الفصل السابع عشر

268 4 0
                                    

~ الفصل السابع عشر ~


{ أعلم أنّه يحبّني :
لكنّي أيضا أعلم أنّه لا يفهمني ..

أعلم أنّه يخاف عليّ :
ولكنّه لا يحميني ..

أعلم بأنّه يفتقدني :
ولكن لا يبحث عنّي ..

وأعلم جيّدا بأنّي ضمن أشياءه :
ولكنّني لست أهمّها ...! }






رعشة إختناق ..~

{ كنتُ على حافّة النسيان ،،
ورأيتكَ صُدفة ..! }


يقف على حافة الشرفة، فاتحا النافذة لتتسلّل بعض من نسمات الفجر فتزعج ملامحه الجامدة، مضت ليالٍ دون أن يغمض له جفن، في البادئ كان خائفا حدّ الرعب أن يكون سببا في موت أحدهم فمابالكَ بأمانة تُرِكت في عُهدته ثمّ تحوّل ذاك الخوف إلى غضب لم يتوانى على إيصاله للجميع بمن فيهم الطبيب المتكفّل بحالتها حينما من يُزعجها، دون شفقة على حالها يهمس في قلبه " أتمنى لكِ أحلاما مزعجة لا تفارقكِ أبدا ". يواصل تمعّنه الصامت فيها، يرى تململها الواضح وهي تتمتم أشياء غير مفهومة من بين شفتيها المكتنزتين والمثيرتين رغم شحوبها، وترفع يديها في حالة دفاعيّة لتميلهما في إتّجهات متناثرة. يضغط بأصابعه على قبضة يده الملفوفة في ضماد، وهو يعيد بعضا من ذكريات الجامعة، لطالما كان جواد شخصا إجتماعيّا، يقصده كلّ طالب أو طالبة تعرّضوا لمشاكل ويحتاجون للنصح ويد المساعدة، وهو دون أن يملّ يوما، ظلّ المساند والمضحّي، ومن بين تلك المشاكل المتعدّدة اللواتي عالجها، إستغلال الطلاّب في توزيع المخدّرات والمنبّهات أو الخمور الغير مُرخّصة، وإستغلال الطالبات لحملات الدعاية الغير أخلاقيّة، فتنساق الفتاة وراء حُلم النجوميّة لتفتح عينيها بين أوكار الدعارة والمال الفاسد. يوم أن جاء حاملا أحلامه وطموحته، تصوّر بريطانيا البلد المتفتّح حيث الحضارة والعلم لهما المكانة العليا، حيث للقيم حدود لا يُسمح بتجاوزها وحيث للحلم طريق سالك، لكن الحقيقة دوما تأتي صادمة. فتح عينيه على الأحياء الفقيرة من لندن، فلا منحته الدراسيّة ولا المصروف الشهريّ الذي يرسله والده كان يسمح له بتأجير إحدى الشقق المتوسّطة في أحياء ليست راقية وإنّما مقبولة. شقّته كانت في عمارة جاذبة لكلّ مُغترب حالُه شبيه بحالِه، فسكنت في الشقّة التي أمامه طالبتين عربيتين وفي الشقّة التي فوقها طالب عربيّ مع صديقته الإنجليزيّة ذات الأصول العربيّة، لازال يتذكّر سخريّة ذاك الطالب الذي لا يدرس، فلم يُصادف يوما أن رءاه يحمل دفاتره أو أخبره أنّه متوجّه إلى الجامعة، حينما سأله عن حال زوجته، لتأتيه الإجابة في شكل ضحكة ساخرة، خضّت داخله الذي طالما كان صافيّا وشفّافا. تَيْنَكَ الفتاتين كانتا مقصد لكلّ روح تبحث عن اللذّة المحرّمة، لم يستطع منع نفسه من التهجّم عليهما يوم أن صادفهما أمام المدخل ليرمي كلاما كثيرا ما أمسكه على طرف لسانه فتكون الإجابة صادمة له، " أنتَ لا تعلم عن حالنا.. لا تغرّنّكَ الأمور .. الحياة تقسو ولا تملك معها غير مسايرتها " لم يتركهما يمرّان دون أن تُوضّحا معنى كلامهما لتخبراه عن ما آلت إليه بعثتهما، تعرّضتا لصفقة ماكرة ظنّتا فيها أنّهما ستغدوان إحدى الخامات الإعلاميّة فإذا بهما تقعان فريسة لنفوس مريضة وواصلتا طريقهما في الحرام خوفا من العودة إلى الوطن وأجسامهما تحمل فضيحة قد تودي بحياتهما. صُدم حينها، كانت الفطرة النقيّة هي ماتجعله يرى الأمور من زاوية سليمة، لم يعتقد أنّ القيم التي نشأت عليها الطالبات والقيم التي تشرّبها الطلاب قد تُمحى ما إن تطأ أقدامهم عتبات وطن غير وطنهم. كان من القلائل المكتفين بتحصيلهم العلمي، حينما يمزح أحدهم فيدعوه لحفلة لا تُنسى، ينظر إليه مشمئزّا دون أن يُكلّف نفسه تعب الردّ عليه، لتمتقع ملامح الآخر ويفرّ هاربا بجلده من معركة سيكون فيها الخاسر الأكبر أمام عضلاة خُلقت لتسحق. ينفخ متذمّرا، ليبتعد خطوات نحو الباب، يفتحه ليميل برأسه ذات اليمين وذات الشمال، علّه يلمح إحدى الممرّضات فيسألها فنجانا من القهوة، بعد أن أغلقت كافيتيريا المشفى أبوابها ما إن وصلت الساعة الواحدة وكُتب على اللّافتة أنّها تفتح حوالي الساعة السادسة، ينظر إلى ساعة معصمه، التي تشير xxxxبها إلى الخامسة والربع، يحتاج جدا لقهوة قد تزيح بعضا من مزاجه المتعكّر، يعود لغلق الباب بعد أن يأِس من رؤية ممرّضة نشيطة قد تتكرّم عليه بفنجان من القهوة السوداء المرّة. يبتسم لنفسه وهو يحدّد طلبه ونوعيّة القهوة التي يريدها في غياب من سيحضرها له. لكن مجرّد تفكيره فيها جعله يشعر بالإندريالين يرتفع عنذه، فتخرج إبتسامة خفيفة صادقة من بين شفتيه. لتخبأ ويحلّ محلّها التجهّم المخيف ما إن إستدار ووقعت عينيه على عينيها المفتوحتين والتي تخللّت فيهما نظرة خوف ورجاء.

أحبك مرتعشة الجزء الاول من سلسلة عجاف الهوى لكاتبة أمة اللهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن