الفصل السادس عشر

1K 61 23
                                    

الفصل السادس عشر


منذ أن أصر على عدم المبيت مع حارث و أشماس وهو يشتم نفسه لذلك القرار الذي نافى كل مايريده لقلبه وجوارحه متسببا في وصلة تقريع للذات لم تنتهِ طوال تلك الليلة لدرجة جعلته يتصل بصديقه علاء ليقضي ليلته معه عله يتوقف عن التفكير.
لكن ذلك لم يجدِ نفعا فقد أخذ يتقلب على جنبيه طول الليل ثم قرر أن يترك الفراش ويخرج للشرفة عل الهواء العليل يشعره بالنعاس ، بالطبع لم يقدر بل أخذته أفكاره لتلك الشمس المتوهجة التي اخترقته فلم يعد يرَ سواها
لم يحب يوما الفتاة الصاخبة ذات الصوت العالي و الأفعال الارتجالية بل كان دائما يفضل الهادئات مثله، اللواتي يتمتعن برقة وأنوثة تظهر في الصوت المنخفض والأفعال المدروسة، مثل نهى أو فتنة على أبعد حد أو مثل حبيبته السابقة التي للغرابة نسي ملامحها!
لكن تأتي أشماس بكل تناقضها لفتاة أحلامه التي يود يوما الارتباط بها لتحتل قلبه ؛ ألا تكفي  الفروق الإجتماعية التي تجعل ذلك شبه مستحيلا ليأتي طبعها الصعب ليزيد الأمر سوءًا؟
تنهد وأسند يده على حافة الشرفة دون أن يهتم للمنظر أمامه ليشعر بصديقه علاء يدخل عليه منكوش الشعر و قال بصوت ناعس:
-لقد سرقت النوم من عينك كما سرقت قلبك اعترف بالأمر.
رد عليه دون أن يلتفت له بنبرة خاوية: 
-من تقصد بكلامك؟
جلس علاء على الكرسي ومط يديه في كسل ورد:
-لا تراوغ أيوب أحفظك مثل كف يدي، أنت غارق في حبها لأذنيك وتكابر ومما سمعته منك يبدو أنه شعور متبادل لماذا إذا تعذب نفسك؟!!!!
أغمض أيوب عينيه وقد تسلل الألم لقلبه ، نظراتها له بعد أن أبعدها عن فتنة وقام بتقريعها على الجانب كانت تحرق قلبه رغم أنه حاول تجاهلها كي لا يلين معها وقتها لكنه عاد وندم على طريقته معها خصوصا مع نظرة الانتصار في عيني فتنة والتي لابد أنها ظنت بأنه فعل ذلك من أجلها هي
حتى في المركب كانت تتجاهله عمدا ومعها كل الحق، هل خسر فرصته معها؟
أم أن الرسالة التي تركها لها قد تجدِ نفعا؟!
ألقى علاء عليه قنينة مياه بلاستيكية فارغة كانت قربه ليلتفت إليه أيوب بملامح شاردة -فسارع الأول قائلا: -حالتك متأخرة جدا أنصحك بأن تتخذ موقفا تجاهها بسرعة أو تترك العمل عند جدها وتبتعد عنها فورا.
نغزة حادة غزت قلبه عند فكرة الابتعاد عنها بل الابتعاد عن الشيخ عثمان وحارث والجميع، لقد تعلق بهم جدا يا إلهي لقد أوقع نفسه في مصيبة لا خروج منها إلا باقتلاع الروح.
لم يشأ أن يتكلم مع علاء الآن بالذات لذلك قال وهو يتجه للداخل:
-تصبح على خير غدا لدي موعد مهم.
استسلم جسده للنوم قبل الفجر بقليل ليسيقظ عند أذان الظهر فأسرع يقيم فرضه و يغير ملابسه ليلحق بموعده، لقد قرر أن يكفر عن خطأه ويحاول مراضاة أشماس بأي طريقة و عزيمة الغداء هي أنسب فرصة لذلك؛ دعا الله ألا تفسد أشماس الأمر كعادتها دائما بانفعالاتها الغير مدروسة
قبل أن يخرج أعطاه علاء مفتاح سيارته كي لا يتعب في المواصلات لم يجادله بل أخذها وأسرع حيث يقيم حارث و أشماس، دون أن ينسى إحضار طبق حلويات معه كي يأخذوه معهم لمنزل السماك، يعلم بأن حارث لا يعرف المحلات في هذه المدينة وبالطبع أشماس لن تطلب منه البحث عن واحد بعد كارثة الأمس و ما عرفه من عدم محبتها لعائلة زوجة خالها.
حرص على ترتيب خصلات شعره القصيرة وهو ينتظر أن تهل عليه ليرتاح قلبه العليل قليلا؛ لتأتي الرياح بما لا تشتهي السفن.
كانت عابسة لم تلقِ عليه السلام حتى بل تعمدت تجاهله حتى وصلوا منزل السماك، رغم أنه حاول تبادل أطراف الحديث معها دون فائدة ليزداد الأمر سوءا عند دخولهم للمنزل حيث قابلتهم فتنة بكل دلالها و أنوثتها التي تناقض أشماس وتعمدت تجاهل أشماس مما أثار حفيظته لكنه قرر أن يتجاهل الوضع ويركز مع تلك التي تحجب أنوارها عنه بغيوب توشك على الانقلاب لعاصفة شتوية.
منذ أن ألقي التحية على الكل وخصوصا فادية التي يكن لها معزة خاصة التقطت أنفه الرائحة المميزة للفسيخ ، لم يصدق في البداية من ذا الذي يعزم أناس ليسوا من بلده على هذه الأكلة ؟!!!!!
معروف لدي الجميع أنه لا يأكل أي بلد عربي الفسيخ سوى بلده فهو عادة فرعونية من الأساس ، هل تقصد إهانتهم ؟!!
راقب الجميع وكان تركيزه مع أشماس التي ظهر على ملامحها الامتعاض رغم أنها ظلت هادئة ولم تنطق بحرف تقريبا؛ لم يخفَ عليه توتر جيهان ولا تلك اللمعة عند تلاقي عين فتنة بوالدتها والتي جعلته يوقن بأن هناك ملعوبا يحاك في الخفاء؛ وعند وضع البصل الأخضر أولا على المائدة تأكد من الأمر، خصوصا مع الصدمة الممزوجة بالإحراج التي ظهرت على وجه جمعة السماك والذي حاول الاعتذار كثيرا لإبراهيم.
حاولت فتنة أن تجذبه ليجلس بقربها لكنه تجاهلها وجلس بقرب حارث و أشماس أراد أن يخبر حارث سرا ألا يأكل وسوف يأخذهم هو لمطعم قريب بعد الانتهاء من الغداء هنا، إلا أن حارث كان مشمئزا بطريقة واضحة من تلك الرائحة النفاذة التي أزكمت أنوفهم
مال برأسه للأمام كي يرى وجه أشماس ليجد أنها لمست الفسيخ الذي وضع أمامها بإصبعها ثم دفعت الصحن قبل أن تقف حشرة صغيرة أعلى شفتيها لتبعدها ثم حكت شفتيها ثم لعقتها بلسانها مكان قرصة الحشرة عدة مرات في حركة لا إرادية في أقل من دقيقة ،قبل أن تأتي فادية وتلقي بكلماتها السامة والتي لا يعرف إذا كانت فعلا تقصد ما فهمه أم أنها ساذجة وتتكلم بطيبة لتبرر فعلتها الغريبة؟
تذكر كل ذلك في ثوانٍ بعد أن صرخ حارث بأن أشماس لا تتنفس.
جثى على ركبتيه بقربها واضعا إصبعيه السبابة والإبهام أسفل رقبتها المكشوفة بعد أن حل حارث حجابها أو ربما حلته هي أثناء تقيؤها ليجد نبضا ضعيفا
قال بعجلة لحارث:
-ضعها في فراشها سوف أجلب الطبيب حالا.
ليخرج من المنزل متجها للطابق الأسفل ليدخل للعيادة الموجودة به ويندفع لغرفة الكشف دون استئذان متجاهلا الممرضة أو السكرتيرة، لم يتأكد من هويتها ولم يهتم أصلا بها فوجد الطبيب قد انتهى من كتابة وصفة علاجية للمريض الجالس أمامه؛ ليقول بصوتٍ عالٍ وأنفاس متقطعة: 
-تعال معي بسرعة إنها تلفظ أنفاسها.
رغم أن الطبيب استنكر دخوله عليه بهذه الطريقة الفجة وكاد أن يطرده لكن المسؤلية بداخله جعلته يأخذ سماعته وبعض الأغراض متجها مع أيوب بسرعة و أوصى الممرضة أن تجهز حقيبته كي تجلبها له بعد أن عرف أن المريضة في نفس العمارة.

 سيل جارف  الجزء الاول من سلسلة الحب والحربحيث تعيش القصص. اكتشف الآن