الفصل الخامس والثلاثون

1.4K 64 11
                                    

الفصل الخامس والثلاثون

الاعتراف بالحق فضلية وهي الآن تعترف بعدم قدرتها على إتقان الأمور الحياتية العادية، قد يكون ركوب المواصلات العامة أو المساومة على سعر البضاعة أو حتى معرفة أنه يجب عليها دفع فاتورة الماء والكهرباء أمور بديهية لمعظم الأشخاص لكنها لم تقم بها سابقا، تعرف الآن لماذا كانت دائما تتجنب الذهاب للأسواق الشعبية  وتفضل المحلات لأنها أقل ازدحاما، فهذا السوق الذي عرفتها عليه شيرين لم يكن سوقا عاديا مثل الأسواق المحلية في بلادها بل أقرب لحي كامل، كل جزء فيه يختص بنوع معين من البضاعة ؛ رغم رخص الأسعار لكن الازدحام كاد أن يصيبها بالإغماء ناهيك عن الاختناق طول الوقت، لم تتجول كثيرا بل أخذت مايلزمها بسعر مناسب لتحاول بعدها العودة لشقتها الجديدة الأمر الذي استغرق منها أكثر من ساعتين فقط كي تصل للمحطة الرئيسية للباصات التي تأخذها لشقتها الجديدة لتصل للشقة بعد انقضاء النهار، أول شيء قامت به تغيير حفاضات يزيد الذي لم يتوقف عن الصراخ لتقرر أن تعطيه حمام منعش ثم أطعمته و وضعت حليب في الزجاجة الخاصة به لم يعجبه مذاقه ليرمها في وجهها
فأخذتها ومدتها له قائلة :
-اسمع حليب الأطفال غالي وليس لدي المال الكافي له كما أن هذا أكثر فائدة على الأقل ليس به مواد حافظة، هيا خذها الآن وغدا عندما أبيع عملي اشتري لك ماتريده اتفقنا.
لم يستجب لها لكن التعب جعله يستلقي بجانبها يسند ذقنه بكف يده الصغيره و اليد الأخرى متمسكة بها كأنه يخشى أن تتركه أو ربما هو لايزال تحت تأثير ماحدث يوم القصف؟
تمسكه بها جعلها تمسك هي الأخرى بيده ثم تعطيه زجاجته ليرضع منها على مضض بينما عينها تجول في الشقة الشبه فارغة .
منذ قررت ترك شقة عمتها سليمة بعد تأكدها من أن حارث لن يقف معها ضد أيوب وهي تحاول تجهيز هذه الشقة، شيرين ساعدتها كثيرا خصوصا أنها لا تملك الكثير من المال حتى ذلك الموجود في البنك لم تستطع سحبه بسبب اختلاف التوقيع والإجراءات الأمنية المشددة التي تتبعها البنوك ، تعلم أن أيوب يستطيع حل الأمر بسرعة لكنها ترفض الاستعانة به، اعتمدت على المال الموجود لديها وباعت ماترتديه من مصوغات ذهبية دون الاقتراب من ذهب فتحية فهو حق سنان وحارث فقط؛ المشكلة أن حتى المال الذي توفر لها لايكفي كي تعيش به لذلك اقترحت عليها شيرين أن تعمل الأمر الذي كان صعبا عليها فهي لم تعمل سابقا ولا تملك شهادة حتى لتعمل بها بالإضافة لوجود يزيد معها .
فكرت شيرين لمدة ثم قالت بحماس:
-وجدتها مارأيك أن تبيعي اللصقات التي تصنعيها ؟
أشكالها جميلة جدا لقد أرسلت لي مجموعة تذكرين؟
أومأت أشماس وردت:
-أذكر طبعا كنت أصنع معظم تصميمات بنات العائلة، لكنها ليست غاليه الثمن لا أعتقد بانها تصلح لإعالتي مع يزيد.
وضع النادل طبق الكشري أمامها وآخر أمام شيرين وذهب لتبدأ شيرين في الأكل وقالت:
-اعتبريها تجربة ثم لو بعت مجموعة منها سيكون المبلغ جيدا، اسمعي اخبرتني مرة أنك تساعدين في تزيين هدايا العروس وخلافه يمكنك إضافة ذلك أيضا كلي الآن وبعدها سوف أكتب إعلان على صفحات الانترنت يجعل الجميع يتهافت على العمل معك.
نظرت أشماس بشك للطبق الذي كان عبارة عن مزيج غريب بين أنواع المكرونة والأرز وبعض البقوليات، وتذكرت فورا كم مرة حاول أيوب اقناعها بأكله وهي ترفض بشدة كادت أن تتسلل ذكريات أخرى لتسرع في إغلاق الباب أمامها ، و أخذت الشطة الموجودة أمامها لتغرق بها طبقها ثم تبدأ في الأكل اتسعت عينا شيرين وهي تراها تأكل كل هذه الكمية من الشطة لتقول:
-كيف تأكلين كل هذه الشطة ستموتين أضيفي ليمون ليخفف حدتها قليلا
مضغت الطعام في تلذذ ثم قالت:
-حبيبتي نحن نفطم الرضيع على الحار هذا لا شيء ثم أن الطعام لم يعجبني وضعت الشطة كي آكله من الجوع فقط.

رفعت يدها تشير للنادل وقالت وهي تنظر لأشماس:
-طبق كبير آخر هنا للآنسة التي لم يعجبها الطعام فكادت أن تأكل الملعقة أيضا.
مسكت فمها بمنديل وردت:
-على فكرة أنا جائعة جدا و أجاملك فقط لكنه فعلا لم يعجبني.
ضحكت شيرين و أخذت تطعم يزيد بعض حبات المكرونة التي أعجبته أما أشماس فبمجرد وصول الطبق الآخر انهالت تأكل منه بعد أن أغرقته بالشطة .

تنهدت وهي تتذكر كيف أخذت هذا العمل بفضل شيرين ثم تأكدت من نوم يزيد لتبعد يده عنها وتقوم من جواره لتبدأ في تجهيز الطلبية رغم استغرابها بأن هناك من يقيم الأفراح في هذه الظروف لكنها لم تتوقف عند هذه النقطة وتابعت قطع اللصق و ربط أكياس الهدايا للحناء أخذت وقتا أطول مما كانت تظن لتنام بعد منتصف الليل بكثير بجانب يزيد .
اليوم التالي ذهبت لمنزل الفرح مبكرا كي لا تتأخر في العودة ، لحسن الحظ أن المسافة كانت أقرب من السوق والمواصلات أسهل وجدت محلات تبيع أشياء خاصة ببلادها فتفاجأت متى حدث ذلك، هل خرجوا في بداية الحرب ؟
بل أن العمارة التي دخلتها كل قاطنيها تقريبا من أهل بلدها!
لم تكن تعرف بان الكثير خرجوا وقت الحرب بل إنهم اشتروا شقق هنا وهذا ماعرفته بعد قضاء وقت في منزل الفرح ، الناس يعيشون بطريقة طبيعية بل إن بعضهم متقبل كونه لاجئ ولا يريد العودة للوطن!!!
سمعت قصصا كثيرة بعضها محزن وبعضها جعلتها تشمئز من أصحابها الذين استغلوا مناصبهم وهربوا بأموال كثيرة خارج البلاد .
نادت عليها ابنة صاحبة المناسبة لتلحق بها لمنتصف الصالة الكبيرة حيث تنام العروس مع صديقاتها، ابتسمت لها ولم تفهم ماذا تريد منها حتى أشارت لطبق الحناء المعجونة وقالت:
-هذه الحناء ابدئي بالعروس كي لا تتأخرين.
ثم مالت تهمس في أذنها :
-أي واحدة تطلب منك أن تحنيها خذي أجرك منها أمي لن تدفع قرشا زيادة .
هل ترفض وتذهب تاركة كل شيء خلفها ؟
هل لديها رفاهية الرفض أصلا ؟!
أغمضت عينيها وذكرت نفسها أنه عمل مثل أي عمل آخر بل عليها أن تتخيل نفسها في إحدى مناسبات أقاربها وطلبت قفازا مطاطيا لتبدأ عملها في هدوء وسرعة ولتقف بعد إنهاء وضع الحنة على العروس رافضة أن تحني أي فتاة أخرى لتأتي والدة العروس وتقول في تكبر :
-هل أنهيت عملك هنا؟
ردت بأدب رغم أسلوب الأولى :
-نعم
أين يزيد الطفل الذي أتى معي أريد الذهاب بعد إذنك هلا أخبرتني عن مكانه و أعطيتني مالي من فضلك؟
حدجتها بنظرة متعالية وقالت:
-اذهبي للمطبخ اغسلي الصحون أولا ستجدين صحن به طعام كليه أو اطعمي ابنك ثم تعالي أعطيك المال.
التفتت تنادي ابنتها كي تدلها على المطبخ الذي يقع في الشقة السفلية التي اتصلت بهذه الشقة عن طريق سلم داخلي تبعتها لأنها عرفت بأن تلك المرأة لن تعطيها شيئا إلا لو نفذت طلبها وهي تحتاج المال ، شمرت يدها و طلبت من الفتاة أن تحضر لها يزيد لتبدأ في غسل الأواني التي كانت عبارة عن حلات كبيرة تحتاج للكثير من الفرك لإزالة مابها من بقايا طعام محترق!
أنهت عملها بصعوبة لتمسح يدها التي بدأت تظهر فيها آثار الإكزيما وقالت لنفسها:
-علي أن أعترف بأن أمي دللتني كما كانت فتحية تقول ، لو علمتني كيف تغسل تلك الأواني لكنت تجنبت الفرك بكل أنواع سوائل الغسيل حتى احترقت يدي.
أخذ يزيد يطرق على الأواني بالمعلقة الخشبية مقلدا الأصوات الآتية من فوق لتبتسم له ثم عدلت ملابسها وصعدت لتأخذ أجرها وتذهب، كان المنزل مزدحما للغاية لتجد طريقها لصاحبة المنزل بصعوبة التي كانت غير مهتمة بتلبية طلبها فهي حسب كلامها مشغولة بما هو أهم !
لم يعد لديها صبر لتقول بصوت عال :
-هللا أعطيتني مالي من فضلك ثم تباهي بثمن فستان العروس الذي وصل من الخارج للتو .
شحب وجه المرأة لتقول بازدراء:
-اعطيها يا بنت المال من درج غرفة النوم ، فهي تعيل هذا الطفل الذي لا يعرف من هو والده لابد أنها واحدة من المغتصبات التي فرت من أهلها
اتسعت أعين الحاضرات بينما شهقت الأخريات واستغفرن لتقترب منها أشماس بطريقة أخافتها وقالت:
-أهلي بقوا في منازلهم حتى وقع عليهم وماتوا شهداء ولم يسرقوا مال أحد ليتغنوا بالشرف بعدها، دعي مالك الذي تخشين إعطاؤه لي عله يغطي على عار سرقتكم أم تظنين لا أحد يعرف من أين لكم هذا العز فجأة!!
التفتت وأخذت يزيد في حضنها لتخرج من الشقة تنتفض داخليا من الغضب ، لم تستقل المصعد بل فضلت السلالم كي تفرغ قليلا من غضبها وعندما وصلت للشارع الرئيسي فسمعت أحدهم ينادي عليها، هذا ما ينقصها ، تكرر النداء لتسمع بعدها صوت امرأة تقول:
-توقفي يا فتاة سوف يظنون أننا نقوم بمعاكستك.
التفتت للصوت لتجد امرأة وابنتها على ما يبدو في سيارة بالقرب منها لتقول المرأة الأقل سنا:
-أين تقيمين عمتي تصر أن أوصلك إياك أن تخبريني بأن بيتك بعيد.
لم تترد فهي متعبة للغاية لذلك أعطتها عنوانها وركبت فورا لتقول المرأة المسنة :
-أنت جارتنا أنا اسمي أم حامد وهذه أم لسانين تكون هالة ابنة أخي وزوجة ابني
قربت أشماس حاجبيها وقالت:
-ابنة أخيك ؟!!
أنت تتكلمين لهجتنا وهي أعني أنها
أطلقت أم حامد ضحكة عالية لتقول هالة :
-عمتي مواطنة لكنها تزوجت من عندكم وعاشت هناك هي تتكلم وتطبخ مثلكم بل إنها نهت ابنها عن الزواج مني وقالت ماذا ينقص بناتنا كي تأخذ من بلد آخر و نست أنها نفسها من البلد الآخر ؟
كانت نبرتها مرحة لا تحمل أي لوم أو عتاب أو حتى بعض الغصب لتمط أم حامد شفتيها وقالت:
-كان لدي حق منذ أن تزوجك وهو يأكل عندي لا تعرفين كيف تطبخين البازين ولا حتى الشاي الأخضر بطريقة صحيحة.
ضحكت هالة ولعبت حواجبها قائلة:
-هذا لأنك ترفضين تعليمي سر الطبخة حاولت لكنه يصر أن طعامك أفضل .
أخرجت حبة حلوى من حقيبتها لتعطيها للصغير وقالت:
-هذا اسمه نفس وليس سر الطبخة ، أنت خائبة مثل أمك حسرتي عليك يا ولدي كنت أخذت من بنات عمك الفالحات بدلا من ابنة أخي التي لا تجيد سوى الكلام
نظر يزيد لأشماس لتومئ له برأسها فأخذ الحلوى بسعادة فقالت أشماس :
-شكرا لك أنا اسمي أشماس بالمناسبة وهذا يزيد أكون عمته.
ابتسمت لها المرأة لتشرق ملامحا أكثر رغم أنها لم تكن شديدة الجمال وقالت:
-اسمك جميل هل أنت متزوجة ربما آخذك لابني بدلا من هالة فهي باتت تثير حنقي مؤخرا.
دخلت هالة المجمع السكني حيث يسكنون وردت بثقة:
-أكره أن أخيب أملك لكن ابنك لن يوافق فهو لا يرى امرأة في العالم سواي.
أشارت لها لتقف قرب إحدى الفيلل وقالت بحنق:
-هذا من حظ أمه التعيس لابد أنني دعيت عليه ليلة القدر ليقع على رقبته و يتزوجك.
لعبت حاجبيها وقالت:
-طبعا دعيت له و إلا ما نال الرضا أبدا.
من خلفهما كانت أشماس مستمتعة بهذه المناقشة المرحة ولم تنتبه أن هاله ركنت سيارتها داخل جراج الفيللا إلا عندما قالت أم حامد:
-انزلي يا ابنتي نسيت اسمك لنأكل معا فأنا لم أضع لقمة في فمي عند منزل الفرح ، صدقت عندما قلت مال حرام.
شعرت بالإحراج لترد:
-لا داعي لذلك أشكرك لأنك أوصلتني معك عموما شقتي ليست بعيدة سوف أتمشى من هنا كما أن يزيد يحتاج لتغيير و
فتحت هالة باب السيارة بجوارها وقالت:
-لا تحاولي لا تعرفين عمتي عندما تصر سوف تصدع رأسك ، بالنسبة للصغير يمكنك التغيير له بالداخل كما أن لدي طفل أكبر منه بقليل لو لم تجلبي له حفاضات هيا تعالي نحن وحدنا اليوم في المنزل حامد في عمل لن يعود إلا بعد الغداء وأنا سأوصلك لباب شقتك لا تقلقي .
رغم حذرها الذي تعلمته مؤخرا وعدم رغبتها في الحديث مع أحد لكنها ارتاحت لتلك المرأة وفكرت أن وجود صغير يلعب مع يزيد شجعها أكثر لتوافق
لم يخب ظنها فقد أمضت وقتا ممتعا جعلها تنسى ما مرت به في أول النهار، خصوصا أن أم حامد لم تتوقف عن إغاظة زوجة ابنها التي كانت ترد بنفس الطريقة فعلا البنت سر عمتها
بعد الأكل جلست أم حامد مقابلا لها وقالت:
-اسألي
نظرت لها أشماس في غير فهم لتتابع:
-عينك بها سؤال منذ أن صعدت السيارة قولي ماهو أنا سوف أجيب عليه
شعرت أشماس ببعض الحرج ثم قالت:
-لا أبدا أنا ممتنة لمعرفتك في هذه الظروف ليس إلا.
لم تشأ أن تضغط عليها فقالت:
-منذ خمسة و ثلاثين عاما أو أكثر بقليل تزوجت والد حامد رحمه الله في البداية خفت من الغربة والبعد عن أهلي خصوصا أن الاتصالات لم تكن مثل الآن لكنه احتواني بل عائلته كلها كانت جيدة جدا معي رغم أني لم أكن أحب أمه في البداية ولم أفهم لهجتها فهي حادة الطباع هذا ما كنت أظنه حتى تعودت عليها هي من علمتني كل شيء عاملتني بحنان وتفهمت غربتني كانت ترسل معي الهدايا لأهلي كلما ذهبت لزيارتهم وتكرمهم عندما يأتوا لزيارتي ، تعرفين أنجبت خمس بنات قبل حامد رغم ذلك لم تقل يوما كلمة تؤذيني أو تشعرني بالحزن بصراحة كل من عرفها أحبها ليس أنا فقط جميع زوجات أبنائها.
جلست هالة بقربهما وقالت وهي تأخذ حفنة من اللب الأسمر وتضعه بين أسنانها :
-ليتك تعلمت منها كيف تحبين كنتك وتدللينها كي تحبك هي الأخرى بدلا من تحريض حامد علي لأني لا أتكلم لهجتكم .
نظرت لها أم حامد بطرف عينها وقلبت شفتيها قائلة :
-تقارنين بينك و بيني يا أم لسانين ؟
ثم ما بها لهجتنا ها لا تعجبك الآن ؟
لماذا تزوجت ابني إذا كانت لهجتنا لا تعجبك أقسم لو جعلت ابنك يتحدث مثلك سوف أعلق لك حلق في لسانه
لوت هالة فمها و قالت :
-لولا معرفتي بك لقلت الزهايمر، لهجتي هي لهجتك الأصلية يا عمتي أنت من نسيت نفسك وليس أنا.
لان صوت أم حامد وانخفض كأنها تقول سر :
-ياغبية لهجة زوجك وبلده هي لهجتك ولهجة أبنائك لو كنت تحبينه فعلا سيكون كل مايخصه يخصك هو أيضا سيتغير من أجلك ذلك اسمه حب و ليس خضوع أما إذا كنت متمسكة بكل شيء وتعاندين ندا بند لن تشعري بأي سعادة بل ستتسلل من بين يدك وأنت تفكرين كيف تفرضين شخصيتك وطباعك عليه، لو أحببتما بعضكما بحق لن يفكر أحدكم بأن ما يفعله لإسعاد الآخر تنازل و تضحية بل إنه لن يفكر فيه أبدا لأن سعادة شريكه من سعادته.
قلبت هالة عينها ثم مالت تطبع قبلة على خد عمتها وقالت:
-لأنك عمتي لن أرد عليك شيء واحد فقط حلق اللسان أصبح موضة هذه الأيام.
مالت أم حامد رغم بطنها الكبيرة لتأخذ الشبشب من قدمها وترميه وراء هالة التي هربت منها تضحك بصوت عال ، لتمر سهرة جميلة رغم كل شيء لم تعيشها أشماس من قرابة السنة .
بعد فترة ودعتها أم حامد بعد أن أصرت أن تأخذ معها هدايا ليزيد لا تعرف متى اشترتها أصلا وقالت لها:
-أنا هنا كل يوم يمكنك المجيء متى رغبت أو اتصلي بي ونلتقي في الحديقة أو أي مكان من الواضح أن لديك الكثير تريدين التحدث عنه.
ابتسمت لها أشماس دون رد لتتابع الأولى :
-بالمناسبة زوجي رحمه الله كان ضابطا أيضا في الجيش ليس كل من يعملون به سرقوا مثل زوج حورية.
ردت في غير فهم:
-حورية من؟
رفعت حاجب و أنزلت الآخر قائلة:
-الحيزبونة التي أكلت عليك مالك للأسف تعتبر قريبة زوجي لذلك أنا مضطرة لصلتها إكراما له فقط.
تنهدت أشماس وردت:
-لا طبعا ليس كل من في الجيش على شاكلتهم أولاد أعمامي في الجيش أيضا سفيان أسر و رؤوف مات في قصف منزلنا مع أمي و جبريل.
زمرت شفتيها المرتعشة كي لاتبدأ في البكاء لتربت أم حامد على يزيد المتشبث بها وقالت:
-ألم أقل لك هناك الكثير يحتاج للحديث المهم أن نكون وحدنا دون أم لسانين تلك
ضغطت هالة على زمارة التنبيه في سيارتها ليبدأ يزيد في البكاء فأخذته أشماس بين يدها و قالت معتذرة :
-لقد حدث قصف مكثف لمنزلنا وهو كان يلعب في الحديقة لذلك أصبح يخاف الأصوات العالية .
ظهر التأثر على هالة بينما أغرورقت عينا أم حامد بالدموع وضمتها لها رغم حذرها في البداية لتقول بنبرة تحمل العبرات :
-كل يوم تحضريه هنا يلعب مع ابن حامد لن أقبل أي عذر مفهوم، هيا اذهبي الآن لقد تأخر الوقت حتى لا يقلق عليك أحد هيا.




❈-❈-❈
منذ ثلاث سنوات مضت
لم تكن المرة الأولى التي يتشاجر فيها مع أمه منذ أن قرر أن يتقدم للزواج من أفطيم، لكنه الأسوأ على الإطلاق حيث هددت أنها سوف تذهب لجده وتعلن رفضها لهذا الزواج شكلا وموضوعا و تخبرهم بأنه كان على علاقة بأفطيم أثناء فترة إقامتها في بيتهم وتخبر أعمامه أيضا ليبدو أمامهم طفلا تسيره أمه !!
خرج من منزله لا يرى أمامه من شدة الغضب ليتوجه للصالة الرياضية بحيهم ليفرغ غضبه .
رغم أنه اعتاد على ممارسة كافة أنواع الرياضة العنيفة منذ المراهقه ويعرف جيدا كيف يحمي نفسه من الضربات المؤذية لكنه وقع ضحية إصابة لا يصاب بها حتى مبتدئ !
الألم الذي شعر به أسفل بطنه لا يحتمل والمشكلة أنه لم يقدر على الصراخ من الإحراج يذكر أنه استيقظ بعد خروجه من غرفة العمليات التي دخلها فور نقله للمستشفى القريب و طلب من رفيقة الذي تسبب في إصابته ألا يبلغ أحدا من أهله ،ليسمع الممرضة تقول:
-حزنت عليه لايزال صغيرا لن يقدر على الإنجاب أو الزواج.
صدمة أم شعور بالغضب أم حزن لم يعرف ؟
أي شعور سيطر عليه أكثر أغمض عينيه كاتما حسرته و خرج من المستشفى رغم رفض الأطباء ليعود لمنزله و يسافر اليوم الذي يليه للخارج دون إخبار أحد بما حدث له.
بعد عدة أشهر في شقة إبراهيم في بلاد السماك

أنصت إبراهيم لابن شقيقه و هو يقص عليه تلك الحادثة و اعتقاده بأنه لم يعد يصلح للزواج و لهذا تخلى عن أفطيم ليقول بعد انتهائه :
-هل أخبرك الطبيب أنك عاجز أو غير قادر على ممارسة حياتك والقيام بواجباتك الزوجية ؟
أعني هل قال ذلك حرفيا ؟
هز سفيان رأسه ورد:
-سمعت الممرضة ولم أحتج للسماع منه يكفي نظراته لي بعد العملية .
نظر له ثم اقترب وهمس:
-هل تشعر بأي استجابة في عضوك ؟
أعني الاستجابة الطبيعية عند الاستيقاظ مثلا أم لا يوجد شيء أبدا ؟
ببعض الحرج رد سفيان وهو يخفض عينيه:
-الاستجابة العادية ، حتى الأطفال لديهم نفس الاستجابة لا أعتقد أن ذلك يعني شيئا.
اعتدل في جلسته وفكر قليلا ثم قال:
-هناك شيء مهم عليك القيام به للتأكد من حالتك ، لا أعتقد أبدا بأن خسارة خصية قد يؤدي لعجز تام.
استشعر الخطر ليعقد حاجبيه وقبل أن ينطق قال إبراهيم:
-يجب أن تذهب لطبيب متخصص ، سيكون صعبا هنا خصوصا بوصول أشماس و حارث غدا لذلك أقترح أن تبحث عن واحد عندما تعود للخارج هناك أفضل كما أنك لن تشعر بالحرج مع طبيب أجنبى ؛ لا تقلق سوف أتكفل بالمصاريف كي لا تظهر في تقرير التأمين الصحي الخاص بمنحتك .

بعد عودته استشار أكثر من طبيب و ذهب لعدة مراكز متخصصة في أمراض الذكورة ليتفقوا جميعا في التشخيص
( يمكنه ممارسة حياته و الزواج بشكل طبيعي قد يواجه مشكلة في الإنجاب بطريقة طبيعية وذلك يحدد بعد الكشف على زوجته )
لا يعرف إذا كان الخبر أسعده أم أحزنه ، فقد خسر أفطيم بدون سبب كما كان يظن بل هو ضحى بها بسبب غبائه و جبنه لذلك قرر بأنه لن يتزوج أبدا ،حتى بعد طلاقها لم يحارب كثيرا بل اكتفى بطلبها مرة واحدة فقط من جده!
متى يتعلم متى يصبح ذو عزم ويتخذ الخطوة الصحيحة في وقتها متى يتوقف عن جبنه.
تساؤلات كثيرة جالت برأسه كل يوم بعد أسره و وضعه مع أربعين شخصا في غرفة صغيرة جدا لدرجة أنهم كانوا يناموا واقفين.
لم يتم التحقيق معهم بل عزلوا من قبل عياد وأربعة آخرين ليتم تعذيبهم بطرق غير إنسانية لم يستغربها سفيان نظرا لطبيعة محتجزيهم فحتى أشرف عندما أتى كي ينتقم منه لم يفعل سوى بعض الضربات التي لم تؤثر به مقارنةً بما حدث له من الاخرين ، لا يعرف كم مضى عليه فهم لا يخرجونه من الغرفة إلا للتعذيب أو مرة في الأسبوع لا غير للساحة أخبره أحد المستجدين الذين معه أنهم أخذوا زوجته و ابنه الصغير ولا يعرف مصيرهم حتى الآن كان يدعو بأن يكونوا قتلوهم فهذا أرحم لهم من البقاء بين أيدي عياد وشلته .
بعد مدة لا يعرفها سمع انفجارا و صوت تبادل لإطلاق نار ثم قام أحدهم بفتح باب الغرفة التي يقبع بها و تم إخراجهم أو ما تبقى منهم فقد كانوا يأخذوا منهم بعض المحتجين ولا يعودون مرة أخرى لا يعرف إذا كانوا يطلقون سراحهم أم يقتلونهم !
ليركبوا حافلة كبيرة كانت تحوي بعض النساء والأطفال ، تلقائيا نظر لزميله ليجده يحتضن طفلا صغيرا و يبكي فعرف بأن زوجته ماتت وبقي ابنه فقط ليمضوا عبر الصحراء في رحلة استغرقت أكثر من يومين وعبروا الحدود عن طريق التسلسل؛ وجد هناك الكثير من أبناء وطنه بعضهم دخل بطريقة شرعية والبعض تم تهريبه مثله .
بغير تصديق قال إبراهيم:
-هل أنت متأكد مما تقوله رأيته بعينيك ؟
ليرد سفيان:
-لم أره لكن أكثر من شخص أكد لي بأنه حي .
صمت قليلا ثم تابع:
-لست واثقا في تلك المعلومة المعظم متأكدون من نجاة جميع أقاربهم من الموت بل إنهم وصلوا لمرحلة أنهم يكذبون أي تأكيد لموت أحد أبنائهم أو قريب لهم ويقولون إشاعة ، الناس تعيش على أمل كاذب و يعززونه بقصص من تأليفهم ، لا أعرف ياعمي أريد التصديق أنه حي يرزق لكن في نفس الوقت لا أريد أن أعيش على وهم و أجعلكم تعيشونه معي لذلك لا تخبر أحدا حتى أتأكد بنفسي، أنا أصلا لا أستطيع السفر حاليا تعرف بأني لا أملك أي أوراق تعريف ولا تجعل حارث يأتي لي الوضع ليس مستقرا هنا فأنا أتنقل بين المدن كي لا يتم إلقاء القبض علي بتهمة الدخول بطريقة غير شرعية للبلاد.

❈-❈-❈



ربما لم ينل التدريب بالطريقة التي تلقاها خصمه لكنه ابن حواري كما يطلقون على أمثاله ، تعلم بأقصى الطرق صعوبة كيف يدافع عن نفسه؛ عندما كان في العاشرة من عمره بعد تلقيه أول أجر له والذي لم يكن كبيرا تعرض له فتية يكبرونه في السن يطالبونه بإعطائهم ما لديه من مال و عندما رفض بإصرار أوسعوه ضربا وأخذوا ماله عنوة ، يومها تعرف على علاء الذي حاول مساعدته برمي الحجارة على الفتية ليقوموا بضربه هو الآخر معه ، تكرر الأمر أكثر من مرة ليتعلم كيف يدافع عن نفسه بأي طريقة وبكل المتاح لديه من أدوات تساعد في ذلك، أهم ما تعمله هو أن يترك خصمه يظهر كل أسلحته ولا يبدأ الهجوم إلا بعد معرفة نقاط قوته كي يتجنبها، علاء علمه ذلك وقد استخدم تلك التقنية كثيرا عندما كان يعمل في محل الذهب حيث هوجم أكثر من مرة بغرض السرقة لظنهم بأنه يملك مفاتيح الخزانة وخلافه، ربما هذا أكثر ما جعل رد فعله متأخر للأمور لدرجة ظنه البعض باردا أو غبيا وهو في الحقيقة يدرس خصمه أو يحاول كظم غيظه حتى لا يقدم على خطأ لايمكن إصلاحه!
لذلك لم يتفاجأ أو يجفل من  تلك الحركه  فالغدر مقرون بعياد أكثر من اسمه بل انتظر كي يرى ماهو آخره فهو لن يقتله بتلك السهولة ، ليس قبل استعراض قوته الزائفة وإعلان نصره عليه.
لمعت عيناه بنصر وقال بصوت عال :
-انظر يا أشرف كيف يرتعش مثل الفرخ المبلول وحيدا بعد أن استغنوا عنه؟
ألم أقل لك بأن أحفاد عثمان لا عزيز لديهم ؟
بتحد رد أيوب:
-وإذا كنت متأكد بأنهم لا عزيز لديهم لماذا طلبت فدية مقابل سفيان؟
بالمناسبة أين هو لا أراه معك أم أنك أرسلته في طائرة خاصة !
ظهر الغضب عليه ليدفع المسدس أكثر ناحية صدره ويقول:
-اخرس هذا أمر لايعنيك أنت هنا عامل توصيل المال فقط.
وضع يديه وفي جيبه و قال بصوت عال يسمع رجاله الأربعة الذين يحاوطونه في شبه دائرة بينما أشرف من بعيد يركز في حقيبة المال:
-لا تقل لي بأنه هرب منك؟
هذه كبيرة في حقك وأنت تملك الأسلحة والرجال وهو أعزل ماذا سيقول الناس عندما يعرفون ذلك ، بل الأكبر أنك كذبت وادعيت أنه لديك لتأخذ المال من أبناء عمومتك.
ضغط على حروف الكلمات الأخيرة مما جعل النار تتأجج في عين عياد وقبل أن يضغط على الزناد أخرج أيوب يده من جيبه وفتحها أمام عينه السليمة ليشعر عياد بشي حاد يخدش حدقة عينه ويفقده القدرة على الرؤية السليمة فصرخ يشتم وهو يضغط على زناد سلاحه، عندما لم يسمع صوت إصابة أيوب أخذ يدور حول نفسه وهو يطلق الرصاص ليسمع أصوات لا يعرف مصدرها بينما امتلأت عينه بالدموع لتعود له الرؤية نوعا ما و قبل أن يتأكد من إصابته لأيوب عالجه الأخير بلكمة أدمت أنفه ليتراجع رأسه للخلف ويفقد سلاحه ثم شعره به يكبل ذراعيه خلف ظهره و يضربه خلف ركبته ليقع على وجهه ويتلقى عدة ضربات على رأسه فقد على أثرها الوعي
استيقظ بعد أن شعر بالماء يغطيه ليجد نفسه مقيدا بجذع شجرة يده فوق رأسه، بحث بعينيه فلم يجد أحدا ليقول أيوب باستهزاء:
-تبحث عن فئرانك ؟
هربوا أو بالأحرى من بقى منهم حي فقد قتلت اثنين منهم وأصبت آخر .
حرك جسده في محاولة فك نفسه و صرخ:
-فكني يا حيوان ، سوف أقتلك ،فكني الآن أقسم بأن أقطعك بأسناني يا++++
لم يتوقف عن الصياح والشتائم القذرة بينما أيوب يقف أمامه دون أي ردة فعل لأكثر من خمس دقائق ليقترب ثم أمسك برسغه وقال:
-هذه اليد القذرة ضربت زوجتي.
ولواها بقوة ليسمع صوت تكسير عظام مع صرخة ألم عالية من فم عياد ثم أمسك اليد الأخرى وفعل نفس الشيء وهو يتابع:
-وهذه أشعلت فيها النار أليس كذلك ؟
بصوت عال اختلط فيه الألم بالغضب رد عياد:
-فكني لأريك حجمك جيدا أيها ++++
سحب أيوب المسدس الذي كان في مخبأة في قدم عياد و رماه بعيدا قائلا:
لو كنت رجلا لواجهتك كالرجال لكنك لا تعرف سوى الاستقواء على النساء أو الاحتماء خلف جماعتك الذين لا يقلون عنك في الدنائة .
هز رأسه في أسف مصطنع وتابع:
-للأسف أني لا أدخن كي أحمل معي ثقاب كنت أريد رد دينك بالكامل
ثم أخرج سكين صغيرة من جيبه ما تعرف باسم(مطوة) و غمز بعينه قائلا:
-لذلك غيرت الخطة كي يكون الأثر ظاهر لمن من يراك هذا في حال تركتك الحيوانات حيا بعدها.
لم يفهم ماذا يعنيه حتي شعر بألم في خده و على طول ذراعه وظهره ثم ازاد الالم كأن حيوانا بريا مزق ظهره بالكامل
تعالت صرخات عياد ليرمي أيوب المطوة بالقرب منه بعد أن أخذ له عدة صور بهاتفه النقال وثم يعود أدراجه لأول الطريق لينتظر قدوم هادي وقد هدأ أخيرا بعد أن أخذ حق أشماس ، لن ينكر بأنه رغب في إخراج روحه ليمسك نفسه في آخر لحظة فالموت رحمة لأمثاله.

❈-❈-❈

منذ أن تركه ينتظر عياد و هو يدور في شوارع المدينة الصغيرة دون وجهه محددة حتي ركن سيارته أمام محل صغير يبيع القهوة أطفأ المحرك لكنه لم يخرج من السيارة بل أخذ يقلب في هاتفه ليشغل باله رغم ماهو فيه، منذ أن رآها قبل يومين في شقة أيوب عندما ذهب له فيها هناك ليتفق معه على الموعد ليسمع طرقا الباب ظن أيوب أنه حارث فسارع أيوب ليفتح الباب على اتساعه ليتفاجأ بفتنة تقف أمامه تفرك يدها بطريقة عصبية ، دون أن يرى أيوب توقع ملامحه من صوته الغاضب عندما قال وقد أمسك حافة الباب ليغلق أكثر من نصفه في وجهها ويقول بحدة :
-ماذا تريدين ؟
شقة عمتك في الأسفل وقد أخبرتك بأني استغنيت عن خدماتك في تجهيز بقية الأثاث .
كم تمنت لو انشقت الأرض وبلعتها لكنها فعلا في موقف سيء جدا قد يكون في سوء أول مرة إن لم يكن أسوأ ، نادر أخبرها بأنه أمهلها أسبوعا آخر إكرامنا لأيامهما معا وبعدها لا تلوم أحد .
أنزلت عينها وقالت باعتذار:
-أنا أريد التحدث معك، لقد وقعت في مشكلة كبيرة ولن يخرجني منها أحد سواك، أعرف أنك لا تريد مشاكل مع زوجتك لكنني فعلا
قاطعها بحدة:
-لا يهمني ما تريديه ولا مشاكلك التي لا تنتهي، أنت الآن في الوطن ولديك أخان يمكنهما الاعتناء بك، عندما عرضت عليك سابقا المساعدة كنا في الغربة دون ظهر أو أهل لذلك لم أفكر ثانية و أنا أساعدك عندما أخبرتني برغبتك في الدراسة بل دفعت المصاريف عن طيب خاطر ولازلت غير نادم على ذلك أما الآن الوضع اختلف كما قلت وجودك يسبب لي مشاكل مع زوجتي لذلك رجاء لا تطلبي مني شيئا ولا تتوقعي مساعدتي أبدا بل أطلب منك ألا تحاولي التواصل معي أبدا حتى لا أحرجك سواء هنا أو عندما تعودين للخارج .
هزت رأسها دون أن تقوى على الرد ليغلق الباب في وجهها ويعود للحديث معه .

صوتها أوحى له بأنها في ورطة كبيرة ، لكن لماذا يهتم هي في بلدها وسط أهلها كما قال أيوب .
نزل من سيارته ليأخذ قهوة و عاد ينظر في ساعته ليجد أنه لم يمر وقتا طويلا ، أمسك هاتفه مره أخرى و اتصل بلمار ليتصادف وجودها مع لينا لحسن حظه فطلب مكالمتها وسألها مباشرة عن مشكلة فتنة.
فكرت لينا لثوان ثم أخبرته باختصار ودن الخوض في جميع التفاصيل بأن هناك شخص كانت مرتبطة به يهددها بصور يمتلكها لها ، كما أخبرته بأنها تفكر في طريقة للخلاص منه لأنها ليست المرة الأولى التي يفعلها لكنها لا تستطيع وحدها ، اتفق معها أن يلتقيا بعد عودته من مهمته ليتحدثا أكثر في الخطة مع وعد ألا تخبر فتنة وهو لن يخبر أحد .
عكس ما ظن المعلومة لم تريحه بل أشعلت نار الغضب بداخله ، من ذلك النذل الذي يستغل امرأة كان مرتبطا بها ومن فتنة التي رخصت نفسها وسلمته ما يستغلها به ومن نفسه لأنه يهتم بكل هذا ؛ رمي كوب القهوة وركب سيارته عائدا لأيوب لن يستطيع الانتظار مكانه أكثر من ذلك لابد أن أيوب يعرف سر تلك الصور.

❈-❈-❈


وصل هادي لشقة إبراهيم القديمة اليوم التالي بعد قيادة متواصلة لعدة ساعات دون توقف، بعد أن أخذ أيوب وعبر الحدود ليأخذ حارث الذي كان في أقصى درجات غضبه بسبب عدم رد أيوب على مكالماته بعد أن عرف من خاله أن سفيان لم يعد في قبضة عياد
دخل حارث غاضبا يتبعه هادي ثم أيوب ليقول إبراهيم:
-أين كنتم ألم أخبركم بأن سفيان لم يعد عند عياد؟
رد أيوب بهدوء:
-أعرف
كنت آخذ حق زوجتي وها نحن عدنا سالمين
ليقول هادي مصححا:
-لكنهم أخذوا المال كله وهو مبلغ ليس بقليل
تبادل حارث و أيوب النظرات ليقول إبراهيم بغىظ :
-أريد أن أعرف حالا قصة المال تلك؟
لماذا أنتم هادئون جدا جراء خسارتكم كل هذا المبلغ ومن أين تحصلتهم عليه أساسا ؟
شبك أيوب يديه معا وقام بثنيهما ليصدرا صوت طقطقة خفيفة وقال:
-عن طريق عياد نفسه
كرر إبراهيم بغير فهم:
-نعم
عياد ؟
كيف لم أفهم هيا تكلم مرة واحدة من فضلك
ليقول حارث كاتما غضبه :
-عندما فتحنا شركة الاستيراد في البداية قام أحد التجار من مدينة غير مدينتا بالاتفاق معنا أن نحضر البضاعة ويسلمنا هو المال هنا وليس في الوطن، لم نهتم وقتها وأخذنا البضاعة والتي كانت فواكه كثيرة من قريبنا في الريف والذي أعطانا البضاعة دون أن يأخذ ثمنها، ذلك التاجر والذي كان من طرف عياد كما علمنا بعدها أخذ الفواكه وسلم المال لصاحب المزرعة بعدها اكتشفنا بأن المال عباره عن أوراق مالية لعملة أجنبية قديمة لا تسوى شيئا بل إن تداولها يعتبر ممنوعا لأنه متداول من قبل بعض الجماعات الإرهابية ، لولا أن الرجل يعرفنا ويعرف قيمتنا لكان سجننا المهم نحن أخذنا منه المال لأنه خاف من أن يقبض عليه بها وقد رفض أن يأخذ ثمن البضاعة منا و كنا سنقوم بإعدامها لدرجة أننا اشترينا آلة لتفتيت الورق مخصوصا من أجل ذلك حتى لا يقع المال في يد شخص آخر ، لا أذكر لماذا لم نفعلها وقتها أعتقد بأن تضارب مواعيد سفرنا ساهم في إبقاء المال دون أن يمس وعندما أخبرنا هادي بطلب الحقير عياد ذكرني أيوب به .
ليكمل أيوب:
-لذلك أصررنا على هادي أن يخبره بأننا سنعطيه المال بالعملة الأجنبية وقمنا بملأ الحقيبة بورق كوتشينا على شكل العملة الأجنبية فوقها المال خاصته و لأننا نعرف طمعه كنا متأكدين بأنه لن يتفحص المال ليتأكد منه وهذا ماحدث فقد أخذ أشرف الحقيبة وهرب بمجرد أن بدأ القتال الحقيقي .
استقام هادي وقال:
-الحمد لله أن سفيان بخير لا تقلقوا بشأن قضية السيد إبراهيم التحقيق جاري بها وبعدها سنرى ما يمكن فعله بشأن قضية حارث ، أستأذنكم فأنا أحتاج للنوم
وقف إبراهيم وقال:
-انتظر نأكل معا لا يجوز أن تذهب هكذا
ابتسم ورد:
-خيرك سابق أنا فعلا متعب وغدا لدي أعمال كثيرة تصبحون على خير.
رافقه حتى الباب ثم عاد يقول بغضب:
-ما هذه الطريقة التي عاملتم بها الرجل منتهى السخافة و البرود ؟
لم ينقص إلا أن تطردوه !!
هذا بدلا من أن تشكروه على تعبه معنا؟
وقف حارث ليبحث عن ابنه وقال:
-شكرناه وعزمناه على مطعم في الطريق كما أنك طلبت منه البقاء وهو رفض
ماذا ترد أن نقيم له ثمثال ؟
ثم صاح بصوت عالي مغيرا الموضوع:
-أين يزيد كيف لم يأت عندما سمع صوتي؟
يزيد زيزو أين أنت والدك حضر.
خرجت سنان من غرفتها وقالت بتوتر:
-يزيد ذهب مع أشماس
نظر لها بشك وقال:
-إلى أين ذهبت ؟
رد إبراهيم من مكانه:
-أخذت ملابسها وملابس يزيد وتركت الشقة، لا أعرف أين أعتقد بأن سنان تعرف حدث ذلك عندما ذهبتم أمس أنا حتى لم أشعر بها إلا عندما طلب مني أيوب أن أجعلها تقرأ رسالته التي أرسلها على هاتفي.
اندفع حارث يمسك بيد أخته :
-كيف تخفين عني أمرا كهذا؟
لماذا لم تتصلي بي فورا، أين هي هيا قولي الآن أسرع أيوب يحاول يهدئ حارث دون التدخل بينهما وقال:
-اهدأ قليلا حارث دعها تتحدث لا تخيفها
ثم نظر لسنان وقال:
-أنت الوحيدة التي تعرف رقم هاتفها الجديد متأكد بأنها أخبرتك عن مكانها نحن نريد الاطمئنان عليها فقط لا تخافي لن يؤذيها أحد.
جز حارث على أسنانه وقال:
-ومتى آذينها أصلا كيف تبيت وحدها في بلد غريب لقد جنت .
انكمشت سنان على نفسها ليتدخل إبراهيم ويقف بينه وبين سنان قائلا:
-توقف عما تفعله لا أحد يعرف مكانها هي تتصل عن طريق رقم محجوب كما أنها قالت لن تعطينا يزيد حتى تعود أمه نهاية الأسبوع ، ماعرفته أنها طلبت من سنان الذهاب لكنها رفضت كما أنها حاولت سحب مبلغ من البنك لكنهم رفضوا واتصلوا بي لأنني كنت معها وقت الإيداع و وضعت اسمي عندهم ؛ ليس من الصعب معرفة مكانها لكنها تحتاج أن تبقى وحدها لتفكر جيدا دون رؤية أحد منا .
تجمد أيوب لثوان ليلف حارث بعدها فأصبح مواجها له وقال:
-هل تذكر عنوان الشقق في المجمع الجديد خارج العاصمة ؟
نظر له بغير فهم ليتابع أيوب:
-تذكر كانت آخر شيء اشتريناه
أنا من اخترتها لأن ثمنها مناسب.
خلل حارث شعره ورد:
-نعم تذكرتها لقد ذهبت معها آخر مرة أتينا هنا لنختار الموقع، لكنها بعيدة ولم تنتهي بعد ما الذي جعلك تفكر بها.
رد وهو يبحث في هاتفه عن شيء معين :
-لقد انتهى البناء في معظم الأحياء كما أنها تحتوي على حدائق كثيرة لقد زرتها وأرسلت لها صورا للمكان وقد أعجبها لذلك حجزت فيلا أعرف أن أشماس لا تحب الشقق.
ثم قرب هاتفه لحارث يريه الصور ليقول الأخير :
-لست متأكدا من العنوان أشماس من اختارت كل ما أذكره هو أنها في الدور الأول بحديقة.
ليقول أيوب:
-تأكد أنت من موعد وصول درصاف مادامت على اتصال بها سوف نجدها في انتظارها وأنا من سيبحث عن العنوان الجديد.
❈-❈-❈



كل يوم يمر عليها تشعر معه بأن نهايتها اقتربت خصوصا مع رفض أيوب مساعدتها أو السماع لها من الأساس ، حاولت التحدث مع عمتها ثم عدلت عن ذلك بعد أن شاهدت انهيارها الذي تتحمل هي جزء كبير منه، كما سبق وأخبرتها؛ توضات وصلت كي تدعوا الله بعدها لكن بمجرد أن سجدت دخلت في نوبة بكاء السبب الرئسي فيها الاستحياء من الله أن تطلب الستر دون أن تستغفر عن كل ذنوبها السابقة.

❈-❈-❈



اليوم التالي تناول الإفطار ثم انتظر حضور لينا في حديقة الفندق كما اتفق معها سابقا، لتصل أخيرا سلم عليها قائلا:
-تأخرت كثيرا انتظر منذ ساعة كامة
جلست ونظرت لساعة يدها وردت:
-لم أتأخر جئت في الموعد الواضح أنك متعجل أكثر من اللازم
لم يجبها فتابعت بجدية:
-هادي هل أنت فعلا مستعد لمساعدة فتنة دون إلقاء الأحكام أو محاولة معرفة تفاصيل قد تضايقها وتحرجها أم أنه مجرد فضول لأنها تعتبر نوعا ما ضرة ابنة بلدك؟
لم يظهر أي تعبير عليه فقد ارتشف من قهوته ثم قال:
-تعرفين بأن عملي الرئيسي هو الصحافة، كما أنني أعمل في مساعدة الأسر المهاجرة كثيرا وبالأخص النساء لذلك أسست منذ مدة جمعية خيرية مع جوليا مختصة في مساعدة النساء المعرضات للتعنيف بالخارج وقد انضمت لنا لمار مؤخرا المسألة ليست أنها طليقة زوج أشماس المسألة أنها امرأة تتعرض للتعنيف النفسي وتحتاج مساعدة خصوصا أنها ذهبت لطليقها تطلب منه المساعدة ،ورغم أنها في بلدها وسط أهلها و هذا يعني أمرا من اثنين إما أن الذي يهددها من الخارج و يعرف طريقها أو ...
ترك الإجابة مفتوحة فظهر التوتر على لينا التي تجرعت كوب الماء الذي كان أمامها مرة واحدة ثم قالت بحدة :
-مشكلة فتنة لا يستطيع حلها إخوتها أعني لو عرفوا أقل شي يقتلونها.
نظرت له لتتأكد من ردة فعله لتجده لم يتأثر رغم ما يجول بداخله فقد استشعر بأن الأمر أسوأ مما يظن لتتابع لينا:
-فتنة كانت مرتبطة بشخص، هذا الشخص يهددها بفضحها عن طريق صور أو فيديوهات يملكها لها ، يريد مبلغ مالي كبير و إلا يخبر إخوتها وينشر ما يملكه على صفحات الانترنت بل إنه يهددها برفع قضية عليها لأنها نسبت الطفل له في الخارج.

رغم كل ما تعلمه وما كان يمارسه طوال حياته من التحكم في ملامحه كي لا يظهر ما يفكر فيه عليه إلا أن الصدمة كانت واضحة على وجهه خصوصا أنه عدل جلسته ليقترب منها وقال شتيمة بلغة الأمازيغ لم تفهمها تدل على صدمته لتقول:
-ماذا قلت لم أفهم ؟
حاول تمالك نفسه ثم قال:
-ابنها ليس من أيوب؟
ردت بحدة :
-قلت أنك لن تحكم ثم أن القصة كبيرة ومعقدة عليك فقط أن تتأكد بأنها لم تخطئ أعني الأمر ليس كما يبدو عليه نادر الذي يهددها كان زوجها شرعا صحيح لم يعرف أحد و لم يتم إشهار عقد القران كما أنه طلقها قبل الفرح لكن
قاطعها بصرامة:
-معك حق ليس من حقي أن أحكم ولا أريد معرفة التفاصيل والآن كم هو المبلغ والمدة المتاحة وكيف يريدها أن تسلمها له.
تنفست الصعداء و أخبرته بما يريده ليصمت بعدها فقالت ببعض التردد:
-هناك شخص عنده خطة للإيقاع بنادر، أعني نادر لا يشبع ويمكن أن يطلب منها المال مرة أخرى أو ينشر الصور.
بعث رسالة على هاتفه ثم قال:
-أولا هو لا يملك صور أو فيديوهات من الأساس وإلا كان نشرها بدلا من إعطائها مدة أخرى بعد أن تأخرت في الدفع، الواضح أنه شخص نرجسي يريد التحكم بها وإظهار قوته لا غير، ثانيا لابد أنه راقبها في الخارج ربما كان في زيارة عمل أو خلافه لا أعتقد أن الشوق ناداه كما أن الزيارة كانت محدودة لأنه لم يعرف طبيعة علاقتي بها بل تكهن فقط طبقا لشخصية فتنة نفسها توقع أن بينا علاقة رغم زواجها من أيوب وعندما وجدها غير مهتمة هددها بإخوتها دليل على يأسه ؛ كما قلت الأمر لن ينتهي عند الدفع له لذلك نحتاج لحل جذري.
ردت بسرعة :
-إذن لننفذ خطة آسر.


❈-❈-❈

تقرحت يدها لدرجة أن الماء العادي يشعرها باحتراق يديها لتنظر ليزيد قائلة:
-زيزو مارأيك في نزهة سريعة ؟
أعدك أن نلعب في الحديقة بعدها لكن عليك أولا أن تشرب الحليب كله.
قوس شفتيه للأسفل في حركة طفولية لايمكن مقاومتها بالإضافة لنظرة عينه الحزينة لتضحى المقاومة شبهه مستحيلة فنزلت على ركبتيها لتكون بمستواه وقالت:
-اسمع كي لا أكون ظالمة سوف أضيف بعض العسل لكن عليك شربه كله مفهوم .
رمش بعينيه الكبيرة لتعقد حاجبيها وتردف:
-لا تحاول هذا هو الموجود بالكاد أدبر الأمور الأساسية اصبر قليلا فقط لقد جهزت طلبيات اللصقة وقبضت نصف الثمن غدا آخذ الباقي عندها سوف أحضر لك تفاحا أعرف بأنك تحبه ما رأيك.
لم يفهم كلامها إلا أن نبرة الحماس جعلته يتحمس مثلها ليهلل مبتسما
ألبسته حذاءه وقالت:
-تعرف من حسن حظ حارث أنك صبي لو كنت فتاة بهذه العينين لجننت الكل.
أخذ يصفق و ينطق ببعض الحروف غير المفهومة والتي تعني أبي عند سماعه لاسم حارث فقالت بيأس :
-حسنا سوف أتحدث معه اليوم دعنا نذهب الآن .
مشت معه حتى وصلت لمكان تجمع المحلات حيث توجد الصيدلية تأكدت من المبلغ الذي معها فهي تعرف بأن الأسعار أغلى من العادي لكنها مضطرة خصوصا لو خصمت ثمن المواصلات والوقت ستجد أنها لن توفر شيئا ؛دخلت للصيدلية وقبل أن تطلب الدواء تفاجأت بفتاة تحتضنها بقوة حتى كادت أن تقع لتتمسك بيد يزيد بقوة الذي بدأ بالبكاء لتبتعد الفتاة التي لم تكن نهى!
باندهاش حقيقي قالت أشماس:
-نهى !!!
ماذا تفعلين هنا؟
-أمسكت بيدها
لتجلسها على الكرسي وقالت:
-أنا أعمل هنا هذه الصيدلية لي كما أن أهلي يسكنون هنا أيضا ،يا إلهي لا أصدق أني رأيتك كنت خائفة عليكم جدا حاولت الاتصال بكم دون فائدة ، خصوصا بعد سماعي لخبر وفاة والد أفطيم ،من هذا ابنك؟
أخبرتني أفطيم بأن أيوب خطبك ألف مبروك هل تزوجتما ؟
ردت مبتسمة :
-لا هذا ابن درصاف تذكرينها؟
هزت نهى رأسها بالإيجاب وأسرعت تجلب حلوى ليزيد لتقول أشماس:
-لا تعطيه كثيرا تصيبه بفرط حركة.
ردت عليها وهي تفتح الحلوى له:
-لا تخافي هذه ليست حلوى بل مرطب للحلق بطعم العسل لا يوجد بها الكثير من السكر ، هل تسكنين هنا؟
علينا أن نلتقي واعطني رقم أفطيم كي أتصل بها.
استقامت عندما لمحت شخصا يحدق بها من خارج الصيدلية فتجاهلته وقالت:
-كما انت لا تتوقفين عن الكلام أبدا ؛ أفطيم ستأتي قريبا أعتقد بنهاية الأسبوع سوف ترينها لأنني أسكن هنا والآن أريد مرهم الاكزيما الذي كنت آخذه من عندكم تذكرينه؟
ذهبت تحضره لها بينما أشماس تدعو بأن تكون مخطئة و أن الذي لمحته ليس من في بالها، أعطتها كيسا به عدة مراهم لتعيده لها قائلة :
-أريد واحد فقط كم سعرها كي أدفع.
أمسكت حقيبة يدها لتخرج المال فامسكت نهى يدها وقالت بلهجة الأولي :
-هل تريدين إهانتي عيب، خذي هذه وعندما تصل أفطيم هي من ستحاسبني .
لم تعرف بم ترد لتقوم الأخيرة بحضنها مرة أخرى بقوة وقالت:
-لا تغيبي عني أنا هنا كل يوم أهلي سيفرحون كثيرا أنكم هنا وبخير يجب أن نتحدث كثيرا.
تندت عيناها بالدموع وتبادلت معها أرقام الهواتف لتخرج من الصيدلية بإحساس مختلفة ، ربما لن يصدق أحد لكنها فعلا سعيدة برؤيتها لنهى، ليس لأنها ساعدتها فقط بل لأنها أعادتها لأيام لم تكن تحمل فيها هما، عندما كانت كل الأمور بخير .
قررت إمضاء بقية اليوم في الحديقة مع يزيد خصوصا عندما حضرت هالة وابنها الصغير (بلقاسم)أو قاسم كما تنادية هالة، رفضت أن تعود مع هالة في السيارة خصوصا بعد أن تأكدت من شكوكها حسنا لن تهرب منه بل عليها مواجهته.
اقترب يحضن يزيد لتعقد يدها وقالت:
-ماذا تريد بالضبط ؟
أخبرتك بأني أريد الطلاق لماذا تلحق بي ؟
ببرائة رد عليها وهو يقترب منها حتى غمرته رائحتها :
-اشتقت لابن أخي وجئت أروى شوقي هل أخطأت ؟
لم تهتم بنبرته العاشقة ولا بعينيه التي لم تطلق سراح عينيها لتقول ببرود :
-من ناحية الخطأ فلديك منها ما يبني جبالا؛ أخبر حارث بأني كنت أنوي إحضار يزيد له غدا بم أنك عرفت مكاني ليأت هو إذا كان يرد رؤيته.
أمسكت يد يزيد و ذهبت من أمامه ليسير خلفها دون رد لتسرع الخطى متوقعة أن يفعل المثل كي تصرخ بأنه يعاكسها أو يريد خطف يزيد ليتم ضربه أو الأسوأ كمنعه من دخول المجمع السكني، لكنه لم يفعل لتزيد المسافة بينهما وتسرع لدخول لعمارتها مطمئنة أنه لم يعرفها ،استنتجت بأنه كان يبحث عنها في المجمع و وجدها صدفة في الصيدلية ثم تبعها، حسنا هي تأخرت في رفع دعوى الطلاق لعدم وجود مال كافي معها لكنها سوف تتكلم مع حارث كي يجد لها حلا في حساب البنك وبعدها لن تنتظر ثانية أخرى بل ستفعل ما اقترحته عليها شيرين فورا.
لم تنم ليلتها ليس بسبب الكوابيس كالعادة ولا حتى الشوق للذين رحلوا دون وداع ملائم، قد تظهر للكل أنها قوية ولم يعد الأمر يؤثر عليها لا أحد يعلم بأنه يفعل وأن كل شيء بات مؤلما التقدم مؤلم و العودة للخلف كذلك مؤلمة أما الوقوف في نفس المكان هو أشد إيلاما لدرجة جمدت مشاعرها لتظهر للكل أنها قوية أو ربما باردة ، فعلت ما نصحها بها جدها سابقا وهو الصلاة وقراءة القرآن قد يكون الأمر مستهجنا للبعض لانه لايجلب حل جذري، لكنه يريحها كثيرا ويجعلها تتخطى بعض الألم بداخلها.

لا تدري متى أغلقت عينها صوت جرس الباب. هو ما جعلها تستيقظ مفزوعة لتبحث عن يزيد فتجده يلعب بالكرة الصغيرة في الصالة الشبه فارغة ، ارتدت إسدالها وفتحت الباب فوجدت رجلا مد لها فاتورة وقال:
-فاتورة الماء
نظرت له وردت بغباء:
-فاتورة ماذا؟
مدها لها الفاتورة وقال:
-الماء ستدفعين الآن أم تذهبين للشركة وتدفعين هناك؟
زاد استغرابها وقالت:
-لماذا أدفع فاتورة الماء هذه ؟
أعني هذه خدعة أم ماذا متي يدفع الناس ثمن الماء ألا يكفي ثمن الكهرباء والغاز؟
سحب شخص الفاتورة من يد المحصل ثم أخرج المال من محفظته ودفعه ثم قال:
-تفضل والآن أرنا جمال خطوتك
نظر له المحصل وقال:
-صبرنا يارب على عبيدك
لم يرد أيوب بل دخل لشقة أشماس و أغلق خلفه الباب بقوة لتقف أشماس أمامه معترضة طريقه وقالت:
-اخرج حالا وإلا صرخت
اكمل هو:
-وماذا؟
اقترب منها لتتراجع حتى التصق ظهرها بالجدار وتابع حديثه وهو يملأ عينيه بملامحها الناعسة :
-ماذا ستقولين زوجي دخل شقتي؟
أم زوجي دفع فاتورة الماء؟
كأنها تذكرت ماحدث لتقول بحدة وهي تدفعه بيدها ليبتعد عنها:
-هذه خطة من تدبيرك صح؟
لا يوجد شيء اسمه فاتورة ماء أصلا ؟
مد لها الفاتورة وقال:
-بلى يوجد حتى عندكم يوجد ألا تعرفين ذلك؟
لا يهمك أنا من سيهتم بهذه الأمور بعد الآن ، دعك من هذا حارث في طريقه إلى هنا مع سنان كنت في طريقي لإحضار الإفطار هل لديك شاى أم أجلب معي.
فتحت باب الشقة وأشارت له ليخرج قائلة:
-واضح أن لديك مشكلة في الفهم، سبق وأخبرتك بأني لا أريد رؤيتك لديك من تهتم بهم اذهب لهم ، والآن أرني جمال خطوتك أنت أيضا.
لم يرد عليها بل دخل للمطبخ لدقائق ثم خرج ليحمل يزيد ويخرج فأوقفته بيدها ليقول:
-قلت راجع حارث سوف يأتي ثم لا تخافي عليه أسكن بالشقة الملاصقة لك هنا خذي مفتاحها لو كنت غير متأكدة ، هيا أشماسي سخني الماء لن أتأخر .
حاولت جذب يزيد منه وهي تقول بغضب اشتعل في عينيها :
-اغرب عن وجهي لا أمزح معك لا تجعلني أصرخ بحق.
لم تستطع جذب يزيد خصوصا بعد أن بدأ في البكاء لتتركه فلعب لها أيوب حاجبيه وقال:
-الماء لا تنسيه أحب أن يكون الشاى ساخنا
لترد بغضب:
-الماء المغلي سأرميه على وجهك كي أزيل تلك الابتسامة السمجة.
أغلقت الباب خلفه بعنف وهي تشتاط غضبا ثم تذكرت بأن حارث في الطريق فأسرعت تنظف الشقة و غيرت ملابس النوم لأخرى مع الإبقاء على حجابها ، وصل أيوب مع حارث وسنان في نفس الوقت قد يكون ذلك من حسن حظها فقد كان حارث غاضبا جدا .
دخل شقتها وهو يحمل يزيد لتسرع سنان تدعي السلام عليها ولتهمس في أذنها :
-حاولي أن تصمتي فهو غاضب جدا.
جلست على الكرسي دون أن تهتم بالسلام عليه ، وضع أيوب بعض الأطباق فوق المائدة ثم نادى عليهم لكنها لم تتحرك من مكانها رغم محاولات سنان كي تلطف الأجواء بينهم ليجهز لها أيوب شطيرة ويضعها أمامها مع كوب وهو يقول:
-حليب و شاى كما تحبين المهم أن تأكلي لقد خسرت الكثير من وزنك، رغم أنه يعجبني أكثر لتكوني أخف .
نظرت له من أسفل جفنها بقرف ولم ترد ليقول حارث من مكانه وهو يطعم يزيد:
-لم أحسابك بعد على عملتك كيف تتركين المنزل دون إخبار أحد ؟
بل وتبيتين في شقة وحدك دون معرفتنا كأن لا أهل لك، لن أمررها لك هذه المرة
عقدت يديها وردت:
-وماذا ستفعل أكثر من الذي فعلته؟
لعلمك أنا لم أخدع أحد أو أتصرف من ورائكم بل أخبرتكم بأني لن أبقى معكم في نفس المكان خصوصا أنكم رفضتم تطليقي منه.
وأشارت لأيوب الذي حدج حارث بنظرة محذرة كي لا يتهور فقال الأخير :
-كل ما قلته لا يشفع لك فعلتك خصوصا أخذك ليزيد دون إبلاغي.
لتتدخل سنان قائلة:
-في الواقع أنا أخبرتها بأني لا أقدر على تحمل مسؤوليته كما أن درصاف أوصتها عليه يعني هي لم تخف الأمر أنت من سافرت دون إبلاغنا أم نسيت.
ضرب بقبضة يده على الطاولة ورد:
-تظنين بخروجنا من الوطن وموت جدي وأبي بأنه لم يعد هناك كبير يحكمك!
لقد صبرت عليك كثيرا و أنت تتمادى في كل مرة دون وضع أي اعتبار لي أو لخالي ولا حتى للنطع الذي يجلس بقربك على اعتبار بأنه زوجك .
وضع أيوب يده على جذعه وقال:
-أكرم الله أصلك.
ليتابع حارث دون الاهتمام بالرد عليه:
-هل كانت تجرؤ على ذلك لو كان أبي حي يرزق؟
ردت أشماس بانفعال:
-لو كان أخي جبريل حي لكان طلقني دون أن أطلبها ، لو كان جدي حي لنفذ طلبي حتى لو سامحه كما تدعون، لو كنا في الوطن لكنت اخترت أين أذهب ولا أجبرني أحد على البقاء مع خالي الذي باعني من أجل قريبة زوجته في نفس المكان ، لا تحاول إظهاري مثل اللواتي فرحن بالخروج من تحت عبائة العائلة ليفعلن ما يردن لم أكن يوما من ذلك النوع ولا أحتاج لزوج أو ابن أخ كي يحميني أو يحمي سمعتي أنت أكثر من يعرف ذلك ، لو على ابنك خذه معك ؛ شيء آخر كي لا تقولوا أني اتصرف من خلف ظهوركم سوف أرفع قضية خلع و أذهب مع أفطيم للخارج .

❈-❈-❈

بعد الظهر في شقة الحارث الملاصقة لشقة أشماس أنهى أيوب مكالمته مع المحامي ثم بحث عن حارث ليجده جالس في الشرفة يدخن فجلس بقربه وقال:
-اهدأ قليلا يكفي أنها أدخلتنا وتحدثت معنا صدقني هي تحبك جدا اعطها وقت من حقها الغضب، لا تنس كل ما مرت به .
رمي سيجارته وقال بغضب:
-ماذا عما مررت به أنا ؟
لماذا يظن الجميع أنه هين علي، صدقني أنا أتحمل أكثر من طاقتي وأتركها أيضا رغم أن ما تفعله يخالف كل تقاليدنا وما تعودنا عليه لأني أعرف جيدا بأنها تقاسي و تتألم كثيرا رغم ادعائها العكس لكن لكل شيء حدود وأشماس تجاوزتها كثيرا.
تركه ينهي سيجارته ثم قال:
-أشماس تختلف عنك بل عن الجميع، لقد كانت مدللة الجميع بمن فيهم خالك إبراهيم نفسه، هل نسيت أول مرة تأتي فيها شقته بعد أن غيرتها زوجته جيهان؟
ناهيك عن جدي عثمان رحمه الله، تعتقد بأن أشماس القديمة التي كانت تخشي ركوب الطائرة لثلاث ساعات وحدها هي نفسها التي تركتنا لتعيش وحدها وتعيل نفسها وطفل صغير؟
ألم تشاهد يديها المقترحة واضح جدا بأن الاكزيما عادت لها و إن كنت لا تعلم فإن العامل النفسي يؤثر كثيرا في المصابين بالاكزيما ، لم ترى شقتها الفارغ من الأثاث ؟
هي لم تطلب منا مال بل لم تطلب حتى أن نذهب معها للبنك من أجل مالها لهذه الدرجة هي مجروحة ؛ أعرف جيدا بأن الحمل ثقيل عليك لذلك أطلب منك أن تترك أمر أشماس لي أنا المتسبب الأكبر في ألمها وأنا من سأعالجه بأي طريقة.
لم يقتنع حارث فقال:
-ربما كان عليك أن تبتعد عنها أكثر كما نصحك خالي، واضح جدا أنها لم تعد تطيقك.
رد بسخرية:
-شكرا للتذكير ، لا طبعا هي في أشد الحاجة إلي الآن بالذات لو لم أتحملها من الذي سيتحملها، بما أني لا أقدر على أن أكون الصدر الذي تبكي عليه على الأقل أكون الإسفنجة التي تمتص غضبها؛ قصة دعوها لتهدأ هذه لا تصلح معها بل ستجعل مشاعرها تبرد وتتحول لرماد.

شعر بقلبه يتمزق وهو يتذكر شكلها المتعب و يدها المتقيحة ، ظل يراقبها عدة أيام قبل أن يظهر أمامها في الحديقة لا لشيء إلا كي يتأكد من أنها في حالة تسمح لها بالنظر في وجهه بعد ماحدث بينهما آخر مرة ، يعرف أن الطريق لقلبها من جديد ليس بالأمر الهين فكما سبق وفتحت له قلبها على مصراعيه قامت بإغلاق الآن بعدة ترابيس.

رأى سيارة كبيرة من التي تنقل الأثاث ركنت أمام العمارة ليقول لحارث:
-هيا بنا وصلت الطلبات.
توجها لشقة أشماس لتفتح سنان فدخل حارث بينما أيوب انتظر حضور العمال ليدخلوا أولا .
في غرفتها كانت أشماس تتحدث مع أفطيم لتقول الأخيرة :
-لا أصدق أنك قلتها ماذا لو أخذه فعلا؟
ردت عليها بعد أن حاولت استراق السمع لما يحدث خارجا:
-لأني متأكدة بأنه لا يستطيع تحمل مسؤوليته وحده، خصوصا وأن سنان قالت أمامه بأنها لا تقدر على يزيد، هو فقط أراد أن يلوي ذراعي به
أومأت أفطيم وقالت:
-لست سهلة يا ابنة عمتي المهم لقد تواصل عبد الخالق مع سفيان ليجد طريقة لإخراجه هذا ما جعلنا نؤخر سفرنا أعتقد بأنه توصل لحل عموما أنا ودرصاف سنصل هذا الأسبوع أما عبدالخالق سوف يذهب لسفيان ويأتيان معا.
تنبهت بأن العمال رحلوا لأن صوتهم اختفى لتقول:
-ممتاز دعيني أذهب لأرى ما حدث في الخارج .
أغلقت الهاتف وخرجت لتجد بأن الشقة تم تأثيثها بالكامل فشعرت بالغضب وبحثت عن حارث وأيوب لتجد الأخير في المطبخ يحمل كتيب تعليمات لتأخذه منه وتقول:
-من سمح لك بأن تجلب شيء لشقتي؟
منِ من طلبت المساعدة هذه المرة يا ترى ؟!!
أخذ منها الكتيب وتابع التقليب في صفحاته في برود وقال:
-في الحقيقة أنا لم أجلب شيئا هذا من مالك كما أني لم اختر شيئا أعتقد حارث أو ربما سنان اختارت يمكنك سؤالهما أنا فقط جلبت غسالة الأطباق كي أجد كوب نظيف للشاى متأكد بأنك لن تغسلي لي كوبي صح
عادت تبعد الكتيب من يده كقطة شرسة وهي تقول:
-من أخبرك أنك ستشرب شاى هنا أصلا ؟
خذ أشيائك و اخرج حالا.
ارتسمت ابتسامة شريرة على وجهه ثم مال يضع يديه أسفل ركبتيها ليحملها فجأة، أخذت تقاومه وتضرب صدره قائلة :
-ابتعد عني حااااارث
أسرع حارث لها مع سنان ليشاهدا المنظر الغريب ، كان أيوب يحملها وهي تحاول النزول لينزلها و هو يقول :
-ماذا هي قالت خذه أشيائك !!!
حدجه بنظرة غاضبة ورد:
-تعال يا خفيف هادي اتصل بي.
تبعه أيوب للصالة فقال حارث غير واع لأشماس التي أتت خلفهم:
-لقد طلب مني المساعدة قال أن الأمر يخص فتنة لم أعرف ماذا لكننا
قاطعه أيوب:
-لا دخل لي بأمرها سبق وطلبت مني لكنني رفضت ثم ما الذي جمع بين فتنة هادي؟
لتقول أشماس التي تقف خلفه مباشرة:
-لأن الذباب ينجذب للقمامة دئما واضح أنكما نفس الذوق
اقتربت منها سنان تقول:
-أعتقد بأنك تهينين نفسك معها.
ضربتها بمرفقها دون أن يراها احد ثم عقدت يديها أسفل صدرها وقالت موجهة حديثها لحارث:
-من طلب منك المساعدة ؟
خذ أثاثك حالا لا أريد منك شيئا.
جلس واضعا قدم فوق الأخرى وقال بتحد :
-سنان ذكريني من كان ينادي علي كي أنقذه منذ قليل؟
أشاحت بوجهها فأخذ الكرة من ابنه وضربها تجاهها قائلا:
جوووول

❈-❈-❈

رغم أنه لم يكن يريد إدخال أطراف أخرى في الموضوع لكنه اضطر للاتفاق مع آسر عندما رفض أيوب مساعدته ، حاول حارث تجميل الأمر و التدخل هو لكنه لم يخبره بما يريده منه إذا كان أيوب رفض من الطبيعي أن يفعل حارث المثل.
الخطة كانت بسيطة ظاهريا معقدة جدا في التنفيذ لكنها الطريقة الوحيدة كي يضمنوا سكوته ويأخذوا حقها في نفس الوقت؛ لو كان الأمر بيده لأوسعه ضربا ورماه لكلاب الشوارع تنهش لحمه، لكنه أولا ليس في بلده كي يفعلها دون الالتفات لعواقب ذلك، كما أن سمعة فتنة على المحك وهو لن يجازف بسمعة أي امرأة حتى لو كانت خاطئة!
رن هاتفه برقم آسر الذي قال فور رد هادي عليه:
-تم وضع الأوراق في مكانها و تجهيز الشهود عليك بالباقي .
رد هادي وهو ينهي نشر بعض الوثائق بأكثر من لغة :
-أنهيت الجزء الأول منذ البارحة أنا في انتظاره لا تنس أن ترسل فرقة التشريفات عند منزل والدته .
ابتسم آسر ينظر للينا وقال:
-في انتظاره مع كاميرات التصوير كما يحب هو.
أغلق هاتفه لتقول لينا:
-أريد أن أعرف أمرين ، أولا لماذا اخترت سامح وثانيا كيف أحضرت تلك الأوراق بل و وضعتها في خزانة مكتبه في العيادة.
نظر لها بعشق لم يهتم بإخفائه كالسابق أخيرا لينا عادت لتبقى معه ليمسك يدها ويقبل باطنها ثم رد:
-تعرفين ماهو المشترك بين سامح و نادر؟
غير أنهما أنذال طبعا، واعتادا العيش على قفا النساء.
حركت مقلتيها لليمن و اليسار ثم هزت رأسها ليجيب هو:
-الاثنان جاءا لمكتبي ليهدانني بأمي .
رددت بغير فهم:
-يهددناك بأمك ؟
ماذا تعني ؟
ضغط على يدها و قال متهربا من الإجابة الحقيقية :
-تعرفين كوني ابن راقصة ؛ لكنهما نسيا ماذا يمكن أن يفعل ابن الراقصة عندما يتم الضغط عليه و معايرته بأمه.
لاحضت تغير نبرته وظهور الغضب في عينيه لتقول بسرعة:
-آسر عليك أن تنسى الماضي لا يحق لك محاكمة والدتك رحمها الله على أمر حدث قبل ولادتك، لقد اعتزلت و أصبحت زوجة محترمة وأم ، هذا يكفي كي تفخر بها الكثيرات فضلن الشهرة على الزواج والإنجاب ، صدقني لا يعرف نعمة الأم إلا من حرم منها.
حضن وجهها بيديه وقال:
-كل يوم أتأكد بأن حبي لك لم يكن من فراغ أبدا .
صوت فتح الباب جعلها تتراجع في حرج وفعل هو نفس الشيء مع التفات ليرى من دخل عليهما فوجدها سوزي التي تفاجأت بوجود لينا لتقول بابتسامتها الدائمة :
-أهلا أنت فتاة الدار صح؟
لم تنتظر إجابتها بل التفتت لآسر وقالت في حنق:
-أين كنت أتصل بك منذ البارحة علينا البدء في التحضير لحفل الزفاف أبي قرر أن يكون قبل نهاية السنة .



وصل نادر في موعده ليجد هادي ينتظره في بهو الفندق ليجلس أمامه في غرور واضح واضعا ساق فوق الأخرى وقال:
-أنا نادر رغم أني متأكد بأن فتنة أخبرتك عني وإلا ما اتصلت بي، كي تعرف غلاوتها قمت بتأخير موعد التسلم مرتين والآن أين المال؟
أخذ هادي يلوك العلكة في فمه بدلا من ضربه ، تقنية تعلمها بعد استقراره في أروبا فهناك لا يستطيع حل الأمور بالذراع مثل الوطن لذلك عليه تفريغ غضبه في شيء آخر ، في العادة يكون الرياضة إلا وقت إجراءه للقاءات الصحفية المستفزة مثل هذا اللقاء
ليقول بعدها:
-تتوقع أن أحمل في يدي هذا المبلغ مع أحوال البلد الأمنية ؟!
اعطني رقم حسابك سوف أحول لك المبلغ لكن علي أولا أن أتأكد بأنه لا توجد نسخة أخرى .
ابتسامة عابثة ارتسمت على شفتيه وقال:
-لا تقل لي بأنك تريد الزواج منها؟
أعني أعرف بأنها مثيرة جدا خصوصا بعد الإنجاب لكن أن تسلم اسمك لفتاة مثلها معقول؟!!
خصوصا أني أعرف جيدا بأنكم بلد محافظ ، ربما مرافقتها فهي لن تخسر شيئا وأنت لن تبخل عليها بالطبع.
شعور بالغثيان اعتراه لدرجة أنه كاد أن يتقيأ فعلا ليبصق العلكة من فمه ، لا يذكر أنه تحدث مع أحد بهذه الدناءة يوما حسنا آسر معه حق يستحق أسوأ من ذلك.
مد له أجندة صغيرة و قال:
-رقم حسابك من فضلك ليس لدي وقت .
كتب رقم و استقام قائلا:
-غدا صباحا سوف أتأكد من حسابي وهذه المرة لن أتأخر في نشر الفيديوهات ، غمز بعينه متابعا:
-متأكد أنها ستعجبك.
أرسل رسالة لآسر يعلمه بأنه خرج من عنده مع صوره لرقم حسابه الذي أعطاه له .
انتهت الآن مهمته وماعليه سوى الانتظار .
رغم أنه لم يعد يسكن مع والدته بعد زواجها فقد استقل بشقة اشتراها بمال فتنة كما أشترى شقة أخرى قرر أن تكون عيادة له وبدأ فعلا في تجهيزها الأمر الذي اخذ معظم المال الذي أستولى علية من فتنة لكن الشقة سرقت بالكامل لذلك عندما رأي فتنة مع هادي عدة مرات وربط بينهما فكر في استغلالها خصوصا أنه عرف بغنى هادي ونظراته لها التي بدت له عاشقة، الخطة سهلة يستعيد بها سيطرته على فتنة الأمر الذي دائما يبث فيه نشوى غير طبيعية لم ينلها منذ فترة و يكسب مال ينهي به عيادته، صحيح أنه لم يعد يمتلك تلك الأفلام بسبب غباء أمه التي أعطت الأصول لعمتها لكن تهديده بفضحها أمام إخوتها أتى بنتيجة أو ربما ذكر اسم هادي ؟
لا يهم المهم أنه نجح وغدا سيعود مليونيرا.
ركن سيارته أمام عمارة والدته وصعد لها رن الجرس عدة مرات لكنه التفت ليعود أدراجه فوجد الشرطة أمامه وأحدهم يقول:
-أنت نادر مأمون ؟
رد نادر:
-نعم أنا هو هل حدث شيء لأمي ؟
أخرج الأصفاد وكبله بها قائلا:
-مقبوض عليك دع أمك تحضر لك محامي فالتهم كثيرة.
في النيابة صرخ نادر بأمه :
-ماذا تعنين بأنك لن تدفعي الكفالة هل سأبقى هنا أربعة وعشرون يوما
ردت صافيناز بملامحها البلاستيكية:
-ليس لدي نصف مليون كاش، ثم هل تعرف كمية التهم المتورط بها؟
كيف عملت في هذا المجال أعرف بأن مرض أختك جعلك مهووس بنقل الأعضاء لكن أن يصل الأمر لبيعها غير التورط في عمليات إجهاض وللقاصرات أيضا !!!
لا أصدق سمعتنا أصبحت في الحضيض لقد منعوا دخولي للنادي ولا أحد يتواصل معي، صفحات الانترنت وبرامج التوك شو التي لا تتوقف عن الحديث عنك يا إلهي فضحنا في كل مكان .
تدخل المحامي الخاص به قائلا:
-دكتور نادر المشكلة تكمن في الشهود الذين ظهروا ضد الدكتور سامح وهم كثير جدا البعض منهم أكد وجودك معه وأعطى تواريخ محددة كما أن حسابك البنكي يؤكد ذلك لقد دخل لك مبالغ كثيرة آخرها قبل إلقاء القبض عليك لو تخبرنا فقط من أين لك بهذه المبالغ قد نستطيع التخفيف من الحكم.
لم يجب كيف يجيب على ذلك الاعتراف يعتبر جريمة أخرى لن تخرجه من هذه بل ستؤكد بأنه لا أخلاق له لقد قضى عليه.

❈-❈-❈

وصلت أفطيم ودرصاف ليجدا سنان و أيوب في الانتظار لم يكن سلاما حارا بل كان بكاء حارا خصوصا بين درصاف و سنان التي أصرت على كلامها أن رؤوف حي يرزق، لحسن الحظ لم تكن المسافة طويلة من المطار للحي الجديد الذي يسكن فيه حارث وأشماس ليقول أيوب:
-أشماس ترفض الركوب معي أعتقد بأنكن تعرفن السبب و حارث لم يشأ تركها وحدها.
لتقول درصاف:
-لماذا لم تحضروا يزيد، أريد أن أراه هل يعرفني؟
تبادل أيوب و سنان نظرات سريعة ليقول الأول :
-ابنك أصبح كازانوفا الحي تعرفين بأن جميع الفتيات وقعن في حبه؟
موعد نزوله للعب في الحديقة أصبح موعدا مقدسا لجميع بنات الجيران بغض النظر عن أعمارهن القرد يتفنن في سلب عقولهن خصوصا بعينه الكبيرة و رموشه الملوية التي تشبه عيني أشماش.
مالت درصاف للأمام وقالت:
-لا تقل عن ابني قرد.
ركن سيارته أمام العمارة وقال:
-عادت أمه و بدأنا في تلقي الأوامر كأنه لا يكفينا أشماس و سنان.
لم تهتم بالرد عليه بل نزلت بقلب يرفف فرحا وخوفا، خوف من ردة فعل طفل لم يرها أبدا كيف سيتعامل معها ؟
هل سيرفضها؟
ربما سينفر منها كما فعلت هي معه في الأول ؟
ربما هو يكرها من الأساس !!
وأما الخوف الأكبر الذي تحاول تجنب التفكير به هو ذلك الذي يقف أمامها الآن ينظر لها بعينين لا تحملان العشق الذي طالما كانتا تحملانه لها!
أجلت حلقها و اقتربت بقدمين ترتعشان فأسرعت أشماس ناحيتها تحتضنها بقوة لتبدأ في البكاء معها وهي تقول:
-سالم مات في القصف حتي فتحية وجبريل تصدقين لم أرى أحدا منهم قبلها كنت أحبس نفسي غاضبة دون أن أودعهم حتى ، أمي ماتت دون أن أعتذر منها أمي ، حاولت الحديث معي وأنا لم أرد عليها وقتها.
تعالى صوت نحيبها ليجذبها حارث من بين ذراعي درصاف و أدخلها لشقتها لتكمل بكائها في الداخل لكنه لم يتركها بل احتصنها حتى بدأت تهدأ ثم دخلت لتغسل وجهها.
دخلت درصاف وسنان و أفطيم لتجلس الأخيرة تمسح دموعها بينما خرج يزيد من الغرفة يراقب من الزوار الجدد ، تجمدت درصاف عندما رأته ولم تعرف ماذا تفعل فقالت سنان:
-زيزو تعال أمك هنا.
تنقل بين الوجوه ثم نظر لحارث كأنه يسأله عن من تعني عمته الأمر الذي أوجع قلب درصاف التي اقترب منه أكثر وفتحت يدها كي يأتيها لكنه لم يتحرك فقط ابتسم لها ثم جرى ناحية أشماس التي خرجت من الحمام لتحمله و تعطيه لدرصاف ، كادت الأخيرة أن توقعه من المفاجأة لكنها تمالكت نفسها لتضمه لها وتشتم رائحته على مهل ليضحك عندما مررت أنفها أسفل أذنه ، لم تكن ضحكة عادية شعرت بأنها تسمع أبواب السماء تفتح لينزل الله عليها رحمته لم تلاحظ ذهاب حارث ولا حتى سنان التي وقفت تلتقط الصور لهما ولم تسمع حديث أشماس و أفطيم حتى عندما نادا عليها كانت غارقة في عالم آخر ، عالم ليست خبيرة فيه ولا متحكمة بزمام الأمر بل تحاول الحبو لتلحق بالركب رغم صعوبة الطريق .
لم يكن الأمر سهلا ويزيد لم يسهله عليها فهو رغم لطافته و تعوده على الغرباء نوعا ما لكنه لم يمضِ معها سوى أقل من ساعة ومل ذاهبا لأشماس التي حاولت أن تعيده لأمه دون جدوي ليبدأ في الصراخ بحثا عن والده فأخذته سنان لشقته.
ربتت أفطيم عليها قائلة:
-لقد أخبرنا الطبيب بأن الأمر لن يكون سهلا، وتوقع رفض يزيد الكامل لك لكنه لم يفعل لحسن الحظ، لا تحزني البداية مبشرة عليك فقط المثابرة .
حاولت اغتصاب ابتسامة وقالت:
-أنا نفسي لم أتوقع أن يتقبلني ، هل رأيت كم هو جميل أحلى من الصور بكثير لا أصدق بأنه أصبح يمشي ويجري لقد فاتني الكثير .
سحبتها أشماس لتجلس على طاولة الطعام وقالت:
-ستعوضي كل شيء خصوصا تغيير الحفاضات صدقيني هذا أمر لن تأسفي أنك فوته أبدا .
باشمئزاز قالت سنان:
-أقرفتني كيف سآكل الآن .
بتجيبها أشماس :
-ومن قال أنك ستأكلين ؟
خذي الأواني التي في المطبخ لحارث وكلي معهم هيا هنا حديث للكبار فقط.
حركت الكرسي بغضب لتقول بعد أن اقتربت من الباب تحمل بيدها حقيبة قماش كبيرة بها الأواني :
-قلتي الطعام لحارث إذن لماذا الجمع في كلمة معهم؟
أليس أيوب محروم من طعامك أم أن القلب هو الذي تحدث هنا؟
أمسكت بقنينة ماء بلاستيكية وقالت:
-منذ متي وأنت تجيدين النحو؟
أعني حارث و يزيد يا خفيفة هو ليس في المنزل أصلا ، اذهبي الآن وإلا جعلت هذه وحركت يدها الممسكة بالقنينة
تريك الطريق.
مطت شفتيها وذهبت لشقة حارث.
مرة عدة ايام و قد لاحظت درصاف بأن الجميع يدور حول الموضوع دون أن يدخل به مباشرة حتى أشماس المعروف عنها المواجهة لم تحاول سؤالها مباشرة أو حتى لومها بل هي تحاول بعد انهيارها عند رؤيتها أن تتجنب الحديث عن الواقعة لتقول هي:
-أعرف بأنكم تعرفون.
أغمضت أشماس عينها بقوة لتقول أفطيم:
-لم نرتح من عناء السفر بعد ثم هناك الكثير لنتحدث دعينا نتاقلم اولا ثم نتكلم في ماتريدن

وقفت وقالت بعناد :
لا لن أنتظر ، حارث لم يسلم علي حتى الان ولم يسألني سؤالا واحدا كما أن سنان وأشماس عينهما تلومني دون النطق بذلك.
فتحت أشماس فمها لتتكلم لكن حارث الذي دخل يحمل يزيد نائما بين يده سبقها:
-أمك قتلت أمي
هذا ما تريدين سماعه صحيح ؟
لكنه هذا ليس سبب نفوري منك ولا عدم رغبتي في الحديث معك أمر أمك سيحل وحده عرفت بأنها قادمة هنا تريد عنوان سفيان منا ربما ستبلغ عنا كي تأخذ مبلغا محترما
بحدة قالت أشماس:
-حارث
هات يزيد و غدا نتحدث
نظر لابنه وقال:
-بالمناسبة كنت أنتظر قدومك لأخبرك بشئ مهم للغاية في الواقع هو قرار اتخذته منذ فترة طويلة لكن تعرفين أنا متخلف إتبع عادات قبيلتي فكان علي أن أنتظر وصولك لأقولها في وجهك.
هربت الدماء من وجه درصاف ليضع هو يزيد ويتابع:
-سافرت دون أخذ إذني لبلد أجنبى ودون وجود محرم معك ، بعد أن سرقت مالي وأعطيته لأمك لتعيشي سنة كاملة وحدك في مكان لا أعلم عنه شيئا ولا أعلم عن الناس الذين بداخله شيء ، خلعت غطاء رأسك وتجولت براحتك بعد أن رميت ابني لي بحجة أنك مريضة، وكنت قبلها قد أذقتني ويلات من قلة احترام لتحكمات والدتك لغرور وتكبر لا أعرف سره ، أنت الآن مع بنات عمك هذا إن كنت تريدين اعتبارهن كذلك حيث أن اسم القبيلة يصيبك بقرف حسب علمي؛ وأنا مسؤول عن توفير مسكن لك ومصروف هنا حتى يأتي سفيان غيرها لا.
بصوت مرتعش وقد تنبأت بالقادمقالت سنان:
-ماذا هذا الكلام حارث هذا ليس وقت العتاب ثم ماذا تعني به أصلا ؟ رفع حاجبيه و أنزلمها قائلا:
-ومتي كان الوقت مناسبا ؟
عندما خطبت لخالد الذي دبر قضية لخالك تمنعه من دخول الوطن ، أم عندما فرضت علي ترك عملي والسفر معها لمتابعة دراستها لتهينني بإدخال غريب للبيب وبعدها تتهمني بأني متخلف؟
أم ربما عندما جعلت أمها تستلذ إهانتي والتكبر علي مستغلة تربيتي و أني لن أرد عليها الإهانة ؟
طرقع أصابعه ليقول:
-الآن تذكرت عندما تركت ابنها وهربت بمالي صح؟
قاطعته أشماس وهي تحاول جره ليخرج من الشقة :
-أنت تكرر نفس الكلام واضح بأنك حفظته اذهب الآن لشقتك من فضلك
دفعها ورد:
-معك حق التكرار لن يفيد بشيء خصوصا مع شخص مثلها لا يملك إحساس ،
درصاف أنت طالق.

يتبع




 سيل جارف  الجزء الاول من سلسلة الحب والحربحيث تعيش القصص. اكتشف الآن