الفصل الثاني والأربعون
قبل أسبوع في صالة فيلا أيوب و أشماس
نظرت أشماس لزوجها بعد جملة حارث ليقول الأخير :
-لو كان الأمر سرا أو به فضح لها لاداعي لإخبارنا به.
ضغطت أشماس على يده فرفع عينه لها لتقول له بنظراتها:
-اغلق فمك الآن
امتعصت ملامحه بغير رضا ليعود بنظرته لحارث الذي كان يتابع مايجري ببعض الغبطة؛ التناغم بين أيوب و أشماس واضح حتى للأعمى لدرجة أنهما يتحدثان بل يتجادلان بلغة الأعين ؟!!!
هذه ليست المرة الأولى التي يلاحظ ذلك حتى عندما كانا بالخارج اتصالاتهم لا تخلو من ذلك الاندماج والتفاهم من رفعة حاجب أو نظرة جانبية !
هذا وقد تم الزواج بنوع من الإجبار كما أوضحت هي للجميع بل إنها لازلت تصر بأنه لن يدوم للأبد في الوقت الذي لم ينعم هو بذلك الانسجام يومًا مع درصاف وهو الذي عرفها طوال عمره.
أغمض عينيه يستغفر ربه فهو لايريد أن يحسد عمته بالطبع الأمر فقط بأنه لأول مرة يرى علاقة زواج حقيقية أمامه بكل تفاصيلها التي تبدو عادية لكنها مهمة جدا له، لم يسبق أن قارن علاقته مع درصاف بأي علاقة أخرى فقد كان موقنا بأنها سوف تتغير وتشعر بحبه .
-اخبرنا ماهي القصة؟
ابتسم عند سماعه لجملة عمته التي أعادته للواقع بصيغة الجمع وقال:
-جمان تعيش وحدها وليس مع أمها كما أخبرت الجميع، كما أنها ليست من قبيلة المهدي هذا اسم جدها الرابع فقط.
عقد أيوب حاجبيه ليتابع حارث :
-والدها من قبيلة المحاميد، عندما كانت في السادسة عشر طلبها ابن عمها لكن والدها رفض لأنه سيء الخلق.
قال أيوب مقاطعا:
-ألا يمنع القانون عندكم الزواج تحت سن الثامنة عشر؟
ردت عليه أشماس:
-الأمر سهل يقوم الأهل باستخراج شهاده ميلاد لفتاة بعمر أكبر أو تتم خطبة الفتاة حتى تصل للسن القانوني.
لم يقتنع كثيرا ليقول:
-حسنا حتي لو مادام والدها رفض أين المشكلة ؟
لماذا تغير اسمها لا أفهم ؟
أشعل حارث سيجارته ورد:
-ابن عمها كان ابن شيخ القبيلة و طبعا والده لم يقبل بالرفض فقام بالتضييق عليه بكل الطرق لذلك اضطر لترك مدينتهم وكل أملاكه وذهب للعاصمة.
استعاد حواره مع جمان والذي أخبرته فيه عن قسوة الوضع بعد انتقالهم للعاصمة حيث عمل والدها كموظف حكومي براتب زهيد أما أمها فقد أصبحت تصنع الحلويات وتبيعها من منزلها كما تقوم بالعمل في الطبخ في الأعراس والمناسبات الكبيرة ليوفروا ثمن المنزل والسيارة وبعض الأساسيات هي نفسها بدأت في العمل مبكر لذلك تخرجت من المعهد أولا لتعمل في حضانة ثم تابعت دراستها.
سحب نفسا آخر وقال:
-المهم بعد فترة ورغم أن والدها ابتعد عن القبيلة و استقرت أموره ظهر ابن عمها من جديد فكان يفسد أي مشروع لها بالزواج بحكم أنه أولى بها .
ظهر عدم الفهم على أيوب لتقول أشماس موضحة :
-مادام ابن عمها حجرها*( أعلن رغبته في الزواج منها) لا يمكنها الزواج من أي شخص آخر حتى لو تم عقد القران يمكنه أن يطلقها.
بحدة رد:
-كيف يطلقها وهي زوجة لآخر ؟
هذا حرام شرعا.
رد حارث:
-هذه عادات وطبعا الكثير من العادات محرمة شرعا لكن من يناقش؟
المهم استمر في مضايقتهم سنوات وعندما حدثت الحرب وسقطت النظام استغل الوقت وقام بالهجوم على منزلهم و محاولة خطفها لا لشيء إلا لكسر والدها الذي رفضه و إذلاله ، عندها قام الجيران بتهربيها ليستقر بها الأمر وحدها هنا.
امتلأت عينا أشماس بالدموع فلم تتخيل أبدا أن تكون هناك قبيلة بتلك القسوة على بناتها لدرجة تجبرهم على الفرار لبلد آخر بدلا من ضمهم تحت جناحها.
ليقول أيوب:
-وماذا حدث لأهلها ؟
أعني أين إخوتها كيف سمحوا بذلك؟
ليرد حارث:
-ليس لها إخوة فقد أنجبها والداها بعد أكثر من اثنا عشر عاما
بصوت خفيض كأنها تخشى الإجابة سألت أشماس:
-وأين والديها الآن ؟
بنفس النبرة رد حارث:
-قتلا في منزلهما .
شهقت لتنزل دموعها فتابع :
-هذا ماجعلها تهرب لهنا، في البداية حاولت أن تسكن مع عائلة تعرفها لكن لم تشأ أن تثقل عليهم كما قالت.
لترد عليه أشماس من بين دموعها:
-بل طردوها بالطبع أعرف هذا النوع جيدا.
اعتدل أيوب وقال بصوت رخيم:
-وأنت الآن تريد أن تجد طريقة لتوصل المعلومة لعمتك والباقين دون إحراجها أو فضحها صحيح .
هز حارث رأسه ببطء ليتابع أيوب:
-لماذا؟
رفع حارث أنظاره له لترد أشماس:
-كيف لماذا أعرف عمتي جيدا لابد أنها تسأل عن أمها كل يوم، وربما تطلب زيارتها عندها سوف تحرج الفتاة.
ليكمل أيوب وهو يركز أنظاره في عيني حارث:
-وتذهب و ربما تختفي دون أي أثر لها صحيح؟
اضطراب طفيف احتل عيني حارث لم تلاحظه أشماس لكن أيوب رآه وفهم منه الكثير لتقول هي بعد تفكير:
-لماذا لا نعطيها إحدى الشقق الصغيرة خاصتنا لتسكن بها؟
يمكنها دفع إيجار بسيط كي لا تشعر بأنها صدقة.
رد حارث:
-لقد فعلت ذلك بالفعل، أسكنتها في شقة بقرب المجمع التجاري بنفس الإيجار الذي تدفعه كما أني وجدت لها عملا في حضانة دولية كانت درصاف تصر على إدخال يزيد بها كي يتعلم اللغة الأجنبية .
تهلتت أساريرها وقالت:
-حبيبي زيزو سيدخل حضانة ويتعلم لا أصدق كم يجري الوقت، لكن كيف قبلوا بها بدون أوراق أم أنها جلبتها معها؟
رد عليها وهو يطفيء سيجارته:
-لا لكن صاحب الحضانة صديقي فهو أيضا لاجئ من دولة أخرى لايختلف وضعه عنا.
لتقول بعدها:
-ممتاز دعها الآن تنهي الفرح معنا كي لا تشعر عمتي بشيء ثم سوف أمهد لها بأن والدتها سافرت للوطن وماتت هناك منها تكون عرفت الحقيقة ولا تشعر جمان بالإحراج.
أرضاه الاقتراح ليناقش معها كيفية التمهيد للآخرين و إقناع جمان لتكون معهم على الخط.
استقام ليذهب ثم قال:
-سوف أترككم اليوم هنا لكن الفيلا فارغة تقريبا من الأثاث لذلك من الغد ستكون إقامتكم عندنا هناك غرفة كبيرة بحمامها ستكون لكم.
حاول أيوب الاعتراض لتقول أشماس سعيدة بالاقتراح لدرجة أنها أسرعت تحضن حارث :
-ممتاز خصوصا أننا سنعود بعد الفرح و أنا أريد الاستمتاع بالسهرات البنات
أبعدها أيوب و قال وهو يجز على أسنانه :
-يجب أن ننام الآن بعد إذنك سي حارث.
عقدت أشماس حاجبيها و أبعدت يده ثم قالت متذكرة :
-ستدعو أميرة وعائلتها صحيح يجب أن يحضروا الفرح.
هز رأسه بالموافقة وقال:
-فعلت إلى اللقاء بعد عدة ساعات عمتي الحبيبة .
أغلق أيوب خلفه الباب وعاد ليجدها قد عدلت وضع الأريكة لتنام عليها فقام باحتضانها من الخلف غارسا رأسه في زواية رقبتها وقال:
-لديك الحق في غضبك مني أعترف بأني أخطأت دون تعمد أعدك بألا أكررها
التفتت له بحدة وردت:
-تكررها؟
هل تمزح معي أم تنوي شيء آخر ؟
حضن وجهها بيديه ورد:
-رأيت حتى الاعتذار أفشل فيه، تعلمين جيدا قصدي يا زهرة عمري، ما فعلته ناتج عن جهلي بعاداتكم لذلك سوف أحاول أن أكون أكثر حذرا في المستقبل.
حاولت إبعاد عينيها عنه ليسند جبينه على خاصتها ويتابع:
-وأعلم أن ما تفعليه هو رد فعل لغضبك مني لا أكثر حتى قبولك بعرض حارث كي تغضبيني فقط صحيح ؟
أبعدت يده عنها وقالت:
-لا هو محق الفيلا كبيرة وباردة ولن نجد الوقت أو المال اللازم كي ننهي تأثيثها لذلك وافقت على عرضه ، أنا أصلا كنت أريد أن أبيت في غرفتي لولا إصرار عمتي فقط.
خلع حجابها و رد:
-بم أن هذه الليلة الوحيدة لنا في منزلنا الخاص لنجعلها ليلة مميزة إذا .
الوقت الحالي دخل سفيان و أيوب من خلفهما حارث ليأخذوا الطعام الجاهز ليصطدموا بكلام درصاف الأمر الذي جعل سفيان بالذات يشعر بإهانة كبيرة موجهة لشقيقه الروحي فقال بصوت عال دون تفكير:
-حارث قرر الزواج من جديد يبدو أنني أغريته.
التفتت له الرؤوس لتقول مبروكة بتوجس فهي لم تفق بعد من صدمة درصاف ليأتي سفيان بهذا الكلام :
-حقا؟
من العروس أم نختار له؟
ليقول أيوب بثقة:
-بل هو من اختار بنفسه وهي راضية كما فهمت منه أليس كذلك جمان؟
لم تشعر بنفسها وهي تضع يديها في الزيت الساخن حتى صرخت بها أشماس:
-احذري يدك.
أسرعت تبعدها فأخذتها أشماس للمطبخ الداخلي لتغسلها لها فيم عم الصمت المكان حتى قالت هاله بحنق:
-كنت أعرف والله قلبي شعر بذلك.
لتقول مبروكة باستغراب:
-ماذا تعني هل أخبرك أحد من قبل؟
بلعت ريقها عندما رأت أشماس تنظر لها بتحذير من الباب المؤدي للفيلا فقال حارث بهدوء يحسد عليه:
-لنأخذ الطعام يا شباب المعازيم على وشك الوصول
لم يتحرك أحد من مكانه ليقول بصوت أعلى :
-هيا بسرعة أين الطعام.
قام الجميع لتغليف الطعام أما درصاف فلم تعرف ماعليها فعله لتدخل بسرعة غرفتها وتغلق عليها الباب وقد شعرت بأن جرة كبيرة وقعت على رأسها حتى باتت غير قادرة على استيعاب ما حدث منذ دقائق في الخارج.
لم يتحدث حارث طوال الطريق بل حتى عندما وصلوا قام بإدخال الطعام و انتظار المعازيم كأن شيئا لم يكن، أما سفيان فحاله لايمكن وصفه لايعرف هل عليه العودة للتأكد من حالة شقيقته أم البقاء وادعاء أن كل شيء سيكون بخير؟
وحده أيوب قام بسحب عبدالخالق و إخباره بما حدث باختصار ليقوم الأخير بالاتصال بوالدته ليطمئن على الأوضاع عندهم لتجيبه أفطيم التي لم تكن تعرف ماذا يحدث حيث أصرت أشماس و هالة أن تمضي اليوم في المنتجع التجميلي بعيدا عن البيت كي تكون جاهزة للغد ، فقام بمراوغتها ولم يخبرها ماجرى، ثم اتصل بأشماس التي لم يكن حالها أفضل منه لتقول:
-لا أعرف شيئا كلنا في حالة صدمة وتلك المسكينة تحبس نفسها في الحمام أما درصاف فلا أستطيع حتى الدخول لغرفتها لا أعرف ماذا أقول لها حقا.
تنهد ورد:
-حاولي تهدئة الجميع وأنا سأحاول معرفة الحقيقة من حارث نفسه.
أغلقت معه ثم ذهبت لعمتها التي ضيقت عينها عندما اقتربت منها لتقول بحدة:
-كنت تعرفين صحيح ؟
طبعا حارث سره مع زوجك.
لتقول هالة بغضب:
-لذلك كنت تدافعين عنها إذن ، يا إلهي لا أصدق سيتزوجها بدلا من درصاف أم ابنه؟
تحدثت تفاحة برصانة :
-هي ليست فردة حذاء أو قطعة أثاث لتكون بدلا ، ثم الرجل قرر أن يتزوج سواء جمان أو غيرها لماذا تولولون الآن ؟
على الأقل نحن نعرف الفتاة وعاشرناها لمدة لنتأكد من أخلاقها و طيب أصلها.
وضعت مبروكة يدها على قلبها ثم قالت:
-أين هي الآن لقد أحرقت يدها ؟
سنان هلا طلبت منها الحضور قدماي لا تحملاني لأذهب لها الآن .
بخطوات بطيئة جدا دخلت سنان للمنزل تبحث عنها ثم دقت عليها باب الحمام أكثر من مرة لتخرج لها وعلامات الدموع على وجهها لتقول سنان في تعاطف:
-هل أنت بخير؟
هزت جمان رأسها بغير معنى لتردف الأولى :
-عمتي تسأل عنك تعالي لنطمئنها.
مسحت دموعها وذهبت معها وهي منكسة الرأس لتقول مبروكة عند رؤيتها :
-أريني يدك ما حدث لها؟
كأنها لم تفهم السؤال لتمسك سنان يدها وترد بخوف:
-يا إلهي الحرق قوي يجب أخذك للطبيب.
بلعت ريقها وردت:
-لا داعي لذلك، علي أن أنظف المكان أولا كي نعيد الأواني للمحل.
ردت أشماس:
-لاتهتمي لذلك لن نعيد شيئا إلا بعد غد لقد أخبرت الشباب بذلك ، تعالي معي لنذهب للصيدلية لا أعتقد بأن لدينا مرهم للحروق .
استدارت عائدة للداخل عندما أوقفتها مبروكة قائلة:
-هل وافقت على حارث فعلا؟
أعني متى خطبك لم أكن أعرف بأنه يريد الزواج منك؟
تجمدت غير قادرة على الإجابة ، ماذا تقول أنه اختارها كي يعيد كرامته التي أهدرتها حبيبة قلبه؟
إنها مجرد بيدق يحركه بأصابعه غير مهتم بمشاعرها؟
الآن الجميع ينظر لها كمن عض اليد التي مدت له
أتقول بأنها تتمنى أن يكون العرض جدي؟
شعرت بأحد يدفعها لداخل الفيلا لتسرع في خطواتها هاربة من الجميع بينما أشماس تنظر لعمتها في عتاب ثم قالت:
-لن نتحدث في الموضوع الآن لو علمت أفطيم سوف توقف الفرح.
ثم التفتت لهالة وتابعت:
-من فضلك هلا ذهبت للاطمئنان على درصاف و الاتصال بطبيبتها النفسية لا نريدها أن تنهار أو تحدث لها انتكاسة.
رفعت مبروكة حاجبها وقالت بغضب:
-من التي تنهار بل هي من سببت الانهيار لهذا البيت، اسمعي والله لو سمعتها تتحدث مرة أخرى عن حارث بهذه الطريقة لن يهمني سفيان ولا حتى ابنها وسترى وقتها القبيلة التي لا تعجبها كيف تكون بحق.
أسرعت هالة للداخل بقلب مكسور على امرأة مثلها تم خيانتها من وجهة نظرها، بينما أخذت أشماس جمان التي ترتعد بشكل ملحوظ لأقرب صيدلية لتعالج الحروق بيدها.
مر مشهد مقارب لها منذ سنوات مضت لتقول أشماس بنبرة بها حنين:
-تعرفين بأن موقف مشابه حدث لي منذ فترة طويلة ؟
نظرت لها جمان دون رد لتتابع:
-حسنا وقتها كنت غاضبة من أيوب وتصرفت بطيش لدرجة أحرقت يدي.
عقدت حاجبيها ثم هزت رأسها و أردفت :
-و الآن هو سبب حرقك ليدك صحيح ؟
يعرف كيف يخرج الشخص عن شعوره.
بهمس ردت:
-هل كنت تعرفين زوجك منذ زمن؟
كنت أظنك تعرفت عليه بعد خروجكم من البلاد؟
هزت رأسها وتنهدت قائلة:
-لا أنا أعرفه منذ أكثر من أربع سنوات كما أنني الزوجة الثانية له لعلمك.
اتسعت عيناها في غير تصديق فسحبتها لتمشي معها قليلا، أكثر ما تحبه في هذه المدينة هو كثرة الأماكن الخضراء والمسافات الواسعة بين البيوت عكس باقي أحياء العاصمة الأمر الذي يذكرها بمدينتها نوعا ما ثم ردت:
-قصتنا غريبة لو كنت سمعتها من شخص آخر لما صدقتها ولا صدقت بأني معه الآن .
بنفس الهمس قالت جمان:
-تعرفين بأنه لم يخطبني بل هو لم يفكر بي من الأساس الأمر كله ...
سقطت دموعها ولم تستطع المتابعة ، لتقوم أشماس بدفعها للجلوس في إحدى الحدائق كي تبكي براحتها ثم قالت:
-سفيان و أيوب لن يقولا ذلك عبثا، صدقيني لابد أنهم ناقشوا الأمر مع حارث.
هي نفسها لم تصدق ماقالته، ربما جزء بسيط يفعل لكن الباقي لا ، لا يريد التصديق كيف ستفعل وتغدر بدرصاف؟
لكن مهلا من غدر بمن؟
أليست درصاف من قالتها مرارا وتكرار بأنها تزوجت حارث بالإجبار!
ألم ترفض كل محاولاتها ومحاولات أفطيم وهالة كي تتقرب لحارث وتحاول معه كي يعيدها لذمته بحجة أن كرامتها لا تسمح لها؟
لم تقل هي بلسانه بأن حارث يستحق أن يجد من يحبه؟
مسحت وجهها و حاولت أن تستقيم لتقول:
-ظهري يؤلمني جدا يجب أن نعود كي أرتاح قليلا.
ساعدتها جمان وردت:
-أنا سأعود لشقتي لا أستطيع التحدث مع أحد الآن .
أومأت لها و ذهبت معها لشقتها لتقول أمام بابها بحرج:
-إذا كنت متعبة لا داعي أن... أقصد غدا سوف أمر عليك كي أطمئن على يدك.
فهمت جمان ماذا تعني لترد:
-لا تقلقي غدا زفاف أفطيم ابقى معها وأرجو أن تبلغيها اعتذاري لن أستطيع القدوم للحفل.
تنفست براحة وردت:
-المهم ألا تكوني حزينة أؤكد لك بأن الموضوع ليس كما تظنين.
غادرت أشماس لتحاول الاتصال بأيوب الذي لم يجب على اتصالاتها متعمدا فهو يعرف ماذا تريد منه؛ في نفس الوقت خرج حارث من الصالة واتصل بجمان وعندما لم ترد أرسل لها:
-أجيبي وإلا سأكون عندك الآن .
ليتصل بها بعدها فردت عليه بصوت متحشرج من البكاء ليقول:
-لماذا تبكين مثل الطفلة المدللة؟
ردت بحدة :
-لست طفلة وبالطبع لست مدللة.
شعر بالسعادة لأنها عادت لحدتها فقال:
-أعرف أنك لست طفلة أبلة جمان، أما أمر الدلال هذا سوف نراه في وقت آخر .
لا تعرف لماذا شعرت ببعض الحرج وبدلا من الرد عليه فضلت الصمت ليتابع هو:
-لم أقصد أن تعرفي بهذه الطريقة أو توضعي في موقف محرج كما حدث.
شعرت بقلبها يدق بقوة لتبتلع ريقها الجاف لحلقها الأكثر جفافا ثم ردت ببطء:
-أعرف ؟!!
هل تعني بأن الطلب جدي؟
أعني أنت لم تتورط بي بسبب...
قاطعها بحدة لم تخفى عليها:
-لن أتزوجك كي أرد كرامتي طبعا أنا لست طفلا غرا كي أفعل ذلك .
عندما طال صمتها قال وقد شك بشيء :
-جمان إياك أن تتركي الشقة وتختفي.
تنهدت وردت:
-هل نسيت بأن جواز سفري لايزال عندك؟
لا أستطيع الذهاب إلى أي مكان حتى لو أردت ذلك؟
بعد أن ننتهي من فرح سفيان سنتحدث مطولا أراك غدا
ردت بسرعة :
-لا أنا لن أحضر غدا، أعني تعرف أن يدي حرقت وأشعر بالتعب لذلك استأذنت منهم .
-يدك حرقت حقا ؟
لم أكن أعرف حسنا نامي الآن و غدا صباحا سوف آتي لأخذك للطبيب.
بإبتسامة قلب ردت:
-لا داعي أشماس أخذتني للصيدلية وقد أعطوني مرهم حروق.
خرج أيوب يبحث عنها ليقول بتأكيد :
-غدا صباحا عندما أرن عليك تنزلين وإلا سوف أصعد لك بنفسي.
لم ينتظر ردها بل أغلق هاتفه و عقد يديه و التفت لأيوب ليقول بحدة :
-أهلا بالخاطبة الدفع الآن أم بعد الفرح كي أعرف ؟
ابتسم له أيوب وقال:
-نحن بالخدمة سي حارث،تعال ندخل الناس تسأل عنك.
دخل معه ليلتهي بالسلام على المعازيم الذين بدأوا بالرحيل .
في فيلا العائلة دخلت أشماس لغرفة درصاف وقالت كأن شيئا لم يكن:
-ألم تغيري ملابسك بعد؟
هيا أفطيم على وشك الوصول كما أن سفيان والشباب وصلوا إلى الفيلا الأخرى ليس لدينا الكثير من الوقت
نظرت لها هالة بلوم لتقول درصاف:
-سأكون جاهزة بعد عشر دقائق، من سيذهب معي أنت أم سنان ؟
تجاهلت نظرات هالة وردت:
-سنان وهالة إذا رغبت طبعا خالتي تفاحة غيرت ملابسها بالفعل أنا من أهل العروس طبعا.
خرجت لتستعجل سنان التي كانت مبروكة تنهي وضع باقي الحلى الفضية لها التي قالت بسعادة :
-بسم الله ماشاء الله جمالك اليوم يغطي على الجميع جيد أن سفيان عقد قرانه و إلا كنت خطفيته من افطيم.
احمرت وجنتيها وردت بحرج:
-نسيت أني مخطوبة لشقيقه .
شعرت أشماس بنغزات في قلبها كلما تحدث سنان بهذه الثقة عن رؤوف لتقول بمرح مصطنع:
-وماذا عن باقي الحلويات أم قررت الصوم أخيرا ؟
عضت شفتها السفلي و أشارت بعينها على عمتها لتضحك أشماس بصوت عال و تقول:
-اخيرا وجدت من يردعك.
وضعت مبروكة بخور زيادة على فحم المبخرة وقامت بتقريبها منها قائلة:
-دعيني أبخرك من عين عمتك هذه.
شهقت أشماس وردت:
-من عيني أنا يا كوكا.
ضيقت مبروكة عينيها وقالت:
-أشماس لمي لسانك واذهبي لأفطيم الآن ليس لدينا الكثير من الوقت يكفي أن جمان لم تعد معك لأصبح وحدي أجرى هنا وهناك.
قبلتها على خدها وردت:
-أنت الخير والبركة يا كوكا.
أبعدتها عنها بعنف لتجري خارج الغرفة وهي تضحك فرأت درصاف تخرج من غرفتها مرتدية فستان سهرة أسود لامع لتقول بصدمة :
-لماذا لم ترتدي الزي الذي أجرناه ؟
لقد أكدت صاحبه المحل بأنه لم يرتديه أحد قبلك
عقدت يديها وردت:
-من الذي دفع ثمنه؟
ظهر عدم الفهم على الأولى لتتابع:
-لقد قام بتلك الخطبة العلنية كي يكسرني أو ربما كي يرد كرامته في الحالتين هو أراد أن يؤذيني بالطبع لن أرتدي أي شيء دفع ثمنه بل إني سوف أعمل و أعيل نفسي .
زفرت أشماس و لم تشأ أن تجادلها أكثر وأكملت طريقها لغرفة أفطيم التي وصلت منذ قليل فوجدتها منكمشة على نفسها بطريقة غريبة لتسرع لها وتقول:
-أفطيم مابك هل أنت بخير؟
هل أنادي عمتي؟
حركت يديها بعلامة لا وقالت:
-أنا بخير الأمر فقط أني ...
ابتلعت ريقها فقامت أشماس بإعطائها قنينة المياه
التي كانت قربها فشربت منها ثم مسحت فمها بظهر كفها ثم قالت:
-أشماس أنا خائفة جدا، لا أعرف لماذا لم أرفض لا أريد الزواج يجب أن تجدي لي حلا .
احتضنتها كي تهدئ من روعها فقد كانت أفطيم ترتعش بصورة واضحة وقالت:
-اهدئي كلنا نعرف بأن سفيان يحبك، صحيح هو عنده مشكلة تجعله يتحرك بسرعة السلحفاة ، لكني واثقة بأنه سوف يعوضك عن غبائه السابق لا تقولي بأنك لاتحبينه أو أنه تم إجبارك على الزواج منه أنت الأخرى ؟
نزلت دموعها وعلت شهقاتها لترد :
- الأمر ليس فقط بسبب تخليه عني أول مرة بل أنا لست مستعدة لتكرار الزواج افهميني.
تجعد جبين أشماس وهي تفكر في معنى كلام أفطيم دون فائدة لتقول بحيرة :
-لا أفهمك هل توقفت عن حبه؟
غطت وجهها بيديها وردت:
-لا الأمر ليس كذلك أنا فقط لا أريد الزواج لا أقدر على ذلك افهميني.
أبعدت يديها وقالت:
-لماذا لا تريدين الزواج ؟
لا أفهمك حقك إذا كنت تحبين سفيان.
صرخ بها:
-أنا أكره العلاقة الزوجية أمقتها تماما لا أريد إعادة التجربة مرة أخرى.
لأكثر من خمس دقائق لم تنطق أشماس ، لم تجد ماتقوله لها واضح بأن ابنة عمتها تأذت بشكل كبير وهي حتما ليست مؤهلة للتحدث معها في هذا الأمر أبدا .
في صالة الفيلا تأكدت مبروكة من ترتيب المكان صحيح لن يكون هناك سوى عدد قليل يضم عائلة تفاحة والمعلم الصالح ونهى وأمها وبعض الأقارب الذين تصادف زيارتهم للبلاد مع الفرح، لكنها سعيدة جدا وتريد لكل شيء أن يكون على أكمل وجه ، للمرة الألف زفرت وقالت:
-أين أنت ياجمان هل هذا وقت راحة ؟!
أسرعت تقترب منها أميرة وقالت بسرعة :
-أنا هنا عمتي اخبريني ما تريدين وسوف أنفذه فورا.
ابتسمت لها وردت:
-سلمت حبيبتي هلا ألقيت نظرة على الحلويات لا أريد ليزيد أن يأخذ منها حتى نقدمها للضيوف.
أسرعت لتنفيذ طلبها وفستانها الواسع يهتز على وقع خطواتها الراقصة بينما اقتربت أشماس تهمس في أذن عمتها:
-اذهبي لأفطيم تحتاجك في غرفتها.
نظرت لملابسها وردت:
-لماذا لم ترتدي ملابسك أنت الأخرى ؟
حركت مقلتيها للأعلى وردت:
-لم أجد من يساعدني لذلك سوف أرتدي قفطان مغربي و..
-تفاحة.
صرخت بصوت عال جعل أشماس تقفز من مكانها في فزع بينما ردت تفاحة من مكانها:
-لماذا تصرخين؟
اسمعي لا أحب حركات أم العروس تلك التي تشعل البيت حريقة بسبب نقص ملعقة .
اتجهت لغرفة ابنتها وردت:
-لولا أني مستعجلة لعرفت كيف أرد عليك جيدا، أشماس تدعي بأنها لا تعرف كيف ترتدي الملابس العربية( الزي الليبي التقليدي) ساعديها لنرى آخر هذا اليوم.
رفعت حاجبها وقالت موجهة كلامها لأشماس:
-لا تعرفين أم لا تريدين ؟
ردت دون النظر لها:
-لا أعرف حقا ثم هالة ارتدت وسنان كذلك لاداعي لأن أفعل أنا أيضا .
وضعت يدها على مسند الكرسي وقالت:
-تعالي ساعديني كي أقف أشعر بالتعب.
اقتربت منها تسأل :
-إلى أين تريدين الذهاب؟
استقامت تتكئ عليها وردت:
-كي أساعدك في اللبس أم تريدين أن تلبسي هنا ؟
قلبت مقلتيها وذهبت معها للغرفة مستسلمة .
في غرفة أفطيم
توقفت عن البكاء قبل دخول والدتها لحسن الحظ لتقول مبروكة عند رؤية وجهها محمرا :
-ابنتي الغالية لا أصدق بأن الله عوضني قبل أن يعوضك بأن أعيش هذه اللحظة وأنا في سعادة وراحة لأني متأكدة بأن زوجك هذه المرة عونا لك.
رمشت لتخفي ابتلال عينيها وردت:
-أنت سعيدة بحق يا أمي ؟
ضمتها لحضنها وردت:
-سعيدة جدا، فرق السماء عن الأرض بين هذه المرة والمرة السابقة ، فقد كنت أبكي في مثل هذا اليوم وأنا أشعر بالحسرة وكسرة النفس.
ابتعدت عن حضن أمها وردت:
-لكن سفيان لا يعمل، أعني هو مع حارث لكننا نعلم أنه لايملك عمل خاص بعد أعني أموره المادية ليست مستقرة .
التفتت تبحث عن شيء في خزانتها وقالت:
-خذوهم فقراء يغنيكم الله، سفيان رجل بحق أنا متأكدة بأنه سيحفظك ويكون سندا لك بعد موتي، الآن فقط ارتحت ثم كما قلت هو مع حارث هذا وحده يجعلني أطمئن عليك أكثر ،فهو لن يبعدك عن أهلك يوما عكس الموكوس.
وجدت ما تبحث عنه لتعطيها فعقدت أفطيم حاجبها وقالت:
-ماهذا يا أمي لا تتوقعي أن أرتديه ؟
وضعته على السرير و ردت:
-بل ستفعلين بعدها سوف أحنيك بنفسي.
وضعت يدها على قلبها وأغمضت عينيها تحبس دموعها وأردفت :
-لم أشعر بأني زوجتك من قبل فقد حرموني من أبسط حقوقي كأم وقتها، دعيني أفرح قليلا وأنسى بأن والدك وإخوتك ليسوا معنا.
قامت أفطيم بضم أمها لها هذه المرة ولم تحبس دموعها .
في غرفة أشماس لفت تفاحة (الرداء) جيدا على أشماس و قالت:
-هذا سيشد ظهرك لو شعرت بضغط اخبرني لأخفف الربطة حول حزامك.
حاولت أشماس توسيع ربطة الصدر وردت:
-أشعر بالضغط على صدري ، لا أعرف ماذا حدث أشعر بأنه كبر فعلا.
نظرت تفاحة جيدا لأنفها ثم صدرها ثم ضيقت عينيها وقالت:
-هل تشعرين بألم فيه؟
فتحت حقيبة الذهب الخاصة بعمتها سليمة وردت:
-أشعر بألم في كل جسمي أنا متعبة جدا يجب أن آخذ مسكن وإلا لن أستطيع تكملة الليلة معكم.
لم ترد تفاحة لتنظر لها أشماس باستغراب وقالت:
- خالتي تفاحة تعالي ساعديني في الاختيار لا أريد أن أرتدي الكثير من الذهب تعرفين سفيان لم يجلب لأفطيم ذهب كثير ولا أريدها أن تتحسس هي أو هو.
انتقت لها عقد متوسط بعدة طبقات مع اسورتين عريضتين بنفس نقش الخلخال العريض في كل ساق أما التاج فلم تحبذ أشماس ارتدائه لأنه كبير نوعا لتكتفي ب(شنبير ) لتقول تفاحة :
- مارأيك أن تلبسي أفطيم واحد من تلك العقود الكبيرة ؟
راقت الفكرة لها لتختار واحدا مع التاج و إسوارة عريضة ثم أخذتها لها مسرعة فوجدتها مرتدية لفستان أحمر قرمزي بحمالات رقيقة منفوش تحت الصدر فصفرت في إعجاب و قالت:
- واو سوف يجن الرجل، اسمعي دعي شعرك دون لمه وضعي التاج فقط وخذي هذا
ألبستها العقد و الإسوارة لتبدو كملكة بحق فقالت مبروكة بين دموعها :
-جبر الله خاطرك يا أشماس بطفل ينير حياتك كما جبرت بخاطري قبلها.
دون وعي ردت في سرها:
-اللهم آمين .
تم انتبهت لنفسها لترد:
-هيا قبل أن يصل أهل العريس .
في فيلا حارث اصطفت السيارت أمام الفيلا ليقول أيوب باستغراب:
-لماذا السيارات ألن تأخذوا الحاجيات للفيلا المجاورة ؟
رد عبدالخالق وهو يضع سلات هدايا العروس في السيارة:
-سنقوم بزفة سريعة رأيت أصدقائنا لم يتركونا كما أن سفيان يريدها و علاء صديقك أخبرني بأنه جلب زفة بلدي لا أعرف ماذا يعني ذلك لكني متشوق لها جدا.
صعق أيوب وأخذ يبحث عن علاء وعندما لم يجده اتصل به ليجيب عليه قائلا:
-الطريق مزدحم لم أصل بعد لمكان الفرقة.
ليرد أيوب بصرامة :
-لف وعد فورا، لازفة بلدي لا غيره أعرف نوع الفرقة التي ستحضرها.
ضحك علاء ورد:
- يجب أن يعيشوا أجوائنا بالكامل زفة بلدي من التي يحبها قلبك.
طحن ضروسه وقال بحدة :
-عد فورا و إلا سوف أضع اسمك على البوابة كي يمنعوا دخولك للأبد .
رد بتعال :
-ليس لك في الطيب نصيب كنت سأجلب شوشو و زيزي معي .
أغلق أيوب الخط دون رد وبحث عن حارث بعينيه ليلمحه يقف مع سفيان فذهب لهم
في نفس الوقت كان سفيان يقول:
- لا أعرف كيف ورطتك أنا فقط صدمت من كلام درصاف وخ
قاطعه حارث:
- أولا لم تورطني أنا فعلا أفكر في الزواج منذ مدة كنت فقط أنتظر تحسن حالة درصاف ؛ كما أنها ليست المرة الأولى التي اسمع فيها هذا الكلام ولا أنت على ما أعتقد الفرق أن الجميع سمعه في نفس الوقت.
نكس سفيان رأسه لا يعرف ماذا يقول أو ماذا يشعر من جهة يجد الحق مع حارث فالإهانة كانت علنية هذه المرة ومن جهة أخرى قلبه يتقطع على أخته كيف ستستمر في العيش معهم بعد أن يتزوج؟
هل يأخذها معه؟
لكن حارث لن يفرط في ابنه ومن يلومه؟
هل يلغي فكرة السفر ويأخذ شقة منفصلة عنهم؟
نعم سوف يفعل ذلك لن يترك أخته تتجرع الألم حتى لو كانت هي السبب فيه، بعد شهر العسل سوف يتحدث مع أفطيم ليخبرها بما قرره ، يرجو من الله أن تكون متفهمة وتوافق كي لا يوضع بين شقي الرحى.
❈-❈-❈
في الدولة الأوربية
خرجت من الغرفة التي تعطي بها المحاضرة لتجده يقف أمامها بابتسامة عريضة جعلتها تشعر باشمئزاز الوضع كله بات يبعث على الغثيان ، حاولت التحكم بعضلات وجهها كي لا يظهر عليها ما تشعر به وقالت برسمية:
- أهلا كمال كيف الحال؟
بابتسامة واسعة رد:
- أنا بخير كيف حال فتنة؟
هل لازالت متوعكة ؟
لم أرها منذ سفركم للوطن أريد الاطمئنان عليها هلا أعطيتني رقم هاتفها؟
أشارت له ليتقدم معها في السير لتدخل الكافتيريا وتتخذ مكانا بعيدا نسيبا لتجلس فيه معه وتتحدث بهدوء ثم قالت:
- هناك أشياء لاتعرفها عن فتنة من واجبي أن أخبرك عنها قبل أن تقرر أمر المضي في زواجك منها.
بلع ريقه بطريقة واضحة وقال:
- لا أعتقد بأن هناك ما قد يجعلني أغير تفكيري .
ردت ياستهزاء :
- ممتاز والآن اسمع فتنة تزوجت مرتين لذلك تركت الوطن وتعيش معي كما أنها حملت و ابنها مات عند الولادة .
اتسعت عيناه و عجز عن الرد لثوان وإن كان الرد وصلها لتقف من كرسيها و تقول:
- يمكنك السؤال عنها في حينا أو سؤال إخوتها لن يصعب عليك الوصول لهم فهم يملكون محلات كبيرة في المدينة الساحلية وعندما تقرر اخبر إخوتها فهم أولياء أمرها وليست أنا .
ذهبت بعدها بخطوات سريعه لتخرج من الكافتيريا وقلبها يكاد يقف من هول الموقف لتجد إبراهيم يقف أمامها من حيث لا تدري حتى كادت تصطدم به ، تجاوزته لتخرج من الكلية فلحق بها بسرعة ونجح في إيقافها قبل أن تأخذ سيارة أجرة ليجبرها على الركوب معه صاحت :
-انزلني أريد الذهاب لمحطة القطار الآن.
رد بهدوء:
-سوف أوصلك لا داعي للصراخ.
أشاحت بوجهها للنافذة بينما قاد السيارة وهو يختلس النظرات لها وعندما وصل لمحطة القطار أوقف سيارته وأغلق الأقفال قائلا:
-هلا أخبرتني ماهي قصتك مع كمال؟
حاولت فتح الباب دون فائدة لترد:
-افتح الباب و إلا كسرت زجاج النافذة ، ثم ما دخلك أنت طلقني دعني أعيش في سلام.
ليرد بغضب:
-سلام أم مع كمال؟
نظرت له بصدمة هل يظن بأنها سهلة تتنقل من رجل لآخر ؟
ألم تخبره عن زيجاتها وظروفها كلها؟
قرأ ما تفكر فيه ليقول باعتذار:
-لم أقصد ما وصلك لكني سمعته يطلب منك الزواج
كتفت ذراعيها وقالت:
-وماذا فعلت عندما سمعت؟
لماذا لم تهب لتخرسه وتحمي عرضك؟
لم تصلني ورقة الطلاق بعد أي أني لازلت على ذمتك كيف تسمح لرجل آخر أن يطلب يدي و لا تفعل شيئا ؟
أبعد عينيه عنها دون رد لتقول هي:
-حسنا كلانا يعرف بأنك خفت إذا تشاجرت معه ستفضح نفسك ويقال عنك هجمي عربي، خصوصا أن كمال يحمل الجنسية .
رد بنبرة متعثرة :
-الأمر ليس كذلك أنا فقط أردت التأكد لو أن بينكما شيء أو لا.
رفعت حاجبها وردت:
-حقا؟!!
وإذا عرفت هل ستذهب الآن لتضربه وسط الجامعة ؟
تعرف لو كنت طلقتني لكنت تفهمت غضبك لكن سكوتك يجعلك بنظري
قطعت كلامها و ألقت عليه نظرة شعر بأنها تجلده بها ليفتح لها الباب فخرجت مسرعة وقد أيقنت بأن حياتها معه انتهت للأبد.
❈-❈-❈
سمعها تصرخ في الهاتف فقرر تجاهلها وذهب ليحضر لنفسه كوب قهوة وعندما عاد قالت له بحنق:
-لديك رقم عمة فتنة؟
جعد جبهته ورد:
-لا لماذا تريدينه هل هناك شيء ؟
حاولت الاتصال بشخص ما وردت:
-الغبية وافقت على عريس أكبر من والدها بحجة أنها مطلقة وليس لديها فرص؟
لا أعرف متى تنتهي تلك النظرة الدونية للمرأة ؟
فغر فاه غير مصدق وردد:
-من التي وافقت ومن العريس ماهي القصة بالضبط ؟
بغضب قصت عليه ماعرفته من منار ليخرج من المكتب مسرعا متجها لكليتها وقبل أن يصل تذكر بأنها بدأت العمل على تصميم المستشفى ليغير مساره باتجاهها وهناك لم يصعب عليه أن يجدها حيث كانت بالفعل تقوم بالتجهيز لمشروع تخرجها عندما أمسك ذراعها وقام بلفها لتواجهه وهو يقول بغضب:
-هل وافقت على الزواج من غيري فعلا.
❈-❈-❈
في بلد أيوب
ركبت درصاف مع سفيان و هالة مع زوجها أما يزيد فقد ركب مع حارث و سنان وعبدالخالق و أيوب وعلي في نفس السيارة يتقدمون السيارت وشغلوا مسجلاتهم بصوت عال من حسن الحظ أن اليوم إجازة فلم يمانع أحد من الجيران ذلك كما أنهم ابتعدوا من تجمع الفيلات ليلفوا حول المجمع السكني كله وعندما اقتربوا من مكان الفيلا قال عبدالخالق خفف السرعة سوف أنزل في بداية الشارع.
فعل الأخير مع استمراره في ترقيص السيارة ليفعل حارث المثل من خلفه فخرجت سنان من النافذة و صفرت لهم ليقوم سفيان بالمثل بينما هالة تحاول مجاراة تلك المجنونة لكن زوجها منعها لوت فمها وقالت بهمس:
- سأخبر عمتي ليضحك بصوت عال دون رد، في نفس الوقت نزل عبدالخالق من السيارة وبدأ الرقص على أنغام الفرقة ( الزكة )التي جلبها المعلم صالح لينزل معه المعلم صالح وابنه وبعض الشباب بينما تتقدم سيارت الزفة ببطء شديد خرج بعض سكان الفيلل يشاهدون العرض معظمهم كان من جنسيات عربية مختلفة بالإضافة لأهل البلد الأصليين وقد شاركهم بعض الجيران في الرقص مما جعل سنان تحاول النزول فشدها حارث وقال:
-افعليها لأدفنك مكانك.
تكتفت وردت:
-متحجر.
لم يهتم بها بل رفع عينيه يحاول رؤية شقة جمان من مكانه لكنه فشل فأخرج هاتفه و أرسل لها:
-اخرجي للشرفة لتشاهدي الزفة
ردت عليه:
-أنا في الفراش لا أريد الخروج
ليجيبها :
-أعرف بأنك هبلاء لذلك ضعي الإسدال قبل خروجك للشرفة ولاتنسي أن تصوريني وأنا أرقص .
شعرت بالغضب لدرجة أنها اتصلت به لكنه لم يجبها بل فتح الخط وتركها تسمع صوت الفرقة ليرفف قلبها مع دقات الطبول التي أعادتها للوطن وأفراحه وهي لم تفكر بها قط ، لتغلق الهاتف وتسرع للشرفة ثم توقفت عند بابها لتتذكر بأنها لم ترتدي إسدال الصلاة فعادت تبحث عنه ثم خرجت للشرفة و أطفأت نورها لتشاهد الزفة بأنغام فرقة من الوطن و تشاهد رقص الشباب لتبدأ في التصفيق بطريقة عفوية ثم أخذت تبحث عن حارث بعينيها إلى أن وجدته ، لحسن الحظ بأن العمارة التي تقيم بها قريبة من فيلاتهم لتحاول التصوير لكن الصور لم تكن جيدة طبعا .
في فيلا العائلة جلست أفطيم في المكان المجهز لها لتقوم تفاحة بتغطيتها برداء زهري اللون فقالت أشماس:
-ماهذا دعيهم يرونها كما أن سفيان سوف يدخل ليتصور معها.
ردت مبروكة بصرامة
-لا لن يدخل أخبرت عبدالخالق وحارث، منذ متى هذه الحركات عندنا؟
لتقول أميرة :
-لكن من حقه رؤيتها لقد أصبحت زوجته.
عدلت مبروكة الرداء وقالت:
-ليست زوجته حتي يأخذها لمنزله قبل ذلك لا فهمت ؟
سحبتها أشماس وقالت:
-تعالي معي أميرة نشاهد الزفة أفضل من أن يحرق دمنا.
لتقول تفاحة بغضب :
-أصبحت أحرق الدم الآن ؟
لترد مبروكة:
-تقصدني أنا بنت أخي ، أنهي الفرح فقط ثم أتفرغ لك.
لعبت حواجبها وردت:
-أكون أنا سافرت وقتها كوكا.
لتقول تفاحة :
-أي سفر يجب أن تحضري فرح حارث و جمان أولا .
فغرت أميرة فاها وقالت:
-حارث سيتزوج؟
جرتها أشماس لتقف أمام باب الفيلا وانضمت لهن نهى ازداد حماس الفرقة عندما توقفت السيارت ونزل جميع الشباب منها بما فيهم حارث و أيوب و سفيان و حامد زوج هالة ليبدأوا في الرقص معا في حلقه يتوسطها سفيان وعبدالخالق وعلي أما درصاف و هالة وسنان فقد أخذن بعض سلات الهدايا ودخلن الفيلا بزغاريد عالية لتسبقهن أشماس للداخل وقالت بضحك :
-أهل العريس وصلوا هيا أرونا همتكم.
لتبدأ مبروكة بالغناء:
أنت تقرأ
سيل جارف الجزء الاول من سلسلة الحب والحرب
Storie d'amoreسلسلة الحب والحرب و هذا الجزء الاول منها اجتماعية رومانسية قبائل تحكي عن الحب من جنسيات مختلفة والصعوبات التي يواجهها هذا الحب في ظل اختلاف العادات و التقاليد ، و تقدم العمر هل يصمد الحب وحده في مواجهه كل هذا ام لا ، هل ينجح الزمن والبعد في انها...