الفصل السادس والثلاثون
عبر هاتفها قالت أفطيم بحنان أموي :
-لن تتخيلي كم هو مؤدب أتصدقين يا أمي عندما نذهب به للسوق ينظر للألعاب دون أن يصرخ طلبا لها وحتي عندما تعجبه واحدة يشير لها وعندما تقول أشماس لا يتركها دون عناد، لو لم أره بعيني لما صدقت.
تنهدت مبروكة و قالت لابنتها:
-هذا لأنه تربي على ذلك لا تنسي ظروف ولادته وكونه كبر في الحرب وبُعد أمه هذه الأمور تؤثر كثيرا.
قاطعتها أفطيم بعد أن تأكدت من إغلاق الباب عليها:
-درصاف لازالت في حالة صدمة أنا نفسي لم أصدق بأن حارث قد يطلقها بتلك البساطة.
-بسااااااطة
قالتها مبروكة باستنكار وتابعت:
-رجل آخر كان رفض استقبالها و حرمها من ابنها، ما فعلته هي كوم وما فعلته أمها القاتلة كوم آخر أصلا ابنها نفسه عندما يكبر ويعرف لن ينظر في وجهها .
بحنق اجابتها أفطيم:
-أليس هذا حارث الحنون الذي لا يوجد مثله؟
طلقها في بلد غريب وهي وحيدة لا يوجد من يقف لها لم أصدق أنه فعلا فعلها إلا عندما رأيت قسيمة الطلاق بعيني وأنت لازلت تدافعين عنه.
ردت مبروكة :
-طبعا أدافع عنه لا أحد مثل حارث يكفي أنه وسط كل هذا لم ينس حقنا في الشركة التي أسسها جدك عثمان رحمه الله بل قام بتعيين محاسب و أبلغني بالرقم و بعث لي جزء منه كما فعل مع الباقين رغم أن كل شيء باسمه هو وأيوب و أنا متأكدة بأنه قد رد رأس المال الذي أخذه من جدك في البداية، هو فقط يفعل ذلك لمعرفته بأننا خسرنا كل شيء في الحرب ولم يعد لدينا معيل ؛ اسمعي أنا سوف آتي إليكم و أسجل علي في الأكاديمية البحرية مصاريفها أقل من هنا و سنان تحتاج لأم لازالت صغيرة وحالها لا يعجبني أبدا أخشى عليها من تعلقها برؤوف و إصرارها أنه لايزال حيا ، أما درصاف فهي قصة أخرى.
لتقول ابنتها:
-لقد قررت السفر مع أشماس كي تنتظر عبدالخالق و سفيان بالخارج فالطريقة الوحيدة لخروج سفيان هي عبر البحر ولأن جواز سفره ظل مع حارث سوف آخذها معي ،تعرفين جنسيتي الأجنبية تسهل الأمور كثيرا في أروبا لا زلت لا أعرف إذا كان درصاف ستذهب معنا أم لا.
شهقت مبروكة وقالت بفزع:
-تذهب أين نسيت أنها لازالت في العدة؟
اسمعي لن تتحركي إلا عند وصولي هذا الانفلات لا يعجبني واحدة تبيت في شقة وحدها والأخرى تريد السفر وهي لازالت في العدة ماذا ينقص أيضا لتفضحونا ، بنات الجعفري نسين أصلهن اغلقي الآن سأكون عندكم على أول طائرة .
في منزل أم حامد
تركتها تفرغ ما في جعبتها دون مقاطعة حتى عندما كانت تتوقف للبكاء لم تتدخل لتهدئها فقط قربت منها علبة المناديل و كوب الماء وعندما بدأت في الهدوء نسبيا قالت لها:
-لقد سألت ابني عن عائلتك وجدك بالخصوص وأخبرني عن حكمته وسمعته الممتازة بين القبائل؛ لا أظن بأنه خذلك كما تفكرين بل هو لم يتدخل كي يعطيك المجال في الاختيار بدلا من فرض رأيه عليك.
نظرت لها أشماس ببعض الحيرة لتتابع حديثها:
-هو طلب منك تقليل التواصل معه لأنه كان واثقا من قرارك في الانفصال عنه بعد معرفة قصة زواجه الباطلة.
ضغطت على حروف كلمتها الأخيرة لترد أشماس بعناد:
-كان عليه أن يخبرني، كيف تركني طوال هذه المدة دون تلميح حتى ؟
لترد ام حامد:
-لماذا لا تقولين بأنه أراد تقليل ألمك بأن تعتادي على بعاده؟
ثم هل أنت متأكدة بأنه لم يلمح لك أبدا ، رجل بحكمته لابد أنه حاول التلميح ولو قليلا لا أصدق بانه لم يجلب لك سيرة الموضوع أبدا ؟
شردت أشماس في أحاديثها مع جدها الراحل و قد بدت لها مختلفة هذه المرة عن السابق، المعاني المبطنة الفرصة الثانية، أن الحياة لا تقف عند أحد ، علينا إما المسامحة أو المضي دون الالتفاف للخلف وغيرها من الحوارات التي لم تكن تفهم وقتها أنها تدور حولها هزت رأسها ثم قالت:
-حتى لو هذا لا يعفي حارث و خالي من الذنب.
أمسكت أم حامد بسبحتها وردت:
-حتى خالك غلطه ليس شنيعا لدرجة أنها لا تغتفر.
نظرت لها أشماس بصدمة وكادت أن تقاطعها لترفع أم حامد سبابتها وتتابع:
-أولا هو لم يسع لزواج زوجك من قريبة زوجته كما فهمت منك الأمر جاء كله صدفة وتورط به مثل زوجك تماما، ثانيا سهل زواجك بالخارج لأنه يعرف بأنك تحبينه ولم يفضحه أي أنه لم يرغب في إحزانك، كما أنه وقع بينك وبين زوجته التي كان يحبها منذ أن كان شابا بصراحة موقف صعب جدا لا أعرف ماذا كنت سأفعل لو كنت مكانه وقتها؛ ثم لماذا لا ترين الأمر من وجهة نظر أخرى لقد ستر أهلك الفتاة وقاموا بحفظ سرها رغم حبهم لك فسترك الله ولم يتعرض لك أحد وأنت تعيشين وحدك، فتاة غيرك كان تعرضت لكثير من المضايقات هذا إن لم تتعرض للاغتصاب والقتل دون أن يعرف أحد عنها شيئا.
اتسعت عينا أشماس بصدمة وابتلعت ريقها لتقول أم حامد:
-الكثير من الفتيات يتعرضن لذلك وأنت وحدك مع طفل صغير في شقة بالدور الأول هل اعتقدت بأن رجل الأمن الذي يقف أمام العمارة هو الذي يحميك؟!!
صدقيني لولا رحمة الله لكنت تعرضت للكثير أو خطف منك الصغير هذا غير السرقة وغيرها من الأمور الأخرى ، فكري بأن الله حماك بسبب دعوات أمك وأفعال أهلك السابقة ، لا أقول أن تسامحي أعرف أن الغفران أمر صعب جدا القليلون يقدرون عليه، لكن فكري بأنهم لم يقصدوا أذيتك عمدا لذلك عليك أن تتجاوزي وتحاولي التعايش معهم فالدم دم مهما حدث بينكم ، وحارث هذا رجل بحق وإلا كانت ردة فعله مختلفة تماما على تصرفاتك .
رمشت بعينيها تحاول استيعاب ما سمعته وتحليله ربما تجد فيه ما يخفف عنها حتى تسامح حارث هو الوحيد المهم لديها الآن .
ارتشفت أم حامد من قهوتها ليظهر عليها التقزز لتقول بصوت عالِ :
-بنت يا هالة خذي الماء الملون الذي جلبته واصنعي لي قهوة من البن الخاص بي لقد ارسلو لي أمس عشرة كيلو مخصوص من البلاد.
جاءت هالة تحمل ابنها وردت:
-لم أفتح الصناديق بعد خذي قاسم لأبحث عنها.
هدرت فيها بغضب حقيقي:
-اسمه بلقاسم كم مرة أخبرتك هذا اسم جده وله الشرف أن يحمله إياك وتغييره لن أمررها لك أبدا .
وضعت فناجين القهوة في صينية وقالت بغيظ :
-ذكريني ماهو اسمك؟
اممم ألم يكن أيتن وغيرته لتفاحة ؟!!
بحثت عن شيء تضربها به لتسرع هالة في الهروب من أمامها فسألتها أشماس:
-اسمك أيتن ؟!!
أجلست حفيدها على حجرها وردت:
-نعم لكن عمتي "مقبوله" أم زوجي لم تكن تعرف كيف تنطقه جيدا لذلك غيرته تفاحة وقد أحببته أكثر لأنه مميز لكن أهلي لم يعجبهم لذلك اطلقوا على لقب أم حامد، أنت ناديني تفاحة أفضل لهجتك تذكرني بالغوالي.
اندفعت أشماس تقول باستغراب:
-لماذا أشعر بأنك تحبين أهل زوجك أكثر من أهلك ؟
شعرت بتسرعها فأغمضت عينها بقوة لتجيبها أم حامد بابتسامتها المشرقة :
-الأمر ليس كذلك حبي لأهل زوجي لا يقلل أبدا من حبي لأهلي ولا لبلدي ، أنا أحب الاثنين بنفس القوة الأمر فقط أنني أحترم زوجي وأهله لأنهم فعلوا المثل معي ومع أهلي ، اسمعيني جيدا وضعيتها حلقة في أذنك حبك لبلد زوجك وتقبلك لها لا يعني أبدا خيانتك لبلدك وأهلك أبدا فكري أنه لديك طفلان طبيعي أن تحبي كليهما ربما تميلين لواحد أكثر لكن في النهاية كلاهما أطفالك.
جلبت هالة
عدة القهوة لتصنعها عمتها وقالت:
-وعمتي طبعا تميل كل الميل لطفل معين.
بفضول لم تستطع التحكم به سألت أشماس هالة :
-هل تكرهين بلد زوجك لذلك ترفضين التحدث مثلنا؟
ضحكت هالة وردت:
-لا طبعا هذا غير صحيح، الأمر حدث صدفة فقد كنا متفقين أن أعيش في بلده طبعا خصوصا أن أمي وأبي اختارهما الله وأخي يعمل في مدينة بعيدة أنا هنا وحدي تقريبا لكن جاء عمل مهم لحامد هنا فأخذنا هذه الفيلا الي أن يجهز بيتنا في بلده وبعدها اندلعت الحرب هذا كل ما في الأمر ، أنا لم أعش هناك كي أكرهها أو أحبها لكن بلد حامد و ابني هي بلدي طبعا وطبيعي أن نعيش بها بعد أن تهدأ الأوضاع ، أما عن لهجتي صدقيني أحاول التكلم مثلكم خصوصا أن حامد يحبها مني كثيرا.
مالت تهمس في أذن أشماس و تغمز يعينها :
-أنا فقط أغيظ عمتي لا غير.
سكبت أم حامد قهوتها في الفنجان ومدت واحدة لهالة وأخرى لأشماس ثم ارتشفت منها لتقول باستماع:
-هذه القهوة و إلا فلا؛ والآن أنت يا ذات المخ اليابس إذا قررت السفر مع ابنة خالك اذهبي لكن هناك أمر يجب فعله أولا هاتي رقم خالك أو حارث يجب أن أتحدث معهم كي ننهي المسألة.
عقدت حاجبيها وتبادلت النظرات مع هالة ثم قالت:
-لماذا تريدين أرقامهم ، أعني ماهو الأمر الذي تريدين مناقشتة معهم.
مدت لها هاتفها وردت :
-هالة أرتني صورة من النت إنه وسيم جدا وأنا أرملة لعوب قررت بأن أرمي حبالي عليه.
شهقت هالة ووضعت يدها على صدرها بحركة تمثيلية وقالت:
-وقدرت أن تخوني ذكرى المرحوم بكل سهولة !!!
أتفق معك أن خالها وسيم جدا والشعر الأبيض زاد وسامته ، تعرفين أشعر بأني تسرعت بالزواج من حامد قبل معاينة كل البضاعة المتاحة.
هذه المرة رمت عليها الشبشب ليهتز الفنجان و تنسكب القهوة منه وتغرق بلوزتها فأسرعت تضع الفنجان و تركت الصالة لتغير ملابسها وهي تتمتم بكلام غير مسموع بينما قالت أم حامد بحنق:
-قال تعاين البضاعة قال؟
بدلا من أن تسجد كل يوم شكرا لله بأن حامد نظر لها واختارها من بين الكل
انفجرت أشماس في ضحكة عالية حاولت كتمانها دون جدوي وبعد أن هدأت قالت :
-لا أصدق أنك عمتها يا إلهي لقد تطبعت بطبع الحموات عندنا فعلا.
مطت أم حامد شفتيها لتتابع أشماس:
-إحقاقا للحق أنت من فتحت الباب لهذا الحديث لذلك لا تلوميها الآن .
رفعت حاجبها وردت:
-وأنت أصبحت محامية الدفاع الآن ؟
دعك منها أعرف كيف أصالحها ، هاتي الأرقام و أخبريني لماذا لم تحضري يزيد معك.
وضعت فنجانها واستقامت قائلة:
-لقد تركته مع أمه كي يعتاد عليها، أعني هو لا ينفر منها لكنه لم يتعلق بها أيضا أحاول أن أترك لهما المجال ليتعرف عليها جيدا.
وقفت أم حامد بدورها و مشت معها بصعوبه للباب قائلة:
-كل مرة أتفاجأ بك ، أحد غيرك ما كان لينظر في وجهها بعد ما فعلته والدتها.
زفرت أشماس وردت:
-لقد تعودنا من طفولتنا أن نفصل بين درصاف وأمها ، جدي وعمتي سليمة علمونا ذلك كما أن درصاف فعلا لا ذنب لها فيما حدث زوجة عمي رحمه الله طوال عمرها تكرهنا دون سبب أنا لا أتعاطف معها أبدا لقد عرفت بأنها أتت لترى درصاف وحفيدها لكن حارث منع درصاف من أخذه لها، صدقيني أولادها ليسوا مثلا قد يكون الكبير فقط أما الباقي مختلفين عنها كما أن الله تعالى يقول ( ولا تزِر وَازِرَة وِزر أخرى )
صدق الله العظيم
قالتها أم حامد وهي تربت عليها ثم أردفت :
-ليكملك الله بعقلك ، لا تنسي إبلاغي بموعد وصول عمتك .
أومأت لها أشماس و خرجت من الفيللا لتتمشى قليلا لتجده ينتظرها مثل كل مرة تخرج فيها من المنزل لتتجاهله كما تفعل دائما مشي خلفها بمسافة قريبة تجعلها تشعر بالأمان حتى لو عاندت وفي نفس الوقت بالاستقلال عنه.
شاهدتهما أم حامد من نافذة غرفتها لتتسع ابتسامتها بينما قالت هالة :
-ياله من بغيض لا يترك لها أي فرصة كي تتنفس يجب أن ترفع قضية الخلع بسرعة وترتاح من ملاحقته لها.
لم تجبها أم حامد فقد تخمرت الفكرة في رأسها وتأكدت من ضرورة تنفيذها بسرعة .
❈-❈-❈
أنت تقرأ
سيل جارف الجزء الاول من سلسلة الحب والحرب
Romanceسلسلة الحب والحرب و هذا الجزء الاول منها اجتماعية رومانسية قبائل تحكي عن الحب من جنسيات مختلفة والصعوبات التي يواجهها هذا الحب في ظل اختلاف العادات و التقاليد ، و تقدم العمر هل يصمد الحب وحده في مواجهه كل هذا ام لا ، هل ينجح الزمن والبعد في انها...