~ الفصل العاشر ~
أقتطف لهذا الفصل بتلات من بستان كاتب هادئ ..
{ رشاد حسن }{ أيها الغائبون:
الراحلون منا بلا رجعة؛؛
الذاهبون صوبَ الذكريات؛؛
الذين أعطيناهم الكثيرّ منا ومن أسرارنا، وروائحنا، وصارحناهُم بأسمائِنا !
السارحون بذكرانا معهم حيث يكونون؛؛
والجالسون فينا طويلاً دون أن يشعروا بمدى اليأس الذي يتركونه خلفهم !
المهدونَ لنا ليال ثريّة نعيشُها وحيدين!
المهتمون بتفاصيلِ حياتهم ؛؛
والغير عابئينَ بما يلقونه في حياتنا من عقبات؛؛
لقد أخلفتُم موعدكُم، ورحلتُم من دون استئذان وتركتم صدورنا مفتوحة، وانشغلتم عن إغلاقها؛؛
ونسيتم أن تمسحوا معكم:أثر خُطى أقدامكم ..! }
خيبة أولى ..~
{ لو كُنا نعرفُ أنكُم سَ تنسوننا ؛؛
هكذا مثل يومٍ راح !
لما انتظرناكم كثيرًا حتى الصباح ؛؛
فالليالي التي سهرناها وحيدين ؛؛
اليُوم تطلب منّا أن نُعيد إليها مناماتها ؛؛
ولَمّا وعدناكُم بِلقاء قريب !
لأننا نعرفُ أنكم لن تحضروه ؛؛
ولَخُّنا أنفسنا معكُم ؛؛
ثم رحلنا قبل أن ترحلوا ..! }أتعرفون ذاك القلب الذي كثيرا ما يعفو عن أخطاءهم ويغفر زلاّتهم ويسامح خذلانهم، فقط من أجلهم، ولأنّه أحبّهم بصدق دون حسابات وقيود .. إنتظر منهم قليلا من الصدق والوفاء، ليكون الغدر والخذلان هداياهم ..
هنا يقف ذاك القلب حائرا لما أنا ؟ ولما هم ؟ أنا من تنازل من أجلهم .. وهم من تنازلوا عنّي ..
هنا يعلن ذاك القلب عصيانه أمام نزفه، يرفض تطييب جرحه، يتركه يكبر، يكبر حتى ماعاد للإحساس طريق .. مات الألم ومات الشعور وقبلهم مات القلب ..!غرفة مظلمة سوى من إضاءة خفيفة آتية من أباجورة المكتب الصغيرة، ملفّات متراكمة ومتراصة فوق المكتب تبرز مدى إنشغال صاحبته .. أربع فناجين قهوة فارغة موضوعة عليه بإهمال، بجانبها أقلام كثيرة بعضها لازالت بغطائها والباقي دونه، متمرّدة تلوم صاحبتها التي ما إن تمسكها حتّى تخطّ بها بكلّ الغضب الذي تحمله روحها المتعبة.. فتنتفض تلك الأقلام بين يديها تشاركها ألمها الصامت .. ساعة الحائط تدقّ الثامنة مساءا، دقّات متتالية لاتتوقّف، كأنّها تخبر الجالسة أما حان موعد مغادرتكِ ..؟
غير آبهة بها، غائبة عمّا تفعله، تكتب التقرير وتعيد محوه ثمّ تعيد كتابته من جديد، لتمحوه أيضا.. ثمّ تقرّر أخيرا طوي الورقة ورميها بعيدا حيث سلّة المهملات، لتلتحق بسابقاتها سيئات الحظّ الاّتي رمت بهنّ بنفس الغضب الذي تمسكِ به القلم ..
ترفع رأسها حينما تصل إلى أذنيها زفرة إستهجان من أحدهم.. تقع عيناها على الظلّ الذي يطلّ عليها، يملابسه الرسميّة، وشعره الأشعث قليلا.. نظّاراته تزيّن وجهه لتضفي عليه هالة من الوقار.. بقامته الطويلة، تراه يقترب إليها وعلامات الدهشة تغزو محياه.. تسمعه يسأل بكثير منها..