~ الفصل الثاني والعشرون ~
أوّل دقّة ..~
{ بِـ المساءَ هناك حيثُ السماءِ الثامنَة
رقصَاتُ تائهة بينَ ثنَايَا العقَل والذَاكرة
همسَاتٌ مفتِنة .. وانحناءَاتُ فاتِنٓة ..
أرتدِي ثوبًا أسودًا .. وأضعُ أحمرَ شفاهِ باهتُ ..
وأذهُب إليه كِ طفلةٓ المَاءِ ..دثرنِي بِـ إحساسِكَ الصامِتْ ..
ِ فِـ المساءَ نشتهِييْ من العنِب عنقود ..
ونصنع من التفاح مزيجا ..
ونضع قليلاً من العُود ..
َ فِ المساء لاندرِككً أي فكِر ،، ونهرُب خوفًا من الضجَرْ وفِ المساءٓ ..
النجمُ والقمٓرُ شهُودٍ عيٓان ... عـ خزعبلآت مجنُونَهُ بهَا لهفةُ وشوقُ وحنَان ..
ويصيبَ قلوبِناا الرانَ .. نرقُص بجنُون .. ونضحٓكُ ب عنفوانٓ ..
ونصنعُ باقة من الياسمِين والجورِي والريحٓانٓ ..
ٓ فِ المساء حكايٓات تسرٓد ع أريكٓة اللِقَاء..
ف نفس المكانٓ والزمَان
حكايٓاتَ إغتِراب وبعاد وشوقُ وبعثٓرةَ أحاسِيس وشهقةُ أنفاسِ وإحتواء وأمٓان .. }خارج زمن بعدد دقّات القلوب ..~ّ
{ فلا شى يؤلمني كموت الحكايات النقية !
لاشىء يؤلمني كــ ( شنق ) الاحلام الطاهرة بمشنقة الغرور !
فكم أشبعنا الغرور موتاً !
وكم اشبعناه سمعا وطاعه !
كم أشبعتنا الكبرياء شنقاً وحرقاً وخذلاناَ .. وانكساراً !
وكم أشبعناها سمعاً .. وطاعة !! }مكتّف يديه، مكتفٍ بمراقبة كلّ والج إلى الغرفة ومغادرٍ لها .. لا يُخاطب أحدا ولا أحد يُخاطبه .. قاطع الجميع بمن فيهم أخته التي لا ذنب لها حينما قابل عناقها الفرح بالخبر بجفاء صاقع .. مغتاض وغاضب من التهميش الذي تعرّض له .. لا يُعقل أن لا يعلم بالخبر منذ البداية ..
ما الذي يبقيه في المشفى رغم غضبه ؟
سؤال سمع إيساف تهمس به لـ عماد .. ليهزّ الأخير كتفيه غير عالمٍ بالسبب .. هو ذاته لا يعلم لما ظلّ هنا .. يسأل عن حالها في غفلة من الجميع .. يطمئنّ على أخبارها من تلك الممرّضة التي ما إنفكّت تتفقّده بين فينة وأخرى .. الوحيدة التي يكلّمها وتكلّمه ..
يلمح حماته تخرج من الغرفة، تلفّ وجهها بوشاحها كأنّ بها تخبّئ دموعا تساقطت سهوا .. بخطواتها المترنّحة تقترب نحوه لترتمي على كرسيّ بجانبه .. تصله أنفاسها المتقطّعة وتمتماتها المتتالية " يا رب اِحميهما .. يا رب .. " .. يأمّن من وراءها في داخله .. مواصلا تكتيف يديه والتجوّل بعينيه بين أروقة المشفى .. كان يهمّ بالإقتراب منها،لرفع معنوياتها التي تأثّرت نتيجة فجئيّة الخبر الذي أوصله لهما هاتفيا دون مراعاة لمشاعرهما .. ليتوقّف حينما لمح أخاه يساند عمّه عائدين من جامع قريب أقاما فيه صلاة العصر .. وجهه المحيط بنور محبّب كان هزيلا ومتعبا .. يتمعّن في خطواته المتعرّجة، لينتبه لأمر لم يتفطّن له البارحة وهو يهجم عليهم بصراخاته اللائمة .. عودة حماه للمشي وإن لم يكن بصفة طبيعيّة لكنّه على الأقلّ تخلّى عن كرسيّه المتحرّك .. يشعر بإختناق يكبس على أنفاسه، لا يعلم لما يتمنّى أن يظلّ عمّه على كرسيّه عاجزا ..؟ بل يعلم .. يعلم كلّ العلم أنّ أنانيته الساحقة هي من تجعله يتمنّى عجزه أن يستمرّ ربّما لشهور أخرى وبعدها له أن يعود معافى .. فقط من أجلها .. فهو يعي تماما سبب عودتها .. عمّه في غمرة الفقد خاف الموت .. ليس خوفا من المصير الذي ينتظره بعد أن يتوارى وراء التراب فمصيره ذاك لـ رحمة الله أمل .. لكن خوفه من مصيرهما بعده .. سما أضعف من أن تجابه قسوة الحياة تحتاج لـ سند وفي يوم من الأيّام كان والدها سندها ثمّ إنتقلت إليه .. وهنا تشتعل الأنانيّة في صدره لتدفعه للهمس " أرجو أن لا يتعافى الآن وأن يتعافى لاحقا .. يا رب لا أريد له الأذيّة " .. فإن تعافى لن تعود سما إليه .. على يقين بأنّها لن تعود إن رأت بادرة أمل في عودة والدها لسلامة جسمه وقدرته على المشي والنهي والحماية .. رجولته لن تسمح له بترجّيها العودة مرّة ثانية .. يهزأ من نفسه " متى كانت المرّة الأولى حتّى تكون الثانية .. " فحتّى عودتها السابقة لم يتأسّف، لم يعتذر .. كان مكتفيا بإعتذاره الذي نطقته شفتاه أمام عمّه خوفا من فقدانها .. لكن معها تتغلّب كرامة رجولته على قلبه الصامت .. حينما جلسا سويّا في بيت والدها لحظات قبل مغادرتهما، ظلاّ صامتين، تُعاتبه بنظراتها ويغازلها بغروره .. الرحلة غيّرت شيئا فيه، جعلته أكثر قبولا للتخلّي عن غروره الرجوليّ، وعن بروده السابق لكن هذا الخبر أحيا مازن القديم في داخله .. الغضب يضرم ناره لتلتهم كلّ تفاصيله الجديدة .. وتتضخّم داخله أنانيته .. " هي لي .. وعدم إخباري بالأمر لن يمرّ دون عقاب .. " ..
" مساء الخير .. " تحيّة أخيه الهادئة تلقّت جوابا فوريّا من حماته التي وقفت تساعد زوجها الجلوس على كرسيّ غير مريح له .. " مساء الخير بنيّ .. " .. غيرة أخرى تشتعل بين ثنايا جسمه، فلطالما حضي عماد بحبّ الجميع .. كان الأقرب لـ حماته .. لم تتوانى على مناداته بـ بنيّ، ترى فيه التعويض لولد لم تهديه لها الأقدار، في حين صاحبت منادتها له بإسمه فقط .. وكأنّها ترفض أن تقرّبه أكثر من زوجٍ لـ اِبنتها .. ينفض أفكاره بعيدا ليدير رأسه متحاشيا النظر إليهم .. هذه المرّة غاضب من نفسه.. أفكاره تغيضه .. يشعر معها بأنّ عقله يصغر ويضيق كطفل لم يبلغ العاشرة من عمره ..