي، هذه ليست أول مره آتي فيها للصيدلية يبدو أنك نسيت؟
ابتسمت لتزداد اللمعة التي في عينيها وهي تنظر إليه ، حتى وهو يحاول أن يكون صارما لازال يخطف أنفاسها، حضوره يهمين على المكان، هو ليس بضخم أو طويل أكثر من اللازم، بل معتدل في كل شيء طوله، عضلاته شكل جسمه حتي أدق تقاسيم وجهه، لا مثيل لها هو ليس له الأربعين شبيه الذين يتحدثون عنهم ،فقط سفيان واحد فقط.

أخذت نفسا و رمشت بعينيها ثم قالت ببعض الحرج فقد لاحظت أنها تدقق في ملامحه كثيرا:
-أنت تأتي لتأخذ در صاف أو مع عبدالخالق فقط، هذه أول مرة تأتي من أجلي.
تجاهل ماقلته وقال بجدية:
-ماهو الموضوع المهم الذي تريدين التحدث به، فأنا لدي موعد مهم بعد قليل.
تسلل الحزن لقلبها مع الخوف من ردة فعله عندما تخبره، لكنها تغاضت عن كرامتها المجروحة وقالت دون أن تنظر في عينيه:
-تعرف بأني تحصلت على منحة للدراسة بالخارج؟
هز رأسه في علامة نعم ولم يتكلم، فأخذت نفسا وحاولت إيقاف جروح قلبها كي لا تزيد وهي تقول:
-وقد تقدم لي عريس موافق أن يترك عمله ويذهب معي للخارج.
شعر بضربة قوية في منتصف قلبه جعلته غير قادر على التنفس لدقيقة كاملة ، يعرف بأن العديد من العرسان جاءوا لطلب يدها وهي كانت ترفض أحيانا وأحيانا والدها، ولم تقم مرة في مفاتحته في الموضوع، لماذا فعلت الان؟
هي تفكر في الموافقة؟!!!!
بعد أن استطاع أن يتنفس أخيرا قال:
-هاتي اسمه بالكامل وسوف أبحث في الموضوع
ردت بصدمة مستنكرة قائلة:
-تبحث في الموضوع؟
الألم الذي شعرت به من ردة فعله لا يحتمل، كم تمنت لو أنه قال لها أنها تخصه ولن يتزوجها غيره، كم تمنت لو قلب الصيدلية فوق رأسها ليظهر القليل من غضبه لأنها فكرت في الزواج من غيره وكررت عليه ذلك وهو موجود ، كم تمنت أن يخرج لمنزل والدها ويعقد عليها فورا، كم ..وكم ...وكم ، لكنه رجل يحسب كل خطوة وردة فعلها قبل أن يقدم عليها، وهو متأكد من أن والدته لن توافق بسهولة، بل إنها قد تتصل بزوجة عمه لتسمعها كلاما قاسيا خصوصا أن أفطيم في نفس عمره يفصل بينهما شهور قليلة ، وقتها سوف تقام حرب في العائلة و فضيحة كبرى لأفطيم تطال أخلاقها بم إنها أقامت في منزلهم لفترة ، وهو ما لن يقبل به أبدا، لذلك قرر أن لا يعدها بشئ أو يزرع الأمل بقلبها ثم يخذلها؛ عليه أن يحسم الأمر مع والدته أولا.
أما هي فقط شعرت بأنها أهدرت كرامتها وفضحت نفسها أمامه ، ردة فعله تدل على أنه لا يحمل لها أي مشاعر أبدا؛ نغزة في قلبها كادت أن تجعلها تصرخ من شدتها، لكنه تحاملت على نفسها وقالت بكبرياء مزيف:
-لا عليك بشمهندس سفيان، أبي سأل عليه، فقط أريدك أن تقنع عبدالخالق لأنه رافض للعريس.
ضرب بقبضته على طاولة العرض الزجاجية لترتج كلها فتراجعت أفطيم التي كانت تقف خلفها.
وقال بصرامة وهو يضع نظارته الشمسية على عينيه: -قلت سوف أري الموضوع كفي عنادا ولا تفتحي سيرة الموضوع حتى أخبرك أنا.
لم تجبه بل ظلت تنظر له وقد امتلأت عيناها بالدموع، أما هو فقد أعطاها ظهره وذهب دون أن يضيف كلمة.



حاول بعدها كثيرا مع والدته التي تعنتت ورفضت بل هددته بأنها سوف تغضب عليه إذا فعلها وتزوج ابنة عمه، كلماتها كانت كالسهام الحارقة لازالت ترن في أذنه
حين قالت:
-لن تكون ابني ولن أسامحك إذا تزوجت تلك العانس، طالما أنا حية أرزق لن أسمح بذلك بل سوف أفضحها وأفضح أمها وعمتها الساحرتين.
وكلام كثير يمس شرف أهل والده لا نهاية له، رضخ في النهاية لكنه حاول أن يوقف هذه الزيجة، فإذا كانت لن تكون له على الأقل لتتزوج رجلا يستحقها وليس هذا النذل.
وعندما فشل قرر الهروب، نعم هرب حتى لا يشهد على مأتم قلبه وهي تزف لغيره أمام عينيه.
أنت جبان ظل يرددها لنفسه كثيرا، دون أن يقدر على البوح بما في صدره لأحد
نظر من نافذة الطائرة والتي اختار توقيتها في منتصف الليل كي لا يذهب ليودعها ، حتى أنه لم يودع أحد خصوصا أمه التي أخبرته بأنها سوف تبحث له عن
عروس من عائلتها ليرد عليها، بأنه لن يتزوج أبدا.
- ❈-❈-❈
بعد ثلاثة شهور
يوم الحمام عادة مستحدثة وهي في الأصل من المغرب العربي، حيث تذهب العروس و قريباتها أو صديقاتها المقربات فقط وتخضع العروس لجلسات بخار ومسكات تنظيف البشرة لتمنحها نضارة و حيوية بالإضافة للحمام البخاري وطقوسه.
ينقسم الحمام المغربي إلى قسم علوي يحتوي على مزين به حنانة وامرأة تقوم بإزالة الشعر من الجسم بعدة طرق، كما أنه يحتوي على خزائن خاصة بوضع الملابس والمتعلقات ؛والقبو الذي يحتوي على حجرة الحمام وهي تعتبر تحت الأرض نوعا ما فتنزل له الفتيات أو النساء لبدأ الاستحمام بالبخار.
جلست در صاف و أفطيم في الحجرة الأولى للحمام وهي الأقل حرارة وتعتبر باردة (برانية )تتوسطهما أشماس، تلف كلا منهما منشفة عريضة على جذعها العاري، معظم الفتيات كن يقمن بالغناء والتطبيل على طبلة أحضرتها معها سهيلة والتي أصرت على الحضور معهن ، رغم أنها ليست مقربة من أفطيم لكن الأخيرة شعرت بالحرج و أخذتها معها عندما مرت لتأخذ أشماس معها أثناء ذهابها للحمام في زفة صغيرة صباحية تتكون من عدد قليل من السيارات كما جرت العادة في ذلك اليوم.
بعد أقل من ساعة انتقلن للحجرة الأخرى ( الوسطانية) وهي أكثر حرارة من الأولى و بدأن في التعرق مع ازدياد حماس سهيلة وبعض البنات في الغناء، لكن سرعان ماتوقفن بسبب الهواء الساخن حولهن لينتقلن للحجرة الثالثة(دخلانية)
والتي كانت شديدة السخونة بحرارتها التي تقارب الخمسين درجة مئوية.
ابتلت مناشف أفطيم و در صاف من شدة التعرق فالتصقت بهن كذلك حدث لأشماس التي قامت برفع شعرها في كعكة كبيرة أعلى رأسها في محاولة لتخفيف الحر الشديد الذي تشعر به.
كانت سهيلة تنقل عينيها بين صدر در صاف و أشماس ثم لوت فمها وقالت بصوت عال وهي تشير إلى صدر أشماس أولا وبعدها درصاف:
-الله أخذ من هنا و وضع هنا.
انطلقت الضحكات من باقي البنات للمقارنة غير العادلة بين الفتاتين، فدرصاف كان صدرها أكبر من العادي ويسبب لها الضيق دائما بل إنها فكرت أكثر من مرة في إجراء عملية لتصغير حجمه لأنه يتعب ظهرها، بينما أشماس صدرها صغير نسبيا خاصة وهي تجلس بجانب درصاف، لكنه يناسب طولها وبنيتها الرفيعة .
اكفهر وجه درصاف، فهذا الموضوع حساس جدا لها و يؤثر على ثقتها بنفسها عكس المتوقع عند معظم البنات، هي تشعر بالخجل من جحم صدرها الكبير وكثيرا ما كانت تقوم بلفه برباط ضاغط أو ( كورسيه) الذي يستخدم ليظهر البطن أقل حجما.
أما أشماس فقط رفعت حاجب و أنزلت الآخر و حركت فمها لليمين و و اليسار ثم قالت بصوت أعلى لتسمع الجميع وتخرسهن:
-وأنت الله أخذ من عقلك و وضعه في لسانك، اذهبي كي تكيسك * تلك المرأة وريحينا من لسانك الذي لايعرف ماذا يقول.
شعرت سهيلة بالحرج خصوصا مع نظرة الازدراء التي رمقتها بها أفطيم وذهبت بسرعة كي تهرب منهن.
شعرت أشماس بدرصاف وعقدتها التي تفاقمت من كلام سهيلة، لتقول في مزاح:
-مارأيك أن نقوم بعملية معا وآخذ منك قليلا كي يتعدل الوضع؟
شمخت بأنفها و أضافت بغرور قائلة:
-رغم أنني متأكدة بأن توتي لا يهتم بهذه الأشياء .
-ضحكت أفطيم ولم تقدر درصاف على منع الابتسامة من التسلسل لشفتيها، فنكزتها أشماس بمرفقها وهي تقول بهمس:
-اضحكي قليلا لن يخطئ أحد ويظن أنك من قبيلتنا إذا فككتِ عقدة حاجبيكِ .
هزت رأسها في يأس ثم قالت وهي تحرك إصبعها السبابة كأنها تريد تعديل نظارتها في حركة تلقائية، ثم قالت بجدية لتغير الموضوع:
-هل اخترتِ كلية معينة ، أعتقد بأن مجموعك جيد،يمكنك أن تدخلي كلية تتخصص في الفنون.
عادت برأسها للخلف وهي تحرك المنشفة المبللة كأنها مروحة علها تخفف عنها الحر وقالت:
-لا تذكريني بالمأساة عندما عرفت أمي مجموعي وأن عياد تحصل على مجموع أكبر منه كادت أن تقتلع شعري ونزلت ضرب في بعصاة المكنسة كأنني مخرب قبور.
لفت أفطيم وجهها لها وقالت في صدمة:
-عياد الفاشل تحصل على مجموع أعلى منك؟!!!
لا أصدق.
عدلت درصاف جلستها واجابتها في قرف:
-صدقي، إنه الغش ياحبيبتي، ألا تسمعي عن الذين تدخل لهم الإجابات النموذجية، أقطع ذراعي بأن عياد واحد منهم .
لتقول أشماس مؤكدة :
-أخبرت أمي بذلك لأن الجميع يعرف بأن لجنته متساهلة للغاية، وكان رد فعلها كالمعتاد، بأنه ذكي و أنني المخطئة في عدم اتباعي لطريقته؛ تعبت من إخبارها بأن الغش حرام وأن جدي عثمان أخبرني بألا أفعلها حتى لو فعلها الجميع، لأن الله يرى وهذا ذنب، كما فعل مع عياد و حارث وسفيان من قبل.

ارتج قلب أفطيم عند ذكر سفيان، وكأنه ينتظر أي شيء ليقول له بأنه ملك له رغم أنه رفض هذا القلب وصاحبته .
أغمضت عينيها تحبس دمعة تود أن تهرب وتعلن عن وجع الخذلان، لكن أي خذلان ذلك الذي تتحدث عنه وهو لم يقم يوما بإعطائها الأمل في أن يكون لها، أو حتى أنه يبادلها الشعور نفسه؛ هي من كذبت على نفسها واقنعتها بأن نظراته لها مختلفة، طريقة حديثه معها غير تلك الصبيانية التي يحادث بها أشماس أو حتى الأخوية مع درصاف، أو الرسمية مع شقيقتيها وباقي بنات العائلة، هي من كانت تبني أحلام وآمال بأنه سيكون لها، خصوصا بعد أن كثرت مرات بقائة في مدينتها، هي من كانت ترفض العرسان على أمل أن يأتي ويطرق بابها عندها لن تقول رأيها فهو يعرف دون أن تقوله ، وعندما يأست،و كثر الكلام حولها، خصوصا بعد المنحة والتي وافق والدها على ذهابها لوحدها على أن يتناوب شقيقيها على زيارتها بم أنهما يحملان جنسية البلد الذي ستذهب إليه مثلها، وهو أيضا سوف يزورها مرة على الأقل؛ لكنها خشيت أن تبتعد عنه و يصبح سفرها لوحدها في الخارج حاجزا بينهما، تعرف جيدا بأن فكرة سفر فتاة وحدها لا يتقبلها الجميع ويوافق عليها مثل والدها، لذلك أرادت أن تخبره عله يتحرك فقط تريد منه كلمة تطمئن قلبها الغارق في حبه قبل أن يعرف كيف يتهجأ كلمات الحب.
لكنه سحقها بردة فعله الغريبة، بل إنه حطم أي ذرة كرامة احتفظت بها وهي تحاول لسنوات إخفاء أية مشاعر ناحيته كي لا تقابل بالرفض، الرفض الذي كان سيكون أفضل في حالتها، لو قالها بأنها مثل أخته .... لو قال أنه لا يحمل لها مشاعر خاصة.... أي رد فعل تعرف بأنه يهتم بمشاعرها ويعترف بها على الأقل، لشعرت بقليل من الحزن وسافرت تداوي جراحها وحدها في الغربة؛ لكنه تجاهل كل ذلك وتعامل معها ببرود قاتل اعتراضه كان على العريس فقط وليس على زواجها من غيره، لم يشعر بحبها ولم يهتم ليفهم لماذا أخبرته عن أمر خطبتها، هل يعتقد حقا بأنها تريده أن يسأل عن الخاطب!!
تبا له و لغروره و تكبره وتبا لها و لقلبها الذي لا يزال ينبض له.
مسحت دمعة يتيمة هربت من مقلتيها و وضعت يدها على قلبها كأنها تهدئ من ضرباته التي أصبحت مؤلمة جدا لها، ثم قالت في سرها:
-انزعيه من قلبك بل انزعي قلبك كله لو اقتضى الأمر فأنت ستصبحين على ذمة غيره بعد أيام معدودة، يكفيك إهدارا لكرامتك لا داعي لتكوني معدومة الكرامة و خائنة.

هزتها درصاف بقوة لتفتح عينيها في جزع من أن تكون تلفظت بتلك الكلمات بصوت عال وفضحت أمرها، لكن الصوت الذي أتي هو صوت الهواء الساخن حولهما وهي تهتف بغضب:
-سمعت تلك الغبية ماذا ستدخل، أشعر بأني سأصاب بذبحة صدرية منها أقسم بالله.
عقد حاجبيها ورددت في عدم فهم:
- أي غيبة عن ماذا تتحدثين بالضبط؟
مالت أشماس بجذعها للأمام فغطت على در صاف التي تجلس من الناحية الأخرى لها وقالت وهي ترفع يدها في حركة تسأل:
-من في رأيك غبية عند درصاف غيري؟
بذراعها أعادتها درصاف ليلتصق ظهرها بجدار حجرة الحمام وقالت بغضب حقيقي:
-الآنسة المحترمة والتي تعيش في القرن الواحد والعشرين، غير مهتمة بمجال دراستها الجامعية وتقول بكل فخر كأنها تعيش في القرن الحجري بأنها لا تفكر في العمل بل ستتزوج و تربي الأطفال فقط!!!
ياالله تعرفين الأسوأ أنها تريد أن تنجب سبعة أطفال وتسكن بالقرب من منزل والدتها!!!
رفعت أشماس مقلتيها للسقف وكتفت يديها وهي تجيب ببرود كاد أن يقتل در صاف:
-أين المشكلة في كلامي لا أفهم؟
ليس لدي طموح كي أصبح محامية مشهورة أغير قوانين البلد مثلك ولا أريد التحصل على ماجستير أو دكتوراه و أدرس في الكلية مثل أفطيم، بل إنني لا أرغب في العمل ولا يهمني مجال دراستي، لم يكن لي يوما رغبة في أن أصبح طبيبة أو مهندسة أو غيره، ونعم أريد أن أتزوج وأصبح ربة منزل أين المشكلة هل أمك وأمي وعمتي مبروكه أصبحن متخلفات ؟
هزت أفطيم رأسها وقالت:
-لا تحاولي در لقد يأست منها، المشكلة أنها موهوبة في الرسم على الفخار و تلك المجوهرات التي تصنعها من النحاس و الفضة فقط تحتاج لصقل تلك الموهبة، حتى إنني عرضت عليها أن تدخل معهد للمهن الحرفية ليس المهم شهادة جامعية بل المهم هو شهادة تستفيد منها، ويمكنها العمل في المنزل كما تفعل في مصنع جدي، لكنها لا تسمع لي أبدا
مطت درصاف شفتيها وقالت بقرف:
-تربية عمتي خيرية بامتياز
رفعت حاجب الشر و تخصرت وهي تجيبها بصوت عال :
-مابها عمتك خيرية يا تربية بنت بارم ذيلة؟
اسمعي أنا لا أجلب سيرة السيدة الوالدة صاحبة المقام والتي تظن بأن الله خلقها من طينة مختلفة ، رغم كل ما تفعله وتقوله عنا وما فعلته عندما زرتك آخر مرة في العاصمة، بل إنني لم أفتح فمي وانتقد معاملتها لي والتي هي أسوأ من معاملة كلاب الشوارع، فلن أسمح لك بأن تتحدثي عن أمي وتربيتها أو تسيئي لها أبدا، تربيتها هي التي جعلتي أمسك لساني و أمك المصون تضع الطعام لي في المطبخ بل في صحون ذات استعمال مرة واحدة لترميها بعدها أمامي في الزبالة، بل إنها وضعتني في غرفة الحديقة وهي مخصصة للبواب وأنا التي تظاهرت بالعبط وصدقت أنها غرفة ضيوف!!!
الآن عرفت لماذا تركت أفطيم منزل خالي رحمه الله و فضلت السكن الداخلي.
ازداد وجه درصاف احمرارا ولم تقدر على الرد ، فأشماس محقة في كل كلمة، رغم أنها لا تحب عمتها خيرية لكن الأخيرة تعاملها مثل أشماس بالضبط، و لا تقلل منها أو تهينها بالكلام مثل ما فعلت أمها مع أشماس وقبلها إفطيم، بل إنها تقوم بطبخ الكثير من الأطباق التي تحبها وصنع الحلويات التقلدية كما أنها تصر عليها أن تزيد في إقامتها قدر الإمكان، ولا تنسى أن ترسل معها المال و الكثير من الحلويات التي تقوم والدتها برميها بحجة أنها تحتوي على سحر!
ماتستغربة حقا هو أن لا أفطيم ولا حتى أشماس أخبرتا والدتهما بمعاملة والدتها لهما، أو ربما فعلن وهن كما قالت أمها خبيثات ينتظرن اللحظة المناسبة للانتقام منها وفضحها أو الأسوأ ؟
أخرجها من أفكارها صوت أفطيم وهي تهمس في غضب: -اخفضي صوتك أشماس، لا داعي للفضائح الآن، الكل يراقب وسهيلة تحاول فهم مانقوله، إذا كان على دراستك اخبطي رأسك في أكبر جدار أمامك لن نتحدث معك مرة أخرى فيها.
كانت أفطيم تربت على فخد در صاف وهي تتحدث مماجعل در صاف ممتنة لها، و قد لاحظت أشماس ذلك، فشعرت بالخزي من نفسها لتمسك كف درصاف -وقالت في أسف:
-أعتذر در، تعرفين لساني يسبق عقلي دائما أنا فقط لا أحب أن يتحدث أحد عن أمي بالسوء ونسيت بأنني أتحدث عن أمك.
اغتصبت ابتسامة صغيرة كي لا ينقلب حفل الحمام، كما أنها شعرت بجدية اعتذار أشماس وهي التي لم تعتذر عن تصرفات أمها أبدا.
لتقول :
-لا بأس كما قالت أفطيم لن نتحدث عن دراستك بعد الآن افعلي ماتريدين.
مرت فتاة أمامها فضيقت در عينيها وقالت لإفطيم:
-هل هذه نهى التي تعمل معك ؟
ردت أفطيم:
-لا ليست هي لم أقم بدعوتها للحمام أعتقد بأنها لن تكون مرتاحة فيه معنا، لكنها سوف تأتي باقي أيام الفرح مع والدتها.
لوت أشماس شفتيها للجانبين ثم قالت:
- ولماذا لا تكون مرتاحة معنا هل سنأكلها مثلا؟
عضت إفطيم على خدها من الداخل كي لا تضحك وقالت: -لأنها ليست معتادة على الحمام المغربي عندما سألتها أخبرتني بأنها لم تذهب له من قبل، فخشيت أن تحرج منا هذا كل ما في الأمر، كما أنها ليست مقربة مني كثيرا علاقتنا علاقة عمل أكثر، نهى تحب أن تضع حدودا وأنا أحترم ذلك فيها.

أخذت در صاف تفرك ذراعيها بالليفة المغربية وهي تقول:
-حتى أشماس هذه أول مرة لها، رأيت الدخان يخرج من أذني عمتي وهي تجهز لنا حقيبة الحمام ليلة البارحة.
أطلقت أشماس ضحكة صغيرة:
-تصدقون كنت أعتقد بأنها سوف تشدني من السيارة اليوم بعد أن ركبتها، هذه الأشياء محرمة عند أمي لو تعرف بأني أقوم بإزالة شعر جسمي سوف تصاب بجلطة.
قالت أفطيم مؤكدة على كلامها:
-تخبريني أنا إنها تقيم الدنيا وتقعدها كلما عرفت أني أذهب مع أمي للحمام، قانون عمتي خيرية الفتاة تضل عليها طبقات التقشف إلى أن تتزوج!
لم ترد درصاف لكن تعبيرات وجهها كان أكبر رد لهما.
اقتربت سهيلة من الثلاثي ثم قالت:
-في ماذا تتحدثون منذ الصباح وكأنكن لم تلتقين منذ سنوات، وليس كل يوم معا.
ردت أشماس:
-قل هو الله أحد، ماذا تريدين يا سهيلة الآن
قالت وهي تهز كتفها:
-أريد العروس كي تنتهي ونعود للمنزل قبل المغرب.
قامت أفطيم لتذهب للمرأة المختصة بتجهيز العروس أما درصاف فأخذت تحك ظهر أشماس بالليف والصابون المغربي لتخرج منها الكثير من الجلد الميت والأوساخ التي كانت عالقة بالمسام المغلقة على شكل حبال صغيرة سوداء و هي تقول من بين أسنانها:
-كل هذه أوساخ كان يجب أن تراها عمتي علها تقتنع بأهمية الحمام المغربي وأنه ليس مثل الحمام العادي أبدا، ياإلهي اقتنعت أنك كتلة من ...
قاطعتها أشماس وهي تقول بتحذير:
-اخرسي وإلا، ثم خفي يدك قليل أشعر بأنك تقتلعين جلدي.
أخذت تفرك بقوة أكبر وهي تقول:
-دعيني انتهي بسرعة لأن أفطيم لن تأخذ وقتا طويلا أرجو فقط ألا تنغلق البالوعات من الأوساخ التي خرجت منك.
مالت برقبتها وهي تتألم من الدعك وتلك الليفة التي تقسم بأنها مصنوعة من المسامير وقالت وهي تقضم على شفتيها:
-لك يوم يا ابنة هناء.
بعد ساعتين تقريبا انتهت جميع الفتيات من الاغتسال و لبست أفطيم الرداء الخاص بذلك اليوم والذي يطلق عليه ( البودري) وهو زي تقليدي يلف جسد العروس بالكامل من القماش الخاص والذي يكون لونه دائما زهري فاتح بخطوط طويلة بيضاء وتحتها قميص من الأورجانزه و في العادة رباط الشعر أيضا يكون من نفس القماش وكذلك الحذاء الذي يكون في الغالب شبشب بكعب مع مروحة إذا كان الجو صيفا ، هذه الألبسة كانت مخصصة سابقا ليوم الحنة وأصبحت للحمام أيضا بعد دخول هذه العادة للأفراح.
ركبت أفطيم في سيارة رؤوف بعد أن رفض عبد الخالق شقيقها الأكبر المشاركة في أي شيء يخص الفرح، تغاضت عن غيابه رغم أنها تشتاق له كثيرا لكنها لن تتراجع الآن تعرف بأنه يحاول الضغط عليها لأنه يعرف مكانته عندها جيدا فهو يصغرها بعامين فقط و هذا جعل منهما مقربين جدا خاصة في بداية حياتها في الغربة، واستمر التقارب حتى بعد العودة للوطن خاصة وأنه لم يكن يتكلم بشكل جيد وهي من ساعدته على الكلام ، استمرت العلاقة قوية بينهما حتى وصلت للمرحلة الجامعية ودق قلبها لسفيان، فابتعدت دون قصد، بل إنها أحاطت نفسها بغلاف كي لا يفتضح حبها لصديقه، كما تحاول أن تفعل مع در صاف وأشماس وتحاول أن تقلل اللقاءات معهما قدر الإمكان لكنهمالا يهتمان إذا قصرت معهن ولم تقم هي بالمبادرة بالاتصال بهما أو السؤال عنهما ، لا تعرف هل هي شاكرة أو كارهة لهما في تحمُّل تقصيرها المتعمد معهما ، بل إنهما دائما تقومان بالاتصال و الزيارة دون أن يلومونها على عدم فعل المثل معهما .
أصوات أبواق السيارات العالي يعلن عن بدأ الزفة من الحمام إلى منزل والدها وقد علت أصوات الموسيقى الخارجة من السيارات والتي اتفق جميع أصحابها على أن تكون موحدة كما بدا لها.
ركبت درصاف وأشماس في سيارة سالم زوج سهيلة و شقيق الثانية ولم تتوقف الأخيرة عن إطلاق الزغاريد ، رغم أن زوجها طلب منها أن تخفض صوتها دون فائدة ، بعد مدة وصل الجميع لمنزل سعد الجعفري الذي يوجد أمامه خيمة كبيرة خاصة بالأفراح وقد علقت أنوار الزينة على طول السور وفوق السطح.
نزلت أفطيم أول واحدة كما تجري العادة لتجد والدتها أمام باب المنزل الكبير تستقبلها في أحضانها وقد انهارت كلتاهما في بكاء حار كلاً له أسبابه.
رغم أن مبروكة سعيدة بزواج ابنتها قبل أن تسافر كما كان يرغب والدها وحاولت هي الاعتراض دون فائدة، لكن بداخلها صوت يخبرها بأن ابنتها ليست سعيدة، وأنها وافقت على هذا العريس لسبب آخر غير الذي قالت عليه.
أما أفطيم فكانت تبكي قلبها وحبها وكرامتها المهدرة، تبكي امرأة تحضر نفسها لزفاف من رجل بينما الذي تحبه سحقها وذهب دون أن ينظر خلفه ، كم حلمت بأن تكون عروسه هو ..... لكن الأحلام لا تتحقق أبدا وعليها أن ترضى بالواقع الذي اختارته بنفسها.
تعالت أصوات الدق على الطبل من داخل المنزل لتدخل أفطيم و والدتها وباقي البنات وتجد أن عمتها وخالتها يتوسطن الحديقة ويقمن بالدق على الطبل و يغنين بأغاني خاصة بيوم الحمام وبعض النسوة يقمن بالرقص حولها والتصفيق، لتأخذها در صاف من يدها وتبدأ وصلة رقص معها فحضرت خيرية تحمل بيدها مبخرة كبيرة وترفعها فوق رأس أفطيم وهي تخمس باليد الأخرى ثم فعلت المثل لدرصاف وأخذت تبخر باقي النسوة وهي تقول أغاني شعبية تبعد الحسد والسحر.
بعد قليل تم وضع الطعام للنساء والرجال ثم افترشت أفطيم وسط صالة المنزل حيث تم تزيين المكان ليكون مكان حنة العروس أولا، و قامت عمتها بوضع اللصقة الخاصة بالعروس والتي تختلف عن باقي اللصقات وتسمي في مدينتهم ( النيرة) بقدميها ويدها مع بعض الرسومات في ظهرها وأعلى ذراعها قامت أشماس بقصها حسب طلب أفطيم؛ أما باقي البنات فقمن بعمل بعض النقوش البسيطة .
-أخذت خيرية أشماس على جنب لتتفحصها وقالت وهي تضيق عينيها:
-ماذا فعلت في الحمام ؟
هزت كتفيها وقالت ببرود:
-لا شيء مثل الباقي.
رفعت لها رأسها وركزت في حاجبيها وهي تقول:
- هل فعلت شيء لحاجبيك سوف أقتلك لو نتفتي شعرة منهم هل تفهمي؟
أغمضت عينيها وقالت:
- لم أقرب منهما أقسم لك، والآن هلا تركتني أضع الحنة على يدي قبل أن تنهيها فتحية التي أصرت أن تحني قدميها للورك؟
قرصت أذنها وهي تقول:
-احترمي نفسك ماهذا الكلام، حتى لو انتهت سوف أعجن لك غيرها.
ضربت بقدمها في الأرض مثل الأطفال وقالت بتبرم:
-لا أريد من هذه مثل باقي الفتيات لا أريد أخرى اطلبي من فتحية أن تنتظر لماذا أنا.
زفرت وقالت في لين:
-حسنا اذهبي لكن لا تقربي قدميك فقط يديك ولا تكثري من النقش مفهوم.
قبلتها في خدها وقالت :
-تأمرين خوخة.
تركتها وذهبت بسرعة تجلس بقرب العروس وباقي البنات وقد ارتسمت السعادة على وجهها.
نطرت لها خيرية بحنان، مشكلتها أنها لا تعرف كيف تتصرف معها لذلك تقسو عليها، متى يأتي اليوم الذي تتزوج فيه وينزاح حملها من على كتفيها، ربما وقتها تستطيع أن تتعامل معها بحنان وتدللها مثلما تفعل الأمهات مع بناتهن، وحتى ذلك اليوم لن تتخلى عن أسلوبها معها، أشماس بالذات ينمو ضلع فور كسر واحد لها، إذا تخلت عن قد تسبب لها فضيحة هي متأكدة من ذلك.


❈-❈-❈-

البعض لا يتعظ عندما يستره الله بل إنه يزيد في الطغيان اعتقادا منه بأنه منيع ولن يمسه شيء
رغم مرور شهور على سحب مسئولية الأراضي منه وتسليمه جميع الدفاتر و الحسابات لأيوب،لكن لم يتصل بالشيخ أو يواجه أيوب حتى !
لقد توقع أن تحدث فضيحة ويكون بطلها هو بالطبع ويظهر ذلك الغريب كالمنقذ الذي كشف غشه و تلاعبه، لدرجة جعلته يسافر في رحلة طويلة للعمرة حتى يصدقة الناس عندما يحلف بأنه بريء
وبعد مضي أسبوع وآخر ولم يصله شيء عاد للوطن والأغرب بأن الشيخ عثمان قام بتهنئته بالعمرة ؟!
صحيح أنه شعر بمعنى مبطن في كلامة عندما قال له:
-الله يستر ويمحي الذنوب للتوابين من عباده ، استفد من الفرصة ولا تضيعها لا تعرف متى يرفع الله ستره عنك.
لكنه لم يهتم ، في اعتقاده هناك سببان لا ثالث لهما في عدم معرفة الشيخ بما كان يحدث، إما أن الغريب ليس بالذكاء والفطنة التي يتغنى بها الشيخ فلم يكتشف ما حدث سابقا و الفرق في الدفاتر أو أنه خائن للأمانة وقرر أن يستغل الأمر لصالحه.
وهو عليه أن يثبت الأمر الثاني عليه حتى لو كان سكوت الحاج مجرد إهمال من أيوب، يجب أن يفضحه ويثبت للجميع بأن الشيخ قد خرف وأصبح من السهل خداعه لدرجة التلاعب بأموال العائلة ولذلك يجب إزاحته من مشيخة القبيلة وجلوسه مكانه.
❈-❈-❈

المسئولية التي وضعها الشيخ عثمان ليست بالهينة أبدا، هناك فرق بين أن يدير مصنعا للفخار و الخزف بعدد عمال لا يتعدى المئتين وبين أن يدير أراضٍ و محاصيل زراعية لألاف الكيلومترات ويكون مسؤلا عن بيع المحصول للمناطق شرق وغرب البلاد ثم توزيع الأرباح على الجميع.
صحيح أن الكمبيوتر الذي أحضره له إبراهيم ابن الشيخ ساعده خصوصا أنه وضع عليه برنامجا متطورا جدا بالنسبة له وقام بجلب كتب لشرح كيفية عمله، يحمد الله أنه يجيد الانجليزية قراءة وكتابة على الأقل، فالبرنامح غير معرب؛ لكن ذلك أخذ منه وقتا أطول لأن العاملين معه لا يجيدون الانجليزية معظم العمال الأفارقة يجيدون الفرنسية كما أنه لم يقدر على كشف أسرار عمله لأي شخص حتى لا يقوم بسرقة شيء أو التلاعب به، وهذا بتوصية من الشيخ شخصيا.
قضي معظم الأشهر بعد أن عاد من سفره السريع ليقضي دين والدته و يريحها في قبرها، وهو ينتقل بين المدن وكي يتأكد من وصول المحصول بنفسه ربما يفتح سوقا آخر غير الذي أغلق بسبب عوض.
و حتى لا يصل ما يفعله لعوض أو أحد أعوانه قام الشيخ عثمان بتحذيره أن يخفي الأمر عن الجميع فقط هو و إبراهيم و حارث من يعرفون؛ حارث كان يذهب معه في عدة سفرات كي يكون مترجما مرة و وسيطا مرة أخرى عند التجار الذين يتعامل معهم في بيع وشراء المواشي؛ وقد أصبح مقربا منه خصوصا بعد سفر سفيان فقد وجد به عقلية التاجر المحنك، بل إنه يتكلم الانجليزية بطريقة جيدة جدا رغم أنه يخطي في قراءة بعض الكلمات !
لا يصدق بأنه لم يكمل تعليمه واكتفى بالثانوية العامة فقط طاعة لوالده ، حقا بعض الآباء ظالمون؛ سمع قصته في آخر رحلة تجمع الشباب قبل سفر سفيان، تلك الرحلة التي قرر بعدها أن يبتعد عن أشماس.


قبل أربعة أشهر
اقترب موعد سفر سفيان فقرر الشباب أن يقوموا برحلة تجمعهم معا، حيث أنهم على الأغلب لن يلتقوا بعدها بسبب سفر سفيان و ذهاب عبد الخالق للعمل  في المدينة القريبة منهم وأيوب سيبدأ في الدراسة الجامعية رغم أنه لن ينتظم بها لكنه لن يكون متفرغا للذهاب معهم خصوصا مع المسئوليات التي أضيفت لعاتقه
قاموا بتأجير يخت و أبحروا في الصباح الباكر كي يصطادوا بعض السمك ثم يعودوا لليابسة ويقوموا بشويه، وبعد عدة محاولات فاشلة لم يقدروا على اصطياد حتى سمكة زينة !
قام حارث بسحب الشبكة الكبيرة من جانب اليخت والتي لم يعلم بوجودها أحد وقام بوضعها على سطح اليخت ليقول بتفاخر و هو يشير على كمية السمك الكبيرة بها : -ابتعدوا لقد أتى معلم الصيد ليعلم الصغار كيف يصطادون الحوت.
ضرب أيوب كفا بآخر وقال بيأس:
-سمك اسمه سمك لو كان حوتا لكنا في بطنه الآن.
اقترب عبد الخالق من الشبكة يتفحصها بحذر فارتسمت ابتسامة جانبية على شفتيه و وقف متخصرا و هو يقول: -اصطدته بنفسك، متأكد ؟
رفع حارث وجهه في شموخ وقال:
-بالطبع كي تعرف فقط من هو الحارث
ضم عبد الخالق إصبعه السبابة والإبهام ثم فتحمها بسرعة على جبهة حارث ليتأوه الأخير من شدة الضربة وقال :
-اصطدتهم جميعا بنفس الحجم يا (###) هل تظنني غبيا مثلك، اعترف من الذي اشترى لك الحوت فهو من ورطك باختيارها جميعا بنفس الحجم.
قهقه علي وقال وهو يمسك بطنه من شدة الضحك:
-أنا الذي فعلتها لكني لم أقصد فضحه فالخطة الأساسية أن أضع بعضا منها في السنارة لكن الأخ استعجل كالعادة.
هز سفيان رأسه واجابه:
- طبعا علي اختار الحجم حسب بطنه، من الذي سيأكل كل هذا بالله عليك.
حرك علي حواجبه للأعلى والأسفل ثم قال وهو يتأمل السمك:
-لا عليك أنت فقط قم بشواء النصف واترك الباقي كي أطبخ به مكرونة .
ارتفع حاجبا أيوب وقال بصدمة :
- حتى هنا ومع السمك مكرونة ؟!!!!!
أنتم حقا مدمنون.
لف حارث يده على رقبة أيوب كأنه سيقوم بخنقه ورد في جدية:
-حبيبي هذا ختم الجودة مثل الفول عندكم أعتقد، لا هو أكبر قيمة عندنا صدقني إذا أردت أن تعذب شخصا من بلدي امنع عنه المكرونة .
انطلقت الضحكات من الجميع حتى أيوب .
وقف سفيان وأيوب أمام الشواية يقلبون السمك أما رؤوف فقد تولي موضوع طبخ المكرونة في مطبخ اليخت الصغير جدا لذلك لم يدخل معه أحد،  علي وحارث وعبد الخالق كانوا يسبحون في البحر ثم عادوا للمركب بعد أن اشار لهم سفيان وأيوب أن الطعام جاهز.
جلس السته حول طاولة الطعام يأكلون السمك والمكرونة بالفلفل الحار لينظر لهم أيوب باستغراب ثم قال:
-أمر المكرونة وقد فهمته أو تقبلته لكن ذلك الفلفل الذي لا تكفون عن أكله وكأنها مبارزة من يأكل الكمية الأكبر وأيهم أشد حرارة؟
هذا لم أفهمه.
-حك عبد الخالق رأسه وقال في حرج:
-بصراحة هو أمر خاص بنا نحن فقط، أعني معظم أهل البلد يأكلونه لكن نحن الأخمسه نتبارى فيه فعلا لنثبت من يقدر على تحمل الحرارة أكثر.
شده الاعتراف ليسأل بسرعة :
-لماذا تتبارزون فيه؟
رد حارث في خيلاء:
-أنا السبب في الواقع، انظر وأشار لسفيان.
هذا ابن العاصمة و معروف عنهم أنهم مدللون لا يأكلون الحار فقط البريوش بالعسل
صحح له سفيان قائلا:
- إشاعة اخترعها والدك ، لا تصدقه .
تابع حارث غير مبالٍ به:
-أما هما مشيرا لعبد الخالق و علي،  فقد ولدا بالخارج وكان عندنا شك بأنه تم تبديلهم في المستشفى بأولاد تلك البلد البارد، كما ترى كم هما بيض أكثر من اللازم وهذا يبعث الشك فيهم، لذلك كنت أختبرهم وأتأكد من هويتهم.
و رؤوف مثل اخيه حتي وأن عاش معانا معظم حياته.

ضرب أيوب كفه بالآخر وقال:
-لا إله إلا الله وأنت أكبر متنمر في العالم
ضحك  رؤوف وعلي و سفيان ليقول عبد الخالق:
- لو رأيت مافعله بنا هو و سفيان في طفولتنا لعرفت معنى التنمر، بل ما فعله بأشماس هل تصدق بأنه كان يطلق عليها اسم أحمد ويدعي بأنه أخوه ؟
فتح أيوب فمه مندهشا ليسقط الطعام منه .
أما حارث فقال بغيظ فقد شعر بالحرج:
-عمتي وأنا حر بها مادخلك أنت؟
عمتك؟!!!
قالها أيوب بصدمة حقيقة، وقد استرجع عقله اسمها واسم حارث لثوانٍ ثم أنار مصباح في عقله عندما التقط الاسم كاملا من الأوراق التي معه
-ليردد و قد عقد حاجبيه:
- كيف أعني متى أنجبت الحاجه خيرية والدك وهي في العاشرة ؟
أكمل حارث أكله وهو يرد:
-بل في الرابعه عشر، أبي هو الأكبر وتزوج وهو في الثامنة عشر أنا أكبر من أشماس بسنوات قليلة في الواقع.
قال أيوب في حذر:
-رابعة عشر ومتزوجة ؟
ألا يمنع القانون ذلك؟
تنهد سفيان وقال:
- للأسف عندنا تلاعب ، في تلك الحالة يستخرج للفتاة أقصد الطفلة شهادة تستنين يكتب بها السن القانوني ويتم الزواج بها.
لم يقتنع أيوب وقال بعناد :
-و المأذون كيف يعقد القران ألا يرى بأنها طفلة ويلاحظ التلاعب في الشهادة.
-هاي أنت أين تظن نفسك، أي مأذون ذلك الذي يرى العروس
قال رؤوف بتهكم؛ فلم يفهم أيوب قصده ليقول حارث بسرعة منعا لسوء الفهم:
-معظم الفتيات عندنا لا يؤخذ رأيهن أمام المأذون ، أقصد المأذون يسأل وعندما تأتيه الموافقة يعقد لكن أن تخرج الفتاة عند عقد القران أو يدخل لها ليس أمرا شائعا عندنا.
رمش بعينيه أكثر من مرة في غير تصديق وقال:
-وهل يجوز ذلك، أعني ماذا يؤكد بأن الفتاة موافقة.
لوى عبد الخالق فمه وقال:
-في معظم الأحيان تكون موافقة حتى إن كانت غير موافقة لن تفضح والدها يوم العقد، المسألة عادات ليس إلا ، أما الأوراق الرسمية في الدولة يجب أن توقع مع زوجها وتستخرح كتيب عائلة ليثبت الزواج وغيره من الإجراءات، الأمر ليس بالسوء الذي تتصور كما قلت لك إنها عادت وأعتقد عموما مؤخرا أصبح هناك بعض التغيير وأعتقد بأن الأمر سيتغير أكثر .
أخذ يفكر بالأمر في ذهول، هو حقا مصدوم في كمية العادات الغريبة التي يصادفها كل اليوم والتي تتغير من مدينة لأخرى ؛ قاطعه صوت سفيان يقول في حسرة : -على ذكر أشماس كم اشتقت للعب معها.
شعور الغيرة الحارق غزاه ليقول بلهجة هجومية حادة دون وعي:
-لماذا؟
نظر الجميع له باستغراب؛ فازدرد حلقه وقال في لهجة أقل هجومية :
- أعني لماذا تلعبون مع أشماس فقط دونا عن الباقيات ؟
حرك حارث يده مثل المدرس عندما يشرح وقال :
-لأنها أولا كانت ملتصقة بنا ولا تتركنا خصوصا وأنه ليس هناك من يلعب معها ويفهم لغتها التي كانت مزيجا بين العربي و الأجنبي فشعرنا بالشفقة عليها وتركناها تأتي في البداية على أمل أن تمل وتذهب للعب مع الفتيات لكنها لم تفعل بل تشبثت بنا أكثر
ثانيا هي لا تشي بنا، إذا قام أحدنا بكسر نافذة بالخطأ أو سرقة سيارة أبي كي نتعلم عليها أو حتى أخذ صندوق الشوكولاتة الذي تخبئه جدتي خيرية للضيوف، بل تتحمل التعنيف عنا ؛ ثالثا وهو الأهم أنها عندما تسقط أو يقوم أحد بضربها بالكرة خطأ أو بقصد لا تبكي مثل باقي الفتيات بل تقوم من وقعتها وتمسح إذا نزل منها دم وتقول:
أنا بخير
لتتابع بعدها اللعب.
كيف لا تريدنا أن نضمها لفريقنا، تعرف هذا الخرتيت وأشار لعلي،
إذا اصابته شوكة يقلب علينا البلد بينما هي الفتاة تتحمل في صلابة ، كي تعرف بأنهم قاموا بتغيره في المستشفى.
كان قلبة يتألم وهو يتخليها طفلة صغيرة يتيمة تجري خلفهم لتلعب معه وتتحمل الضرب والألم فقط كي تجد من يتقبلها، واضح أنها عانت دون أن يظهر ذلك عليها.
لكنه نظر لسفيان وقال بنفس الحدة:
- وأنت لماذا هي؟
هز سفيان رأسه وحك خلف أذنه يفكر في إجابة مقنعة ثم هز كتفه وقال:
- لأنها أشماس .
فقط هذا ماقاله ولم يزد عليه، في الحقيقة لم يحتج أن يزيد حرفا فإجابته تفسر الكثير والكثير جدا.


منذ تلك الرحلة قرر أن يبتعد عن محيط أشماس، ربما علاقتها بحارث أصبحت واضحة لا شك فيها، لكن سفيان وكلمته تلك التي أطلقت مئة سؤال في داخله
لأنها أشماس.....
هل يعني بأن أشماس عنده لا مثيل لها ولا تقارن بأحد؟
أم أنه يعني بأن شمسها تدفي قلبه وتجعل لحياته طعما مختلفا ، طعم لا يعرف كيف يشرحه فهي، لاتشبه أحدا هي نادرة بطبعها الفريد ومختلفة اختلافها المنفرد واكتمل حسنها وجمالها وروحها في آن واحد.
المنطق يقول بأن سفيان هو الأفضل لها وهو من يستحقها بحق، هو أصلا لا ليس متأكدا من مشاعره ناحيتها ولا العكس؛ على الأرجح هو انجذاب قوي سينتهي بالوقت، خصوصا بعد أن يعود هو لبلده.
❈-❈-❈

في الصباح الباكر يوم حنة أفطيم وقفت مبروكة والدتها تلطم خديها أمام بعض الكراتين ومعزة صغيرة، بجانبها ابنتها المتزوجة تسنيم تحاول تهدئتها حتى لا تسمع باقي النسوة صوتها ويعرفن ما حدث.
قالت وهي لازالت تلطم على خديها حتى احمرت :
-ماهذا الذي جلبوه كيس بصل و صندوق طماطم و علبة زيت ذرة هذا مصروف عروس*؟!!!!
لو لم يجلبوا شيئا كان أستر بكثير لا والأنكى أنهم جلبوا معزة ماذا يقصدون بها هل سأطعم قوم يأجوج ومأجوج الذين سيحضرون بهذه المعزة ؟!!!
أنزلت تسنيم يد والدتها كي تتوقف عن اللطم وقالت بصوت خفيض:
نحن عرفنا ما بها منذ يوم خطبة الرجال عندما لم يجلبوا معهم حتى قنينة ماء، لكننا رضينا وأكملنا الموضوع هل تريدين أن تفضحي ابنتك وتنهي الفرح بسبب معزة ؟
هل ترضيها في حق أبي و أعمامي يقولون خربوا الفرح من أجل معزة !
أزالت الاشارب الذي كانت تربط به رأسها ورمتها أرضا وهي تجيب بعناد:
-الأمر ليس هكذا إخوتك عندما يذهبون لرحلات البرية يأخذون أكثر من ذلك المصروف ثلاث مرات على الأقل ،لكنه قلة التقدير من قبلهم يقصدون كسر ابنتي في كل شئ ، عمتك محقة، هدايا الذهب ليست ذهب بل قشره ذهب فقط، لقد تأكدت في محل الصاغة وعندما أخبرت والدك وقالي لي لن أتدخل في أمور شراء الذهب لها، بل و رضيت بتنفيذ طلبهم واشتريت لها صالون وبعثته لمنزلهم حتى لا يعرف أحد من أهلنا و الآن هذا؟
أشعر بأني سأصاب بذبحة صدرية، يا الله.
وضعت يدها على صدرها عند شعورها بنغزات حادة في قلبها وقد احتقن وجهها فأسرعت ابنتها تدخلها من باب المطبخ الخلفي وتجلسها عند أقرب كرسي
كان الوقت مبكرا ومعظم النساء لازلن نائمات لذلك لم يشعر بهما أحد، أعطت والدتها كوب ماء و اتصلت بزوجها كي يحضر سيارته للباب الخلفي للمنزل، ثم اسرعت تمشي بخفه على رؤوس أصابعها كي لا تحدث صوتا ودخلت غرفة والدتها وعادت بسرعة تحمل بيدها عباءة سوداء و شال بنفس اللون و ارتد هي واحدا مماثل، ساعدت والدتها في ارتداء العباءة و أمسكت يدها تساعدها للقيام رغم اعتراض الأخيرة ، لكنها أصرت عليها لتخرج من الباب الخلفي وتجد زوجها أمامها، الذي ظن أن زوجته اشتاقت له بعد أن ظلت في منزل والدها لأسبوع كامل دون أن تعود لمنزلها، لكن أمله خاب عندما وجدها تسند أمها والتي شحب وجهها لدرجة أخافته و طيرت كل أفكاره السابقة.
قبل أن يسألها عن الذي حدث قالت بصوت خفيض: -بسرعة فتحي أمي مريضة ولا أريد أن يعرف أحد.
ساعدها لتجلس في الكرسي الأمامي و جلست تسنيم في الخلف وقاد السيارة إلى أقرب مستشفى
بعد ساعة ونصف تقريبا خرجوا من المستشفى وقد اطمئنوا بأن ما تعاني منه مبروكة ارتفاع مفاجئ في ضغط الدم ويجب ألا تتوتر حتى لا تسوء حالتها ، تم إعطائها إبرة لتنزل الضغط و وصف لها الطبيب دواء لتأخذه حتى تتابع مع مختص.
في طريق العودة حكت تسنيم لزوجها ماحدث، انتظر حتى تأكد من حالة حماته قبل أن يقول بصوت رخيم:
- يا عمتي لا داعي بأن تحرقي دمك ويرتفع ضغطك من أجل بعض الخضار أو الماعز، تعرفين أن قدركم عالٍ ولن يقدر أحد أن يقلل منه، لا أحد يعرف ظروف الغير ربما ضغط عليهم ابنهم ولم يكونوا مستعدين للفرح الآن.
هدرت به غاضبة بصوت عال :
- أي ظروف تتكلم عنها وهل طلبنا مهر أو تشرطنا في الذهب؟
تعرف أن مصروف العروس لن يكلف الكثير هم الذين يستقلون بنا.
رد عليها قائلا:
-أنت قلتها المصروف لا يتكلف الكثير وأنتم تساهلتم في الأكبر لماذا الغضب الآن؟
كتفت ذراعيها وأشاحت بوجهها ناحية النافذة ليقول بصوت هادي:
-أهم شيء أن الدكتورة وافقت ألست من كنت تقولين دائما توافق وأنا من سيقيم الفرح على حسابي؟
ها قد وافقت لا تحزني وتكسري فرحتك و فرحتها، أما المصروف حالا سيكون عندك مايليق بدكتورتنا الغالية ، لقد اتصلت بأخي كي يبعث مصروف عروس لمنزلك لابد أنه وصل الآن .
التفتت له بسرعة وقد اتسعت عيناها لتقول بحرج:
-ولماذا تكلف نفسك لا داعي لذلك صدقني لدينا مايكفي لإطعام الكل و زيادة أنا فقط حزينة على قلة التقدير.
ابتسم وقال:
- كرمكم معروف ليدوم الله عليكم الخير، كما قلت يجب أن نكبر بالدكتور ولا نجعل أحد يشمت بها، كما أن المصروف ليس غاليا و حارث ابن جبريل قام بإرسال عشرة خرفان من عنده عندما تحدثت معه، كان يريد أن يرسل جمل لكنني أخبرته بأن مدينة أهل العريس لا يحضرون جمال ولو فعل سننكشف ، لذلك بعث الخرفان لمنزل أخي كي تذهب مع المصروف ولا يشك أحد .
امتلات عيناها بالدموع وأخذت تدعي له فأمسك يدها وقبلها قائلا:
-أدامك الله لنا يا عمتي نحن أهل لا داعي لذلك الكلام، عندما وافقتم علي لم تطلبوا لا مهر و لا ذهب بل إن عمي أطال الله في عمره من ساعدني كي أتعين في الشركة التي أعمل بها فضلكم علي سابق.
لم تقدر على الرد عليه، رغم سعادتها بفعلة زوج ابنتها والذي أثبت أنه من معدن أصيل، لكنه أيضا أظهر الفرق بينه وبين عريس أفطيم الذي باتت متيقنة بأنه كما قال الجميع وأولهم ولديها علي وعبدالخالق بأنه داخل على طمع.

- ❈-❈-❈

تم نصب صوان كبير أمام منزل سعد الجعفري أو مايطلق عليه اسم خيمة أفراح متنقلة كي يتم فيها حفل الحنة بدلا من صالة الأفراح التي حجزتها أفطيم في أكبر فنادق المدينة ، عللت السبب بأنها متعبة ولا تريد الذهاب للفندق جارتها أفطيم فقد لاحظت شحوبها رغم أنها كانت تتمنى أن تقيم حفل حنتها بالفندق كي تمضي وقتا ممتعا مع قريباتها وصديقاتها اللاتي لن تراهن لمدة طويلة ولأن خطيبها أشرف أخبرها بأنه لن يقيم حفل زفاف.
قبل المغرب كان كل شيء جاهز تم تزيين جميع الطاولات ماعدا ثلاث في المؤخرة طلبت مبروكة أن تترك على حالها و أخذ الضيوف في الحضور بعد أن أبلغوهم عن المكان الجديد كما حدث مع الفرقة الموسيقية النسائية.
جرت درصاف أشماس من يدها في ركن بعيد عن باقي البنات وقالت في همس:
-اتصلي بحارث ليأتي حالا.
ارتفع حاجبي أشماس حتى كادت أن تلاصق منبت شعرها ثم رسمت ابتسامة جانبية وهي وتقول:
-ولماذا حالا هل اشتعل الحب في قلبك فجأة ولا تقدرين أن يمر يوم دون رؤيته؟
ضربتها بقبضتها في ذراعها وقالت من بين أسنانها:
-أحب من حارث الثور؟!!!
اتصلي فقط ليس لدي وقت أضيعه معك.
أخرجت أشماس هاتفها من جيب فستانها الطويل ثم رنت على رقم حارث الذي لم يرد في البداية، فكتبت لها رسالة أن درصاف تريد مكالمته؛ لم تمر ثانيه حتى أنها شكت بأن يكون قرأ الرسالة أو أنها وصلت له من الأساس
فتحت مكبر الصوت ليخرج صوت حارث المتلهف يقول: -هذه خدعة أم أن در..
قاطعته كي لا يتفوه بما لا يحمد عقباه قائلة :
-هاهي بجانبي تريد أن تحادثك وهي تسمعك بالمناسبة.
-شعر بأن دلوا من الماء سقط عليه فلم يقدر على النطق بكلمة بينما أخذت درصاف الهاتف منها وقالت بأمر تعال للباب الخلفي نحن ننتظرك هناك حالا.
أغلقت الخط دون أن تسمع الرد وتحركت تسحب أشماس في يدها والتي صدمت من الأسلوب لكنها ذهبت خلفها لتعرف السر وراء طلب در صاف الغريب.
عند الباب الخلفي للمنزل أطفأت أشماس الضوء كي لا يراهم أحد يكفي أنوار الزينة المعلقة على طول السور، أما درصاف فقد وضعت شال حول رأسها كي تغطي رقبتها وكتفيها، لأن الفستان الذي كانت ترتديه كان بحمالة كتف واحدة عريضة .
تقدم حارث تسبقه دقات قلبه وقف على بعد خطوتين من الباب وقد لفحه عطرها الذي يقدر على أن يميزه بين ألف أمرأة
تنحنح بصوتٍ عالٍ لتقول درصاف بهمس:
- تعال هنا حتى لا ينتبه لنا أحد.
اقترب على مضض يخشى من تأثيرها عليه، وقد لمح فستانها الذي يحدد قدها أسفل الشال الذي يغطي بعضا من شعرها و كتفيها.
قالت بسرعة وهي تنظر في عينيه بينما أشماس تراقب الطريق كي لا ينفضح أمرهما:
-اخبرني الصدق حارث أنت من أحضر الخرفان والمصروف وليس أهل العريس صح؟
-أخذ يحرك ميدالية مفاتيح سيارته بين أصابعه واجاب وقد أبعد عينيه عن خاصتها:
-عن أي مصروف وخرفان تتحدثين، ألا يوجد تاجر مواشي غيري في البلد؟
ضيقت عينيها و اقتربت منه ليشعر بأن حرارة جسده ترتفع وقالت:
- من دون لف و دوران حارث، زوجة عمي لغت حفل الصاله بل إنها أصرت على عدم تزيين طاولة أهل العريس، وتسنيم منذ الصباح وهي في حالة يرثى لها وتبكي بحجة أنها ستشتاق لأختها، هذا غير تفاجؤ إفطيم نفسها بالمصروف فهي لم تتوقعه حسب كلام خطيبها لها.
ثم رفعت سبابتها في وجهه وتابعت كأنها تنزل ستارة النهاية على مسرحية هزلية:
-وطبعا عقدة الوردة الشهيرة التي لا يفعلها غيرك بالشريط الأحمر على أعناق الخرفان هي أكبر دليل على أنك من أحضرته .
مسح العرق الذي ظهر على جبهته ثم قال ببطء:
- واضح أن مشاهدتك للمسلسلات البولسية أثر فيك كثيرا، اذهبي لحضور الحفل ليس لدي وقت لتحليلات المحقق كونان.
وضعت يدها في خصرها وقالت بعند:
- انظر لعيني وأخبرني بالحقيقة وإلا سوف أدخل وأخبر الجميع خصوصا عمتي خيرية.
مسح وجهه بيده ورد بحنق:
-ماذا تريدين درصاف الآن ؟
مالفائدة من معرفتك إذا كان من أحضر الأشياء خطيب أفطيم أم لا لماذا تتدخلين في أمر لا يعينك؟
شعرت بأنه صفعها وأنها مجرد فتاة غيورة تريد أن تفسد فرحة ابنة عمها لتقول نافية عنها التهمة :
- أنت لا تفهم هذا يعني بأن أشرف تزوجها طمعا فيها ليس إلا ويريد أن يذلها من الآن كي لا يكون لها رأي في أي شيء يفعله بها مستقبلا، يجب أن أحذرها لأنها ستسافر معه بل إنها قررت أن تعطيه الجنسية عن طريقها، هل تتخيل ماذا يمكن أن يفعل بها لوحدها في الغربة؟ هذا الفرح يجب ألا يتم.
رفع عينيه ينظر لها بتمعن كي يتأكد من صدق كلماتها، لكنه توقف عند شفتيها المطليتين باللون النبيذي والذي جعلهما شهيتين بطريقة بعثث رجفة مثل الصاعقة الكهربائية اللذيذة ليعطيها ظهره كي لا يتهور أو يزيد النظر لها واضعا يديه في جيبه وقال بصوت عالٍ :
- لن تجدي شيئا من إخبار أحد بما حدث إلا فضيحة لعمي سعد و تقليل قدر أفطيم والتي اعترفت بنفسك أنها كانت تعرف بأن خطيبها لن يجلب شيئا وموافقة، إذن هي لا تريد نصيحة من أحد، ابتعدي عن الموضوع .
تركهما وذهب بعد أن أنهى جملته أما درصاف فقد تجمدت في مكانها وكلماته ترن في أذنها لتغير نظرتها للأمور وتزيد من نقمها على تلك العائلة التي لا تهتم إلا بسمعتها ومنظرها فقط.


بعد صلاة العشاء جاء أهل العريس كي يقوموا بطقوس الحنة المعتادة؛ قامت خيرية بتغطية إفطيم برداء أبيض فوق فستان حنتها كما هي العادة عندهم لكن الأخيرة أخبرتها بأن تبعده لأن أم أشرف طلبت منها ذلك، كادت أن تحدث مشكلة كبيرة لولا تدخل مبروكة التي قالت بلهجة حادة:
- أصبحت زوجة ابنها فليفعلوا بها ما يريدون.
نبرتها الصارمة ونظراتها القاتلة أوجعت قلب أفطيم، لكنها تحاملت على نفسها كي تكمل الليلة بسلام، جلست في مكانها المخصص الذي تولت أشماس تزيينه لكنها لم تبدع كعادتها لضيق الوقت فقط أكثرت من الزهور وحاولت خلق منظر مميز يتماشي من فستان أفطيم ذو اللون الفستقي الفاتح.

رغم ماتحمله في قلبها من حزن والذي انعكس على وجهها إلا أنها كانت مثل القمر في تمامه، بذلك الفستان بالحمالات العريضة والذي يضيق ناحية الصدر حتى أسفل خصرها الملتف ويتسع بعدها بعدة طبقات متداخلة من الساتان الفستقي تزينه وردات صغيرة ذهبية على الأطراف، مع حذاء بكعب ذهبي اللون أما شعرها فقد رفعته المصففة بتسريحة بسيطة مع ترك بعض الخصلات الطويلة وغرة على الجنب كما هي الموضة وقتها و وضعت زينة تظهر لون عنييها العسلي بوضوح فأعطتها مظهر كالحورية الهاربة من كتب الأميرات.
حرصت مبروكة على أن تضع العشاء والحلويات للضيوف قبل أن يصل أهل العريس، صحيح أنهم أصبحوا نسايب ولن تقدر على تغيير ذلك الآن، لكنها لن تعطيهم أكبر من قدرهم بل سوف تعاملهم بنفس طريقتهم بالضبط.
بعد العشاء عادت الفتيات للرقص على أنغام الفرقة وشاركتهن الكثير من النساء المتزوجات، منهن من كن سعيدات فعلا ويردن إطلاق عنان طاقة الرقص خصوصا أن الافراح منفصلة لا يسمح للرجال بالدخول فيها، ومنهن من تريد استعراض ذهبها أو ملابسها الغالية وهن كثيرات
جلست خيرية و فتحية و سهيلة في طاولة وقد انضمت لهن كنز ابنة خيرية الكبرى والتي تعيش في مدينة قريبة منهم، يتبادلن الحديث قبل أن تميل كنز على أمها قائلة: -لقد كبرت أشماس ألم يأت خاطب بعد؟
هزت خيرية رأسها بنفي وقالت:
- خالك قال لن يقبل بأحد قبل أن تتم دراستها الجامعية حتى لو كانت مجرد خطبة.
لوت كنز فمها وقالت :
-لماذا يوقف سوقها، يجب أن تتحدثي معه يا أمي، العرسان لا يجلسون على الشجر، انظري لأفطيم لأنها أصرت على إتمام تعليمها تزوجت جوازة تعر.
تنهدت واجابتها :
-أعرف كل ذلك بل إني حاولت معه فعلا، لولا أنه تزوج تلك ال(###) لكان أخذها معه للدراسة في الخارج، الله لطف بنا
لتقاطعها ابنتها قائلة :
-وإلا كانت عنست فعلا أو تزوجت من جنسية أخرى
ضربت خيرية على صدرها قائلة في استنكار:
-جنسية أخرى!!!!!
لن يحدث وأنا حية لن أقبل بذلك، هذا ماينقصني؛ اسكتي ياكنز أو غيري الموضوع ليس لدي مزاج للحديث ذلك.
على الجهة المقابلة كانت مبروكة واقفة ترتدي الزي التقليدي باللون الأحمر مع خطوط عريضة ذهبية لكنها لم تكثر من ارتداء المجوهرات كعادتها بل إنها لم تضع زينة في وجهها فقط كحل لا غير.
مالت تسنيم تهمس في أذنها:
-أمي أرجوك افردي وجهك قليلا على الأقل من أجل ابنتك، لقد لاحظت عماتي تغير حالتك ألا يكفي بأنك لغيت الصالة و كسرت فرحة أفطيم ؟!
لم ترد أمها لتتابع قائلة:
- ربما هو شخص جيد وهذه أفعال أهله فقط ، تعرفين بعض العائلات تفعل أكثر عندما لا تعجبهم العروس، ربما أرادوا أن يزوجوه من قريبة لهم ونحن لا نعلم، اعطية فرصة.
نظرت لها بطرف عينها ثم قالت بحزم لا يقبل النقاش: -وأنا غير راضية عنه وعن أهله لذلك أعبر لهم عن رأيي كما يفعلون هم.
-❈-❈ ❈-
جلست در صاف بجانب أفطيم تفكر في كلام حارث، هل عليها إخبارها بما تعرف أم تصمت وتترك الأمر يمر؟
تنهدت وهي تنظر للفتيات تتمايلن بأجسادهن على أنغام الموسيقي وبالطبع أشماس كانت في الوسط لم تتوقف عن الرقص منذ أكثر من ساعة، الشيء الوحيد الذي تسمح لها به والدتها به، أن ترقص في أفراح العائلة فقط.
في عز انسجامها في الرقص شعرت بإصبع ينقر على ذراعها لتلتفت لصاحبته فأشارت ناحية العروس التي طلبت منها الحضور، فكت الحزام الراقص الذي كانت تلفه حول وركيها وبحثت عن حذائها الذي خلعته عندما اندمجت في الرقص وجدته ملقا على جنب فلبسته دون أن تحكم إغلاقه وذهبت لترى ماذا تريد منها أفطيم.
جلست بجانب أفطيم على نفس الكرسي المخصص للعروس تربط خيوط حذائها حول ساقيها، ثم اعتدلت في جلستها وعدلت شعرها الذي فردته لها المزينة ليغطي ظهرها مع لف بعض الخصلات.بصوت عالٍ كي تغطي على صوت الموسيقى قالت درصاف:
-ارحمي نفسك لو كنت راقصة لتعبتِ
لعبت أشماس حاجبيهاوردت:
- أفرغ الشحنة المكبوتة حتى لا أنفجر و أرقص في غرفتي عندها تعرفين ماذا ستفعل عمتك.
نظرت لها أفطيم بدقة قبل أن تسألها: 
-لماذا لم تضعي شيء على وجهك، جميع الفتيات قمن بذلك حتى ابنة أختك الصغيرة.
تنهدت وقبل أن ترد قالت در صاف:
-تضع شيء؟
عمتي كادت أن تصاب بذبحة صدرية بسبب الفستان و الزينة التي أصررت على أنني لن أمسحها، فقامت هي بتعذيب أشماس وغسلت لها وجهها تخيلي
هزت أفطيم رأسها وقالت في أسف:
-عمتي هذه من العصر الحجري، لا أعرف متى تتغير
لم ترد أشماس بل كانت تركز في تلك التي تتقدم منهن وهي ترتدي فستان أحمر طويل من طبقات الشيفون فوق بعضها بحمالات رفيعة وتضع شال من نفس القماش على كتفها،كان شعرها قصيرا يغطي رقبتها لكنه لامع جدا وقد وضعت القليل من الزينة التي أظهرت جمالها
اقتربت نهى تهنيء أفطيم فقامت تحتضنها وشكرتها لأنها جاءت رغم تغيير المكان ثم سلمت عليها در صاف مع عبارات الترحيب المعتادة فقد رأتها أكثر من مرة بسبب تردد الأخيرة على الصيدلية؛ أما أشماس فلم تتوقف عن تقييمها وقد انتشر بداخلها ذلك الشعور الذي لا تريد أن تصنفه، وأخذت تقارن لا إراديا بينها وبين نهى، فهي ترتدي فستان كحلي يصل إلى ركبتها به تطريز عرف بزهور صغيرة ممتد من حافة السفلية صعودا لجانب الفستان وبربع كم و صدر مربع، بسيط جدا كانت قد اشترته لها عمتها سليمة قبل وفاتها بمدة من الخارج ولم ترتديه مسبقا، بعد أن رفضت أمها أن ترتدي الفستان الأخضر الفاتح الذي اشترته من العاصمة لأن ظهره عاري.
لم تحتج للكثير من المقارنة نهى طبعا تظهر كأنثى جميلة على العكس منها التي تبدو كطالبة إعدادي.
سلمت عليها ببرود وعندما غادرت نهى قالت أفطيم في نبرة لائمة: 
-ماهذا يا أشماس لقد أحرجت الفتاة لا يصح ما تفعليه معها بصراحة.
قلبت أشماس مقلتيها وردت: 
-ماذا فعلت سلمت عليها عادي
لتقول درصاف:
-عاددددي
تابعت وقد اقتربت منها لتكون هي و أفطيم ما يشبه الجلسة المهمة: 
-اسمعي يا أشماس ما تفعليه يدل على أنك معجبة بأيوب.
باستنكار كاذب قالت:
-أنااااا
قاطعتها قبل أن تزيد في كذبها قائلة:
-لا جدتي، نعم أنت معجبة به جدا، لقد لاحظت مزاجك العكر منذ سافر، وعندما عاد وأنت تذهبين لمنزل جدي يوميا وتتحينين الفرص للذهاب للمصنع.
أرادت أن تعترض وتقدم تبريرات لكل ذلك لكن در صاف تابعت دون الالتفات لها قائلة بحزم:
-في البداية لم أتدخل لأنني توقعت أنه انجذاب عادي سينتهي بسرعة خصوصا أنه لم يحدث لك سابقا، لكنك تتورطين في المسألة و أخشى أن تتكون عندك مشاعر يصبح من الصعب عليك الخلاص منها.
سكتت قليلا وهي ترى تأثير كلماتها عليها ونظرت لإفطيم التي أغمضت عينيها وفتحتها كدليل على إعطائها الموافقة لتتابع.
بنبرة أقل حدة تابعت:
-دعيني أوضح الصورة لك كي تفهمي قصدي، هل يحمل لك أيوب أي مشاعر مثل التي تحملينها له؟
أعتقد بأن ابتعاده عنك وتجنبه عمدا اللقاء بك جواب واضح وحتى لو قلنا أنه مشغول فعلا كما يدعي،لو كان أيوب يحمل لك مشاعر ويريد أن يتقدم لك هل ستوافقين عليه ؟
خفق قلب أشماس بقوة للفكرة وللعجب لم يكن خفقان لإنكاره الفكرة بل لتحبيذها!
تابعت درصاف عندما لم تعرف كيف تصنف ردة فعل أشماس وتلك اللمعة التي ظهرت بعينيها لتقول:
-لو فرضنا أن أمك إخوتك وافقوا عليه وهو أمر مستحيل طبعا إلا لو تدخل جدي، لكن أنت هل تقدرين على أن تعيشي معه في بلده؟!

هنا شحب وجهها فالفكرة لم تكن واردة ابدا
لتقول إفطيم:
- أشماس أنت لست مثلي أو مثل در صاف، تشعرين بالغربة عند الذهاب للعاصمة، فهل تقدرين على العيش في دولة أخرى وأن يحمل أبنائك جنسية أخرى؟
بصوت متحشرج رددت:
-جنسية أخرى؟
بسرعة قالت در صاف:
-نعم تعرفين القوانين عندنا، أبناء المواطنة المتزوجة من أجنبي لا يأخذون الجنسية حتى لو ولدوا هنا وعاشوا طوال حياتهم هنا، بل يتعاملون كالأجانب وأبسط الأشياء تكون صعبة لهم بداية من دخول المدارس العامة نهاية بتعامل المجتمع معهم الذي لن يقصر في التنمر عليهم.
كانت أشماس تنظر لها بعينين ضائعتين كأنها ترى الصورة السوداء لأول مرة؛  تنهدت در صاف و ربتت على ساقها قائلة:
-نظام الكيل بمكيالين عندنا أسوأ مما تتخيلين تعرفين بأنه يحق للرجل بإعطاء زوجته الجنسية مهما كان بلدها ودينها بينما المراة لا، وطبعا أولاده منها يحملون الجنسية بغض النظر إذا ولدوا هنا أم لا ؛ صدقتني عندما أقول لك أن قوانين كثيرة يجب أن تتغير،المهم أن تفكري جيدا قبل أن تتورطي أكثر.
صمت عم على المكان هكذا شعرت أشماس لا تسمع شيئا إلا كلمات در صاف التي فتحت عليها سيل من الأفكار قادرة على إغراقها و إجهاض حب لم يخرج بعد للنور بكل بساطة.

حضر أهل العريس بعد العشاء ولم يحضروا كما توقعت مبروكة هدايا عروس لائقة مجرد ( قفة) واضح أنه تم شراؤها ولم تختارها أم العريس وقد تم وضعها على الأرض وليس على كرسي عالٍ كما هو المعهود كي تتفاخر به أم العريس، القفة من العادات القديمة جدا والتي لم تتغير فهي غالبا تكون مصنوعة من سعف النخل كبيرة الحجم تحتوي على الكثير من أنواع البخور الغالية والتي يكون البعض منها معد مخصوصا للعروس بالإضافة لمخلوط القرفة والمسك وغيره من الروائح الخاصة بالعروس، كما أنها تحتوي على أوراق حنة مجففة و بعض أدوات الزينة والكحل العربي مع زيادات حسب تقاليد كل منطقة؛لكنها لم تهتم و كأن الجميع اتفق معها في ذلك فقد وقفت عمات العروس خلفها كلهن ترتدين الكثير من المصوغات الذهبية و كذلك فعلن خالاتها لتوصيل رسالة معينة لهم، امتعصت وجه النساء اللاتي جئن من طرف العريس وعلى رأسهن والدته، التي أخذت بعضا من الحنة المعجونة التي أحضروها معهم في طبق كبير و وضعتها في باطن كف إفطيم دون أن تقدم لها هدية كما هو معروف!
شهقت خيرية على فعلة أم العريس لكنها لم تتكلم وتابعت ما يحدث بعين غير راضية.
بعد وقت قليل جدا نزلت قريبات العريس من المسرح الذي تجلس عليه العروس و جلسن على الطاولات المخصصة لهن وقد شعرن بأنهن مهملات غير مرحب بهن حيث أن مبروكة لم ترحب بهن ومكان الطاولات كان متطرف نوعا ما ولم تكن مزينة مثل باقي الطاولات، بعد قليل قدم الطعام لهن من قِبل النادلات مع الحلويات والمشروب الغازي، اقتربت تسنيم من طاولة أهل العريس تسألهن إذا كان ينقصهن شيء فأتاها الرد على شكل تلويح بأصابع اليد من أم العريس بمعنى لا نريد منك شيئا!
صُدمت من قيام سيدة في مثل هذا العمر بهذه الأفعال لكنها ابتلعت الإهانة وذهبت تلف على باقي الطاولات لترى إذا كان ينقص المعازيم شيئا.
كان من المفترض أن يذهب أهل العريس بعد أن تناولوا الطعام لكنهم بقوا وهذا ما لفت نظر اخت مبروكة التي مالت عليها قائلة:
-ألن يذهب ضيوفك؟
ربما ينتظرون أن يتفقوا معك على مكان إقامتنا عندما نذهب مع العروس لمدينتهم.
بنفس البرود أو الفراغ الذي يلازمها طوال النهار قالت مبروكة:
-أي مكان إقامة تتحدثين عنه هم أصلا لن يقيموا حفل زفاف، نحن سوف نقيم عند منزل أقارب سهيلة زوجة ابن خيرية لقد جهزوا لنا منزل للنساء وآخر للرجال، كما أنني لن آخذ معي الكثير فقط أنت وخيرية وفتحية
قالت أختها بنبرة لينة لتخفف عنها قليلا: 
-اذهبي إذا لهم ربما ينتظرون أن تسلمي عليهم، لايجوز أن تتركيهم هكذا.
رغم عدم رغبتها في ذلك لكنها نفذت كلام شقيقتها وتوجهت ناحية طاولة أهل العريس، كانت خيرية تراقبها من بعيد وبعد أن تحدثت مبروكة مع أم العريس لاحظت شحوب وجهها وأنها تتحدث بيديها وهذا ليس من عادتها، فوقفت من مكانها وذهبت لتقف بقرب مبروكة لتعرف ماذا يحدث.
قبل قليل
تقدمت مبروكة من والدة العريس وقالت:
-شرفنا حضوركم مبارك لنا النسب
نظرت لها أم العريس وقالت بنزق:
-أهلا، متى ستقومون بوضع الحنة للعروس أريد أن أعود للفندق لا أحب أجواء الخيم والبدو هذه.
استغفرت مبروكة في سرها كي لا تقول ما تندم عليه وقالت: 
-لقد قمنا بالفعل بوضع حنتها البارحة لم تريها وأنت تضعين حنتك عليها؟
رفعت أم العريس حاجبها وقالت بتحدٍ: 
-حنتكم هذه لا تلزمنا زوجة ابني يجب أن تضع النقشة التي أختارها أنا و الآن سوف أغير حنتها قبل أن أخرج من هنا.
سمعت خيرية الحديث لتندفع قائلة بصرامة وصوت عالٍ : -زوجة ابنك عندما تدخل منزله أما قصة أنكم تريدون تغيير نقشة حنتها فهذا لايجوز كلنا نعرف ذلك، كان عليكم أن تخبرونا قبلها لا أن تقرروا فجأة أن حنتنا لا تلائم ذوقكم الرفيع.
ألقت إحدى الجالسات نظرة من أعلى لأسفل على خيرية وقالت بتكبر:
-من هذه العجوز ومادخلها أصلا، نحن نتكلم عن الذوق والرقي اذهبي ارعي بعيدا عنا.
ضربت مبروكة على فمها أما خيرية فقد تصنمت لثوانٍ قبل أن تقول بصوت عالٍ: 
-اخرجي حالا وإلا أخرجتك من شعرك
اقتربت أخت مبروكة التي سمعت الحديث وقالت:
-استهدوا بالله يا خيرية المرأة لم تقصد مافهمته.
التفتت مبروكة قائلة للمرأة التي أهانت خيرية بصرامة و قالت: 
-لقد سمعت ماقالته الحاجة خيرية وهي عمة العروس على فكرة وابنة عمي تفضلي من غير مطرود؛
ثم نظرت لوالدة العريس قائلة:
- بعد غد ستكون العروس عندكم غيروا حنتها مثلما تريدون لكن طالما هي في منزل والدها لن يفرض علينا أحد شيئا ، وإن لم يعجبك عادات البدو يمكنك أخذ سلتك وتلك الخردوات التي أحضرتها معك و إعطائها لواحدة من بنات مدينتك لتكون عروسا لابنك.

❈-❈-❈ -


في الحديقة الخلفية لمنزل الشيخ عثمان جلست أشماس تحاول صقل العقد الذي بيديها بالآلة القديمة التي لايزال جدها محتفظا بها رغم أنها يدوية ومن الصعب العمل بها،لكنها تساعدها في صنع المجوهرات وقلم الحرق الكهربائي الذي سهل عليها الرسم على القطع التي تعمل شكلها وهي عبارة عن دمج بين الفضة والذهب ذو عيار خفيف لأنه الأسهل في التشكيل؛ قررت أن تصنع قطعة مميزة كي تهديها لأفطيم عندما تزور الجد، لأنها لم تشتري لها شيئا من السوق عندما ذهبت مع والدتها بسبب أن معظم الأشكال التي وجدتها تشبه بعضها وقد خمنت بأن معظم الأقارب اشتروا من نفس السوق، كما أن ماحدث ليلة الحنة وتلك المشكلة التي لم تنتهي على خير فبعد المشاداة بين أمها و عمتها من ناحية وأهل العريس من ناحية انتهت بذهاب أهل العريس ونشرهم لشائعة بأن أمها قامت بإهانتهم وطردهم و التي صدقها معظم الناس حتى الأقارب لمعرفتهم بطبع خيرية، قررت الأخيرة ألا تذهب للزفاف مع عمتها واكتفت بأن ترسل كنز و فتحية مع حارث فقط، لا تعرف إذا كانت أمها مذنبة أو لا فهي لم تخبرها عندما سألتها بل نهرتها عن التدخل في الأمر، أما الأمر المهم عندها والذي يحرمها من النوم حرفيا هو كلام درصاف.
تعرف بأنها محقة لن تقدر أن تعيش في مدينة أخرى وليس بلد آخر، ولن تتحمل بأن يتحمل أولادها كل تلك المعاناة لأن والدهم أجنبي، لكن بقى السؤال الأهم هل أيوب يحبها فعلا ؟
إنه يتجنبها حرفيا لم تره وجها لوجه منذ أكثر من ثلاثة أشهر، وهل هي تحبه أم هو مجرد إعجاب مراهقة ؟
عقدت حاجبيها ووضعت ما في يديها على الطاولة الرخامية الخاصة بالحديقة، وهي تخمن ما الذي يجذبها إليه؟
ليس شديد الوسامة رغم أن طلته تخطف نظرها وقلبها، كما أنه ليس من أصحاب العضلات أو الجسم الضخم كما تحب معظم الفتيات، لكن له هيبة لا مثيل لها، تحب نظراته الناعسة وتلك الابتسامة التي تجعل قلبها يرفرف في سعادة، تعشق النقاش معه لا أحد يقدر على جعلها تتحدث وتخرج كل ما في داخلها غيره، حتى أفطيم و درصاف كثيرا ما تخفي عنهما مشاعرها و أفكارها لأنهما تحكمان عليها أما أيوب فيقوم بمناقشة كل شيء معها حتى لو لم يعجبه، تحب مناكفاتهما وعندما ينعتها ب( أحمس) أو عندما يغيظها بالادعاء بأنه يشجع الفريق المنافس لفريقها المفضل، تعرف بأن له عيوبا كثيرة وقد تكون مميزاته قليلة لكنه الوحيد الذي جعل قلبها يدق
هو أول شخص تفتح له قلبها كاملاً ، أول شخص تعطيه كل مشاعر الحب والصداقة في آن واحد ، أول شخص يأت في بالها عندما تسمع أغاني الحب، أول شخص لا تستطيع صد قلبها عنه ، أول شخص تغفو وهي تفكر به وتستيقظ وهو فكرتها الأولى ، أول شخص يطمئنها وجوده وترعبها فكرة اختفائه
هل بعد كل هذا لازالت تفكر في حقيقة مشاعرها ناحيته ؟

لم تنتبه لذلك الذي اقترب منها يقدم خطوة ويؤخر أخرى إلا عندما وقف أمامها لترفع عينيها التي تلألأت بفعل أشعة الشمس المنعكسة عليها لم ترَ ملامح الواقف لثوانٍ فوضعت كفها فوق عينيها لتتأكد من حدسها وقالت تداري مشاعرها:
- أهلا بالظل في الشتاء

❈-❈-❈ -
*١ من العادات أن لا يقوم أهل المتوفي بالطبخ بل يأتي لهم الطعام من الأقارب أو الجيران طوال فترة العزاء
*٢ طريقة التنظيف في الحمام المغربي
*٣ مصروف العروس هو هدية من أهل العريس بكل مستلزمات الفرح بداية من الصابون والمكانس نهاية بالفواكه والمشروب الغازي

 سيل جارف  الجزء الاول من سلسلة الحب والحربحيث تعيش القصص. اكتشف الآن