الفصل العاشر
في بلد الجعفري
منذ يومين وهو يخضع لتعذيب مستمر من قِبل حارث و أشماس، فقد تحدد موعد زيارة إفطيم وعريسها للعائلة و تقرر أن تكون الزيارة في منزل الشيخ عثمان وليس منزل والدها كالعادة.
ولأن الشيخ عثمان أكد على أيوب الحضور بل إنه أصر عليه تولى حارث تعليمه طريقة تناول الطعام للأكلة الشهيرة التي تعد في هذه المناسبات، رغم أن أيوب لم يستسغ طعمها لكن الأول أصر عليه أن يتعلم طريقة الأكل مثل أهل البلد كي لا يكون مسخرة بينهم، كما تدخلت أشماس بالطبع بحجه أن الوقت ضيق ويجب أن يكثفوا الدروس لتعليمه!
كان أيوب يجلس في حديقة المنزل على حصيرة فرشتها له أشماس، واضعا ركبته على الأرض والأخرى منثنية أسفل منه في وضعية غير مريحة له بالمرة، وقد وضعت أمامه طبق دائري يشبه طبق الشوربة لكنه أكبر و اعمق، بداخله تلك الأكلة التي تصر على تعليمه أكلها بإصبعين للمرة العاشرة دون جدوى
بنبرتها الساخرة التي تنجح دائما في استفزازه قالت وهي تكتف ذراعيها:
- ظلموا الاسم عندما سمُوك به، فأنت لا تحمل من اسمك شيئا!
- حاول أن يعدل من وضعيته في هذه الجلسة الغريبة التي تجبره عليها، ورفع عينيه ببطء لتمر على منامتها التي ترتديها تحت العباءة المفتوحة والتي يحاول ألا يركز بها حتى لا يتامل تفاصل جسدها المهلك له وتنطلق وحوشه التي يحاول ترويضها كي لا يقع في المحظور.
أسرع يرفع عينيه أكثر ليلتقي بقرصي الشمس تزينهما رموش ذات التواء طبيعي وكأنهم ينحنوا تبجيلا لتلك الشمس التي تلقي بشعاعها ليذيب الجليد الذي غلف تلك العضلة في يسار صدره منذ سنوات مضت حتى ظنه لن يذوب أبدا،لتأتي تلك الشقية المتنمرة بحاجبيها الغليظين كحاجبي جدها وتقلب كل المفاهيم لديه!
ليقول بصوت مملوء بالعاطفة دون إرادة منه: -أما أنت فاسمك ينطبق عليك بل هو فريد وغريب ومشع مثل شعاع عينيك.
كم ود لو استطاع أن ينطق بصوت عالٍ لو يبوح بمكون صدره و يعبر الحواجز التي بينهما، لو يقدر أن يصرخ بأنها حبيبته مالكة قلبه ولا يريد تركها لغيره حتى لوكان أجدر منه بها، لو.
لم يلاحظ أنه أطال النظر لها إلا عندما شاهد احمرار وجهها فأنزل عينيه وحاول أن يطبق الدرس لكن جسده الذي كان ثائرا لم يساعده وهي تتجسد أمامه بذلك القرب المذيب للأعصاب؛ اعتدل في جلسته واضعا قدمه تحته وقال :
-هذا أقصى ماعندي إن لم يعجبك اعفوني من الحضور.
لوت فمها وجلست متربعة أمامه وهي تسند كوعها على ركبتها وقالت بمزاح:
-حسنا سوف أضعك مع الأطفال فقد وصلت لمستواهم .
عقد حاجبيه ونظر لها بغضب فأطلقت ضحكة دغدعت قلبه وجعلته ينسى سبب غضبه ، كم يحبها ضحتها الطفولية تلك
استقام يغسل يديه في الحوض الصغير بالحديقة كي يلهي نفسه عنها قائلا بغضب كاذب:
-لماذا تصرون على هذه الأكلة هناك أنواع أخرى كما أنه ليس كل الناس يحبونها، هذا تعنت.
توقفت عن الضحك لكن لازالت ابتسامة مرحة تزين ثغرها لتقول بمشاكسة :
-ماذا تريدنا أن نقدم في مناسبة كهذه ؟
حو.. اقصد سمك ني أم بط و وز؟
وضع يديه في جيب بنطاله الجينز ورفع حاجبه قائلا:
-ومابه البط و الوز؟
لم أفهم لماذا تربونه إذا كنتم لا تأكلونه ؟
أخذت تملي عينيها بشكله الخاطف للأنفاس، لقد اكتسب بعض العضلات، لابد أنه يمارس الرياضة مع حارث، اتسعت عينيها وقد تأكدت من أن لون شعره بني أقرب للأشقر حتي لحيته الخفيفة نفس اللون !
ازدرت ريقها وأنزلت عينيها ثم عادت ولعبت حاجبيها وهي تقول باستفزاز:
-نربيهم كي يأكلوا البرص.
ظهر الاشمئزاز على وجهه و رد:
-اقرفتني ماهذا الكلام أشعر بأنني أتحدث مع شاب من الشارع بل مع حارث وليس مع فتاة!!
رغم أن كلماته جرحت أنوثتها فأخذت تلملم صواني الأكل ودون أن تنظر له ردت في كبرياء:
-طبعا أتحدث مثل حارث فهو الأقرب لي.
استقامت كي تذهب للمطبخ فذهب خلفها وقال باهتمام:
-كنت اعتقد بأن در صاف و إفطيم الأقرب لك وليس حارث؟
وضعت ماتحمله على طاولة المطبخ وقالت بنبرة عادية:
-إفطيم ودرصاف صديقاتي طبعا بالإضافة لصلة الدم لكن بسبب فرق العمر، في البداية عندما كنت صغيرة حارث كان صديقي الوحيد لأنه الأقرب لي في العمر أولا وكونه قادرا على فهم لغتي ثانيا .
التفتت إليه و قالت كأنها تخبره سرا كبيرا:
-أتعرف بأنني كنت لا أتكلم كثيرا وأنا صغيرة .
جذب كرسي وجلس عليه ثم قال بعدم تصديق: أنت؟؟؟؟
مستحيل أشعر بأنك لا تسكتين أبدا، بل إنني أشعر بالشفقة على الذين يعيشون معك في منزلك.
رفعت حاجبها و وضعت يدها على خصرها ومط شفتيها ثم قالت :
-من أخبرك أن لديك خفة ظل كذب عليك؛ عموما كما قلت لك حارث كان صديقي أولا، ثم بعده سفيان وعبد الخالق و بعد أن استقريت هنا عندما دخلت للمدرسة تعرفت على إفطيم التي كانت تسبقني بعدة صفوف دراسية وكانت تحميني من تنمر البنات لعدم قدرتي على النطق بطريقة جيدة فقد كنت أتلعثم في الكلام، وأما در صاف فقد توطدت علاقتي بها بسبب قربي من سفيان وأصبحنا أصدقاء.
عادت نار الغيرة تشتعل بداخله عندما ذكرت اسم سفيان ، لكنه تجاهلها وسألها رغبة منه في معرفة تفاصيل طفولتها، وقال :
-إذن حارث كان الأقرب لك والآن تغير الوقت، لا أعتقد أن شاب وفتاة يمكن أن تكون بينهما صداقة مقربة.
ارتفعت حاجبيها وقالت :
-أنا عمته على فكرة.
رد بسرعة:
-لا أقصد ذلك، أعني أن الفتاة تحتاج لفتاة مثلها كي تحكي لها عن أسرارها ومشاعرها و غيرها من الأمور النسائية، مثل الشاب لا يمكنه أن يعيش دون صديق ذكر مقرب له.
اخرجت من دولاب المطبخ علبة صغيرة و سخنت الماء وهي تقول دون أن تنظر له:
-وجهة نظر.
عموما أنا فعلا أتحدث مع الفتيات في كثير من الأمور لكن مشاعري وأسراري لا أحب أن أناقش أي شخص بها، كما أن إفطيم و درصاف مقربات من بعضهما أكثر مني، ربما بسبب فرق السن؛ الوضع مختلف مع حارث لا أحتاج للتفسير بل أنا على طبيعتي معه ويمكن أن استخدم سلطة العمة في الكثير من الأمور، كثيرا ما أشعر بأن حارث توأمي وليس ابن أخي.
صفر سخان الماء الكهربائي فأخذته و صبت منه في كوبين من الزجاج وحركتهم ثم أخذت أحدهما و وضعته أمام أيوب الذي لم يفهم ماكانت تفعل ثم أخذت وريقات نعناع طازجة من إصيص الزرع الموجود بالطبخ و وضعت في كوبه وفعلت المثل في كوبها ثم جلست على الكرسي المقابل له و قالت:
-وأنت هل لديك صديق مقرب؟
نظر في كوب الشاي في شك ثم حركه وأخذ رشفة منه ليقول في سعادة:
-شاي كشري!!!!!
لا أصدق كيف فعلتها أعني من علمك الطريقة؟
شعرت بالزهو و عدلت جلستها وهي تمسك بالكوب قائلة:
-لدي طريقتي أستاذ أيوب.
كانت سعادته لا توصف ليس بكوب الشاي في حد ذاته بل لأنها بحثت وعرفت النوع المفضل له بل إنها قدمت له مخصوص، هل يمني قلبه ويصدق أنها تهتم به؟
شاكسها قائلا:
-لكنه لا يشرب بالنعناع
ارتشفت منه وقالت بتحدٍ :
-هذه لمستي الخاصة يجب عليك من الآن وصاعدا أن تشربه بالنعناع؛ وضعت الكوب وتابعت بحماس:
- لم تقل لي من هو صديقك المقرب؟
دون تفكير رد عليها:
-علاء و هشام، امممم علاء الأقرب أعتقد فهو جاري وكنا نذهب للمدرسة معا أما هشام فقد تعرفنا عليه في الثانوية العامة وقد سافر بعدها لأوروبا، في الواقع هو من اقترح علي القدوم لهنا ومنها أذهب لأوروبا.
توقف قلبها عن النبض لثوانٍ وقالت بحذر:
هل تريد أن تسافر أوروبا؟
أكمل شرب شاهي وهو يوميء برأسه ثم قال: -في الواقع كان لدي عقد عمل في مدينة (—) في المينا الخاص بها لكن ....
اطلقت ضحكة عالية حاولت كتمها بصعوبة عندما
وجدت أن ملامحه قد اكفهرت وقالت:
تلك المدينة وسط الصحراء لا يوجد بها حتى بركة ماء طبيعيه وليس ميناء
اتسعت عينيه وشعر بأنه غبي وتم النصب عليه!
قرأت أفكاره فقالت كي تغير الموضوع:
-لكن الآن صرفت نظر عن السفر، أعني لم يعد هناك داعٍ العمل هنا أفضل على الأقل أنت في دولة عربية مسلمة.
حرك رأسه لليمين واليسار ثم قال:
-لا أعرف لم أفكر بالأمر بعد سوف أنهي دراستي وبعدها أفكر بالأمر.
رمشت بعينيها في غير تصديق وقد شعرت بأن حجرا جثى على صدرها، بالكاد خرج صوتها متحشرجا وقالت:
- لا أتخيل نفسي اعيش في أوروبا، إنها باردة ليست في الطقس فقط بل في كل شيء، لن أجد الدفء الموجود هنا.
نظرت له في في ترقب وهمست:
-ألا تشعر بأن هذا بلدك أيضا، أعني ماذا ينقصك هنا كي تسافر لأوروبا؟
السؤال شتته، صوتها به نبرة ترجي كأنها تطلب منه ألا يذهب أم أنه يتوهم ذلك؟
لا تشطح بأفكارك يا أيوب؛ قال لنفسه ذلك في سره
أبعد عينه عنها واجابها:
-دعيني استمتع بكوب الشاي الأسطوري الآن و أترك السفر لوقته.
لم يعجبها رده بل شعرت بالخوف يتسلل لقلبها، هي بالكاد تحاول التأقلم مع فكرة أن أبنائها منه لن يحملوا جنسية بلدها،و هو يفكر في السفر لأوروبا ويتركها؟!
❈-❈-❈
في الدولة المجاوره.
أنت تقرأ
سيل جارف الجزء الاول من سلسلة الحب والحرب
Storie d'amoreسلسلة الحب والحرب و هذا الجزء الاول منها اجتماعية رومانسية قبائل تحكي عن الحب من جنسيات مختلفة والصعوبات التي يواجهها هذا الحب في ظل اختلاف العادات و التقاليد ، و تقدم العمر هل يصمد الحب وحده في مواجهه كل هذا ام لا ، هل ينجح الزمن والبعد في انها...