الفصل السابع عشر

1.3K 51 16
                                    

الفصل السابع عشر

قبل عدة ساعات في منزل إبراهيم الجديد
بعد أن ألقى عليها تلك الأسهم المسمومة وتركها تنزف متوجها لغرفة مكتبه، لم تقدر على الحركة من مكانها لعدة دقائق، قبل أن تجر قدميها جرا لغرفتها وتسقط على أول كرسي قابلها كي لا تقع أرضا.
شعرت بأن الأرض تهتز أسفل قدميها لدرجة انها امسكت بذراع الكرسي وقبضت بأصابعها عليه بقوة؛ لم تتوقع أبدا أن يبيعها بسهولة بل هي لم تفكر أبدا أن يقوم بذلك بسبب تافه كالذي حدث في منزل شقيقها!
لماذا يلومها هي ألم تكن معه طوال الوقت!
هو لم يعطها فرصة للتحدث أو قول رأيها فيما حدث  ، بل أصدر حكمه عليها دون رحمة.
هي لم تحاسبه يوما على أفعال شقيقته معها بل إنها لم تخبره بما فعلته لها وقت الزفاف وكسرتها أمام نساء عائلته( عندما عيرتها بكونها ليست عروس عذراء بل سبق لها الزواج عدة من قبل )؛ بل قررت أن ترمي ماحدث خلف ظهرها وتستمتع بحياتها معه فهو لا ذنب له من وجهة نظرها، لكن هو أثبت لها بالبرهان بقدرته على التخلي عنها وبيعها مرة أخرى بكل سهولة...
ابتسامة ساخرة ارتسمت على شفتيها وهي تقول لنفسها:
-لا تدعي الصدمة تعرفين أنه قادر على بيعك و رميك بكل سهولة وإلا لماذا تعيشين في رعب من انكشاف سرك؟!!!

عادت برأسها للخف وأغلقت عينيها كي تصفي ذهنها ثم تابعت حديثها مع نفسها:
- لا وقت للرثاء الآن، يجب أن تتوقفي وتغيري طريقتك كي لا يضيع منك حب العمر الذي قضيت دهرا تركضين خلفه.
استقامت  و خلعت ملابسها لتتجه للحمام الداخلي وتغتسل بسرعة دون أن تنسي تدليك جسدها بالمرطب الذي يعشق رائحته ثم جففت شعرها بالمجفف الخاص به بسرعة دون أن تمشطه جيدا ليعطيها مظهرا غجريا رائعا مع لونه البني و انعكاسه على بشرتها البيضاء، لم تضع مساحيق تجميل سوى ملمع شفاه وردي وارتدت قميصا واسعا بأزرار أمامية تركت الأولى منها مفتوحة عمدا؛ ثم اتجهت لمكتبه حافية القدمين وقد أعدت فنجان قهوة بالبن الذي يحبه، طرقت على الباب و انتظرت قليلا حتى أذن لها بالدخول.

قبل ذلك بدقائق كان إبراهيم يحاول للمرة المئة الاتصال بحارث أو أيوب ولم يجبه أحد منهما، الأمر الذي زاد غضبه بشدة من الواضح أنهما يتعمدان تجاهله ومن يلومهما أو يلوم أشماس إذا رفضت الحديث معه بعد ذلك، فهو الذي أجبرها على الذهاب لمكان لا ترغب به بل و تكره قاطنيه!!
والأدهى أنه لم يتصرف فورا و يتخذ موقفا تجاه الإهانة التي وجهت لهم بل بقى وتركهم يذهبون وحدهم، يعلم علم اليقين أنه لم يبقَ بسبب توسلات جيهان وحدها، بل لأنه لم يرد أن يزيد الفجوة بينه وبين منزل شقيقها.
نعم هو لا يرغب أبدا في التفريط في جيهان بعد أن نالها بعد حرمان السنين ، رغم تهديده لها إلا أنه في الواقع كان يهدد نفسة لا هي!!!
نعم البعد عنها عقاب له هو، حرمانه من التعبد في محراب عشقها أسوأ عذاب قد يصيبه يوما بعد أن ذاق حلاوة العيش معها في عشق لا ينتهي، بعد أن نهل من عسلها وهو الذي عاش صائما  أكثر من عشرين عاما يكتفي ببعض قطرات الماء( كما اقنع نفسه) ليجد نهر الحياة ملك يديه.
أسند جبهته بيده كي يريح رأسه من التفكير، فهاهو الآن ولأول مرة في حياته لا يعرف ما عليه فعله ؟
جذب هاتفه المحمول وكاد أن يضغط على رقم والده يسأله المشورة (كعادته) إلا أن رائحة القهوة وتلك الدقات على باب المكتب أوقفته ؛ عقد حاجبيه في تعجب فهو لم يعتد من جيهان أن تطرق الباب قبل أن تدخل عليه ، هل يكون هذا حارث جاء يتحدث معه؟!
لا يذكر أنه سمع صوت جرس الباب، هل كان سارحا بأفكاره لهذه الدرجة؟!!
عندما لم يدخل أحد أجلى صوته وقال :
- تفضل.
فتحت جيهان الباب لتدخل ورائحة القهوة تسبقها، شعرها الغجري الذي يراه بذلك الشكل لأول مرة متخليا عن انسيابه حتى وجهها الصبوح والذي لا يحمل أي أثر لمساحيق التجميل كعادتها حتى كاد  يقتنع بأنها تنام بها، يراه خاليا وقد ازداد انتعاشا وتوردا أما تلك الملابس التي لاترتديها بل جسدها هو الذي أضاف لها جمالا لا العكس فقد أظهرتها كمراهقة متسللة لمنزل حبيبها وقد اختارت أن ترتدي قميصه الواسع عليها يكاد أن يبتعلها عله يخفي بعض مفاتنها البارزة بوضوح.
ابتلع ريقه ببطء ولم تخفَ تلك الحركة عن عين جيهان التي ابتسمت في داخلها وقد نجحت في أول خطوة لكسبه مرة أخرى.
تقدمت منه واضعة فنجان القهوة على الطاولة الصغيرة التي تتوسط الغرفة لا طاولة المكتب، مما جعله يرفع حاجبه في تعجب، لتقترب منه فعاد بكرسيه للخلف متوقعا أنها تريد أن تجلس على حجره مثل العادة لكنها فاجأته وجلست على طاولة المكتب من الداخل ليكون الفاصل بينهما شبرا فقط!
عاد بظهر ليستند على الكرسي كي تكون ظاهرة له بأكملها وقد أعطاها وضع جلوسها أفضلية فتكون هي أطول منه وتراه من علو، دون أن تتغير ملامحها قالت وأصابع يدها تتلاعب بزر قميصها الثالث:
- أعرف أنك غاضب ومعك كل الحق في ذلك، لكن ما هو ذنبي أنا ؟
لماذا تلومني وقد فوجئت بماحدث مثلك تماما؟
لا تنسَ أنني شخصيا لا آكل تلك الأكلة أبدا بل لا أطيق رائحتها، كما أنه كان من المفترض أن تكون العزيمة في منزلنا هنا وأنت من رفضت لسبب لا أعرفه ولم أجادلك فيه عندما قررت تأجيلها أو إلغائها مؤقتا متعللا أن الوقت ضيق لكنك وافقت على عزيمة جمعة.
عندما لم يرد أو تتغير ملامحه علمت بانها قاربت للوصل لهدفها فتابعت بنفس الدلال:
-كما أنني لم أحاسبك أبدا على طريقة معاملة أولاد شقيقتك لي حتى سلامهم كان من طرف أنفهم فهل اشتكيت أو اتهمتك أنك السبب؟
لقد رفضوا أن يقيموا عندنا وتحججت بأنهم يريدون أن يكونوا على راحتهم، فهل اعتبرت المقصود من ذلك إهانتي شخصيا وأنت موافق عليها؟
بهت من منطقها الذي وجده صحيحا نوعا ما  و كاد أن يفتح فمه ليرد عليها لتضع هي إصبعها السبابة على فمه وتكمل بدلال لم تتصنعه بل زاد مع نظراته الشغوفة له: 
-أنا لم ولن أقف في صف أحد غيرك، ولا تفكر حتى بتخييري بينك وبين أي شخص آخر حتى جمعة و أبناؤه وأهلي كلهم بل حتى وطني أنت لي كل شيء ليس مجرد زوج ما أنت إلا قطعة من خافقي تتباعد الدنيا وأنت قريب.

 سيل جارف  الجزء الاول من سلسلة الحب والحربحيث تعيش القصص. اكتشف الآن