الفصل التاني

2.7K 77 11
                                    

الفصل الثاني

في دولة السماك

منذ أن ألقت بكلماتها المتسرعة، وهي تحاول معرفة أثرها عليه
هل سينفذ طلبها أم أنه سيتهرب من الأمر بطريقة أو بأخرى ؟
لطالما كان إبراهيم غامضًا عند اتخاذ القرارات المصيرية، دبلوماسي الرد وقد ازداد حنكة مع مرور الزمن، تذكر عندما أصرت على إقامة حفل زفاف في بلدِه مع آخر في بلدها!
كان الغرض منه أن يتم وسط نفس الناس الذين رفضوها كزوجة له؛ كي تقول لهم ها أنا نفس التي رفضتموها صغيرة، عدت كي أكون زوجته رغمًا عنكم.
لكن ماحدث أن إبراهيم أقام الزفاف في العاصمة وليس في مدينته
صحيح أنها تفاجأت بأن بلده متقدمة  وبها فنادق كبيرة و عالمية،عكس ماكانت تتصور فقد أقِيم الزفاف في فندق كبير له عدة فروع في العالم حضر شقيقها وأبنائه من دون زوجته، كما حضر معظم أقارب إبراهيم بما فيهم الحرباء!
والتي ظهر عليها جليًا عدم الرضا، لكنها لم تهتم بل زادت من التصاقها بإبراهيم كي تغيظها وتوصل لها رسالة معينة.
في المقابل كان الباقون عاديين لم يلتفتوا لها كثيرًا مجرد تهنئة عادية .

رغم ذلك فالتناقض كان واضحًا جدًا للأعمى، معظم النساء ترتدين ملابس ذات ماركات عالميه قصيرة وعارية ويكثرون من مساحيق التجميل في الصالة المخصصة للاحتفال، لكن يمنع على الرجال الدخول أو الاختلاط في الأعراس !
حتى شقيقها فضل عدم الدخول عندما عرِف بعاداتهم و اكتفى بأخذ صور معها أمام الصالة.
جميع من بالصالة نساء فقط ، حتى العاملات والمصورة،
ذلك ضايقها لأن إبراهيم لم يمكث معها كثيرًا، لكن وجود فتنة هون عليها الأمر قليلًا

لكنها لم تتقبل الأمر و شعرت بغرابته فقد لاحظت أن النساء يتجولن في الشوارع بطريقة عادية والكثير منهن يقمن بقيادة السيارة؛ إذن لم هذا التعنت و الفصل في مناسبة هامة مثل الزفاف!
مطت شفتيها وفكرت:
-لا يهم لن أعيش وسطهم على أي حال لماذا أهتم ؟
تذكرت وقتها عندما سألت إبراهيم عن الحجاب، هل هو إجباري أم لا؟
وقتها أخبرها بأن معظم النساء ترتدينه في بلده البعض عادة والبعض الآخر تدين، لكن الوضع تغير في السنوات الأخيرة ولم يعد الكثير يعلق على الموضوع مثل السابق، فقد تطورت العاصمة بسبب دخول الكثير من الأجانب بها و....
لم تستمع باقي كلامه؛ فقط آلمها كونها لم تعش معه تلك التغيرات
بل عاشها هو مع غيرها؛ لابد أنه تناقش معها كثيرًا وحلل الأمر معها كعادته.... الفكرة وحدها كفيلة بتقطيع قلبها لأجزاء صغيرة وإضرام النار بها وهي حية.
كم انتظرت أن يعود إليها بعد أن نفذ طلب عائلته وتزوج من ابنة عمه.
ربما عاتبته وقتها أو رفضت بضعف العودة له، لتوافق بعد إلحاح منه وتكون زوجة ثانية!
لكنه خيب أملها ولم يفعلها، بل تعمد تجنبها طوال فترة زواجه ، وهذا مايقتلها ببطء.
كانت تتبع أخباره بل إنها ذهبت أكثر من مرة إلى الحفلات التي تقام في سفارة بلده لمعرفتها بتواجده فيها، كي تراه وترى زوجته المصون.
لا تعرف كيف يعرف بتواجدها لكنه ينجح بالهروب دون حتى أن تتلاقى الأعين !
والأكثر إيلاماً أنه لم يقم بأي محاولة لرؤيتها أو الاتصال بها إلا بعد وفاة زوجته!
ظل مخلصًا لتلك المرأة طيلة حياتها رغم عدم وجود أبناء بينهما، ربما لو أنجب منها لما فكر بالرجوع لها!!!!
اعتصرت قبضة من نار قلبها لتشعله أكثر، وتزيد ندوبه التي لم تلتئم بعد؛ وقتها قررت بأن تمحي أي أثر لسليمة في حياة إبراهيم، مهما كان صغيرا ولن تتوقف حتى تنفذ قرارها
❈-❈-❈-


في منزل جمعة السماك
دخلت فتنة تبحث عن والدها لتجده يعدل ملابسه بعد أن أنهى حمامه قبل أن تأتي شقيقة و زوجها.
اقتربت منه و رفعت نفسها على مشط قدمها تطبع قبلة على خده وهي تقول بدلال وشقاوة قائلة:
-عريس أقسم بالله عريس، هل نويت أخيرًا أن تفعلها وتتزوج على فادية؟
غمزت بعينها وهي تخفض صوتها ليطلق ضحكة عالية مستمتعة
ربت بيده الكبيرة على رأسها وهو يقول:
-لو سمعتك أمك لقطعت لكِ لسانك
لعبت حواجبها لتقول بنفس النبرة:
- إذا الفكرة مطروحة عندك أنت فقط تخشى أمي، اعترف ياجمعة لقد أمسكتك بالجرم المشهود.
قهقة بصوت عال لتدخل عليهم فادية وتقف أمام الباب واضعة يدها في خصرها و هي تتأمل ضحكته وتخمن سببها..
جلس على كرسي التسريحة وأشار لها قائلًا:
-تعالي يا أم محمود و اسمعي ماذا تقول ابنتك؟
شيعت ابنتها بنظرة ثاقبة ولم تتحرك من مكانها قائلة:
-وماذا ستقول فتنة سوى أنها تريد المزيد المال لتشتري تلك الملابس الضيقة التي تتشاجر كل يوم مع أخويها لارتدائها ؟
أشاحت فتنة بوجهها في غضب وهي تهز قدمها وقالت غير آبهة بكونها والدتها:
-أنا حرة أرتدي ما أريده و أبي موافق، أنتِ التي تقومين بشحن محمود و حسن لينغصا علي حياتي ويمنعاني من كل شيء أريده.
خبطت على جانب فخدها واتسعت عيناها من وقاحة ابنتها:
-أنا أشحن أخويك عليكِ!!!!!
لم تجبها فتنة وظلت على وقفتها مما أجج الغضب بداخل فادية خصوصًا وأن زوجها لم يقم بأي ردة فعل ضد كلام ابنته بل بدا لها كأنه يوافقها و يؤكد كلامها.
عقدت حاجبيها وقست نبرتها الموبِخة:
- كيف تكلميني بتلك الطريقة هل نسيتِ أني أمك، ثم أنكِ لست حرة لم تعودي صغيرة كي ترتدي هذه الملابس ويتغامز عليكِ الشباب.
بصوته الرخيم الصارم، ودون أن يرفع عينيه عن المرآة وهو يمشط شعره الناعم قال:
-أنا من أحدد إذا كانت ملابسها لائقة أم لا، فتنة لازالت صغيرة دعيها وشأنها إذا شعرت بأن أحد ينظر لها فقط بنظرة لا تعجبني سأتصرف وقتها.
أشاحت بوجهها تقول بصوت عالٍ وهي تخرج من الغرفة:
- لن يفعلوا أمامك لأنهم يحسبون لك ألف حساب، لكنهم يتهامسون خلفك؛ يجب أن ترتدي الحجاب هي ليست صغيرة لا تنسى أني تزوجتك عندما كنت  عمرها!
-من تلك التي تقارنيها بك يا فادية!
صدح صوت جيهان متحديًا لتلتفت لها الرؤس بعد أن خرجت فتنة بسرعة خلف والدها من غرفته؛ ليجدوا جيهان واقفة وسط الصالة تنظر لها بدونية
لتتابع بنفس النغمة:
-هل تقارنين بين ابنة جمعة السماك وابنه ....
نظرت لها بازدراء من أعلى لأسفل؛ فاحتقن وجه فادية وشعرت بالدماء تغلي في رأسها، تخشى الرد عليها بسبب وجود جمعة، فهو لن يقبل بأي كلمة ضد شقيقته.... لكنها لا تستطيع أن تسكت على الإهانة في هذه السن وأمام ابنتها!
جرت فتنة تحتضن عمتها وقد أشرق وجه جيهان وهي تستقبلها بذراعين مفتوحين، وتمسد على رأسها بحنان.
تقدم جمعة واضعاً يده على ذراع فادية يضمها له، ويقول باستفسار:
- أهلا جيهان كيف حالك، أين عريسك ألم يأتِ معكِ؟
جلست على الأريكة بقربها فتنة التي لم تبتعد عنها كطفلة صغيرة تركتها والدتها لمدة طويلة وعادت لتتعلق بثوبها خوفًا من أن تتركها مرةً اخرى!
وضعت ساق فوق الأخرى وقد تغيرت نبرتها للنقيض وهي تنظر باتجاه باب المنزل:
-يركن سيارته لقد أصر أن أنزل أمام المنزل ولا أمشي في الشارع، وقال بأنه سوف يبحث عن مكان للسيارة ثم سيأتي
كمراهقة سعيدة بغيرة حبيبها عليها أطلقت جملتها الأخيرة .... كأنها لم تتزوج قبلًا ولم تجرب غيرة الرجال!
مطت فادية شفتيها بصوت ودخلت للمطبخ دون أن ترد عليها، فقد اعتادت على أن تهينها ولا يأخذ أحد حقها.
في الأسفل كان إبراهيم يتلكأ؛ لا يزال يشعر بالحرج من مقابلة فادية.
منذ ذلك اليوم الذي طرد فيها من منزلها شر طردة وكانت شاهدةً عليه!
وهي لاتزال في كل مرة تلتقي معه تخبره بنظراتها بأنها لم تنس ماحدث، وأنه شخص غير مرحب به .... بالنسبة لها على الأقل، ذلك يجعله في موقف حرج دائمًا عند زيارة منزل جمعة السماك أو التواجد بقربها!
كم كان محظوظًا لعدم وجود جمعة يومها في المنزل، لا يعرف وقتها إذا كان سيقدر على التعامل معه بطريقة عادية مثل الآن أم لا.
وصل للمنزل بعد فترة ودق الجرس رغم أن الباب مفتوح!
أطل من خلف الباب محمود الابن الأكبر لجمعة فسلم عليه بترحاب كبير كذلك فعل مع جمعة الذي أصبحت تربطة به علاقة ود أقرب للصداقة منها للمصاهرة، تحاشى النظر لفادية مباشرة كما يفعل دائمًا وجلس على مائدة الطعام حيث الجميع مجتمعون عليها ينتظرون قدومه.
- تعال يارجل لقد برد الطعام ونحن ننتظرك.
قالها جمعة وهو يشير لكرسي فارغ بجانب جيهان، يحثه على الجلوس ويحاول كسر الحاجز الذي وضع بينهم في المرات القليلة التي أتى بها لمنزله، ما يثير استغرابه هو أنه كان على سجيته وقت الزفاف في بلده، بل كان سعيداً جدا ولم يدخر جهدًا كي يجعلهم مرتاحين ويدخلهم بين عائلته وأقاربه الذي أكرموهم عكس كلام فادية التي رفضت الذهاب معهم وحذرتهم من أنهم قد تساء معاملتهم!
ماحدث هو العكس تمامًا، ربما سبب ذلك هو ملازمته لهم مع الشيخ عثمان الذي دعاهم لقضاء وقت في مدينته لكنه رفض بلباقة مع وعد بزيارته مرة أخرى.
هو ليس غبي لقد سبق وأخبره والده رحمه الله عن الخطبة و ماحدث وقتها من ردة فعل شعر هو أنها مبالغة، لكن ذلك لا يبرر تصرفات فادية الحادة تجاه إبراهيم؛ منذ متى كانت صديقة لجيهان كي تكرهه لهذه الدرجة!
بل ما دخلها هي بالأمر من الأساس، ولماذا تصر على معاداة إبراهيم وعائلته!
حاولت كثيرا تخريب هذه الزيجة بل إنها حرضت أولادها كي يقفوا ضد عمتهم، لكن الجميع لم يصغِ إلها فقد ملوا من جيهان وزيجاتها التي لاتعد، فإذا كان كل مافعلت سابقًا بسبب عدم زواجها منه فلتهنأ معه الآن، المهم أن تستقر مع رجل وتريحهم من مشاكلها مع أزواجها.

بصوت عالٍ قالت فتنة التي تجلس على يمين جمعة مقابلة لجيهان:
- أبي أريد الهاتف الجديد الذي نزل في السوق.
تدخل محمود الذي يلوك الطعام في فمه:
- ذلك الذي به كاميرا أمامية؟
أومأت تجيب:
-هو بذاته لقد رأيته اليوم عند لينا، أرجوك أبي أريد واحدا.
وضعت الحمام في طبق إبراهيم رغم معرفتها بأنه لا يأكله، وعقدت حاجبيها وهي تسأل فتنة:
- من أين لها بثمنه؟
مطت شفتيها و لعبت الملعقة في طبقها قبل أن تقول:
- لا يهم من أين لها بثمنه، المهم أني أريد واحدًا غدًا على أبعد إحتمال.
رفعت فادية حاجبيها ،همت بالرد قبل أن يسبقها ابنها الأصغر حسن:
- ولماذ تريديه، أنت لا تستخدمينه إلا في الرد على المكالمات، لا تعرفين كيف تدخلين على باقي التطبيقات أو الانترنت لانكِ جاهلة ولغتك الانجليزية صفر؛ إذًا ماهو وجه السرعة في الحصول عليه؟
أضاف بلهجة ذات مغزى :
-أم فقط لأن لينا لديها واحد ولا تريدين أن تمتلك هي شيء لا تملكينه أو تتصدقي به عليها؟!!!

-أبييييييييييي
صرخت فتنة بغضب طفولي وهي تضرب بقبضتها على المائدة بقوة جعلت كوب الماء الذي بجانبها يهتز.
كان إبراهيم يتابع بصمت محاولًا أن لا يظهر أي ردة فعل أو يتدخل في الأمر لكن فعلة فتنة أجفلته فعاد بظهره للخلف بحركة تلقائية، لحظتها فادية شعرت بالحنق تجاه ابنتها التي لا تحترم وجود غريب بينهم!
أما جمعة فقط شعر هو الآخر بالحرج من حركة ابنته

كانت جيهان أول من تحدث ليقطع الصمت الذي خيم على المكان بفعلة فتنة الصبيانية تلك :
- بالطبع سوف يحضر لك ماتريدين بل أنا من ستفعل ذلك ، ما رأيك أن نخرج بعد الأكل وتختاري بنفسك الهاتف الذي تريدينه؟
أجلى إبراهيم حلقه قبل أن يتدخل في الحديث محاولاً الاندماج بينهم:
-إذا كنتِ لستِ مستعجلة يمكنُني أن أطلب لكِ واحد من صديقي، سوف يأتي الأسبوع القادم من (. ) ، فقد طلبت منه أن يجلب واحد لأشماس وكمبيوتر محمول لدر صاف.
التفتت له جيهان بحدة لتقول وهي تضغط على كل حرف:
-طلبت ماذا ولمن .... ومتى ،أعني لماذا لم تخبرني بذلك من قبل؟
تفاجأ من ردة فعلها و من استنكارها من أنه لم يخبرها بتحركاته، لم يتعود أن يخبر أحد بما يريد فعله من قبل، ربما هذا شيء جيد، جيهان تحبه وتريد أن تعرف أدق تفاصيل حياته، أطرب قلبه المتعطش لحبها واهتمامها هي بالذات دونًا عن جميع البشر؛ فزادت دقات قلبه واحتضن كفها بيدها وهو يبتسم وقد فاضت أنهار العشق من عينيه
وهو يقول بصوت يقطر حبًا :
-لابد أني غفلت عن إخبارك بالأمر بحكم العادة، من اليوم وصاعدًا سوف أخبرك بكل ما أفعله لتكوني على اطلاع كامل بكل ما أفعله.
تفجرت ينابيع من العشق بداخلها، وقد ذاب كل غضبها بكلماته التي تؤكد لها مكانتها لديه كل يوم أكثر من سابقه، صبرت ونالت، هذا مافكرت به وهي ترى كل هذا العشق المتدفق في عينيه كلما طالعته
مالت عليه وكادت أن تقبله لكنها تمالكت نفسها وقبلت يده بدلًا عن شفتيه!

-هاي ياقوم هل أحضر لكم كوبين لمون وشمسية، أم تفضلًا أن تنفردا في إحدى الغرف لتأخذا راحتكما!
قالها حسن بنبرة عابثة وهو يغمز بعينه؛ لينفجر محمود و فتنة بالضحك بعد أن عجزا عن كتمه أكثر من ذلك، فمنذ دخول ابراهيم وحسن يطالع عمته وزوجها و يرمي بالكلمات حول تصرفاتها المراهقة التي لا تناسب سنها، ولا كونها تزوجت عدة مرات من قبل؛ فادية عوجت فهمها بغير رضا رافعة حاجبها وهي تلقي بكلمات غير مسموعة، إلا أن الجميع عرف بأنها غير راضية عما يحدث.
حك إبراهيم بين حاجبيه بحرج دون أن ينطق أما جيهان فلم تهتم بل تابعت وضع الطعام في فم إبراهيم بهيام واضح.
تنحنح جمعة وغلظ صوته عند عمد:
-لا تشغل بالك بالأمر محمود سوف يشتري لها ماتريد.
حاولت جيهان و فتنة الاعتراض لكن نظرة صارمة منه اخرستهما، ليمر باقي العشاء دون المزيد من الخوض في الموضوع.
بعد الانتهاء من الطعام سحبت فتنة لغرفتها فهي لم تختلِ بها منذ زواجها حتى مكالمات الهاتف لم تقدر أن تخبرها عن شيء لأن زوجها دائما ملاصق لها.
جلست جيهان بتذمر على حافة الأريكة غير راغبة في البقاء لوقت طويل بعيدًا عن إبراهيم؛ لم تفت فتنة تلك الحركات لكنها لم تهتم، فهي تحتاج لمساعدتها في ما تنوي فعله
مدت الملف لعمتها بعد أن أخبرتها ماعرفته عن نادر باختصار:
- هذا ماتوصل له شقيق منار من معلومات، لكنه لا يفيدني في شيء ؛ لا أعرف ماذا أفعل كي يلتفت لي على الأقل!
وضعت جيهان الملف جانبًا و قالت وهي تنظر لعينيها بتركيز:
- فتنة هل تحبينه بحق وتريدين أن تُكملى حياتكِ معه، أم هو فقط تحدي لأنه لم يلتفت لكِ ؟
لم ترد فتنة، فتابعت جيهان وقد عدلت من جلستها:
- لو كان الأمر تحدي لا تتعبي نفسك فلن أساعدك وأنتِ اصلاً سوف تملينه بعد فترة ، مثلما يحدث كل مره تصرين على شراء فستان أو حقيبة جديدة غالية الثمن ثم تضعينها في دولاب الملابس بعد فترة قصيرة.
نظرت لعمتها وقصدت أن تكون عينها متسعة كي ترى الصدق بهما:
-بل أنا معجبة به وبشدة، أكاد أجزم بأني أحبه، صدقيني عمتي هو ليس أول شاب لا ينتبه لي أو يعجب بي؛ كثيرون في النادي بالذات يرون بأني أقل قيمة منهم ولا أصلح كي أرافقهم، نادر غير ما أشعر ناحيته يختلف عن أي شاب آخر، أرجوك ساعديني في أن أجد طريقة كي أوثق معرفتي به، أنا متأكدة بأنه سوف يقع في غرامي عندها.
رغم أنها لم تصدق كلام ابنة شقيقها، فهي لن تسمح لأحد بأن يقلل من قيمتها أو يراها بأنها أقل منه، وقصة أن الكثيرين يرفضون صداقتها مجرد كذبة كي تؤثر عليها لا أكثر، لكنها عاشقة وتعرف ماذا يعني أن تتقلب على جمر الشوق!
أغمضت عينيها و قالت باستسلام:
-حسنًا سوف أرى مايمكنني فعله بشأن هذا النادر!
قفزت فتنة كطفلة صغيرة تحصلت للتو على دميتها المفضلة وتعلقت برقبة عمتها تغرقها بالقبلات مادامت وافقت على مساعدتها سوف تحصل عليه هي متأكدة من قدرات عمتها جيدا
انتهت الزيارة سريعًا بعد خروج جيهان وفتنة من غرفة الأخيرة ، فقد تحجج إبراهيم بأن لدية عمل مهم في الصباح الباكر ولم يصر جمعة على بقائه بشدة فقط عبارات المجاملة العادية.
لم يعد فورًا لمنزله بعد انتهاء الأمسية في منزل حموه؛ بل قاد سيارته بين الشوارع وكأنه خبير بها وليس مجرد زائر عابر لم يمكث بها لمدة تتجاوز بضعة أشهر كل عام!
رفعت جيهان رأسها الذي كانت تسنده على كتف إبراهيم، ونظرت حولها في الطريق باستغراب:
-إلى أين أنت ذاهب؟ هذا ليس طريق العودة للمنزل!
لم يجبها بل توقف على حافة الطريق بعد قليل وترجل من كرسيه، ليدور حول السيارة ويفتح لها الباب، فنزلت هي الأخرى بدورها ولم تعرف بعد أين هما!
أمسك بكفها يحثها على السير وهو يتقدمها؛ كل ذلك ولم ينطق بكلمة مما جعلها تبعد يدها من خاصته بقوة ، و وقفت متكتفة في مكانها دون حراك!
تفاجأ من فعلتها، لكنه اقترب منها وعاد يمسك يدها من جديد بحنان أكثر وهو يشير على عربة متوقفة تبيع مشروب الحمص :
- هل نسيتِ عم محمد و حمص الشام خاصته!
كنتِ تحبينه سابقًا بل أنتِ من جعلتني أدمنه بعد أن كنت أرفض تجربته حتى.
تغيرت دقات قلبها لتقرع الطبول والمزامير وجميع الآلات الموسيقية مكونة نغمة عالية جميلة، بل جميلة جداً لم تعزفها أوتار قلبها منذ أن كانت في العشرين في عمرها.
إبراهيم هو الميسترو الذي يعرف كيف ينظم كل تك الآلات لتعزف نغمة لا يشعر بها إلا هي ولا يستمتع بنغماتها إلا هو.
ظلت تنظر له وقد تحولت نظراتها لمراهقة ترى فارسها على حصانه الأبيض، لترمش بطريقة مغرية وهي تقول:
-لازلت تذكر!
كم ود لو يجيبها بطريقة عملية علها تعرف مكانتها عنده، لكنه أمسك نفسه فهو يقف وسط الشارع بين الناس، لذلك ضم يدها لصدره وسحبها لتمشي معه للعربة وهو يقول بصوت ملأته الرغبة:
-لم أنس يومًا كنت آتي خصيصًا كي أشرب منه الحمص و أعيش الذكريات كلها طوال السنين الماضية.
كلامه أرضى الأنثى بداخلها وأشعرها بأنها مالكة قلبه بحق، خصوصًا عندما قدم لها كوب الحمص وهو يخبر الرجل الذي خمن بأنه ابن عم محمد، بأنها زوجته وأن قصتهما تعود لأيام الدراسة منذ أن كان عم محمد يبيع الحمص هنا....
لكنها لم تدع اللحظة تمر عليهما بصفاء، بل أخذت تنظر للكوب البلاستيكي في يدها وهي تفكر كم مره أتى هنا مع زوجته الراحلة!
تعود الغيرة تنهش قلبها وتدميه كما تفعل منذ اليوم الذي تركها به واختار عائلته ليتزوج غيرها.
❈-❈-❈-
في بلاد الجعفري

فتح عينيه مرة واحدة وقفز من مكانه و أخذ شهيقا عاليا كي يدخل أكبر كمية من الهواء، شعر بجسده يرتعش رغم ارتفاع حرارة الجو، ملأت حبات العرق جبينه لكنه لم يقوَ على مسحها، بل ظل على حاله لمدة لا يعلمها وهو ينتظر دنو أجله.
ليجد أمامه رجل غريب ذو تجاعيد غائرة ولحية بيضاء، يتكئ على عكاز ويرتدي عباءة سوداء كما يعتقد فقد غابت الشمس منذ مدة !
ابتلع ريقه بصعوبة فهو لايزال يشعر بطعم الماء المالح به، لتخرج الكلمات من حلقه متحشرجة :
-من أنت.... هل أنت ملاك الموت!
جِئت كي تقبض روحي؟
ابتسم الرجل العجوز لتزداد تجاعيده عمقًا وقال بلهجة أهل البلد المحلية:
-قم توضأ للصلاة لم يبق إلا القليل على المغرب.
- أخذ يتلمس جسده أولًا كي يتأكد أنه حي، ثم تلفت حوله قد يستوعب ماسمعه من العجوز....
كان لايزال في نفس مكانه الذي جلس به في المسجد، لا يذكر متى وضع حقيبته أسفل رأسه وراح في نوم عميق!
قفز قلبه بين ضلوعه عندما تأكد من مرور أكثر من ثلاث ساعات وهو نائم.... الحافلة ... السائق... العمل الذي ينتظره.
من دون أن يضيع المزيد من الوقت أخذ حقيبته وحاول الجري ناحية باب المسجد، ليوقفه عكاز العجوز!
نظر له مكفهر الوجه عاقد الحاجبين، ليقابله العجوز بنفس الابتسامة البشوشة وهو يقول بهدوء :
- إلى أين ؟
الحمامات في الاتجاه الآخر، اترك حقيبتك هنا كي لا يصيبها البلل.
أراد أن يدفعه عنه بالقوة، لكن عمر الرجل منعه من ذلك؛ ليزفر في غضب وهو يطحن أسنانه بصوت مسموع:
- عليّ أن الحق بالحافلة كي أصل لمكان عملي غدًا مساءً على أبعد تقدير؛ لقد نمت لأكثر من ثلاث ساعات، ربما أجد من يعرف السائق كي يتصل به و...
- لا بركة في عمل يلهي عن الصلاة.
شعر بكلمات العجوز كحبل عريض يكبل قدميه، لم يقدر على الحِراك رغم أن العجور أبعد عكازه!
لحظه مرت قبل أن يضع حقيبته بجانب العجوز و يتجه للحمام كي يتوضأ ويلحق بصلاة المغرب.
بعد الصلاة خرج أيوب مسرعًا من المسجد وعبر الطريق ناحية المطعم المقابل يبحث عن الحافلة و السائق، ليخبره العامل الذي تذكره بعد فترة بأنه ذهب عند استيقاظه !
كاد أن يتشاجر مع العامل لأنه لم يخبره عن مكانه وهو الذي أكد عليه بأن يخبر السائق عن مكانه لولا أنه سمع صوت بوق سيارة عال، ليلتفت له أيوب قابله في البداية ضوء كاشف سيارة رباعية الدفع فأغمض عينيه كرد فعل، ثم فتحها ببطء ليجد يد تلوح له بأن يقترب ؟
تردد قليلًا ثم قرر أن يفعل؛ للصدمة وجد العجوز خلف معقد السائق !!!!
رمش بعينيه في غير تصديق، هل يقدر هذا العجور بسنوات عمرِه التي تجاوزت المئة أن يقود سيارة؟!!
قرأ مايفكر به ليقول بابتسامة عريضة:
- أركب يافتى سوف أوصلك لمكانك.
تابع وهو يضرب على عجلة القيادة:
-هذا العجوز لازال قادر على القيادة بفضل السيارات الحديثة.
شعر أيوب بالحرج الشديد لكنه ركب معه؛ ماذا يملك غير ذلك الخيار، فهو في بلد غريب بالكاد يفهم لهجة أهلها وما معه من نقود لن تكفيه حتى كي يعود للحدود وليس لوطنه!
نظر له العجوز ومد يده الكبير ذات العروق البارزه :
- الشيخ عثمان الجعفري.
مد أيوب يده هو الآخر ليضغط عليها العجوز بقوه لم يتوقع بأن رجل في عمره يمتلكها، لكنه قال محاولا ألا يظهر استغرابه:
-أيوب... أيوب إبراهيم خليل، مشهور بأيوب خليل.
أيوب الخليل.
قالها الشيخ عثمان بنبرة لم يفهمها أيوب، لكنه سأله وهو يدير محرك السيارة:
و إلى أين العزم يا أيوب؟
ابتلع ريقه ثم قال في محاولة كي لا يظهر اضطرابه:
-إلى (. ) لقد تحصلت على عمل بالميناء هناك ويجب أن اكون ....
قاطع كلامه عندما أطلق الشيخ ضحكة عالية و قام بإيقاف السيارة بجانب الطريق.
عقد أيوب حاجبيه وقد تملك منه الغضب فهدر غير عابئ بعمر ذلك الرجل الذي يسخر منه:
- هل لي أن أعرف لماذا تضحك؟ لا أعتقد بأني أطلقت نكتة!
بالكاد استطاع الشيخ إيقاف ضحكته ومسح على وجهه وهو يستغفر ، قبل أن يجيب ولازال صوته ضاحكًا:
-ألم تدرس جغرافيا في بلدكم؟ هل تعرف بأن ( ) تقع وسط الصحراء ولا يوجد بالقرب منها أي ميناء!
بل أقرب ميناء لها على بعد أكثر من ألفي كليومتر!
صعق أيوب من المعلومة..... هل مايقوله هذا الرجل حقيقة أم أنه يهذي بسبب عمره؟
لا يمكن هذا يعني بأن خطته الأصلية قد ذهبت أدراج الرياح ومادفعه من مال لن يقدر على رده ! لتزيد ديونه أكثر !!!!
شعر برغبة عارمة في الصراخ والبكاء كطفل صغير في حضن أمه؛ كم هو غبي كيف يقع في خطأ كبير مثل ذلك؟
صوت الشيخ الرخيم هو ما جعله يتماسك ولايفعلهاو سمعه يقول له :
- أنت ضيفي أنا أسكن بالقرب منها خذ ضيافتك وبعدها سوف نتكلم في موضوع عملك ، ونعرف من الذي قام بخداعك.
أشاح بوجهه ناحية النافذة و رفع يده يمسح دموع وهمية خشى أن تهرب من مقلتيه:
-أشكرك ياحاج لا داعي لذلك فقط أوصلني لأول محطة باصات وأنا سأكمل طريقي.
- لم يجبه وهو يتخذ طريق جانبي غير معبد وقد لاحت من بعيد عدة منازل مضاءة:
-اسمي هو الشيخ عثمان وليس الحاج هذا أولًا ، وثانيًا قلت لك أنت ضيفي ، هل ترفض ضيافتي؟
أسرع يقول وقد شعر بأنه أخطأ في توصيل المعلومة:
-لا طبعا ما أقصده هو أنه ليس هناك داعٍ لتتعب نفسك، أعني سوف أبيت الليلة وغدًا أذهب لحال سبيلي.
قال دون أن يبعد عينيه عن الطريق كأنه يخشي أن يقع في حفرة أو يدهس شئ، رغم أنه يشغل الضوء الطويل في سيارته:
- حق الضيافة ثلاثة أيام ، بعدها لك الحق في الذهاب.
نظر له أيوب بعينين متسعتين في صدمة وقبل أن ينطق بحرف ظهر أمام أحد البيوت شخص طويل رفيع يلوح من بعيد، لم يتبين ملامحه بسبب الضوء العاكس للسيارة.
تغيرت نبرة الشيخ للحنان وهو يقول له:
-هاقد وصلنا وطلعت علينا أشماس بضجتها كالعادة.

❈-❈-❈-




قبل ذلك في منزل الشيخ عثمان... كانت در صاف تنهي ترتيب غرفة النوم المخصصة للضيوف، فقد أخبرتها عمتها بأن جدها سوف يحضر معه ضيف، حسب معرفتها بجدها خمنت بأن الضيف سوف يبيت ليلته عنده
خرجت تبحث عن أشماس التي لم ترها منذ أن دخلت المنزل مع الخادمة، سمعت أصوات تشجيع عالية من غرفة المعيشة
تسللت على أطراف أصابعها ودخلت للغرفة دون أن تصدر صوت، لتجد أشماس واقفة على ركبتيها أمام شاشة التلفاز الكبيرة وهي تهتف بحماس مشجعة فريقها، بل لاعبها المفضل بالأحرى
لم تنتبه لها وسط هتافاتها وهي تشجع مرة و أو تطلق سبة تجاه الفريق الآخر لأنه قطع الكرة على لاعبي فريقها مرةً أخرى
أخذت در صاف جهاز التحكم وانتظرت قليلًا إلى أن تصل المبارة لنهايتها بدقائق معدودة قامت بإطفاء التلفاز بالجهاز الذي تحمله وخرجت تجري هربًا من هجوم أشماس.
لم تفهم أشماس ماحدث في البداية، فقد كانت تترقب ضربة الجزاء التي ستحدث فرقًا في المبارة وهي تدعوا الله بأن يفوز فريقها ويتأهل للنهائي؛ في تلك اللحظة عدلت من جلستها حيث كانت تستند بركبتيها نصف واقفة أمام شاشة التلفاز وضمت كلتا يديها في قبضة أسفل فكها... تلك الثواني تحدد مصير فريق (روما) ، شعرت بدقات قلبها عالية الصوت وهي تنبض ببطء يتزامن مع الدقائق التي تظهر على الشاشة لتعلن عن الزمن المتبقي لنهاية المبارة... وفجأة دون مقدمات أظلمت الشاشة !!!!!
رمشت أشماس عدت مرات كي تتأكد بأن الكهرباء لم تنقطع عن المنزل، لكنها شعرت بأحد يجري من خلفها مع صوت قهقهة لتلتفت فلمحت در صاف وهي تهرب من الغرفة، تنبهت وقتها لفعلتها لتجري خلفها ولم تأخذ الكثير من الوقت لتصل إليها .
بمجرد أن وصلت لها أشماس، دارت على عقبيها تواجهها قبل أن تتمكن من ضربها لتقول وهي تلوح بسبابتها أمامها وقد تحولت ملامحها لطفله شقية بالكاد تكتم ضحتها:
-إياكِ أن تضربِي، وإلا سأخبر عمتي بأنكِ خالفتِ أمرها وشاهدت المباراة بدلًا من مساعدتنا في تجهيز المنزل كما أمرتك.
أنزلت يدها التي كانت تود أن تنتف شعرها على أقل تقدير لما فعلته بها من تضييعها لِأهم وقت في المبارة، وقالت في مكابرة:
-هي قالت إذا شاهدتك؛ وليس لا تشاهدي هناك فرق كبير بين الكلمتين، ثم المنزل نظيف ومجهز لاستقبال قبيلة كاملة وليس ضيف!
عمتكِ هي من تكبر الأمور، كما أنها مهووسة نظافة كما تعلمين.
عادت تضم قبضتها في غضب وهي تجز على أسنانها:
-لن أغفر لكِ تضييعك عليّ أهم لحظات المبارة.
عدلت درصاف نظارتها وقالت بطريقتها العلمية:
-أشماس لا داعي لكل هذه الثورة، يمكنكِ أن تعرفِي النتيجة ببساطة من أخبار الرياضة، أعرف سبب مشاهدتكِ لتلك المباريات لا تدعي أمامي حبك للرياضة فأنتِ لم تركبِي في حياتك دراجة هوائية ناهيك عن ممارسة رياضة!
همت بالهجوم عليها لكنها سمعت صوت عجلات سيارة فخرجت تنتظر جدها أمام الباب الخارجي بعد أن أغلقت نور السور و الباب الخارجي حتى لا يراها أحد.







أوقف الشيخ عثمان سيارته أمام منزلة دون أن يطفئ كاشفات سيارته، لتندفع أشماس ناحيته وتفتح له الباب لتساعده على النزول بتروي دون أن يستعمل عكازه.
كان أيوب يراقب الموقف بصمت، فهو لم يتبين في البداية كينونة الواقف أمام المنزل، عندما اقترب ذلك الشخص من جهة العجوز يساعده على النزول من السيارة تبين ملامحه والتي كانت أنثوية وما أكد له أنها فتاة ذلك الشعر الذي تربطه أعلى رأسها على هيئة كعكة كبيرة ، أنزل عينيه من تأملها في حرج من نفسه عندما نزل العجوز عرف سبب جريها عليه، فقد نسيا خلال رحلته من المطعم للمنزل بأنه كبير في السن ويصعب عليه النزول من تلك السيارة العالية نوعًا ما
نزل الشيخ عثمان ونظر في اتجاه أيوب وهو لايزال يستند على أشماس بيد و اليد الآخر بها عكاز رفعها يشير إليه:
-أنزل ياولدي هذا منزلي تفضل.
نزل أيوب يتطلع في المنزل الذي دخله العجوز فوجده كبير حوله عدت منازل نفس الحجم ذات طراز عصري لكنه ليست متلاصقة بل يفصل بينها مسافة مناسبة لم يتبين باقي الحي بسبب أن الظلام قد ساد رغم وجود أضواء في الشارع لكنه لم يرد أن يكون فضوليا أكثر من اللازم خصوصًا وأنه قد سمع عن طبع أهل البلد وتعاملهم الحاد مع الأجانب.
دخل خلف العجوز من باب المنزل الذي اكتشف بأنه باب خارجي بعده حديقة واسعة على اليسار توجد صالة كبيرة دخل لها العجوز بمساعدة الفتاة و أمام الباب الخارجي يوجد المنزل الكبير المكون من طابقين، لم يطل النظر لهُ بل اتجه حيث دخل العجوز لكنه وقف أمام الباب لا يعرف هل يدخل أم ينتظر خروج الفتاة.
في داخل الصالة الخارجية المخصصة للرجال، ساعدت أشماس جدها على الجلوس في مكانه المفضل ثم جلست أمامه على ركبتيها تثني حديثها عما فعله ابن عمها عياد من كذب و افتراء في حقها جعل والدتها تضربها ظلمًا.... ولم تنسى أن تضيف بعض البهارات وتذكره بأفعال عياد السابقة ، كانت تتحدث بحماس تاره و غيظ تارةً أخرى مع تحريك كلتا يديها لتشرح له هول المسألة
لم تنم ملامحه عن ردة فعل معينة، فقط ربت على شعرها وقال بحنان:
  -اذهبي لمنزلكِ الآن وغدًا سوف أتكلم مع خيرية و عوض.
لم يعجبها ماسمعت، وقفت وكتفت ذراعيها وأخذت تهز قدميها بحركة سريعة وهي تقول:
  -لن أذهب للمدرسة غدًا، بل لن أذهب حتى تنقلوني لمدرسة بنات.
بنبرة صارمة تعرفها جيدًا ودون حتى أن يرفع صوته قال لها:
-مري عليِ غدًا بعد أن تنهي مدرستك، ولا تنسي أن ترسلي (مامو) بطعام العشاء، والآن إلى المنزل.
أنزلت يديها تتمتم في غضب مع دخول در صاف متخطية أيوب الذي لازال يقف أمام الصالة؛ مالت تقبل رأس الشيخ عثمان وتلثم يده:
-حمدا لله على سلامتك جدي، اشتقت لك كثيرًا
ابتسم لها وعادت نبرته للحنان مرة أخرى:
  -سلمك عمرك يا در كيف حال والدتك ؟
ألن تغير رأيها وتاتي للسكن بقربي هنا، أم أن العاصمة قد سحرتها كما سحرت الغربة إبراهيم؟
عدلت وشاحها الذي تضعه كسترة وليس حجاب كامل ، قبل أن تقول بتحفظ كعادتها:
-تعرف بأن دراستِي بل دراسة جميع أخوتي هناك، كما أننا دائما نأتي في الإجازات والمناسبات، عودتنا هنا لن تغير شيئًا سوى أن دراستنا ستتأثر للأسوأ.
-ولماذا تتأثر دراستكم للأسوأ حضرة المحامية؟؟؟
قالتها أشماس بصوت عاليٍ من خلفها وهي تضع يدها على خصرها وترفع حاجب الشر
-ها قد بدأنا.
، قالتها در صاف في سرها، تعرف أن أشماس لا تقبل بأن يقلل أحد من مدينتهم، بل هي تراها أفضل مدينة بالعالم كله!
تابعت أشماس بنفس النبرة الشرسة:
-لمعلوماتك الخاصة لدينا هنا أيضاً جامعات معترف بها دوليًا بل هي أفضل من التي توجد في العاصمة على الأقل ليست متكدسة بالطلاب
نظرت در صاف لذلك الذي يقف بحرج أمام الباب لتقول مغيرة الموضوع:
-هيا نذهب فضيف جدي ينتظر إذنا بالدخول
لوح له الشيخ عثمان بيده ليدخل:
—تعال يا بُني لماذا تقف عندك، اعذرني فقد التهِيت بأشماس ومشاكلها كالعادة، ادخل البيت بيتك.
ثم التفت للفتيات يأمرهن بالذهاب بنظرة عينه، ليطعنه فورًا ؛ مررن بجانب أيوب الذي أخفض عينه في حركة لمحها الشيخ
دخل ثم عاد يخلع حذائه فقد لاحظ أن الشيخ فعلها قبل أن يدخل وكذلك الفتاتين قمن بذلك أيضًا، ثم دخل وجلس مقابل العجوز ينتظر أن يسأله عن حكايته.... لكنه و للغرابة لم يفعل بل رحب به وعرفة عن نفسه مرة أخرى وقال له بأن عائلته تسكن بهذا الحي وبعض المعلومات عن المدينة والتي لم يفهم مافائدتها له، لكنه استمع له دون أن يقاطعه أو يبدي ملل من حديثه، بل على العكس كان حديثه ممتع له بالإضافة لطريقته الشيقة في الحديث والتي جعلته يشعر كأنه يعرفه منذ زمن، فلهجته كانت مفهومه له على العكس من الكثير الذين قابلهم من قبل سواءً على الحدود أو في المطعم أو حتى لهجة تلك الفتاة الجامحة ذات الصوت العالي!
يبدو أنها حفيدته كما فهم من الحوار الذي دار بينهما، لا يهم هو سوف يذهب في الصباح الباكر ليبحث عن عمل ، لن يعود لوطنه خصوصًا وأنه عرف بأن مدينة العجوز بها ميناء كبير مما يسهل عليه ما خطط له منذ أن اتخذ قرار السفر وترك وطنه.
بعد قليل جاء رجل بصينية كبيرة عليها طعام، خمن بأنه من أحد الدول وسط أو جنوب أفريقيا من طريقة نطقة للعربية الركيكة و لون بشرتة
-بارك الله فيك يا مامو أجلس كل معنا فالخير كثير
قالها الشيخ عثمان ببشاشة وهو يحث مامو على الجلوس معه بصدق
ليضع مامو كف يده على صدره وهو يهز رأسه في امتنان:
  -شكرا يا شيخ لقد أكلت أنا في غرفتي إذا أردت شيئًا
بمجرد خروج مامو قال الشيخ:
-تقدم يابني هل تريد أن أعزمك عليك ؟
لم يتحرر من خجله بعد لكنه تقدم وبدأ يأكل مع العجوز، تعجب قليلا بأنه يأكل فوق طاولة الطعام وليس على الأرض ، فقد سمع بأن أهل هذه البلد يأكلون على الأرض لكنه رجح ذلك لكبر سن الرجل،
ابتلع لقمات بسيطة ثم مسح فمه بمنديل وقال:
-الحمد الله لقد شبعت، استأذنك في المبيت الليلة فقط وغدا سوف اب
قاطعة الشيخ:
-أكمل طعامك أولًا ، فأنت لم تأكل شيئًا منذ العصر على الأقل، وبعدها هناك غرفه مجهزه لك خذ حمامك وغير ملابسك وتعال لنصلي العشاء جماعة لقد فاتنا، وكما قلت سابقًا حق الضيف ثلاثة أيام بلياليهم وبعدها فكر في الذهاب حيثما شئت.
تابع طعامه دون أن يلتفت له، أما أيوب كان ينظر له باستغراب، هذا الرجل معتاد أن يأمر فيطاع
شيئًا بداخله جعله يرتاح لتنفيذ ما طلبه منه، فهو اليد التي مُدت له عند غرقه في الحلم، ربما تمتد له في الواقع وتنقذه مره أخرى

-❈-❈-❈-

الدولة المجاورة

في كلية الطب البشري وقف نادر بسيارته العتيقة غالية الثمن لندرتها هذه الأيام ينادي بصوت عال وهو جالس بداخلها:
-عم عبده.... تعال بسرعة ةلدي محاضر مهمة
جاء عم عبده يحمل جردل الماء وعلى كتفه الفوطة البرتقالية المشهورة:
-نعم نعم يا دكتور لقد جئت
وقف أمامه يلهث كأنه اجتاز ماراثون الأربعين ميلًا وليست بضع خطوات لا تتجاوز العشرة هي ماقطعها من الكرسي الذي كان يجلس به إلى سيارة نادر.
وضع نادر نظارته الشمسية ذات الماركة المشهورة وعدل شعره قبل أن ينزل من سيارته ويأخذ معطفه الأبيض ودفتر متوسط الحجم مع نقاله ثم رمي بالمفتاح لعم عبده: 
-لا تنسَ أن تركنها في الظل، أشعة الشمس تضر بالطلاء، واغسلها جيدًا بماء نظيف وليس هذا مفهوم؟
بطاعه رد:
-حاضر يادكتور لا تقلق، سوف أفعل كل ذلك وزيادة
التفت له نادر رافعا سبابته بتحذير:
  -إياك أن أجد بها خدش، تعرف ماذا يمكن أن أفعل وقتها
أخذ يمسح على مقدمة السيارة بكف قميصه ويوكد عليه:
  -في عيني يا دكتور لا تخف.

تركه نادر وتابع طريقة إلى داخل الكلية يختال كطاووس فارد ريشه في موسم التزاوج، يلقي بالتحية على هذه ونظره عابثة لتلك، كلمة وقحة بصوت منخفض للفتاة التي جاءت تجري ترحب بقدومه بعد غياب طويل، وضحكة عالية عندما التقى بشلته المعروفة بأنها تضم أبناء المسؤولين في الدولة و رجال الأعمال الذين دخلوا كليات القمة سواءً بمجهوداتهم أو بتوصية خاصة
ترك شلته وأسرع يدخل كي يحضر المحاضرة، هذه المحاضرة بالذات مهمة جدًا وهو ينوي أن ينجح وينتقل للسنة الأخرى.
كالعادة اتخذ المقعد الخلفي ليجلس عليه، أخرج دفتره و مسجل mp3 صغير يظهر من بعيد كانه ميدالية مفاتيح أو ربما مشط
فهو دائمًا يحب أن يعطِ أنطباعًا بأنه لا يكثرث للدراسة ولا يهتم بإكمال سنوات الكلية كي يصبح طبيب ناجح مشهور.
هذا هو نادر مأمون يظهر دائمًا بمظهر العابر غير المبالي بشيء، حتى عندما تحصل على مجموع عالٍ في الثانوية العامة لم يصدق أحد في البداية، بل البعض جزم بأنه قام بالغش أو أن والده تدخل لتغيير النتيجة والنصف الآخر ظن بأن والدته تكذب ولن يقبل إلا في جامعة خاصة؛ وعندما تم قبوله في كلية الطب تكهن البعض بأن والده من تدخل بأن طلب من الوزير أن يقبل ابنه في تلك الكلية، وأكدوا كلامهم عندما تعثر فيها



لم يكن نادر يهتم بإثبات أي شي لأحد، بل على النقيض يجعلهم يظنون مايريدون ويفعل هو مايناسبه فقط.

من دون قصد جلست لينا في الكرسي الأمامي له، لم يهتم بها لكن لفت انتباهه اسمه الذي نطقته بصوت خافت وهي تميل للأمام تتحدث في هاتفها المحمول

بمجرد أن جلست لينا في مكانها أخرجت هاتفها كي تتصل بِفتنة رغم معرفتها بأنها تنام لوقت متأخر ولابد أنها لازالت في السرير
كأنها كانت تنتظر مكالمتها ردت فورًا عكس المتوقع منها، مماجعل لينا تميل بهاتفها للأمام كي لا يسمعها الجالس خلفها والذي هو السبب في هذه المكالمة الصباحية المهمة
قبل أن تنتطق فتنة بحرف قالت لينا:
-نادر جاء للكلية اليوم، تعالي كي تلتقي به فهذه فرصة لا تحدث كثيرًا، بل لا تحدث إلا مرة في السنة.
لم تفته النبرة التهكمية وهي تتحدث عنه، لكن الفضول الذكوري بداخله جعله يتابع المكالمة ويركز جيدا عله يعرف من تلك التي ترغب في لقائه؟
على الجهه الأخرى من الخط قفزت فتنة من سريرها بمجرد أن سمعت اسم نادر، أغلقت هاتفها الجديد الذي أحضره لها محمود صباحاً بعد أن طلب منه والدها ذلك الليلة السابقة، أيقظها كي يعطيها الهاتف قبل أن يسافر للمدينة الأخرى التي كانوا يعيشون بها سابقًا، فبرغم انتقالهم للعاصمة إلا أنه لاتزال أعمال جمعة السماك هناك، المهم منها على أقل تقدير، فهو لن يغير مجال عمله بعد أن تداولت مهنة صيد السمك وبيعه في عائلته لِأجيال عديدة!


أخذت تبحث في دولاب ملابسها عن أكثر شي يبرز أنوثتها ؛ اختارت بنطال من اللون البيج ضيق جدًا و عليه قميص أبيض بكم طويل ، أغلقت ازار القميص ثم خرجت من غرفتها لتجد والدها يشرب الشاى وهو يقرأ الجريدة في هدوء، اقترب تعطيه قبلة على خده وهي تقول بمرح طفولي:
-شكرًا يا أحلى أب في العالم
أخرجت هاتفها تلعب به أمامه، لترتسم على وجهه إبتسامة كبيرة كما يحدث كلما رآها سعيدة بتلك الطريقة.
فتنة هي أقرب أبنائه لقلبه، ليس لأنها الأصغر فقط، و لا لأنها كادت أن تموت وهي طفلة فقد ولدت في بداية الشهر السابع ولم تكن رأتاها تعملان وقتها، مما اضطرهم لإدخالها للحضّانة التي لم يجدوا واحدة لها إلا بعد جهد ودفع مبلغ كبير جدًا حتى وجد واحدة لابنته!
كان الجميع ينتظر خبر وفاتها إلا هو لم يبقَ في المستشفى يستمع لنحيب شقيقته ولا لرثاء زوجته بل ذهب يحضر غرفة الأميرة الصغيرة ويشتري الكثير من الفساتين الزهرية والدمى حتي لم يعد في الغرفة مكان لها؛ ظن البعض بأنه جن، أو أصابه مكروه، لكنهم لم يعرفوا بأن إحساسه أخبره بأنها ستعيش ولا يريدها أن تدخل البيت دون ملابس و غرفة ملائمة لها، لأن فادية لم تجهز شيئًا فقد اعتقدت بأنها ستنجب ولدًا مثل الحملين السابقين بحكم أن الوحم لديها لم يتغير
ولم تشترِ أي شيء خاص للبنات
هاهي أميرته عاشت وقد أتمت عامها العشرين كما كان متأكدًا وليس كما ظنوا هم


لم يشعر بزوجته التي جلست بقربة على الأريكة لتقول بامتعاض:
-فعلتها وجعلت محمود يشتري لها الهاتف.

وقفت فتنة لتقول مودعة والديها:
-أنا ذاهبة الآن إلى اللقاء.
لم تلتفت لنداء والدتها كي لا يتحول الأمر لمشكلة بينهما مثل كل مره ونزلت مسرعة لتلحق بنادر قبل أن تفوت الفرصة.

في الأعلى صرخت فادية وهي تضرب الكرسي بجانبها:
-أرأيت لم ترد على كأني غير موجودة

ارتشف جمعة من كوب الشاي الخاص به وقال ببرود:
-ربما لم تسمعك فهي متعجلة كي تذهب لكليتها
وضعت سبابتها و إبهامها حول عينها لتقول بسخرية:
-كليتهااااااا
، تلك التي تدفع لها أموال كثيرة لتأخذ السنة بثلاثة
متى تتوقف عن تدليلها كي يعتدل حالها، أنت تعطيها مصروف أكثر من شقيقيها، هذا غير ماتأخذه لملابسها و جلسات الصالون الذي لا أعرف الغرض منه لفتاة في سنها؟
حتى السيارة لولا أني حلفت عليها كنت أحضرت لها واحدة بينما بكريك يركب في الأجرة حتى عندما يسافر من مدينة لأخرى بحجة أنك لا تريد أن يفسده المال و يصبح رجلًا
هذا الهاتف الذي أحضرته لها تعرف أن ابنك حسن طلبه منك قبلها لكنك رفضت.
حوقل و وضع كوبه والجريدة التي كان يقرأ بها قائلا:
-ماذا تريدين يافادية ، لقد نزعت صباحي بكلامك أنا لا أفرق بين أبنائي أنا فقط أربي الرجل كي يكون مسؤلا والفتاة تتدلل في منزل والدها ، وهذا هو الطبيعي إن كنتِ لا تعرفين؟
شعرت بكلمته الأخيرة صفعة على وجهها، يعايرها لأن والدها مات ولم يكن يدللها قبلها؟
أم يعايرها بفقرها وقلة حيلتها؟
أرادت أن ترد له كلامه ودون أن تحسب حساب كلماتها نظرت له بتحدي قائله:
-لا ... لا أعرف إلا لو كنت تقصد على دلالكم لجيهان، فهذا أعرفه جيدا و أعرف ما نتج عنها من زيجات شريعة و عرفية وماخفي كان أعظم.

ندمت فور خروج كلماتها من حلقها، فمنظر جمعة كفيل ببث الرعب في أكثر قلوب الرجال شجاعة مابالك هي؟

اكفهر وجهه بشدة و تقبضت يديه، فشعرت بأن نهايتها آتية لا محالة، جمعة سوف يضربها هذه المرة ولن يسكت، هي متأكد من ذلك.
أغمضت عينيها بقوة كي لا تفر منها الدموع وكادت أن تطلق اعتذار صادق وتقسم بأنها لا تقصد عندما سمعت صوت تكسير وشعرت بلسعة ساخنة على يدها، لتفتح عينها وتجد أنه رمى كوب الشاي لينكسر بالقرب من يدها، رفعت عينها لتجده يعطيها ظهره لكنها لاحظت أن عضلت كتفه متشنجة
بصوت أرعبها ودون أن يلتفت لها:
-آخر مرة تجلبين سيرة أختي على لسانك بتلك الطريقة، المرة القادمة لن أتزوج عليك فقط بل سأطلقك.

اتسعت عيناها وانهمرت الدموع منها دون أن تقوى على الرد، أما هو فقد خرج وأغلق الباب خلفه بقوة جعلت رفاته تهتز



❈-❈-❈-
في بلد الجعفري

صباح اليوم التالي أيقظ الشيخ عثمان أيوب لصلاة الفجر، كان أيوب متضايق وقد شعر الشيخ بذلك لكنه لم يهتم، بعد الصلاة عاد للمنزل ظن أيوب بأنه سوف يمدد نفسه على السرير المريح قليلًا ثم يذهب للبحث عن عمل ، لكنه نام دون أن يشعر ولم يفق إلا عند سماعه لأذان الظهر

خرج من غرفته يبحث عن العجوز الذي نسى اسمها، فلم يعرف بماذا ينادي... هو حتى لا يعرف إذا كان هناك نساء في المنزل أو لا
حك رأسه وتذكر ذلك العامل الأفريقي ، لقد أخبر العجوز بأنه سيذهب لغرفته، خرج من المنزل للحديقة وأخذ يبحث عنه فتلاقي مع الشيخ عثمان، الذي بادر بالإبتسامة قائلا:
-صباح الخير هل نمت جيدًا يا بني؟
أجلى حلقة قبل أن يجب وهو يحاول رسم ابتسامة ودودة على وجهه:
-لقد نمت كثيرًا ، لماذا تركتني أنام كل هذا الوقت؟
حثه على السير لصالة الرجال ورد:
-لقد كان ظاهر عليك التعب، ولم أشأ أن أقلقك ، كما أنك ضيفي نم بالقدر الذي تريده بني.
ابتسم له ولم يرد، فنادى العجوز على العامل يامره بإحضار الإفطار لأيوب
كانت الصالة واسعة وعند انتهاء أيوب من الإفطار طلب منه الحاج أن يدخل الصينية فهو أمر مادو بأن يذهب لمشوار
تحرج أيوب ليقول له الشيخ:
-لا يوجد أحد في المنزل، أنا أسكن وحدي لا تخشي ادخل سوف تجد المطبخ على يمينك، وتعال بعدها سوف يأتي بعض الناس لتتعرف عليهم.
فعل ماطلبه منه العجوز لكنه قرر أن ينظف الأطباق التي أكل بها ويعيد الأكل المتبقي للثلاجة.
بعد أن عاد للصالة بدقائق دخل رجل في الخمسينيات وانحنى يقبل يد العجوز كذلك دخلت امرأة ترتدي زي غريب يغطي رأسها و جزء من وجهها وفعلت مثل الرجل الخمسيني.
-سلموا على ضيفي أيوب الخليل
ألقي العجوز كلمته فسلم عليه الشيخ أما المرأة فحيته دون أن تنظر له ، حاول أيوب القيام وترك الصالة لكن الشيخ نظر له بنظرة تعني اجلس ولا تتحرك ففعل

تكلم عوض أولا ليقول بتفاخر:
-ابني عياد أراد أن يحمي عرضه لكن ابنتك يا خيرية لا تحترم أحد وليس لها كبير.
نكزه قوية من عكاز الشيخ كادت أن تسقط عوض على ظهره كانت الرد على ماتفوه به:
-قطع لسانك، أشماس أرجل من ابنك الغشاش، بدلًا من أن تربيه على فعلته وافترائه على ابنة عمه اليتيمة ، تأتي لتتكلم عنها بالباطل!
ألا تعرف أن قذف المحصنات من الموبقات؟
من أين ستعرف وأنت لا تصلى حتى وقد استبحت منذ زمن الخوض في أعراض النساء، لن أقسم ولن أعيد كلامي مرة أخرى ، لو سمعت أن ذلك التافه يضايق أشماس أو يتحدث عنها أنا من سيقف له.

وقع قلب عوض وشعر بأن صدره يضيق عليه:
-ماذا تعني ياشيخ هل ستقوي فتاة على ابني؟
ضرب عكازه بالأرض لترتج تحته أو هكذا هُيأ لعوض ليجيبها الشيخ:
-أحمي الحق، لا العرض ياعوض و إلا أشماس تعرف مكانتها عندي.
تم التفت لخيرية التي كانت تفرك يديها هي الأخرى:
-وأنتِ يا حاجة التي زارت بيت الله، تريدن منها أن تغشش ذلك الفاشل أو تضربينها؟
نكست رأسها دون أن تجيب، فأكمل:
-غدا يتم نقل أشماس للمدرسة التي تريدها وإذا حاول عياد التعرض لها
رفع سبابته دون أن يضيف كلمة
لكن خيرية أسرعت تقول:
-أبي تعرف أن مدرسة البنات التي تريدها أشماس ليست جيدة مستواها التعليمي لا يعلو لتلك التي هي فيها الآن، يمكن أن ننقلها لفصل آخر غير الذي يوجد به عياد، لكن نقلها من المدرسة وهي في السنة الأخيرة ضار بمستقبلها.

أراد الاعتراض لكنه فضل التأني ليقول:
-سوف ينقل عياد لفصل أخر وليست هي، وأنا سوف أقرر إذا كانت مدرسة البنات جيدة أم لا؛ لكن إياك أن تمتد يدك عليها مرة أخرى مفهوم.
هزت رأسها بموافقة واستأذنت منه لتذهب لمنزلها، أما عوض فقد خرج وهو يشتم بصوت خافت لم يسمعه الشيخ ولم يفهم مايقوله أيوب.


-❈-❈-❈

في الدولة المجاورة

  دخلت فتنة الكلية رغم أنها لا تحمل بطاقة تعريف للطلبة، لكن الحارس يعرفها بحكم حضورها مع لينا كثيرًا كما أنها تعطيه دائمًا الكثير من النقود كبقشيش كي يسهل دخولها ويوصي زملائه بفعل المثل
اتجهت للحمامات حيث تنتظرها لينا وخلعت القميص ليظهر من تحته بدي ضيق يظهر مفاتنها ثم أخرجت علبة المكياج من حقيبة الظهر التي ترتديها، و وضعته بإتقان
خرجت من الحمام تبحث عن لينا لتجدها تقف أمام باب الخروج تبحث عنها هي الأخرى، أسرعت لها تسأل عن نادر.
أمسكتها لينا من ساعدها وقالت بحزم:
-فتنة صحيح أنا أساعدك كي تتعرفي عليه، لكن إياك والوقوع في الغلط، لن يرحمك أحد وهو سيرميك بعدها، احذري يافتنة.
زفرت ومطت شفتيها:
-لا تخافي عليِ ليست فتنة السماك من يتسلى بها أحد ويرميها بعدها، والآن أين هو؟
من خلفها جاء صوت ذكوري عرفت صاحبه دون أن تراه:
-هل تبحثين عني؟



يتبع

 سيل جارف  الجزء الاول من سلسلة الحب والحربحيث تعيش القصص. اكتشف الآن